دراسة بعنوان
أبو البصير الطرطوسي
تاثيره الفكري على السلفية والسلفية الجهادي والتناقض بينهما
إعداد :
وصفي ذباينة
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وبعد :
تتناول هذه الدراسة، دراسة لواحد من منظري السلفية وهو أبو البصير الطرطوسي الذي يعتبر نفسه سلفياً في يحمل من أفكار وتصورات للعمل السياسي والديني، لكن وبعد التمحيص والتدقيق في الأفكار التي نشرها وتبناها استطعنا الوقوف على أنه سلفياً جهادياً في افكاره ، ويحمل جملة من التناقضات في الفكر والرأي وهذا ما اشار اليه سلفيون آخرون.
خلال هذه الدراسة ينبغي دراسة وملاحظة مفهوم السلفية، وأهدافها واستراتيجياتها الدينية وأسسها، كذلك التحدث حول السلفية الجهادية من حيث النشأة وارتباط ابو بصير الطرطوسي بها ، والتعرض للعديد من الأفكار التي نشرها ابو بصير الطرطوسي ، وآليات نشر هذه الأفكار للعالم، والرد على هذه الأفكار من قبل علماء الأمة .
تعتبر الدعوة السلفية نسبة إلى السلف، نص اللغة هم القوم المتقدمون والمراد بها على من تقدم من الناس أفراداً وجماعات، حيث يقال قدمته سلف، وإذا ارتحل القوم ومن نزل منهم وتقدم بالنزول في الموضع الجديد يقال له سلف، والأمم السالفة، أي الماضية أمام الغابرة( ).
وقال الراغب الأصفهاني: " السلف المتقدم، ولفلان سلف كريم أي آباء متقدمون، والسلف ما قدم من الثمن على المبيع، والسلاف المتقدمون في حرب أو سفر، وسلافة الخمر ما بقي من العصير، والسلفة ما تقدم من الطعام على القرى"( ).
وقال الرازي: " السلف المتقدمون، والسلف بفتحتين أيضاً نوع من البيوع تعجل فيه الثمن، وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم، والسالفة ناحية مقدم العنق من لدن القراط إلى قلت الترقوة " ( ).
من خلال التعريفات السابقة نستنتج أن السلف له معانٍ متعددة، فهي تشير إلى المتقدم، والغابر، والقرض، وناحية مقدم العنق، وما بقي من العصير، وما تقدم من الطعام، ويمكن أن نضع معنى له يتمثل في البقايا الباقي من الشيء، أو ما تقدم منه .
وإذا بحثنا عن هذا المصطلح للسلف في كتاب الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم، نجد أن لفظ سلف قد وردت في عد مواضع بمعنى " الماضي" وما سبق من الحياة الحاضر التي يعيشها الإنسان فمن قوله تعالى:" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"( ) وقوله تعالى، "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف" ( ) وقوله تعالى : " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" ( ) وقوله تعالى: " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه "( ) وهناك الآيات الكثيرة التي وردت في القرآن الكريم التي ذكرت مفهوم السلف ودلالاته التي تشير الى التقدم، والمتقدم من الافعال والأعمال وانتهاء الفرد من عمل وتركه اياه.
وحول هذا المعنى للسلف، ورد في الحديث النبوي الشريف، ففي مسند أحمد بن حنبل، عن ابن عباس – ري الله عنهما- أنه "لما ماتت زينب ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون ..." فيه ايضاً عن فاطمة الزهراء- رضي الله عنها، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قد قال لها في مرض موته " ...ولا أراه إلا قد حضر أجلي وإنك أول بيتي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك ..." كما أن مصطلح السلف كان سائداً ومتداولاً بين الناس في الجاهلية، وخاص في الاعمال التي تخص التجارة، ويعني اقراض الأموال، فلما كان يوم الفتح جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-السائب بن أبي السائب، وكان يشاركه في التجارة قبل الإسلام فقال للنبي – صلى الله عليه وسلم- مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يمارين يا سائب، قد كنت تعمل أعمالاً في الجاهلية لا تقبل منك، وهي اليوم تقبل منك ، وكان ذا سلف وصلة "( ).
أما في الاصطلاح فقد تعددت التعريفات والاختلافات في الرأي حول هذا المصطلح فمنها ما يسنده لفتر زمني محددة من تاريخ الدولة الإسلامي منهم من يرجعه إلى طائفة فقهية اسلامية، ومنهم من يسنده ألى تعريف شرعي، حيث أنه روي عن التهانوي أنه أورد تعريف للسلف يتمحور حول السلف، حيث قال" السلف في الشرع اسم لكل من يقلَّد مذهبه في الدين، ويتبع اثره كابي حنيفة والصحابة فإنهم سلف لنا والصحابة والتابعين فإنهم سلفهم" ( ).
أما من الناحية الزمانية فيدور حول الدعوة السلفية التي تعود إلى السلف، وهم أهل القرون الثلاثة الأولى الخيرة، وهم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين( ).
ويورد محمد ابو زهرة، أن السلفية هم الحنابلة الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وزعموا أن جملة من آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية ( )، والسلف هم من عاشوا قبل القرن الخامس الهجري( ).
نشأة السلفية والفكر السلفي
هناك اختلاف واضح بين علماء المسلمين حول النشأة للفكر السلفي، فمنهم من يرجعه إلى السلف الصالح، وهم الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان، والمتمسكين بكتاب الله وسن رسوله، ومن واظب على فهم اقوال النبي – صلى الله عليه وسلم- وأقوال الصحابة، وعمل بمقتضاها،حيث يورد الاثري أن السلفية ليست تياراً سياسياً أو حزباً أو حرك دينية، وإنما هي تجسيد عملي لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- الذي قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، وهي بذلك تشمل السلف الصالح المتمسك بالكتاب والسنة ، وهي بذلك امتثالاً للقول القائل بالتمسك بما جاء به السلف والمشي على خطواتهم في تفسير العقيدة والقضايا المتعلقة بالدين والدنيا ( ).
ويرفض الكاتب القول بأن السلفية حركة ارتبطت بعلماء قالوا أنها تيار فكري ظهر في العصور المتأخرة على أيدي بعض الأشخاص مثل أحمد بن حنبل ، وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم، لكن يعتقد أن هؤلاء العلماء قد أحيوا هذا المصطلح في عصورهم عندما ظهرت البدع وتفشت بشكل واضح ، وأصبح المبدعة يحاربون أهل السنة ويطعنون فيها ( ).
من خلال هذا القول يمكننا التعقيب على ذلك من خلال أن هذا الرأي ربما قصد أن هذه الفكرة " السلفية" هي منهج خيري قصده واضح وهو الحفاظ على التعاليم الدينية حسب الأصول التي وردت على لسان الأمة الاسلامية والقادة والدعاة والخلفاء والصحابة الذين أخذوا تعاليمهم مباشرة من الرسول – صلى الله عليه وسلم-، وهو نفي لأن تكون طائفة أو حزب أو حركة أو سياسة.
لكن يمكن أن نلحظ رأي آخر قد نجده يعد السلفية على أنها فكرة وفكر حزبي أحياه ووضع قواعده وأصوله الإمام أحمد بن حنبل زمن الدولة العباسية، وذلك عندما بدأت الفتوحات الاسلامية تتسع وبدأ دخول غير العرب الى الاسلام، وظهرت الفلسفات التي امتاز بها اليونان والفرس والرومان، وأصبح في مجال التصدي للأفكار الوافدة الفاسدة المشوهة للدين والعقيدة، ظهر الفكر السلفي يلوح في أفق التصدي لتلك الهجمة الشرسة التي تعرض لها العالم الإسلامي ولا سيما تلك الأفكار المسمومة التي نالت الثقافة العربية الاسلامية .
ويعتقد السيلي أن السلفية امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة، فكان المعتزلة يتخذون مناهج عقلية في قراءة النصوص وتأويلها واستمدوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام ونقاءه وينذر بتفكك الأمة وانهيارها. وانتهى هذا النزاع حين تولــــــــــــتى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده ( ).
يقول محمد أبو زهرة: " أنه في القرن الرابع هجريا ظهرت جماعة من أهل الحديث تنسب آرائها لابن حنبل في إثبات بعض صفات لله بدعوى أن الله أثبتها لنفسه في القرآن والسنة، وذلك الأخذ بظواهر النصوص ثم تفويض الكيف والوصف" ثم أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة وأمر أن يتلى في المساجد يوم الجمعة وأخذ عليه خطوط العلماء والفقهاء( ) وبحسب ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم؛ فقد أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية عام 433 هـ في زمن الخليفة القائم بأمر الله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة القادر. ( )
وقد صاغ ابن حنبل عقائد الحركة السلفية، ودعا إلى اسلام العرب الأولين اسلام المجتمع العربي البسيط، اسلام النصوص والمأثورات والرأي والقياس، والتأويل، وصمد للمحنة الشهيرة عندما أمتحن أبان تدخل الدولة في عقائد العلماء، حتى يقرروا بخلق القرآن، الأمر الذي رفع قدره لا عند أنصاره فحسب، بل في نظر الخصوم وعند جميع المؤرخين لفكر على اختلاف المدارس والمنطلقات( )
ولقد واصلت السلفية في صحوتها هذه السير على منوال العقائد التي صاغها أحمد بن حنبل ومعاصروه، ونهجت النهج ، الذي بلوره مع اضافات عديدة طرحتها مواجهاتهم لما استمد من بدع وخرافات ومع مرونة ملحوظة في الموقف من القياس والتأويل طرحتها التعقيدات التي طرأت على المجتمعات التي عاشوا فيها والآنية التي تصارعت في هذه المجتمعات.
لكن هذه الصحوة السلفية لم تنجح فيما نجح فيه أحمد بن حنبل فلم تصبح مذهباً للدولة بل ظلت حركة معارضة يلقى أعلامها السجن والعنت والاضطهاد فلما ورثت الدولة العثمانية دولة المماليك وواصلت على الجبهة الفكرية جمودها وما شاع في ظل سلطانهم من بدع وخرافات ، الأمر الذي فتح في جدار الشرق الاسلامي العديد من الثغرات التي بدأ الغرب الاستعماري يسعى كي يتسلل من خلالها، لما حدث ذلك وأصبح الاسلام غريباً مرة أخرى كما كان في البدء، اتخذت حركة اليقظة والتجديد في عصر امتنا الحديثة سبيل الحركة السلفية تدفع بعقائدها البدع والخرافات عند فكر الاسلام ساعية إلى إعادة قيادة الاسلام إلى الغرب، بعد أن تأكد عجز الأتراك العثمانيين عن القيادة أمام الخطر الاستعماري الزاحف على بلاد الاسلام ، وهكذا عرفت الأمة أعلام الحركة السلفية الحديثة ( )
وقد اقتفى خطوات ابن حنبل العلماء المسلمون اللاحقون أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم الذين استدلوا على حرفية أقوال وأفعال وتصرفات واعتقادات وعادات الصحابة والتابعين وتابعي التابعين بحديث القرون الثلاثة، إذ يقول ابن تيمية: ( المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة ، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف : إن خير قرون هذه الأمة في الأقوال والأفعال والاعتقادات وغيرها من كل فضيلة ، إن خيرها القرن الأول ، ثم من يلونهم ثم الذين يلونهم وإنهم أفضل من الخلف من كل فضيلة من علم وعمل وايمان وعقل ودين وبيان وعبادة وإنهم أولى بالبيان من كل مشكل هذا لا ينفيه من كابر المعلوم من الذين بالضرورة من دين الاسلام وأضله الله على علم ) ( )
السلفية الجهادية وارتباط أبو البصير الطرطوسي بها
بدأت هذه الفكرة والتيار الفكري في الظهور منذ عقد الثمتانينات من القرن العشرين، ولم يكن هذا التيار مفهوم الواقع والأهداف والنوايا، ولم يكن يلاقي دراسة واهتمام من قبل الكتاب والمفكرين ولم يكن ينظر له ، إلا على أنه جماعة اسلامية ترتدي الجلاليب ، وتطلق العنان للحى ، يتجمعون في زوايا المساجد ولم يكن أحد يتصور أن تتحول هذه الجماعة إلى تيار جهادي إرهابي يقض مضاجع الدول، ويصبح له شهرة عالمية، وينخرط في دائرة صناعة الحدث العالمي، وفي دائرة القلق العالمي، وفي دائرة الحرب العالمية على مسمى مكافحة الإرهاب.
هذا التيار الذي يتبنى العمل الارهابي والضرب والتدمير شعاراً له، حيث لا يستمد أفكاره من معالم العمل السلفي الذي درسناه ووصفنا عقائده ، بل نجد ان هذا قد خرج عن الأطروحات السلفية التي تتمثل في التوحيد أو الراية أو الحاكمية أو سايكس- بيكو ، بينما هو غارق فيه حتى ناصيته في الحداثة والعولمة ولغة السوق السياسية .
لكن بدأ هذا الفكر بالظهور ونال قسطاً من الدراسة والتمحيص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2000 بعد الضربة المشهورة يسلط الأعين عليه ، ويغذي الفكر الارهابي بين أنصاره ، سواءً أكان في أفغانستان أو العراق أو الشيشان، أو اليمن وغيرها من بلدان العرب والمسلمين ونواحيها، وبدأت الحملات العالمية ، والاستراتيجيات الدولية تظهر للعيان في مقارعة هذا الفكر وهذا العمل الارهابي وتشن جميع دول العالم حرباً شعواء ضد السلفية الجهادية التي تحمل هذا الفكر التدميري لمظاهر الحضارة وإفرازاتها العالمية.
استقر مصطلح السلفية الجهادية في وسائل الإعلام ليعبر عن تيار جهادي ذو صبغة عالمية، لكنه في عرف أصحاب التيار لا يكفي لبلوغ المعنى الدقيق له فضلا عن أن ترويجه ينطوي على حصر للتيار في أطر ضيقة. فالوهابية مثلا تمثل أحد المصادر الشرعية والتاريخية للفكر الجهادي العالمي لكنها ليست المصدر الوحيد، وتبعا لذلك ليست السلفية الوهابية الجهادية هي التيار الجهادي العالمي ولا هي المخولة بالتحدث باسمه، كما أن التيار الجهادي أوسع، في مرجعياته ومكوناته، من أية مرجعية منفصلة. والحقيقة أن التصاق تعبير السلفية بالتيار الجهادي العالمي يمكن رده إلى عدة أسباب منها:
1- كثرة منتسبيه من الجزيرة العربية وخاصة من السعودية إثر دخول الدولة على خط الجهاد الأفغاني الأول ودعمها لعديد القوى المنخرطة فيه وتوفير الغطاء المادي والإعلامي له وحتى الشرعي.
2-تبني الكثير من علماء السعودية للمشروع الجهادي ممن ذاع صيتهم في الأوساط الجهادية والإعلامية. والحقيقة أن اهتمام الجهاديين بالوهابية (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) والتركيز على تراثها برز بشكل لافت عقب أحداث سبتمبر وما تبعها من دخول شيوخ نجديين على الخط الجهادي ممن كان لهؤلاء اهتمام بالغ وكبير بتراث أئمة الدعوة النجدية خاصة علي الخضير وأحمد الخالدي حيث تعج مؤلفاتهما بكثرة الإحالات (إلى) والنقل (عن) تراث أئمة الدعوة مما ينبئ عن استظهارهما لتلك الرسائل.
3-الاسترشاد بالدعوة السلفية الوهابية كمنهج علمي وعملي، والنظر إلى كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب كأحد المراجع الرئيسية للتيار الجهادي العالمي ومن بعده رسائل أئمة الدعوة النجدية خاصة الدرر السنية. فبعد الجهاد الأفغاني أضحى التراث الوهابي مصدرا رئيسيا أضيف إلى مصادر التراث المعرفي الجهادي ممثلا بفتاوى ابن تيمية وتلاميذه وسيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام.
4-انقسام السلفية الوهابية إلى سلفية تقليدية وأخرى جهادية الأمر الذي سمح باستخدام المصطلح بهدف التمييز بين التيارين. فـ"السلفية الجهادية" كمصطلح لا يعني بأي شكل من الأشكال وجود سلفية بلا جهاد لاسيما وأن التيار الجهادي كغيره من التيارات الإسلامية يرى في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام هي خير القرون دعوة وجهادا وحضارة، وبالتالي فالسلفية تعبير أصيل، لكن المصطلح استخدم بهدف التميّز عن أولئك الذين صنفوا أنفسهم من أهل السلف إلا أنهم وبلغة سايكس – بيكو كما تقول السلفية الجهادية، همشوا الجهاد أو منعوه بدعوى الضعف والعجز فكان لزاماً علينا التفريق بين سلفية تركز على الجهاد وتدعو له بصورة عالمية وأخرى تهمشه أو تمنعه وفي أحايين أخرى تحاربه.
لكل هذه الأسباب وغيرها استعمل المصطلح للدلالة على التيار الجهادي العالمي، إلا أننا لم نقع على قبول فعلي للمصطلح من قبل رموز التيار حتى تلك التي تستعمله إعلاميا. وفي المقابل لا يبدو على هذه الرموز رفضا للمصطلح بقدر ما تحرص على التعبير عن نفسها بـ "أهل السنة والجماعة" كتسمية دالة على التيار ومحببة إليها( ) أكثر من تعبير "السلفية الجهادية".
فالتيار السلفي الجهادي يخالف من يتخذون الجهاد على أساس وطني ودفاعاً عن قطر، وكذلك من يردخون للسلم مع العدو ولا يحاربون، كما أنه لا يذعن للطواغيت من العرب والعجم. ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته وفي كل مكان فحيث وجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته وحيث وجدت هذه الدعوة وجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها ... ولذلك فأنت ترى أن هذا التيار لا يحصر جهاده في بقعة معينة من الأرض من منطلقات قومية أو أرضية بل ميدانه هي الأرض كلها فتجد أبناءه يجاهدون في شتى بقاع الأرض ... فرق بين الاجتهادات النابعة من السياسة الشرعية وبين الثوابت والأصول النابعة عن الوطنية أو نحوها من الموازين الجاهلية"( )
أما الفرق بين السلفية والسلفية الجهادية، يتمثل في اللفكر الذي تتبناه كل منهما، حيث وكما مر معنا ان السلفية تعني العودة على الأصول التاريخية في استنباط الأحكام والقوانين من السلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى، وهي قرن الرسول وقرن الصحابة وقرن التابعين ، ومعالجة القضايا والحوادث بالرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله، ولكن السلفية الجهادية هي فرع من تلك الحركة السلفية تبنوا الارهاب مذهباً وعملوا به، وضربوا المعاقل والأماكن بتهمة أنها للطواغيت، ويديرها الطاغوت ، مشيربن بذلك إلى أمريكا ومن ينضم تحت لوائها من الشعوب والأمم، وهم يكفرون كل من يستكين ويتخاذل عن الجهاد حسب تعبيرهم ضد الطواغيت وضد الأمم الكافرة.
إن وصف من قاموا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر بالسلفية الجهادية أمر خطير ولا يسكت عنه؛ لأن السلفية أصبحت معلماً على علماء هذه البلاد وما تميزوا به من صفاء عقدي وبعد نظر وقراءة للأحداث صحيحة وفق منهج السلف الصالح الذين يقدرون الأمور مقاديرها يضعونها في موازينها في ظل ولاة الأمر وطاعتهم في غير معصية كما يرون أن الجهاد والقضاء والفتوى من أعمال السلطان التي يتعبد لله جل وعلا بها، والأعجب من ذلك أن الحركيين فرحوا بهذه التسمية الجديدة (السلفية الجهادية) لتمنحهم شرعية في المجتمعات التي لمست خطورة فعلهم ومواجهتهم للآخرين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أحداث أفغانستان والعراق عنا ببعيد، كانا بلدين آمنين، فهدمتا على رؤوس أهاليها بسبب المواجهات الحركية التي تتهكم بمن يؤمن بالواقعية وتعده ضرباً من الخنوع والامتهان والعقلاء وحدهم يعرفون مآلات المواجهات الأشبه بالانتحار .
وبذلك يثبت أن هؤلاء الحركيين في إقحامهم الأمة في حروب لا قبل لها بها يختلف عن السلف الصالح وطريقتهم في تعاملهم مع الكفار والمجتمع المسلم بفئاته المختلفة ابتداء من ولي الأمر وانتهاء بأفراده.. ولكننا في زمن اختطف فيه الحركيون والحزبيون ومن هم على شاكلتهم مصطلح السلفية الجهادية لصبغ أعمالهم الشريرة وتفجيرهم وتكفيرهم ومواجهة الآخرين بالشرعية الإسلامية التي هي بريئة من كل هذه الفوضى والفساد، وعليه يجب أن تتنبه الأمة وتستيقظ من سباتها العميق وتحرر مصطلحاتها من الاختطاف والتزوير والله من وراء القصد.
الشيخ مصطفى عبد المنعم حليمة (أبو بصير) من أوائل المنظرين المعاصرين البارزين للسلفية الجهادية، رغم أنه يبدي تحفظه على استخدام هذا المصطلح (السلفية الجهادية) إلا في حالات محدودة، بيد أنه يرى أن هذا التيار هو «أقرب الناس إلى الحق وإلى فهم النص، وأوفرهم به حظاً»، بحسب رأيه، ومن ذلك يمكن الحكم عليه على أنه تبنى الفكر السلفي الجهادي، رغم ادعائه بأنه سلفي، يتبنى افكار السلف الصالح في تفسير القضايا والأحكام الدينية والدنيوية، فهو من ذلك متناقض في الفكر والرأي( )
سخّر (أبو بصير) قلمه وكتبه للتنظير لأفكار ومعتقدات التيارات السلفية الجهادية، فهو يرى أن التيارات الجهادية تولد من رحم الكتابة والتنظير الشرعي والعلمي. وعندما تختلط الأوراق، وتطرأ على حركات « السلفية الجهادية » أفكار دخيلة ربما تشوه صورة الجهاد، فإنه يعجل إلى قلمه وكراسه ليخط النصائح لأبناء هذه الحركات، فهو يرى أن «الجماعات الجهادية بحاجة ماسة - أكثر من غيرها - إلى إجراء عمليات تقييم لأعمالها ولسياساتها وأساليبها».
من هذا الإطار، ينطلق (أبو بصير) في تحذيره من إهمال «النظر إلى مآلات ونتائج وآثار الأعمال»، إذ إن هذا الأمر في نظره «معتبر في ديننا، ويجب مراعاته وبخاصة في العمل الجهادي»، مؤكداً أنه «لا يجوز التعرّض بسوء لمن يدخل بلاد المسلمين سائحاً، أو زائراً أو تاجراً أو عاملاً أو طالباً، ونحوهم من المدنيين ممن لهم عقد أمان مع المجتمع والمسلمين».
ويؤيد أبو بصير ما ذهب إليه منظر السلفية الجهادية أبو محمد المقدسي في الحوار الذي أجرته معه «السبيل» مؤخراً، من أن «الذي يأتي بلاد المسلمين من غير المسلمين كمندوبٍ لهيئات الإغاثة، ثم يقتصر عمله على الجانب الإنساني، وتقديم الخدمات للمنكوبين وذوي الحاجة... لا يجوز ترويعه ولا خطفه أو الاقتراب منه بسوء، بل يجب أن يُشكَر على جهوده التي يُقدمها»، مستدركاً بالقول: «أما إن كانت له مهام عسكرية عدائية ضد المسلمين ومجتمعاتهم، وعُرف عنه ذلك يقيناً، فهو غير آمن، حتى لو جاء تحت غطاء الهيئات الإغاثية الدولية»، مؤكداً أنه اطلع على حوار «السبيل» مع المقدسي، وأنه وجد في ما طرحه المقدسي «النضج والشعور بالمسؤولية، والدراية بالنقل والواقع.
وشكل موقف (أبو بصير) تجاه الشيعة خطوة متقدمة في أدبيات التيار السلفي الجهادي إذ أنه في تصريحاته لـ «السبيل» رأى أن حل المشاكل بين السنة والشيعة يكمن في «الحوار والنصح والتعليم، لا بالقتل والقتال»، مؤكداً تحريم التعرض لـ«الحسينيات» بالتفجير إذ أن «الحسينيات تضم الأطفال والنساء والشيوخ والعوام الجهال... وهؤلاء أرى نصحهم وتعليمهم ومحاورتهم ودعوتهم إلى الحق لا قتلهم، أو مبادأتهم بقتال.
وقد نشر ابو بصير افكاره في الكتابات التي نشرها على موقعه الالكتروني، ومن خلال الرسائل التي أرسل بها إلى الحركات الارهابية الاسلامية التي تعيث في الاستقرار والحضارة الفساد وتعمل في ضرب المواقع الاستراتيجية والحيوية في العالم ، وتعمل على تكفير مظاهر العلاقات مع الغرب وامريكا، باعتبارها حسب وجهة نظرهم الطاغوت الأكبر، بالإضافة إلى المقابلات والحوارات للصحف والمجلات، والمقابلات الشخصية في البرامج التلفزيونية، سواء أكانت باللغة العربية أو اللغات الأجنبية .
يعتبر السلفيون الجهاديون أن الأنظمة العربية والأنظمة الحاكمة في البلاد الاسلامية هي أنظمة متواطئة مع الطاغوت الأكبر - حسب تعبيراتهم- وهي مخالفة لما نادى به السلف الصالح الذي حض على الجهاد ضد الأعداء وطائفة الكفر، ويسخرون من القومية العربية والتيارات الوطنية حتى التي تجاهد وتضرب الأعداء لتحرير أوطانها أو لطرد الغزاة منها ، إنما هدفها هو ليس لنشر الاسلام أو الدفاع عنه وإنما هو التصدي والدفاع عن أنظمة علمانية تخالف الدين والقومية الاسلامية، فالقومية العربية أو العروبة بهذا المفهوم الآنف الذكر هي دعوة عصبية جاهلية نتنة حرمها الإسلام وحذر منها أيما تحذير، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" إن الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن "( ).
ومن أقوال أبو بصير في الأنظمة التي تتعامل الأنظمة الكافرة " اعلم أن الخروج على طواغيت الحكم والكفر والردة حقٌّ، وواجب شرعي يجب القيام والنهوض به .. وهو خيار صعب، وقد يكون مُكلِفاً .. ولكن الخيار الأكثر منه صعوبة، والأكثر منه كلفة والأشد ضرراً يكمن في السكوت على الطاغوت ونظامه، والرضى به حاكماً على البلاد والعباد، يحكمهم بالكفر والفجور والجور والخيانة؛ لذا دلت النصوص الشرعية دلالة صريحة على وجوب الخروج عليه وعلى نظامه القائم على قوانين الكفر والشرك والظلم، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الصامت أنه قال:" بايعنا النبيَّ على أن لا نُنازعَ الأمرَ أهلَه؛ إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم منَ الله فيه برهان ". وبعض أهل العلم قد نقلوا الإجماع على ذلك( ). ومن أقواله في الحكام الفاسدين الذين لا يقيمون حدود الله ويغررون في مصائر الشعوب " الحاكم المسلم الفاسق: وهو الحاكم المتغلّب، والمتلبس في بعض الأعمال التي تخرجه من صفة العدالة .. لكن لا تخرجه من الملة .. ولا تدمغه بالكفر البواح .. فالأصل في هذا النوع من الحكام أن لا يولّوا ابتداء، من قبل الأمة، وممثليها ـ كما تقدم الحديث عن ذلك ـ أما وأنه قد تغلّب بالقوة .. وتعسَّرَت إقالته عبر الطرق السلمية المشروعة .. وكانت مفسدة الخروج عليه أكبر من مفسدة إقراره والصبر عليه .. فحينئذٍ يتعين تقديم أقل المفسدتين، ودفع أكبر الضررين والشرين بأقلهما ضرراً وشراً، وهذا الذي أفادت به الأحاديث النبوية، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتةً جاهليةً " متفق عليه". ( ).
أما رأيه في الحاكم شديد الفسق " الحاكم المسلم الشديد الفسق والظلم، والسَّفَه: وهو يختلف عن سابقه أنه شديد الفسق والظلم والفجور، والسَّفَه .. من ذوي الظلم والفسق، والسّفه المركّب والمغلّظ .. والذي لا يُختلف في الأمة على فسقه وشدة ظلمه .. وهذا شره وضرره على الأمة يختلف عن سابقه الحاكم من ذوي الفسق أو الظلم المجرد .. وبالتالي فإن النظر في تقدير المصالح من المفاسد بالنسبة للخروج عليه من عدمه .. أمر وارد، قابل للنظر، ومستساغ شرعاً وعقلاً .. وعليه فأقول: ابتداءً يتعين على الأمة خلع وعزل من كانت هذه صفاته من الحكام .. وبالطرق السلمية ما أمكن لذلك سبيلاً .. فإن أبى الانخلاع والاعتزال إلا بالقتال، نُظر في ذلك فإن كان القتال والخروج عليه بالقوة أقل ضرراً ومفسدة مما يصدر عنه من ظلم وفجور وفساد تعين الخروج عليه ولا بد، وإن كان خلاف ذلك، أُمسك عن الخروج عليه .. إلى حين توفر القدرة التي تمكّن من الخروج عليه، بنتيجة تكون أقل ضرراً ومفسدة .. عملاً بالأحاديث العامة الآنفة الذكر التي تأمر بالكف عن الخروج على أئمة الجور والفسق، دفعاً لأكبر المفسدتين والضــــــــررين" ( ).
وقد تطرق أبو بصير الطرطوسي للفقهاء والشيوخ الذي يتظاهرون بالإيمان والنصح والرشاد ولكنهم يرتكبون المعاصي ويضللون الحقائق واصفاً اياهم باللصوص المتمشيخون ، حيث قال في قطوف وخواطر ط هو اللص الذي يحفظ بعض كلمات أهل العلم .. ومصطلحاتهم .. فيرددها بتكلفٍ وتشدّق على مسامع الناس، وبخاصة منهم من يطمع باصطيادهم والسطو على حقوقهم وحرماتهم .. ليظنوه عالماً متديناً وما هو بعالم ولا متدين! هو اللص الذي يستأكل ويعتاش بالدين .. وباسم الدين .. ويجعل الدين تبعاً للدرهم والدينار في الحركات والسكنات؛ ميَّالاً مع الدرهم والدينار .. يدور معهما ويميل حيثما دارا ومالا .. ويتواجد معهما حيثما يتواجدا .. يبذل الدين لمن يرمي له بالدرهم والدينار .. وبالطريقة التي تُرضي صاحب الدرهم والدينار! هو اللص الذي يُقاتل دون نفسه وظلمه .. بالكذب .. والفجور .. والغدر .. والخيانة! هو اللص الذي يتقوى ببعض الكلمات عن الدين والإيمان .. والأيمان المغلَّظة الكاذبة .. على نهب .. وغش .. وظلم .. وغدر .. وخيانة الناس .. وهذا النوع من اللصوص قد كثروا في هذه الأيام .. فلزم التحذير منهم ومن شباك مكرهم وغدرهم .. فالحذر الحذر!" ( ).
وفي مجال رأيه ي بعض علماء وفقهاء الامة الاسلامية نستطيع الوقوف على رأيه في الشيخ القرضاوي في بعض فتاويه، وخاصة تلك التي وجهها لجواز التحاق المسلمين في امريكا بالجيش الأمريكي لحرب وقتال المسلمين في أفغانستان وكافة بلاد المسلمين، حيث قال في هذه الفتوى:" أنها غير مسؤولة وغير مستمدة من الشرع لأن المسلم لا يجوز وضع يده بيد الطاغوت مهما كان هدفه، وقد أشار إلى مبررات القرضاوي وفندها، وأوضح زيفها، حيث أن الالتحاق بالجيش الأمريكي أو الأوروبي ليس إجباريا وإنما هو طوعي لذلك تبطل الضرورة للعمل في جيش الأعداء " ( ).
وفي مجال انتقاده للحركة الاسلامية، تخلي الحركة عن كثير من ثوابت العقيدة والدين، والتي منها عقيدة الولاء والبراء، وعقيدة الجهاد في سبيل الله، وعقيدة الحكم بما أنزل الله، والشروع في علمنة الحركة، وإفسادها وخروجها عن المنهج الرباني؛ ويتمثل ذلك في اعتراف الحركة وتحاكمها إلى دساتير الأنظمة الطاغية التي تحكم بلاد المسلمين، وبرفعها شعارات الديمقراطية، وحاكمية الشعب، والوحدة الوطنية التي تُكرس عقيدة الولاء والبراء، وتقسِّم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء إلى الحدود الجغرافية للوطن بغض النظر عن الدين أو العقيدة ، وضرورة المصالحة مع القومية العربية؛ على اعتبار أن الخلاف الدائر بين العروبة أو القومية والإسلام خلاف مفتعل لا حقيقة له، وغير ذلك من الشعارات والرايات التي تجعل الحركة الإسلامية المعاصرة أقرب للعلمانية منها إلى الإسلام! ( ).
إذاً يمكن القول أن أبي البصير الطرطوسي يكفر الزعامات العربية وغير العربية التي تتعامل مع الغرب وأوروبا، ويتهمهم بالكفر والضلالة، وكذلك يكفر من بجيز لهم ذلك من علماء المسلمين وهو يرفض الوطن والوطنية والقومية، والتعامل مع الأنظمة الفاسدة الغاشمة .
كما نجد أنه قد منع من التعرض للكافرين في الديار الاسلامية ، ونبه الى عدم التعرض لأموالهم وممتلكاتهم، وكذلك نسائهم وأولادهم ، حيث قال: " اعلم أن من يدخل من الكافرين مسالماً في ذمة وعهد وأمان وجوار المسلمين في ديارهم، يجب أن يُحسَن إليه، ويُرفَق به، لكي يُحسِن الاستماع إلى كلام الله إن قدَّر الله له الاستماع .. وأن تُصان حرماته من أي نوع من أنواع الاعتداء والأذى .. ويُعامَل معاملة حسنة ترقى إلى مستوى أخلاق وحسن الجوار الذي أمر به الإسلام .. وكذلك من يدخل من المسلمين في جوارهم وأمانهم وعهدهم في ديارهم .. يجب عليه نحوهم أن يُحسن جوارهم وأمانهم .. وأن يفي لهم بعهدهم؛ فلا يعتدي عليهم ولا على شيء من حرماتهم .. ولا يغدر بهم في شيء .. كما يجب عليه أن يُعاملهم برفق وإحسان وقِسط وبما تقضي به أخلاق الإسلام العظيمة .. وأن يُقابل المعروف بمعروف .. والجميل بما هو أجمل .. ويشكر عليه .. وأن يُحسن جوار ومعاملة من يُجاورهم .. وهذا كله لا يجوز أن نُعارضه مع عقيدة ونصوص الولاء والبراء الآنفة الذكر أعلاه .. وكأن أحدهما يلزم من وجوده انتفاء الآخر .. كما يفعل البعض .. ويظن البعض! واعلم أن لساحات وميادين الحرب أحكامها وأخلاقها وفقهها .. ونصوصها .. وساحات وميادين العهد والأمان أحكامها وأخلاقها وفقهها .. ونصوصها .. المختلفة .. لا يخلط بينهما إلا جاهل .. أو مغرِض .. وبالتالي لا يجوز أن نعمم الأحكام والنصوص ذات العلاقة بساحات وميادين الحرب .. وأهل الحرب .. على ساحات وميادين العهد والأمان .. وأهلها .. كما لا يجوز العكس كذلك .. وهذا فقه ـ أشرنا إليه مراراً ـ إن لم يتنبه له العاملون من أجل الإسلام يقعون في البغي والظلم .. والغدر .. أو الجفاء .. ويجنحون إما إلى إفراط .. وإما إلى تفريط .. وكلاهما خلقان مذمومان في دين الله .. ومآلهما إلى الخسران والفشل .. والنّدم ... ( ).
مشكلة البحث :
تتمحور مشكلة البحث في الموضوع الرئيس الذي يتناوله هذا البحث وهو ابو البصير الطرطوسي، كأحد منظري الفكر السلفي، والتحولات السياسية في هذه الفكر مما أوجد التناقض في الفكر وكتابة النصائح والإرشادات للجماعات الارهابية العالمية، حيث يدور هذا البحث حول ابو البصير الطرطوسي ، ويأتي ليجيب عن السؤال الرئيس الآتي : من هو تأثير ابو البصير الفكري على السلفية والسلفية الجهادية ، وما هو مدى تأثير وجوده في دولة غربية أو مسيحية على أفكاره وعقيدته ، وما العلاقة بين هويته السورية القومية وبين رؤيته السلفية، والذي يتفرع عنه جملة من الأسئلة الفرعية على النحو الآتي:
1- ما هي السلفية وما هي مبادئها وأفكارها وسسها الدينية ؟
2- ما السلفية الجهادية وما هي الافكار التي تتبناها ، والأصول التاريخية لظهورها؟
3- من هو أبو بصير ولإى أي مذهب تنتمي أفكاره الي ينشرها ؟
4- ما التناقضات الفكرية التي ظهرت في فكر ابو بصير الطرطوسي؟
5- ما علاقة أبو بصير بالحركات الارهابية والسلفية الجهادية، وما موقفه منها.
6- كيف ينظر ابو بصير لأبى وسائل الحكم والسياسة في العالم العربي والاسلامي؟
7- ما موقف ابو البصير الطرطوسي من العمليات الانتحارية والتفجيرات العشوائية.
8- ما اوجه الشبــه والاختلاف بين ابي البصير الطرطوسي والإمام احمد بن حبل وابن تيميــة ؟
أهمية البحث
تنبع اهمية البحث من خلال كونه يناقش واحداً من أبرز وألمع رجال الدين في العالم العربي والاسلامي وهو ابو البصير الطرطوسي الذي يعيش الآن في بريطانيا والذي له العديد من المؤلفات والمقالات التي تبلور أفكاره المتناقضة من حيث نظرته للجهاد ومفهومه له فتارة نجده يوصي بالجهاد وأخرى يدعوا الى الاستكانة، وقد اصدر الفتوى ضد الفقهاء في العالم الإسلامي وهو يعد من منظري السلفية الجهادية في العالم، ويتبنى فكرهم في المواقف العالمية والأحداث السياسية.
كما انه يمكن ملاحظة أن أبو بصير الطرطوسي يصدر الفتوى ، ثم يتخلى عنها في فترة لاحقة، وهذا يعني التناقض والتسرع في الحكم لا الروية ، وهذا الفكر يتناقض والسلفية الجهادية، والسلفية بشكل عام، فان من مبادئ السلفية الثبات في الرأي والاتزان في الحكم على الأشياء.
كما تنبع أهميته من خلال التعرض لواحدة من التيارات الفكرية الإسلامية وهي السلفية التي ترجع بفكرها الى استنباط الأفكار من عصور الصحابة والتابعين تابعي التابعين، ولا سيما منذ عهد الامام أحمد بن حنبل، ومن تلاه في تزعم هذا الفكر في العصور اللاحقة، أمثال ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.
كما تنبع أهميته من خلال مناقشته لظاهرة تسود العالم وهي ظاهرة الفتاوي التي تصدر من مختلف المفكرين والفقهاء الذين أخذوا يصدرون الفتاوى التي يراد بها هو مصلحة الدولة والوطن وعدم الالتفات إلى مصالح الأمة الاسلامية.
كما تنبع أهمية البحث من خلال كونه يسلط الضوء على قضية على التيار الفكري الجهادي الذي ينظر له ابو البصير الطرطوسي، والتوصل الى أحكام أبو بصير الطرطوسي على القضايا الدينية والدنيوية، والسياسية ، وكذلك للدراسة في تناقضاته.
كما تبع اهمية البحث من خلال كونه يشكل واحداً من منابر التحليل والتمحيص في قضية من القضايا العالمية ، تشكل مكمن الارهاب الدولي، والداعية إليه والتي لا تنشر ماذا تريد من المجتمعات، فقط تنشر الرعب والقتل والدمار ولا تدافع عن مبدأ أو فكر تتبناه ، وهي السلفية الجهادية التي ينتمي اليها وإلى فكرها وينظر له ، وهو أبو البصير الطرطوسي.
ولعل ابرز أهمية للبحث تتمثل في دراسة التناقض في شخصية أبو بصير الطرطوسي المستمدة من آرائه وأفكاره التي ينشرها في موقعه او في رسائله التي يرسل بها إلى الجماعات الارهابية.
أهداف البحث
يرنو هذا البحث لتحقيق الأهداف الآتية:
التعرف على السلفية من حيث النشأة والأهداف والأيديولوجية التي تتبناها وتدافع عنها، والانقسامات الفكرية القديمة والحديثة لهذه الحركة التي لا يعترف اصحابها بأنها حركة أو حزباً ، وإنما هي فكرا ومنهجاً.
التعرف على السلفية الجهادية كأحد افرازات العصر والتي تتبنى فكراً جهادياً ارهابياً يهدف إلى القتل والتدمير لكل ما هو غير اسلامي أو لا يسير وفق أسسهم وعقيدتهم.
التعرف على أحد منظري الفكر السلفي الجهادي وهو ابو البصير الطرطوسي السوري الأصل الذي يعيش في لندن ببريطانيا ذلك الشيخ الذي الف فاكثر وأفتى وغير ، وأوصى ونشر فكراً وأرسل الرسائل إلى كل الذين ينادون بفكر المقاومة والإرهاب في العالم العربي والإسلام فوقف من بعضهم موقف المؤيد والمشجع، ونقد البعض واتهمهم بالخروج عن تعاليم الصحابة والتابعين ومشوراتهم .
التعرف على العلاقات التي كان يجريها مع الثوار في العراق وأفغانستان وفلسطين ، والنصائح التي كان يسديها لهم، وكذاك التعرف على الفتوى التي أصدرها بحق الجهاد والقتال والعمليات الارهابية الانتحارية، والتي أسماها محاذير العمليات الانتحارية .
التعرف على التناقض الذي يعتري آراء أبو بصير التي نشرها في كتبه ومؤلفاته، ورسائله ، وخاصة في كيف أنه يتبنى الفكر السلفي، وينحاز الى التيار السلفي الجهادي المصبوغ بصبغة الارهاب الذي قاومته كل الأمم والذي لا يمثل من الاسلام في شيء، حيث يقتل الأطفال والأبرياء، والشيوخ والنساء، ويعتدي على الممتلكات، وكل هذه الأفكار ليست من تعاليم الاسلام في شي .
كما يهدف هذا البحث للبحث في قضايا التناقض في الفتوى والاصدارات لأبي البصير، وكيف أنك اذا درسته لا تجد له خط محدد يسير وفقه في معالجة القضايا السياسية، وكذلك ربط المستجدات الدولية بال\افكار الاسلامية الصحيحة، وخاصة ونحن نعلم التناقض الذي وصلت اليه الأمة الإسلامية فظهرت الحركات الاسلامية الصوفية منها والدعوية والعسكرية، وكل تدعي أنها هي الأصوب في الفكر والرأي .
منهج البحث
يستخدم خلال هذا البحث المنهج الوصفي التحليل المضموني الذي يعتمد على تجميع الأفكار والمعلومات من المصادر الأساسية وتفنيدها وتبويبها لتتناسب ومادة البحث، ومن هذه المصادر الكتب الاولية لأبي البصير، وكتب المؤلفين الذين كتبوا في السلفية والسلفية الجهادية، وكذلك وبعض الكتب الدينية والتفسير، والفتاوي، وكتب الحديث الشريف ، والمذاهب الفقهية وغيرها، وكذلك المقالات المنشورة في المجلات والدوريات والجرائد والصحف، والمواقع الإلكترونية وكذلك المقابلات من قبل الفضائيات محطات الاذاعة والتلفزة العربية والعالمية، وإن أمكن اجراء مقابلات شخصية مع المفكرين والأدباء ولا سيما مع ابو البصير شخصيا. .
مكانة البحث في البحوث السابقة
يحتل هذا البحث مكانة الصدارة في موضوعه الذي لم يتم نقاشه من قبل على يد أي من الباحثين عربا كانوا أم أجانب وهو الأول من نوعه في هذا الموضوع ، حيث لم يسبق وأن تعرض أي من الكتاب الحديث في موضوع البحث .