سيميائية قصيدة "ولد الهدى" لأحمد شوقي
مقاربة تحليلية في بنيوية الشعر
ميلود قناني*
ماجستير في النقد
مقدمة:
اعتمدت في تناولي لقصيدة [ ولد الهدى ] لأمير الشعراء أحمد شوقي على مقاربة متنوعة المشارب فتراوحت ما بين المقاربة البنيوية الأسلوبية والسيميائية واجتهدت أن يكون التحليل البنيوي تكوينيا بغرض الإثراء وعدم الوقوف على النسقية المغلقة ، فانطلقت من أنواع التشاكل. وكانت أول وقفة على التشاكل الصوتي فبعد تحديدي لبعض التكرارات الصوتية التي لم ترق الى درجة الظواهر فاعتبرتها عينات لدراسة التشاكل الصوتي ورحت أجتهد مفسرا بعض إيحاءاتها ثم عرجت على التشاكل التركيبي النحوي ومنه الى تشاكل المعنى ثم تشاكل الكلمة .
أما عن القافية ففصلت في ذكر عناصرها [ الروي ـ الحذو ـ الردف ـالقافية المطلقة ] ودورها في المستوى الايقاعي مماأحالني على دراسة البنى الايقاعية للقصيدة فأحصيت المقاطع وعددت أنواعها وبينت بعض آثارها على البنية الكلية للقصيدة أما فيما يخص دراسة معجم القصيدة فقد تناولت التشاكل والتباين والتركيب وأحصيت مكونات البنية التي توزعت بين الاسماء [المعرفة والنكرة ] وقد شغلت حيزا لايستهان به من القصيدة أما الافعال فحددت نسبة تجليها في القصيدة وتنوعها ثم رحت أدرس معجم القصيدة والذي يكشف الحقل الدلالي المادح وربطته بآليات توليف المعجم التي أحالتني على تطور المعجم عند أحمدشوقي وختمت حقل المعجمية ببيان المقصدية والاعتباطية ثم تناولت التركيب وحددت التشاكل والتباين التركيبي وأسقطت مقولة الزيادة في المبنى زيادة في المعنى علىبنية القصيدة ورحت أعالج ظاهرة التقديم والتأخير وأثرها على بنية القصيدة ثم تناولت بنية التعدي ونماءها الأفقي .
أما في فصل التركيب ففصلته إلى الاستعارة وتجلياتها ثم مستوى المجاز وطبقت النظريات الحديثة كالابدالية والتفاعلية ثم استبنت ما للتحليل بالمقومات من آثار على التقنية الاستعارية .
أما التناص فمهدت له بذكر كيفياته ثم آلياته واستنبطت تمثيل المعينات [les deixis] ـ وإحالاتها في القصيدة وختمت دراستي بتحليل المقصدية معتمدا على الجهود النظرية لسورل وزيتسيسلاف ووارزنياك
آمل أن هذا الجهد المتواضع يكون قد أصاب شطرا من كبد الحقيقة ان لم يصب كبدها فقد حاولت جاهدا أن لا ألوي عنق النص الإبداعي إذ طبقت ما يوافقه من إجراء وملائمة من نظريات وأطروحات بقدر ما أجعلها تتناسب تناسبا طبيعيا مع المجال الإبداعي للشاعر مما من شأنه أن يضيف أمرا ايجابيا وان عد نزرا قليلا .
التشاكل الصوتي :
لا يمكن أن نغفل ما للأصوات من قيمة تعبيرية تأتيها من مظهرها الفيزيائي أو الأكوستيكي أي السمعي و من التداعيات بالمشابهة حيث كان لهذه الظاهرة حيزاً لا يستهان بوجوده في قصيدة ولد الهدى.
فهناك تشاكل صوتي على مستوى الحروف المصورة لبعض الأصوات كالسين ففي قوله:
والوحي يقطــــر سلسلاً من سلسل واللوح والقلم البديــــــع رواء
نظمت أسامى الرسل فهي صحيفة في اللوح واسم محمد طغراء
فتكرار حرف السين بهذين البيتين أعطى للمعنى قيمة تعبيرية خاصة ولون اصطبغ به المعنى بفعل تكرار السين وهو حرف صفيري؛ فالوحي يقطر ثم تذكر كلمتين تكرر بهما السين أربع مرات زاد معنى عبارة (الوحي يقطر) وضوحاً.
وكذلك في انتظام أسامى الرسل فتكرار حرف السين أربع مرات كان له أثر في انسياب المعنى وارتباط وشائجه.
أما الميم وهو الحرف المكرر بكثرة في مختلف محاور القصيدة فهو المسيطر في كل المجموعات الدلالية وهو حرف شفهي ينتج من انطباق الشفاه بعضها على بعض ثم يصدر الصوت ليلقي في الفضاء الأكوستيكي محدثاً أثراً يتوسط بين الليونة والرخوة و الشدة ولهذا التوسط نال حرف الميم مركز السيادة بين الحروف فلا غنة فيه وهو بعد ذلك كله حرف يسهل أن ينطق به كل متلفظ صغيراً كان يتعلم نطق الحروف أو ناضجاً أتقن مخارج الحروف ولم تخل بيئة لغوية من النطق به وهو كثير الاستعمال في الإشهار وفي الترميز وكل تلك ميزات انفرد بها حرف الميم دون غيره من الحروف ؛ ففي أكثر من ثلاثة عشر بيتاً كرره شوقي بإعداد متفاوتة وتقدم على سبيل المثال لا الحصر.
أما الجمال فأنت شمس سمائه وملاحة الصديق منك أناء.
فالميم ولّدت بهذا البيت انسيابية صوتية لا تخدش لحمت الصوت بالحرف ولحمت الصوت بالمعنى ولحمت المعنى بالحرف فلا نكاد نميز بيسر بين الحرف والصوت والمعنى وهذا ما من شأنه أن يسهل فهم القصيدة ويجعل معانيهاتنال بيسر من أقرب السبل.
التشاكل التركيبي النحوي :
نجده في تعداد خلال المصطفى فقد تكرر استخدام صيغة الشرط مستخدماً الأداة إذا. وهي ظرف تضمن معنى الشرط متبوعة بفعل ماضي تكررت صيغته لإيفاد جملة الشرط وهذا التركيب لم يصنع لذاته ولكنه هادف الى تبليغ رسالة بواسطة تشاكل هذه التراكيب وتمثلت في تعداد مناقب المصطفى (ص).
تشاكل المعنى :
إن المضمون هو المركز الذي تدور حوله التراكمات الصوتية والصيغ النحوية ولذا نجد التشاكل المعنوي أساساً يفهم من خلاله الخطاب فأحمد شوقي حينما هم بالتعبير عن إعجابه بالمصطفى الحبيب (ص) اضطر الى توظيف تشاكل معنوي أساسي انبنى عليه مقوم سياقي ففي قوله :
إذا سخوت بلغت بالجود.
سخوت; دل على زمن الماضي يوحي بثبات الصفة واستقرارها
التاء فاعل ضمير يعود على الرسول (ص) يؤسس لنفع شخص الرسول (ص).
فالموضوع والمحمول ينتهيان إلى مقوم أساسي مشترك وهو صفة إيجابية وقيمة أخلاقية عالية للرسول (ص) وسيتراكم هذا المقوم على أبيات تقارب العشرين بيتاً بها خلال متعددة للرسول (ص)
والرسالة التي ينتهي إليها هذا التشاكل هي الإعجاب بسمو خلال المصطفى (ص) المتعددة.
وهناك تشاكلاً آخرا تمثل في التشبيه باعتباره أداة لغوية مؤدية إلى تعدد التشاكل ففي قوله: ولد الهدى - الكائنات ضياء - أنت شمس فهذه التشبيهات التي تدور في فلك النور والهداية قد ولدت تشاكلاً في الصورة والمخيال.
كذلك : فم الزمان - حديقة الفرقان ضاحكة فالخيال يحوم حول نقطة مركزية هي الفم باعتباره وسيلة تعبير وظفها الزمان أولاً ثم وظفها المكان (حديقة الفرقان ضاحكة) وإن كان هذا التشاكل مشتتاً فقد نحينا نحو راستي1 الذي عرّف التشاكل بأنه \" قد يكون تراكبياً وليس تركيبياً يجري في نمو خطي.\"
تشاكل الكلمة :
الملا الملائك جناس ناقص
الدين الدنيا جناس ناقص
حنائف حنفاء جناس ناقص
العظائم العظماء جناس ناقص
قادراً مقدراً جناس ناقص
فهذا التشاكل على مستوى الكلمات والذي عرفه ابن جني بـ : \" أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان\" (ابن جني الخصائص ص97).
ولكن أجمع المتأخرين من علماء البلاغة على أن الجناس هو ما اتفق في اللفظ واختلف في المعنى.
القـافـيـة :
مما تكونت القافية في قصيدة ولد الهدى ؟
تكونت من روي تمثل في حرف الهمزة وهي حرف حلقي . وقد تكرر الحدو بهذه القافية متمثلاً في الفتحة التي علت الحرف الذي سبق الردف وانتهت القافية مطلقة بضم الروي. فأهم ما يميز هذه القافية صوتياً مدّ وإطلاق : ثناء = نا : المد ءُ : الإطلاق. فقد اشترك في المد ثلاثة عناصر حرف الغنة النون مرفقاً بالحذو والمتمثل في الفتحة وثالث هذه العناصر هو ألف الردف أما الإطلاق فيجسده الروى الهمزة المضمومة والتي يعتبرها أهل العروض قافية مطلقة.
من خلال هذه المباحث السابقة نلمس بعداً جمالياً في تناسب الأصوات التي تجسدت في تكرار الروي. أما المقياس المعنوي أي كون معنى محدد لكل قافية فأحسن تجلياته هي سعة القاموس اللغوي للشاعر وقدرته الفائقة في تقديم رتابة صوتية مكررة مع تنوع في المعاني دون السقوط في عيب الإبطاء.
البنى الإيقاعية :
1. المقطع : استخدم شوقي في بعض المقاطع والملاحظ أنه لم يكثر من استخدامها مفردة والقليل الوارد منها كان يوظف كروابط منها : الواو في قوله : البيت 03 : والعرش- والحظيرة - فالواو هنا مقطع إيقاعي مكون من صوت ساكن + صوت لين قصير وهذا المقطع المنفتح مكرر بكثرة هو ومثيلاته في ثنايا القصيدة وهناك مقاطع أخرى منغلقة مثل: من مرسلين البيت 08 فالمقطع : من مكون من صوت ساكن + صوت لين قصير + صوت ساكن، وقد وظف شوقي حشداً لا يستهان بعدده من المقاطع منها القصير كحروف الجر : للدين ، بك اللام والباء والمقاطع المتوسطة: من الخليل - وما يتعشق الكبراء 25 أما المقاطع الطويلة فمنها بعض الأفعال : ولد نعم وبعض الأسماء : بيت -العرش وبعض الظروف : دون - فوق.
تراوحت نسب توظيف المقاطع القصيرة والمتوسطة ولم يتجاوز الثلث من كلية المقاطع أي ما يعادل 30% وهذا يكشف أن المقطع القصير والمتوسط في العربية لا يعتبر أساساً في الكلام بل وسيلة ربط ووشيحة تسبك بها المقاطع الطويلة التي كانت لها الغلبة فهي منتشرة في القصيدة بنسبة عالية ولا عزو من ذلك فالأفعال الدالة على الحدث والصفات والحركة عبر الزمن كلها يعبر عنها بمقاطع طويلة وهذا لون غالب في العربية وخاصة في الخطاب الشعري العربي.
2. النبر : تنوع وقع الـنبر ونبدأ بنبر الكلمات ففيه تراوح أكسب القصيدة نفس شعري زاوج بين مسار المعنى وانسياب الموسيقى الشعرية المتمثلة في الوزن.
ففي قول شوقي :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
ول / دل / هد / فل / كا / ئنا / ت / ضياء
ن خ ن ق ن خ ن خ ن خ ن خ ن ق ن خ
وف / مز / زما / ن / ت / بسـ / سم / وثـ / ناء
ن خ ن ق ن ق ن ق ن ق ن خ ن ق ن خ ن خ
ول / دل / هـ / دى / فل / كا / ئنا / تا / ضـ / يا / ء
ن خ ن ق ن خ ن خ ن خ ن ق ن ق ن ق ن خ ن خ ن خ
1 1 2 3 4 2 3 4 5 5 6
وف / مز / زما / ن / ت / بسـ / سم / وثـ / نا / ء
ن خ ن ق ن ق ن ق ن ق ن خ ن خ ن خ ن ج ن خ
1 1 2 3 4 5 2 3 4 5
نلاحظ توازن النبر بين الخفة والقوة على مستويين المستوى العددي والمستوى الترتيبي فعلى ا لمستوى العددي نجد تقارب بين النسب وعدم غلبة نسبة على الأخرى.
أما المستوى الترتيبي فتنوع بين : نبر خفيف + نبر قوي وعلى مستوى : نبر خفيف + نبر خفيف + نبر خفيف يقابل عدد مماثل من النبر القوي مما من شأنه أن يخلق توازن صوتي على مستوى النبر وبالتالي الإيقاعي.
إن هذا التشاكل في الكلمات يعني في شكل من أشكاله تقارب المعاني لتقارب الحروف و يظهر ذلك جلياً في قوله بيت النبيين الذي لا يلتقي إلا الحنائف فيه والحنفاء
فالكلمتين لهما معنى أصلي واحد وهو صحيح الميل إلى الإسلام وكل من كان على دين سيدنا إبراهيم عليه السلام والجمع حنفاء والمؤنث حنيفة وجمعها حنائف ؛ فتعارض الحروف هذا يقابله تضارع في المعنى.
فكلما تشابهت البنية اللغوية فهي تعكس بنية نفسية متشابهة منسجمة تهدف إلى تبليغ رسالة وسيميائية القرب هذه تكشف التكرار الصوتي على مستوى البنى وإيحاءاته المعنوية .
وفي الاخير : ليس هذا التشاكل بأنواعه قاعدة يجب أن يبنى عليها المعنى وبدونه تختل الوظيفة ولكنه شرط كمال، فوجوده بالأثر الأدبي يجعله يكتسي بحلة قشيبة يتلألأ النص بها نضارة وقد ورد في قصيدة ولد الهدى غير مكثف متناثر بين ثنايا القصيدة غير مصطنع إنما صدر فيه شوقي عن الطبع والعفوية ولم يداعبه الاصطناع إنما داعبته روح الإبداع والعبقرية الشعرية وفي هذا السياق يقول ميكائيل ريفاتير : " إن الخطاب الأدبي هو قبل كل شيء لعب بالكلمات. "( semiotiquedelapoesie. P55: m.riffaterre)
وقد قدم د. محمد مفتاح تعريفاً إجرائياً لنمط التشاكل هذا قائلاَ : "ان اللعب بالكلام محكوم بقواعد تكوينية وتنظيمية وهو اضطراري من قبل المتكلم تأليفاً والمخاطب تأويلاً. "( د. محمد مفتاح تحليل الخطاب الشعري .ص46).
المعجم
التشاكل والتباين على مستوى المعجم :
المعجم والتركيب :
لأحمد شوقي معجم متباعد الأطراف، وليس أدل على ذلك من تلون مراحله الشعرية تلونات متباينة شكلاً ومضموناً فإذا قمنا بقراءة مسحية لمساره الشعري نجد أن قاموسه اللغوي وهو شاعر القصر يختلف عن قاموسه اللغوي وهو شاعر يصدح بهواجس الشعب وقضاياه هذا في الإطار العام وقد تباين كذلك قاموسه اللغوي بين قصيدته الواصفة وقصيدته المادحة. وقد حاولت أن أقوم بمحاولة لرصد تلونات قاموسه اللغوي من خلال قصيدته ولد الهدى، فوجدت أن الغلبة كانت للأسماء فطغيان الجمل الاسمية على القصيدة كان ظاهراً بارزاً، فقد أحصيت في المجموعات الدلالية الثلاث الأولى حوالي 188 إسماً وكانت الأسماء المعرفة هي الغالبة إذ كان عددها من ضمن العدد السالف ذكره 135 إسماً معرفاً، بينما لم يتجاوز عدد الأسماء النكرة الـ 53 إسماً.
وأما الأفعال فلم تتربع إلا على حيز ضيق فهي لم تتجاوز 72 فعلاً منها 47 فعلاً ماضياً و25 فعلاً مضارعاً وقد خلت الأبيات من الأمر.
فنلاحظ طغيان الجملة الاسمية ومن ثمة سيطرة البنى الاسمية على نسج القصيدة، ونلاحظ كذلك أن الأفعال في مجموعها لم تقارب نصف عدد الأسماء وأن الغلبة كانت لصيغة الماضي.
إذا كان التركيب المعجمي ضامناً لاشتغال اللغة وقد اشتغل شوقي في تركيبه المعجمي على صيغ اسمية كانت هي الغالبة على النسج النصي فلذلك دلالات مختلفة فالتركيز على وضع أسماء متنوعة كـ : الهدى - ضياء - ثناء بمثابة غرز أعمدة ثابتة بساحة القصيدة يقوم عليها البناء تمثل الثبات والارتكاز ؛ وهي كذلك حدوداً تحد أطراف القصيدة وتجسد معانيها في ثبات وخاصة ورود غالبية هذه الأسماء معرفة فقد احتلت مساحة هامة من القصيدة تزيد على النصف ويظهر ذلك فيما تشغله هذه الأسماء ضمن الدائرة المقدمة كشكل تجسيدي لسيطرة الأسماء على معجم القصيدة أما ضمور حيز الأفعال فشوقي لم يكن بحاجة إلى انتشار الحدث والحركة ودلالة الزمن بقصيدته بقدر ما كان يستجمع شمائل المصطفى ويصف في ثبات خلال خاتم الأنبياء والمرسلين.
المعجم قائمة :
أن سيطرة بنى معينة على معجم القصيدة تحيلنا على حقل دلالي معين ؛ وهذا ما تجسد من خلال ولد الهدى فالمعجم المدحي حاضر يخيم على القصيدة منذ البداية فقد تشكل الحقل الدلالي المادح وصار وسيلة تميز الخطاب الشعري ومن لبناته : - الكائنات ضياء - اسم محمد طغراء - يا خبر من جاء الوجود - غرته هدى وحياء.
فالمتأمل لهذه التعابير يجدها تصب في حقل دلالي واحد ألا وهو المدح وإن تنوعت الروافد والمشارب.
آليات توليف المعجم :
أن العملية الإحصائية تصل بنا إلى ترددات هي المحور الأساسي والنواة التي ينبثق ويشع منها العمل الأدبي.
ومن بين الأسماء المركزية والأساسية في القصيدة : الهدى، فلفظ : الهدى عام جامع ينضوي تحته معاني جزئية تدور في فلكه - فالملائك - الدين - السدرة - الفرقان - رسل كل هذه الكلمات تجري في فلك الهدى وهي كلمة عامة تحوم هذه المصطلحات حول حماها.
وهناك الترابط المقيد فاسم آدم يحيلنا على حواء فهذا النمط من الترابط إبدالياً.
تطور المعجم :
تميز المعجم الشعري لدى شوقي بالتطور والتنوع والمتفحص في ثنايا القصيدة يمكن أن يستخلص أهم الخصائص المعجمية والمتمثلة في خلو القصيدة من وحشي الكلام وغريب اللفظ بل مالت إلى لغة مألوفة يسيرة متداولة والتيسير هذا يعود إلى طبيعة الموضوع فالقصيدة المدحية ينبغي أن تكون ألفاظهاً ذات استعمال واسع متداولة ولهذا كانت لغتها سلسة بعيدة عن التراكيب الرصينة التي الفناها في شعر القدامى ؛ والمطلع على القصيدة بإمكانه أن يدرك للوهلة الأولى بيئتها الزمانية فهي وليدة الأدب الحديث بالأحرى الشعر الحديث لما احتوته من جدة في التراكيب وسلاسة في التعبير وقرب للمعاني.
وإذا ما هممنا بأخذ نماذج والتمثيل إلى ما نذهب إليه فقد يعجزنا الاختيار فكل عبارة عينة للسلاسة وحداثة التركيب وجدته مثلاً : نظمت أسامى الرسل فهي صحيفة - بك بشر الله السماء فزينت.
فالكلمات الواردة بهذين المثالين لا يحتاج أي منها لقاموس لشرجها فهي مفهومة لدى كل من داعب حرف الضاد ولو لدهر قصير ونزرا قليلا ًما وظف شوقي اللفظ العتيق كذكره: طغراء وهي ما يكتب بالقلم الغليظ صدر الأوامر أو كقوله : قعساء وهي المنيعة الثابتة.
وكما أشرنا سالفاً فقد هيمنت الألفاظ الواسعة التداول كما نشير إلى الألفاظ المستوحاة من القاموس الديني : - الملائك - الدين - الفرقان - الرسل
ولا غرو من ذلك فالمجال مناسب فمدح الرسول وهو عنوان رسالة دينية لا بد وأن يرتبط بمفاهيم دينية والتي لا يمكن أن يعبر عنها دون أن تستعمل ألفاظ التخصص فتستخدم من القاموس الديني حشداً من الألفاظ.
أما عن أسماء الأعلام فقد ذكر : آدم والمسيح وجبريل وهي أسماء أنبياء واسم ملك كريم عليهم كلهم السلام وهو ما يوحي بأن رحى القصيدة كانت تدور في فلك محمد يجوب مدارات دينية بينة المعالم.
المعجم بين المقصدية والاعتباطية :
إذا كانت جهود كثير من العلماء الباحثين في حقل القصدية تشير إلى أن توظيف الأسماء لا يرد اعتباطا ويرفضون أطروحة اعتباطية اللغة فإن لهم ما يؤسس لنظريتهم من خلال ولد الهدى فأحمد شوقي لم يوظف بعض الأسماء اعتباطاًَ وإنما توظيفه مقصدياً له منطلقاته كما له أهدافه الخاصة. وقد نجح الرواقيون وشراح التوراة حينما برهنوا بتقارب المعنى بتقارب الصور.
فحينما يشير إلى سيدنا آدم عليه السلام إنما يرمز إلى الأبوة والنبوة ففي قوله : خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام. فهو يشير إلى أبوة الرسول صلى الله عليه وسلم من سيدنا آدم ؛
وقد ذهب تودوروف إلى أن قصدية علامات اللغة هي وسيلة لإثبات وتركيزالمعنى فقوله ((ان اشتقاق اسماء الاعلام وسيلة لنقل العلامات اللغوية من الاعتباطية إلى القصدية أي أنها تصبح ذات قيمة رمزية.)) ( p31 t. todorov. Symbolisme et interpretation)
ففي قول شوقي :
إذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء
فاسم القياصر وهو جمع مفرده قيصر اسخدمه شوقي كرمز لحكام وقادة أقوياء يمثلون رمز الملوك وقادة جيش الأعداء فقد قابل بذكر هذا الرمز قوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
واسم العلم قيصر يحمل تداعيات معقدة تربط بسياق تاريخي وكذلك جغرافي فقد توسعت الفتوحات الإسلامية على حساب مملكة قيصر المتاخمة لحدودها ؛ بل وتزامنت تاريخياً مع ظهور الفتوحات الإسلامية.
التركيز
التشاكل و التباين على مستوى التركيب :
التركيب النحوي :
اعتمدت الدراسات النحوية العربية على أن أصل الابتداء في العربية بالفعل وإذا صيغت الجملة بغير هذا التركيب، فيغدو تركيبها غير محايد وهو يتضمن إيحاءًا تداولياً ، وبعد تفحصنا لقصيدة ولد الهدى ألفينا توازناً وتقارباً عددياً بين الجمل الفعلية والجمل الاسمية فعدد الجمل الفعلية 25 جملة وعدد الجمل الاسمية 22 جملة.
ملفوظ الجملة الاسمية : العرش يزهو
العرش بؤره (Topic) - ويزهو تعليق (comment)
هذا الإجراء يحيلنا على التبئير المتكرر بهذه الصيغة، فالفعل إذا سُبق باسم يعد تعليقاً. والاسم الذي شوشت رتبته فكان أصله التأخير تقدم وورد في بداية الكلام. وقد منطق عبد القاهر الجرجاني هذا الإخلال بنظام الجملة وعرفه على أنه تخصيص ولكن الدراسات الحديثة لم تقنع بهذا التخريج الانطباعي وراحت تؤسس لمفاهيم إجرائية حداثية فعدت الابتداء بالاسم بؤرة والفعل التالي تعليقاً.
التباين :
إن التباين في ملفوظ ولد الهدى يتمظهر على مستوى الخبر والإنشاء، فقد أصدر الشاعر نداءً وقابله بأسلوب خبري :
يا أيها الأمي، سحبك رتبة في العلم إن دانت بك العلماء
وهناك تباين أوضح على مستوى الجمل الاسمية والفعلية نحو :
خلقت لبيتك وهو مخلوق لها إن العظائم كفؤها العظماء
فهناك تباين واضح بين الصدر والعجز في هذا البيت
فالصدر وردت بملفوظه جملة فعلية بينما قابله في العجز بنقيضه جملة إسمية.
وكذلك يبرز التباين في حالي الإثبات والنفي ففي قوله :
فإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا ضغن ولابغضاء
التشاكل :
هذا الطراز من التشاكل تتسع مضانه إلى مستويات متلونة من الخطاب ونقصد هنا خطاب الملفوظ الشعري والذي تتميز تراكيبه عن باقي الأنماط الخطابية الأخرى، وقد تجلى هذا التلون في :
2 . على مستوى البيت :
أمسى كأنك من جلالك أمة وكأنه من أنسه بيداءُ
المقولات الشطر الأول الشطر الثاني
مقولة الزمن و أمسى
مقولة التشبيه + المشبه كأنه كأنك
في الوظيفة النحوية (الحالية) من أنسه من جلالك
مقولة المشبه به بيداء أمة
وهذا التساوي بين الصدر والعجز يكشف تشاكلاً تركيبياً بين الشطرين يتجه اتجاهاً أفقياً؛ وهو يقدم صورتين متباينتين، هذا التقارب الموضعي والتباين المعنوي هو نتيجة التشاكل الذي قدم معنى شريفاً اكتنفته الرفعة من خلال تباين الجلال والأنس ؛ وأـما مقولة المشبه وإن وردت في الأخير (فهي تبرز) فالمرتبة لا تقلل من أهميتها لأنها جزءً من تشاكل أفقي كلا الطرفين فيه على حظ متساوي ومن المنزلة.
فكلمة الأمة استخدمت لتعني الملاء والعمار والحياة وقابلته البيداء لتعني النقيض الخلاء والموات.
الزيادة في المبنى زيادة في المعنى :
الملفوظ كيفما كان فهو حاو لمعنى وكل زيادة في الملفوظ قلت أو كثرت فهي زيادة في المعنى لهذا فقد قال جورج لاكوف "إن الزيادة في المبنى هي زيادة في المعنى" "More of for m is more of content ". (george lakoff and mark johnson metaphorswe live by p56 ).
وقد اعتمد القدماء من باحثي العربية هذا المبدأ فكلما ضمر المبنى ضمر المعنى وبالمقابل وكلما اتسع إناء اللغة وجرابها اتسعت المعاني.
ويتجلى ذلك في صيغة المبالغة : رواح غداء وضاء
فالشاعر هنا لم ينتقل من الصيغة العادية إلى صيغة المبالغة اعتباطاً وإنما لحاجة في نفسه فروّاح وهي صيغة مبالغة تعني المبالغة في الأمر والتجاوز والتكثير وتكرار الفعل ولهذا فكثافة المعنى هنا هي زيادة نتجت عن زيادة في الصيغة هذا النموذج كشفنا به عينة من عينات الزيادة في المعنى.
وإذا ما قابلنا بين صيغة : العرش يزهو فهنا وإن كانت الصورة عميقة الدلالة سامية المعنى استمد المعنى شرفه من سمو التخييل تبقى صيغة موجزة مختصرة إذا ما قارناها بالصيغة الموالية لها : وحديقة الفرقان ضاحكة الربا.
فنلاحظ هذا المحور الدلالي موحد ولكن الصورة الثانية متسعة في المبنى مما نتج عنه اتساع في المعنى. فإن عرف الاسم في الصيغة الأولى بالألف واللام فقد عرف في الصيغة الثانية بالإضافة فزيادة المبنى زيادة في المعنى والتوضيح وكذلك صيغة ضاحكة. فصيغة اسم الفاعل ولدت مفعولاً به وهذه الزيادة في المبنى تقابلها زيادة في المعنى فربا الضاحكة توسع استقصى أطراف المعنى.
التقديم :
إن ما يخرق عرف الجملة العربية ويشوش ترتيبها لجدير بأن يثير انتباه المحلل فالتقدير الذي ينجر عنه منطقياً تأخير لحري بأن نراعيه ونترجم دواعيه.
ففي ذر الشاعر :
خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام واحرزت حواء
فللتقديم والتأخير هنا دواعي مختلفة أهمها تقديم الاسم عن الفعل فعوض أن يقول الشاعر: حاز آدم خير الأبوة لك
فقد آثر أن يبدأ بالاسم لأن المعنى المحوري الذي يصوب الشاعر سهمه نحوه هو الأبوة لذا قدمها.
وكذلك تقديم الجار والمجرور فالاهتمام بالاسم المجرور المتمثل في الكاف والتي تعود على الرسول صلى الله عليه وسلم هي طرف أساسي في المعادلة لذا قدمت عن الفاعل سيدنا آدم عليه السلام.
وهناك أسباب أخرى شوشت ترتيب الجملة ومنها الوزن فلكي يستقيم الوزن والنسج الموسيقي يضطر الشاعر أن يقدم ويؤخر دون الإخلال بالوظيفة الأساسية والهدف المتوخى ألا وهو المعنى.
بنية التعدي :
الأفعال المتعدية :
1 . يقطر سلسلاً
2 . جاء الوجود
3 . أدركوا عزّ النبوة
4 . بشر الله السماء
5 . لو لم تقم دينا
6 . زانتك شمائل
7 . حميت الماء
8 . ملكت النفس
9 . أخذت العهد
10 . تمد حلمك
إن بنية التعدي في القصيدة أنتجت تمدد مركب فيتجلى تمدد الشكل وتمدد المعنى وتمدد أثر الزمن في المكان وأثر الفعل في الاسم.
وأما تمدد الشكل فتركيب الجملة لم يعد مكتفياً بالفعل والفاعل بل تجاوزه إلى مفعول به. وأما تمدد المعنى فهو تحصيل حاصل فيبقى الفعل غير مكتمل فيفتح المجال لربط الحدث بما يليه من مكملات تلون وتشكل المعنى وتحدده فقولنا أدركوا يبقى فعل الإدراك مبهماً مبتوراً تلونه التتمة المتمثلة في قوله عزّ النبوة فالإدراك هو فعل يمد حلقة تبحث عن وصل لا يتم المعنى إلا به ومعه فيتلون المعنى بل يتخذ له شكلاً محايداً مميزاً له عن بقية التراكيب. فبنية التعدي هي نماء أفقي و انسياب معنوي وتركيب صلبت لحمته فأعطت البنية لون مميز وشكل مختلف عن غيره وحد ظاهر.
فصل التركيب البلاغي :
الاستعارة :
تعتمد الدراسات البلاغية أساساً على دراسة مستويات الخطاب وقد ترتكز على مستويين أساسيين بإمكانها تجزئتهما فيما بعد إلى فصول أدق وأكثر توغلاً في التحليلات البلاغية أما المستويان الأساسيان فهما مستوى الحقيقة ومستوى المجاز. وقد يعتمد مستوى الحقيقة كقاعدة ينبني عليها الخطاب ثم ما يلبث أن يتطور في سياق تركيبي إلى مستوى المجاز.
مستوى المجاز :
اجتهد علماء البلاغة في تحديد أنماط المجاز واصطلحوا لكل نمط اصطلاحاً ضابطاً يحدد معالم كل نمط ويميزه عن غيره فكان التشبيه بأنواعه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل ولعل الاستعارة تعد من أخصب وأثرى الحقول البيانية والدليل على ذلك أن لا أحد سجل نقطة نهاية البحث في هذا المجال فقد استوعب الأوائل تجلياتها فقنن لها علماء العربية وقسموها إلى تصريحه ومكنية وحددوا علاقتها في المشابهة ؛ ولم يقنع المتأخرون بهذا الجهد فراحوا يعتمدون أطروحات اللسانيين البنيويين كياكبسون ومولينو وميتز والتوليديين كتشومسكي وفان ديك وكذلك المساهمات الجدية لفلاسفة اللغة كسورل ولاكوف وبالمر ولنطبق بعض هذه المفاهيم على تجليات الاستعارة في قصيدة ولد الهدى :
1. النظرية الإبدالية :
من بين الاستعارات المتعددة التي وظفها شوقي نأخذ عيّنة على سبيل الدراسة النموذجية لا على سبيل الحصر: حديقة الفرقان ضاحكة.
فمن مرتكزات النظرية الإبدالية
أولاً : إن الاستعارة لا تتعلق إلا بكلمة معجمية واحدة بقطع النظر عن السياق ؛ فكلمة ضاحكة هي الاستعارة وما يحيط بها هو سياق المجاز.
ثانياً : فأي كلمة لها معنيان : معنى حقيقية ومعنى مجازي وهنا المعنى الحقيقي متعارف عليه ألا وهو الضحك وهو صفة تميز الإنسان دون سائر المخلوقات حتى أن بعض الفلاسفة عرف الإنسان بأنه الكائن المبتسم.
وأما المعنى المجازي فهو حال الغبطة والازدهاء التي تعلو حديقة الفرقان ؛ فهنا الشاعر هم بتصوير المعنوي وتجسيده في الشكل المحسوس وهذا ديدن تقنية الاستعارة.
ثالثاً : فالاستعارة تحصل باستبدال لفظ حقيقي بلفظ مجازي فالانتشاء مجازياً يعبر عنه في الحقيقة الضحك
رابعاً : بهذا الاستبدال بني على العلاقة بين الانتشاء والضحك علاقة مشابهة حقيقة كانت أو وهمية.
هذه النظرية التي صاغها مولينو تساير ولا تناقض ما ذهب إليه البلاغيون العرب.
2- النظريات التفاعلية : النظرية التفاعلية هي حصيلة جهد البلاغيين المحدثين الذين اقترحوا نظرية جديدة اشتهرت بالتفاعلية و مسلماتها هي :
1. عدم اقتصار الاستعارة على كلمة واحدة بل تتجاوز ذلك وحقيقة لا نستطيع حصر الاستعارة في مصطلح واحد بل هي تركيب ممتد في سياق الكلام وله علاقة بالألفاظ المحيطة ويتجلى ذلك بوضوح في قول شوقي ولد الهدىفإن اعتبارنا الاستعارة التصريحية الهدى، صرحنا بالمشبه به وحذفنا المشبه وهو الرسول (ص) فتبقى الكلمة الهدي لا تفي بوضوح بكل أبعاد الاستعارة إن لم تمتد إلى السياق المحيط بها.
2. ثم إن كلمة هدي ليس لها معنى حقيقي محدد بكيفية نهائية وإنما السياق هو الذي ينتج المعنى المتوخى.
3. ليست الاستعارة عملية استبدالية بقدر ماهي تفاعل بين بؤرة المجاز والإطار المحيط بها فكلمة الهدي في سياق آخر قد تعني معنى آخر لكن في هذا السياق فالهدي الديني يحدده السياق الضمني للقصيدة و هذا ما ينتج عن تفاعل الكلمة بالنسيج المحيط بها فهي خلية تستمد حياتها وقيمتها من الكل أو النسيج المحيط بها.
ولا تقتصر الاستعارة على البلاغة الجمالية ولكنها قد توجد لها أبعاد أخرى كالبعد العاطفي أو الوصفي أو المعرفي فكلمة الهدى وإن كشف تركيبها على جمالية ما بلاغياًَ.
فإن الإيحاء العاطفي للفظة الهدى وما تعنيه من لطف وإحسان وإسداء معروف تجعل القيمة الوصفية والمعرفية للكلمة إن لم تكن الغالبة فهي تخلق تكافؤاً وتوزناً بين البعد الجمالي والوصفي المعرفي.
الاستعارة والتحليل بالمقومات :
تعتمد البنيوية الأوربية ممثلة بـ : "يامسيلف" و " ياكبسون" و " كريماص" و "بوتي" تقنية تحليل الاستعارة وهي في اتجاهها هذا متأثرة بالنحو التوليدي بواسطة توظيف المقومات وقد ميزت بين المقوم الجوهري والمقوم العرضي وقابلت بين مختلف المقومات واستنتجت أنه كلما تقاربت المقومات وتوافقت صارت الاستعارة أقرب إلى الحقيقة وكلما كثر الاختلاف تولدت مسافة توتر وتباين بين طرفي الاستعارة وما يحدد نوعية تلك المقومات ما بين المتكلم والمتلقي هي المقصدية بمعناها التداولي.
لذا فإن المقومات الجوهرية المشتركة بين طرفي الاستعارة تقتلها ؛ وهي أي الاستعارة تجود كلما كان التوافق في المقومات العرضية، وقد يعزز هذا الرأي عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة حين يقول \" وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد كانت إلى النفوس أعجب،و كانت النفوس لها أطرب، وذلك أن موضع الاستحسان أنك ترى بها الشيئين مثلين متباينين ومؤتلفين مختلفين على أن الشيء إذا ظهر مكان لم يعهد ظهوره منه وخرج من موضوع ليس بمعدن له كانت صبابة النفوس به أكثر وكان الشغف منها أجدر، فسواء في إثارة التعجب وإخراجك إلى روعة المستغرب وجودك الشيء في مكان ليس من أمكنته ووجود شيء لم يوجد...
وإذا حاولنا تطبيق التحليل بالمقومات على استعارة نموذجية من بين الاستعارات الكثيرة والتي أحصيناها في الجدول التالي :
العبارة نوع الصورةالبيانية
ولد الهدى استعارة تصريحية
فم الزمان استعارة مكنية
حديقة الفرقان ضاحكة استعارة مكنية
الوحي يقطر سلسلاًَ استعارة مكنية
بشر الله السماء استعارة مكنية
ينبه صباحه استعارة مكنية
الحق عالي الركن استعارة مكنية
جاء الخصوم من السماء قضاء استعارة تصريحية
فنختار أخر استعارة كنموذج
اللــــه الــســمــاء
اسم ذا ت وصف ذات : من السمو
مفرد مفرد
معرّف لا يـأتي إلا معرفة معرفة وينكر
مذكر مذكر ومؤنث
مجرد مركّب
جوهر عرض
واجب الوجود غير واجب الوجود
موجود نبفسه موجود بغيره
غير متحيّز متحيز
لا نهائي نهائي
غير مرئي مرئي
غيبي ظاهر
موجد العالمين حاجز بين عالمين
غني بنفسه مفتقر إلى غيره
نجد بين طرفي الاستعارة والتي يصعب التركيب فيها إذ المشبه به هو المولى تبارك وتعالى المنزه عن أي تشبيه فهو منزه عن المثيل وإذا استعير له لفظ السماء فإنه مرادف للعلو والرفعة وقد يرفع الرجل يديه وهو يدعو إلى السماء فكأنها مكان تواجد الله عز وجل أورد الشاعر وأحال على السماء لأنها مكان العرش لقوله تعالى ((تنزل الملائكة والروح فيها )) ولابد أنها تنزل من السماء والأحاديث صريحة في ذلك (ص)ينزل ربنا إلى السماء الدنيا رواه البخاري ومسلم وقوله (ص) أللـه فوق العرش رواه احمد وابوداود وابن ماجة وحين سأل (ص) الجارية البكماء عن الله أشارت إلى السماء فأقر ذبيحتها والسلف يعتقدون بوجود الله في السماء و كل الأديان السماوية تعتقد بذلك حتى الوثنية منها تعتقد بوجود قوة مسيطرة في السماء فهنود أمريكا يعتقدون أن كائنا نزل من السماء وتزوج بأمهم فجاؤوا من ذالك الكائن والياباينون يرون أباطرتهم أبناء السماء وبعض الرسوم القديمة تصور الفراعنة على أنهم جنس خاص نزل من السماء وبعض الشعوب تواضعت وقدست بعض مكونات السماء كالصابئة في تقديسهم للنجوم والكنعانيين للشمس والقمر وكوكب الزهرة الذي قدسه الإغريق أيضا تحت افروديت آلهة الحب واحتفظت السماء بالمرتبة الأولى في أغداق الأديان على الشعوب والأفكار على الفلاسفة والإلهام على الشعراء وكانت لدى المسلمين الواسطة التي يتلقون منها الوحي وكان المسلم لا يعني بها حين ينطقها إلا الله ولذلك حين بكت تلك المرأة بعد موت النبي (ص) سئلت عن بكائها فقالت إنما ابكي لان خبر السماء كان يأتينا ثم انقطع عنا وحفل القرآن الكريم بذكر السماء تعظيما لشانها واقسم الله بها(( فورب السماء والأرض )) ويقول قس بن ساعدة ((أن في السماء لخبرا وان في الأرض لعبرا )) وقد تجمع السماء أسماء وتصغيرها سمية، وقد اشتركا في بعض المقومات فكلاهما اسم وكلاهما مجرد، ومما جعل هذه الاستعارة تكون بليغة على حظ من الجمال التركيبي هو عدم توافق الطرفين بل تناقضهما في بعض المقومات فالسماء مخلوق والله خالق والسماء غير حي والله حي، وهناك مقوم ناشئ من العرف وهو وجود الله في السماء فالعلاقة بين الله والسماء ترسبت في الذهن وقد نقشت في المخيلة لدى الناص والمتلقي على حد سواء مما يسهل التجربة الشعورية وتجاذبها بين الناص كباعث والقارئ كمتلقي وهذا هو لب النظرية المقصدية؛ إذ يشترك الطرفان في خلفية قاعدية تتمثل في التجربة الشعورية المشتركة.
الكناية والمجاز المرسل :
على الرغم من أن موقف المدح غالباً ما يدفع الشاعر لتوظيف الخيال ولكن أحمد شوقي لم يسرف في استخدام الصور البيانية وقد وظف قسطاً منها في اعتدال ومن بين ما وظف بعض الكنايات وخاصة الكناية عن نسبة، ففي قوله :
إذا أصبحت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحاب والخلطاء
كناية عن نسبة في قوله : رأى الأصحاب الوفاء في بردك
فالحق الوفاء وهو صفة معنوية ببرد الرسول فقد نسب صفة معنوية ألا وهي الوفاء إلى أمر مادي ألا وهو البرد وهي كناية عن نسبة الوفاء للرسول (ص).
إن من المقومات الأساسية للرسول (ص) أنه إنسان [+ حي] [+ ذكر] [+ رجل] وله مقومات أخرى عرضية [+ وفي] والتي تنتج عنها مقومات أخرى تفاعلية فتصاعدياً[+ محسن] [+ صاحب عهد] [+ لين الجانب]أما تنازلياً [+ غادر] [+ مخادع].
التنـاص :
عرف أحد الباحثين التناص بأنه " فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة"1. (roland barthes critique et verite p 40 ) " وإن النص ممتص لها يجعلها من عند ياته وبتصييرها منسجمة مع فضاء بنائه ومع مقاصده. " "إن النص محول لتلك النصوص بتمطيطها أو تكثيفها بقصد مناقضة خصائصها ودلائلها أو بهدف تعضيدها على الإجمال، فإن التناص هو تعالق نصوص مختلفة مع نص حدث بكيفيات متنوعة. "
ومن هذه الكيفيات :
1. المعارضة : هي محاكاة عمل فني لعمل فني آخر وقد عرف شوقي وأمثاله من شعراء البعث بمعارضة بعض الشعراء القدامى.
2. المعارضة الساخرة : أي التقليد الهزلي أو قلب الوظيفة بحيث يصير الخطاب الجدي هزلياً.
3. السرقة : وتعني النقل والمحاكاة مع إخفاء المسروق.
تكاد تجمع كثير من الدراسات على أن المبدع ليس إلا معيداً لإنتاج سابق في حدود من الحرية.
آليات التناص :
من أهم آليات التناص التداعي التراكمي والتقابلي ومن آلياته :
1. التمطيط : للتمطيط أشكال منها :
أ. يظهر الاناكرام أي الجناس بالقلب في قوله :
الروح الملأ لملائك حوله للدين والدنيا به بشراء
فقد تمثل الاناكرام في التجانس بالقلب بين كلمتي (الدين والدنيا) فالكلمتين مشكلتين من الحروف نفسها لا يفرق بينها إلا الترتيب، مع تباين في المعنى واختلاف واضح في الدلالة.
ب. النوع الآخر من الاناكرام وهو الجناس بالتصحيف فيتجلى في :
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
فالتصحيف الوارد بين كلمتي ضياء وثناء من شأنه أن ينتج تقارباً في المعنى على أثر التقارب في بناء الكلمة وتشاكل حروفها.
2. الشرح :
من آليات التناص الشرح وهي أن يقدم الشاعر أطروحة مركزية يكون ما يليها تفسيراً وتحليلاً وتجزيئاً لها.
فالأطروحة المركزية في المجموعة الدلالية تظهر من البيت الأول في أول عبارة : ولد الهدى - فأطروحة بشرى ولد الهدى المركز وما تلاها أبيات المجموعة الدلالية الأولى لا يعد وأن يكون شرحاً وتفسيراًً لهذا الأساس دون أدنى إضافات جوهرية تخرج عن نطاق المجموعة الدلالية المركزية.
3. الاستعارة :
أبى شوقي إلا أن يحتل التعبير الاستعاري حيزاً هاماً من الفضاء البلاغي لقصيدته ؛ فقد أشرت في غير هذا الموقف الاستعارة الواردة بالبيت الأول : ولد الهدى وكإضافة وإفاضة تناول استعارات أخرى كقوله :
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجمان شدية غناء
فشوقي يوظف الاستعارات المكثفة بالتجربة الشعورية وإن حذا في مسلكه هذا حذو المتقدمين إلا أن الصورة الشعرية عنده لا تخلو من جدة وغضارة ونضارة وقد اكتسب كل هذا من مسرى الحداثة في التركيب والجدة في طرق المعاني.
ومن استعاراته قوله :
بك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكاً بك الغبراء
4. التكرار :
عن التكرار الواضح في قصيدة أحمد شوقي ولد الهدى يتجلى في التكرار على المستوى الصوتي، فالنبرة الصوتية التي تعتري الكلمات تكاد تكون نبرة واحدة تلوك المعنى بلون متفرد يستجمع أطراف المعنى ويساعد على تجليته.
أم التكرار على مستوى الكلمات فقد آثر شوقي أن يستقي قاموسه الشعري في هذه القصيدة من القاموس الديني فنجد لفظة الله متكررة بين طيات القصيدة كذلك لفظة النبي الرسول (ص).
إن هذا التكرار لمصطلحات دون غيرها إنما يحدد الوظيفة الدلالية فتتجه نحو غرض واحد كذلك المنطلق ينفرد بأحادية المعطى الديني وان تباينت المصطلحات ذات الدلالة الدينية إلا أن الغرض المنشود واحد.
5. الشكل الدرامي :
إن عناصر بنية القصيدة تظهر في شكل من أشكالها بمظهر درامي صراعي بين طرفين تقابليين وقد تنوع هذا التمظهر فهو حيناً يتجلى في التقابل بين (آدم-حواء) وحيناً بين السماء والأرض في قوله :
بك بشـر الله السمـــاء فزينت وتضوعت مسكا بك الغبراء
وحينـاً بين الصبــاح والمساء وحيناً آخر بين الماء والنار
والنار خاوية الجوانب حولهم خمدت ذوائبها وغاض الماء
6. أيقونية الكتابة :
انطلاقاً من مفهوم أيقونية القصيدة، فقد تشكلت الحدود الأيقونية لقصيدة أحمد شوقي انطلاقاً من نواة أساسية ألا وهي مدح المصطفى (ص) فاتخذت من فضاء القيم الأخلاقية للرسول (ص) حيزاً واعتمد الخطاب الشعري على هذه النواة وراح يمطط أبعاداً أحياناً متجاورة وأحياناً تضرب في غياهب الشعرية باحثة عن كنة المدحية متجلية في بنىالدلالآت كبشرى بمولد الرسول (ص) ثم تتابع بذكر معجزاته فخلاله منتقلة الى معجزة القرآن ومن ثم العقيدة الإسلامية فجهاده وقد انتهت إلى التوسل والاستنجاد بالرسول (ص) أثناء هذه الأبيات للقصيدة والتي شكلت أيقونية متميزة حددتها البنى الدلالية بحذوها طيف يتجلى في كل ثناياها ألا وهو مدح الرسول (ص) تلك هي مقصدية شوقي والتي انبنت عليها هندسة النص الشعري.
ب. الإيجاز :
إذا كان التمطيط يعتبر آلية مهمة من آليات التناص فقد يقابله الإيجاز كآلية تتمظهر بالإحالة على التذكرة أو بالإحالة التاريخية ويستخدم شوقي هذه الإحالة في قوله :
خير الأبوة حازهم لك آدم دون الأنام وأحرزت حواء
فيحيلنا شوقي على مفهوم انتروبولوجي مستنبط من الثقافة الدينية الإسلامية فجدنا آدم وأمنا حواء هي فكرة مستوحاة من الثقافة الدينية وظفها بإيجاز وأحالنا على هذا المفهوم دون التفصيل الذي يميت للمعنى روحاً بل بالإحالة التاريخية والمتمثلة في الإيجاز الذي أحيا للمعنى روحه واقتضب الفكرة في إيجاز بلاغي كان دوماً ديدن صدح به الشعر.
ولم تكن هذه الإحالة الدينية التاريخية الوحيدة بل تكررت وكثرت الإحالات ومنها قوله :
أثنى المسيح عليه خلف سمائه وتهللت واهتزت العذراء
فهنا يحيلنا الشاعر على قصة طالما كانت جسراً صلباً يربط المسيحية بالإسلام ألا وهي قصة المسيح عليه السلام وإن صدر شوقي في هذه الإحالة إنما يصدر عن أطروحة دينية إسلامية مستنبطة من قوله تعالى : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم."
وأن المسيح حي صعد الى السماء وسيعود يظهر من جديد والإحالة الأخرى تمثلت في ذكره الخليل عليه السلام.
وهناك إحالة من نوع آخر ألا وهي إحالة التذكرة على حياة الرسول (ص) فيذكر يتمه في قوله :
نعم اليتيم بدت مخايل فضله واليتم رزق بعضه ذكاء
وأما وصف شمائل المصطفى وتعدادها انما هو إحالات على ما اتصف به النبي الكريم (ص) في حياته.
وإذا استحضرنا مقولة أن الشعر تراكم فهو يتجلى بكل وضوح في هذه الإحالات وإن اختلفت.
5. التناص في الشكل والمضمون :
إن التناص يتجلى بوضوح في المضمون فالشاعر يركب المعاني تركيباً مزجياً فيه من نواة استقاها من الأوائل والإضافات التي تكشف براعته وتفرده وتجعل نصه مميزاً سواءً عن سابقيه أولا حقيه، ولكن قد يتجلى كذلك التناص في الشكل فهناك خصائص عامة يمليها حيناً الجنس وحيناً المسار الشعري ينضبط بها الشاعر ولا يكاد يتجاوزها حيناً ينضبط بها انضباطاً تاماً فلا يعدوها قيد أنملة وحينا يتصرف في فضائها المتسع دون أن يخل بخطها الأساسي أو قواعدها العامة.
التفاعل :
إن مسار الدراسات اللغوية ماانفك يتطور حيناً بخطى متثاقلة أملتها الشروط المختلفة من ثقافية واجتماعية وغيرها وحيناً آخر بخطى متسارعة تحكمت في دواليبها شروط مستجدة وإن كان من ميزات الحضارة المتأخرة التنوع والسرعة فقد كان للدراسات اللغوية الحديثة القسط الوافر من هذا النشاط الدؤوب والمتفرع ؛ فـ \"فتجنشتاين الذي لم يكتف ولم يرض للدراسات اللغوية أن تبقى حبيسة الأطروحات التواصلية شاء لها أن تكون لعبا له قواعده والتي يجب الاطلاع على كنهها ومعرفة كيفيات ممارستها وقد عزز هذه النظرية (ديكرو) وطوّر أبحاثها وركز على أدوات الاحتجاج في اللغة...إلخ، وراح (ياكبسون) و (بوهلر) يعددان وظائف اللغة وسعياً إلى إرساء قواعد الخطاب ؛ ومن هذه الجهود انبثق تياران : أولهما تيار موريس وثانيهما تيار فلاسفة أكسفورد.
وهذه محاولة لتطبيق هذه النظريات على قصيدة ولد الهدى ؛ بداية فإن التيار الأول الذي يتزعمه موريس يعتبر من أهم نشطائه و منظريه بنفست ولاينس وأوريكسيوني وفي نفس الخط كان لكريماس فضل في صياغة المفاهيم الأساسية لهذا التيار ومن مشروعهم:
اعتبروا أن السردية العامة هي المبدأ المنظم لكل خطاب وهذه السردية تتكون من بنيات أساسية تمثل المستوى العميق للعملية السيميوطيقية.
من أهم البنيات الاساسية :
1. المعينات : Les deixis
إن المعينات هي الضمائر والظروف وأسماء الإشارة والتي في مجملها تمنح الخطاب الشعري مرجعية باستثمارها لعناصر السبق ذكرها وقد قمت بعملية إحصائية لهذه العناصر.
البيت الضمائر البيت الظروف البيت أسماء الإشارة البيت
حوله هو 02 العرض 03
به هو 02 السدرة 03
نضمت هي 06 لبيتك 12 ألف هنالك 07
هي صحيفة 06 هذان في الدنيا 32
جاءوا هم 08 خلف 16 ذاك في مرضاته 34
هم أدركوا 11 منابر
هو مخلوف 12 ظروف زمان
زينت هي 13 الزمان 01
زانتك أنت 27 صباح 17
أنت شمس 28 مساء 17
سخوت أنت 30
فعلت أنت 30
عفوت أنت 31
رحمت أنت 32
غضبت أنت 33
رضيت 34
خطبت أنت 35
من خلال هذه العملية الإحصائية للمعينات والمتمثلة في الضمائر والظروف وأسماء الإشارة بالمجموعات الدلالية الثلاث :
أ. نجد أن العامل : أنا ينعدم بالمجموعات الدلالية الثلاث ويحل محله العامل هو وقلما وردت هي وهم ولكن العامل الغالب كان الضمير أنت إذن فالعامل الذي ينجز الأفعال ليس الضمير الأنا ويختفي الشاعر ولا يظهر السارد لان القصيدة أبعد ما تكون عن الفخر بقدر ما هي متفتحة في مجال المدح لذا سيطر العامل أنت كممدوح والعائد على شخص الرسول (ص).
ب. أما اندماج الهنا كذلك غير مطروق اما ظرف المكان المطروق كعامل كان : العرش– السدرة – بيتك – خلف – منابر. فعامل المكان يحلق بنا في فضاءات دينية رحيبةا تخذ منها شوقي مسرحاً لمكان منفتح جابت أجنحة خياله رحابة الآفاق الدينيةوقد استأنس الفضاء الشعري لرمزية المكان والتي نجد بها غير قليل من الطمأنينة فقد تركز النفس البشرية لتلك الأمكنة ونجد بها استقرارها وهدوءها.
ت. أما عامل اسم الإشارة فإن الإحالات كانت حيناً على هنالك في البيت 07 حيث يشير على الألفبائية وفي البيت 32 يشير قائلاً : هذان في الدنيا ويعود اسم الإشارة على الوالدين فقد ذكر اسم الأم والأب قبيل اسم الإشارة في سياق البيت وهو يتحدث عن الرحمة ؛ وأما اسم الإشارة الآخر فكان ذاك وقد استخدمه في البيت 34 حينما قال : إذا رضيت فذاك في مرضاته.
ث. ويستهدف باستخدام اسم الإشارة ذاك استبدال رضاه فقد كان لأسماء الإشارة حظ ضئيل في حيز القصيدة ووظفها توظيفا غاية في الاقتضاب ومرد ذلك أن الموقف المدحي يستدعي ذكر الشيء والتصريح به دون الاكتفاء بالإشارة إليه مستخدمين اسم الإشارة.
ويمكن أن نقدم المثلث التالي :
الإنـســان
الأنــا غير الأنا
غير موظف أنت // هو، هي