من روائع سيد قطب -رحمه الله-

"وهذا الدين من الوضوح في هذا المعنى - ومن العمق والقوة كذلك - بحيث يبدو أن ليس هنالك أمل في نجاح أية محاولة لتصويره في صورة العقيدة الوجدانية المنعزلة عن واقع الحياة البشرية، والتي لا علاقة لها بتنظيمات الحياة الواقعية، وتشكيلاتها وأجهزتها العملية... أو العقيدة التي تعد الناس فردوس الآخرة إذا هم أدوا شعائرها وعباداتها، دون أن يحققوا – في واقع مجتمعهم – أنظمتها وشرائعها وأوضاعها المتميزة المتفردة الخاصة! فهذا الدين ليس هذا... ولم يكن هذا... ولا يمكن أن يكون هذا... ربما استطاعت أية نحلة في الأرض تزعم لنفسها أنها (دين) ويزعم لها أهلها أنها (دين) أن تكون كذلك! أما (هذا الدين) فلا... ثم لا... ثم لا".


أقول انه من رحمة الله ان جعل الاسلام دينا واقعيّا ذا عقيدة واقعية، فلا مجال للأوهام، و انما نجد حقائق تستريح لها النفوس و الفطرة و يقبلها العقل. هي عقيدة تبيّن انّ هذا الكون -باعتباره حقيقة واقعة مشاهَدَة- لم يخلق عبثا، بل هو دليل على حقيقة أكبر و أجلّ ، وهي أنّه من صنع ذات عظيمة تستحق أن تُعْبَدَ دون أن يُشرك بها، ذات رحيمة بعبادها متكفلة بأرزاقهم عليمة بأحوالهم رحيمة بضعفهم..فرسّخت مبدأ التوحيد و الايمان بالله الواحد.
كما أن هذه الحياة فيها الخير و الشرّ و تنتهي بالموت و البعث. هي عقيدة تقول انه ثمة حساب و جزاء و عقاب (هذا يتناسب مع طبع الانسان..الأخذ بالثأر) و حياة خالدة (غريزة حبّ البقاء) و الجنّة و النار (ثنائية الروح و الجسم). عقيدة تراعي شرائعُها طبيعةَ الانسان الماديةَ و الروحيةَ و العقليةَ و النفسيةَ، اذ اعتنت بكل هذه الجوانب فأحلّت ما ينفعها و حرّمت ما يضرّها.
عقيدة لا تهتم بما هو مادي فحسب (كما هو الحال عند الغرب مثلا الذين لا يؤمنون الا بما هو محسوس)، و انما كرّست مفهوم "الغيب" و "الوحي"، الامر الذي لا يتصادم مع الفطرة و العقل. لقد راعى الاسلام واقع الانسان المعيش باعتباره فردا في المجتمع لا يمكنه أن يحيا وحيدا، فلم ينس في تشريعاته أن يسطّر قوانين تعامل البشر مع بعضهم البعض في شتّى الاطر الاجتماعية.
كما شُرِّعَتْ عبادات تراعي جهد الانسان و طاقته فانبنت على مبدا التيسير والاعتدال و الوسطية.
لكن القول ان الاسلام دين واقعي لا يعني أن يقبل الانسان الواقع دون الارتقاء به و درء مفاسده، حتى تتحقق مقاصد استخلاف الله للانسان في الارض.
يترائى لنا اذا انّ الاسلام واقعي في عقيدته و شريعته و أخلاقه و عباداته، و يمكن أن يكون هذا ردّا (بمزيد التفصيل و الأدلّة) على من يتهمون دين الاسلام بالوهم و الخرافة و عدم مواكبة مستجدات العصر..