نبذة من الكتاب:
بات الارتباط متيناً إلى حدّ التطابق بين السيميائيات والمنطق ونظرية المعرفة، وإن كان التأويل السيميائي للخطاب الفلسفي ذا طبيعة أكثر خصوصية وأكثر تعقيداً، وذلك لأن التفكير بالعلامات وحول العلامة في آن واحد ظل يشغل بال الفلسفة منذ العصور القديمة ومروراً بالعصور الوسطى والحديثة إلى أيامنا هذه. فلا يمكن أن نشك في الدعوى القائلة بأنه لا يمكن دراسة ظواهر الوعي بمعزل عن العلامات من حيث أن السيميائيات تضطلع بعملية إضفاء الخصيصة البنوية على صور المعرفة وأشكال نظرية التعبير، بل إن البحث في قضايا علم النفس العام، التي اشترط دو سوسيو حضورها في بناء المشروع السيميائي مثل الإدراك والانتباه والإحساس، كفيل بأن يعل الفكر قابلاً للاستكشاف عن طريق الوقائع الخارجية التي تصبح موضوعات يسعى إليها الذهن البشري إلى تمثلها.
من هنا فإن العلم هو تحويل الظواهر إلى مفاهيم والتعبير عن نتائجه عن طريق العلامات التي تغدو دلائل عندما يستخدم الاستدلال في استنباط الأحكام والبحث عن حلول للمشكلات التي تتصل بطرائق التعبير العلمي وأشكاله؛ أكثر مما هو تصور الأشياء فحسب على غرار ما يعرفه المنطق التقليدي. ولا غرو أن تضطلع السيميائيات بوظيفة الأرغانون بما كان يطالب به المنطق سابقاً؛ إلا أنه من جهة أخرى وفي الحدود التي لا يكون فيها كل علم تجريبي بجميع الاعتبارات إلا محاولة لاكتشاف المعطيات التي يمكن استخدامها كدلائل جديرة بالثقة. وعليه فإن السيميائيات بوصفها مذهباً وعلماً للعلامات التي تستكشفها بعض العلوم التجريبية يمكنها أن تحوز عن جدارة صفة العلم لهذه العلامات، وتنال ثقته. أن هذا العلم حسب ما ورد في شرح إيساغوجي يبحث فيه عن الأغراض الذاتية للتصورات والتصديقات تحقيقاً للمسلكية التي تسلم الباحثين إلى مدارك المجهولات والوقوف على حقائق المعقولات.
كان المنطق قانوناً أو آلة من منظور المتصورات التقليدية يهتدي بها طلاب العلم ورواد الصنائع لمعرفة صحيح الفكر من فاسده، ولكن المناطقة العربة كانوا يرون في مفهوم الآلة الجانب العملي التي تعصم العقل من الزلل في أثناء نشاطه الفكري؛ ولا غرو أن يتعامل معه على أنه علم عملي آلي لكونهم لم يكادوا يتصورون المنطق خارج طبيعته الإجرائية. بينما كانت السيميائيات المحاثية لغريماس تنظر إلى المنطق من زاوية دلالية في معالجتها لإشكالية المعنى. ولما كان المحكي Recit وحدة خطابية وبنية لوغارتمية من التحولات صارت المرسلات السردية تقدم مصادرات لوجود عمليات فكرية تنظم كل سير الحلقات السابقة قبل تحيينها في الخطاب.
ومهما يكن فإن المنطق السيميائي لا ينبغي فصله عن عمقه الفلسفي، ولعل ذلك ما يبدو في فينومينولوجية هوسرل بعدما هجرت النزعة النفسانية، وتوسلت إلى طلب منطق جديد؛ إذ أن هذا المنطق الجديد هو شكل من أشكال الفلسفة الجديدة. فهل بعد هذه البسطة يمكن الانتهاء إلى القول بأن السيميائيات بوصفها مرادفة للمنطق هي فلسفة جديدة للعلم والمعرفة واللغة والتقنية؟ وهل يتمخض عنها قوانين عالمية للممارسة الدلالية؟ وهل بالاستطاعة تعليق الأنساق السيميائية الدالة خارج دائرة المنطق السيميائي الذي لا يكاد ينفصل عن المواضعة التي لا تخضع خضوعاً مطلقاً لمبدأ التعليل، بل يحكمها، أيضاً، مبدأ الاعتباط الناتج عن الاختيارات العامة واعتبارات العادات الثقافية؟ ثم ما هي الأسس التي قد يستند إليها هذا المنطق في تبني نظرية للحقيقة إن كان لها بيت تأوي إليه أو الاكتفاء بالبحث عن جواريتها إذ تعذر الولوج إلى مسكنها السحري؟ وإذا تمّ لها هذا المسعى فأي متغيرات ترتكز عليها في بناء الصيغ المنطقية التي تعتمدها في مقاربة العلاقة بين العبارة ونظرية التعبير؟
إن هذه الأسئلة كانت من مشمولات النسقية الأرسطية التي بسطها أرسطو في التحليلات الأولى، وتفسح في مسائلها في كتاب الميتافيزيقا. هذا وتغدو إشكالية المعنى بؤرة التفكير السيميائي التي كلّت أفهام الفلاسفة، وأعيت أذهان علماء اللغة، فلم يقووا على إحصاء مناحيها إحصاءً شافياً؛ ولعل الحكمة كامنة في مثل هذا التصور الفلسفي الخديج لعالم المعنى قديماً وحديثاً، لأن العلاقة بين المعنى والعلامة تكون مدارات السيميائيات على اختلاف اتجاهاتها. ضمن هذا الإطار تأتي هذه المقاربة للسيميائية في فلسفة العلامة والتي انفتحت على ستة محاور 1-النسقية الأرسطية وتمفصلاتها، 2-السيميائيات ولغة الحساب، 3-رهان السيميائيات الحسية، 4-سيميائيات التعالي، 5-جبر العلامات والمنطق السيميائي المحايث، 6-منطق المعنى ومبدأ التصديق.
رابط الكتاب هو:
http://www.4shared.com/document/XuoIgrHm/___.htm