مدخل إلى فلسفة التربية الصوفية وأهدافها.
- مفهوم التربية والنظرية التربوية.
- ماهية التربية في الفكر الإسلامي وغرضها.
- الأصل الديني للتربية.
- الأصل الاجتماعي للتربية.
1 - مفهوم التربية والنظرية التربوية:
كانت التربية ولا تزال محط اهتمام عدد كبير من المفكرين في مختلف الحقبات والعصور،بعضهم أفرد لها كتبا خاصة بها، وبعضهم بث آراءه التربوية في كتبه ومؤلفاته سواء كانت في الفقه أو الفلسفة أو اللغة أوغير ذلك.وأبرز هؤلاء ابن سينا والغزالي وابن خلدون وابن مسكويه وإخوان الصفا وغيرهم.
- التربية: هي تبليغ الشيء إلى كماله،تقول ربُ الولد بمعنى وليُه،ويُربيه،أي يتعهده بما يُغذيه وينميه ويؤدبه.
وفي الاصطلاح:التربية هي تدريب مختلف الوظائف النفسية، وتقوية القدرات، وتنمية الملكات، حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا.والمربي هو المؤدب الذي يروض على محاسن الأخلاق والعادات.
وتربية النشءéducation des jeunes توجيههم اجتماعيا لما فيه مصلحتهم ومصلحة البيئة، وتتم هذه التربية وفق فلسفة معينة.
والتربية الذاتية self-éducationعملية فردية يتولى بالشخص فيها نفسه بالتدريب والصقل، ينشد الكمال في مجال معين،وقد يترك فيها الطفل على سجيته ليتعلم من نشاطه القصدي،ويقوم المذهب التربوي على فكرة إن الإنسان كائن حي تتغير طبيعته بتأثير غيره وبمؤالفة ظروف بيئته، وأنه بالتربية يمكن تطويع هذه الطبيعة
لما فيه خيره وخير بيئته،وأن الوراثة عنصر فعال في تكوين الشخصية،لكن التربية هي المعول عليه في توجيه الصفات الوراثية وتوظيفها اجتماعيا. (1)
إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة "التربية"أصولا لغوية ثلاثة كما يقول الأستاذ عبد الرحمن الباني:
الأصل الأول:رَبَا، يربو بمعنى زاد ونما.وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى
( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله)). - سورة الروم، الآية 39.
الأصل الثاني:رَبَا يُربي على وزن خفى يُخفي،ومعناه نشأ وترعرع،وعليه قول ابن الأعرابي: فمن يكُ سائلا عني فإني بمكة منزلي و بها رَبيتُ.
الأصل الثالث:رب يرُبُ، بوزن مد يمُدُ، بمعنى أصلحه وتولى أمره، وساسه وقام عليه ورعاه.
وفي كتاب مفردات الأصفهاني (المتوفى502هـ): "الرب في الأصل التربية،وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام". (2)
التربية عملية متشعبة،ذات نظم وأساليب متنوعة،تنبع من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة،وتهدف إلى إيصال الإنسان شيئا فشيئا إلى درجة كماله التي هيأه الله لها وبذلك يستطيع القيام بحق الخلافة في الأرض،عن طريق إعمارها، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.
و النظرية التربوية: هي مجموع المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية وتحكم الممارسات التعليمية. فوظيفة النظرية التربوية كما يقول "بول هرست":هي التشخيص والعلاج، فهي تصف وتقرر ما ينبغي عمله مع الناشئة، وترشد الممارسات التربوية.
ومن هذا المنطلق فإن بول هرست وغيره من "المربين الغربيين الذين يرفضون بناء النظرية التربوية على النمط العلمي يدعونا إلى إعطاء الفلسفة دورا رئيسيا في بناء النظرية التربوية، لأنها تمدهم بالقيم التي يريدون غرسها في الناشئة".
يوضح "مور" العلاقة بين الفلسفة والنظرية التربوية، فيشبه العملية التربوية بالبناء المكون من عدة طوابق...ففي الطابق الأول توجد مختلف الأنشطة والممارسات والطلاب والإدارة المدرسية...وفي الطابق الثاني توجد النظرية التربوية التي يمكن اعتبارها مجموعة من المبادئ والإرشادات التي تهدف إلى توجيه وإرشاد الممارسات التعليمية الجارية في الطابق الأول.وفي الطابق الثالث أو الأعلى، توجد فلسفة التربية التي تعنى بكل ما يدور في الطابقين الموجودين أسفل منهما. إنها تحلل المفاهيم مثل التربية والتعليم والخبرة، وتحدد لها المعاني التي تدخل في بناء النظرية في الطابق الثاني، وتوجه الممارسات التربوية في الطابق الأول،إذن فكل مناهج التربية الغربية تعتمد على نظريات ترشدها وتوجه سلوكها،وكل نظرية تعتمد على فلسفة أو أكثر تستمد مبادئها ومفاهيمها منها. (3)
والتربية الإسلامية بمناهجها المتنوعة تعتمد على التصور الإسلامي لحقائق الألوهية والكون والإنسان والحياة، فهو يقوم منها مقام الفلسفة في المناهج الأخرى ومقام النظرية.
2 - ماهية التربية في الفكر الإسلامي وغرضها.
اختلفت الآراء والأفكار حول ماهية التربية وغرضها من جيل لآخر،ومن مدرسة فكرية لأخرى،لتعكس مدى الاختلاف الفلسفي والفكري عند الإنسان حول القضايا الأساسية التي تهمه في شتى الأمور الحياتية، فقد اختلفت آراء الإنسان حول أهم القضايا وأقدمها على الإطلاق، وهي
الذات الإلهية، وطبيعة الكون، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وطبيعة الإنسان.) والتي تعكس جميعها آثارا واسعة النطاق على مجريات الحياة الإنسانية في الدنيا وفي الآخرة، فقد كان لهذا الاختلاف حول القضايا الوجودية أثر مباشر وقوي في الاختلاف حول ماهية التربية وغرضها، وهذا ما سنبينه بالتفصيل في صفحاتنا القادمة.
<< إن التربية عملية مقصودة هادفة موجهة يقوم بها المربون من خلالها بخلق مواقف تربوية يكون حصيلة تفاعل الفرد معها تغيرات في السلوك الإنساني، ويخلط البعض بين التربية وبين التعليم، فالتربية ليست مرادفة للتعليم، فهي تتناول شخصية الفرد كلها فهي أعم وأشمل>>. (4)
يرى الدكتور" إسحاق الفرحان" أن التربية لا توجد من فراغ، بل هي وعاء وأساليب وإجراءات ينقل بها تراث الأمة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن الآباء إلى الأبناء.وبواسطتها تتطور الحضارة عن طريق العلوم المتفجرة والمعارف المتزايدة على نسق ينسجم مع نظرة الأمة ورسالتها في الحياة،كما تساهم التربية في تحليل المشكلات الاجتماعية المعاصرة،وتبلور لأجيال الشباب الحلول الفكرية السليمة بأساليب علمية مرضية لتكون انطلاقات الشباب في المجتمع أصلية غير مستوردة ولا عرضية، بل نابعة من التراث ومتكيفة مع الأحداث على نسق يرضي طموح الشباب ويضمن لهم هويتهم ولأمتهم شخصيتها.
يرى الباحث أن التربية تعد وسيلة المجتمع الفعالة التي يستطيع عن طريقها تحقيق أهدافه الوجودية، والفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية بما يتفق مع تطور أبناء المجتمع للوجود، وما ينبثق عن هذا التطور من مفاهيم وعقائد، وأفكار.وذلك عن طريق استخدام المعلومات كافة،ومجموعة المعارف العلمية، والوسائل التربوية التي توصل إليها الإنسان في تأهيل أفراد المجتمع كل حسب ميوله وقدراته الذاتية ليكونوا على أفضل مستوى فني في تقديم الخدمات المتعددة لمجتمعهم؛ لذلك فإن التربية تختلف من مجتمع لآخر، وذلك يعود إلى تصور أبناء المجتمع للوجود وما يعكسه هذا التصور من مفاهيم خاصة بالقضايا الوجودية الأساسية التي تشكل اهتمامات وطموحات الإنسان بعد تعرفه على حقيقة وجوده وطبيعة كيانه في ضوء ذلك التصور للوجود.
وإذا كانت التربية هي إيصال المربي إلى درجة الكمال التي هيأه الله لها،عن طريق مراعاة فطرته وتنمية مواهبه وقدراته وطاقاته وتوجيهها نحو الخير والحق والكمال،فإن ذلك كله يتم وفق نظم وغايات العلم والفن والصناعة،حسب مفهوم كل منها في منهج التربية الإسلامية.
فالتربية علم إنشاء من حيث إنها محاولة للكشف عن الحقيقة ومعرفة للقوانين والسنن التي خلق الله الكون عليها ولم تكتشف بعد.فالتربية هنا علم من علوم البحث، ومناهج البحث التي تعين الإنسان على الاكتشاف والاختراع والإبداع. (5)
والتربية علم إخبار؛ حيث إنها إخبار عن الحقائق الكلية والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، التي يتلقاها الإنسان فيسلم بها ويتكيف معها.وهي علم من حيث إنها معرفة بقوانين الله في الكون التي ثم اكتشافها من قبل.إذن فالعلم وسيلة من وسائل التربية وغاية لها، ولكن من السفاهة المزرية جعل العلم أو العقل مصدرا للمعرفة، فالمصدر هو الله.ومن الجهل القول بأن العلم قد انتصر على الطبيعة أو قهرها، فالعلم ما هو إلا الوصول إلى القانون الطبيعي الذي طبع الله الكون عليه، والطبيعة ما خلقت لتقهر، بل لتكون في خدمة الإنسان. والإنسان لا يستطيع أن يقهرها ،ولكن يستطيع أن يتلطف معها، ويتعرف على قوانينها التي أودعها الله فيها وبذلك يستفيد من خيراتها ومكنوناتها.
3 - الأصل الديني للتربية:
يعد أهم الأصول التي ينبغي أن نهتم بها حين نبني أسس تربيتنا، ويرجع ذلك إلى كوننا مسلمين نستهدف تنشئة الأجيال الجديدة من أبنائنا وبناتنا على قيم الدين الإسلامي الحنيف.وهناك خلاف أساسي بيننا وبين غيرنا من المجتمعات التي لا تدين بدين.
وينبغي أن نوضح ومن بداية حديثنا عن الأصول التربوية.إن هذه الأمة العربية لم يكن لها تاريخ يذكر إلا من يوم أنزلت الرسالة السماوية على خاتم الرسل والأنبياء محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم- وقد ذهب بعض المؤرخين للفكر التربوي الإسلامي إن البداية الأولى للتربية الإسلامية كانت في اجتماع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سرا بأوائل المؤمنين في دار الأرقم بن الأرقم حيث كان يتلو عليهم الوحي ويشرح لهم تعاليم الدين الجديد،لذلك يمكننا القول بان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول،ودار الأرقم بن الأرقم هي المدرسة الأولى،والوحي هو المنهج.
وبعد أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة وأقام فيها المسلمون مسجدا أصبح مركزا للدعوة الجديدة والتفقه في الدين وتلاوة آيات الذكر الحكيم.وهكذا نجد أن النشأة الأولى للتربية الإسلامية كانت نشأة دينية،ولكنها لم تقتصر أهدافها-لاحقا-على الدين فقط،بل أصبحت شاملة لكل جوانب الشخصية الإنسانية،فاستهدفت تحرير العقل من الوهم والانحراف،وتحرير النفس من الخوف والعبودية،وتحرير الجسم من الخضوع للذات والشهوات. (6)
لقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب أصاب الجاهلية في مقتلها وصميمها ،فأرغم العالم على أن ينحو منحا جديدا،ويفتح عهدا سعيدا،ذلك هو العهد الإسلامي الذي لا يزال في جبين التاريخ.
إن الطبيعة الإنسانية هي المنطلق الذي يبدأ منه تفكير الأديان على العموم، في قضية الإنسان، وأنه على طريق التعرف على هذه الطبيعة، والوقوف عليها يأتي ما يتصل بالخلق الأول للإنسان ذاته.
وفي الوقت الذي تبدوا فيه الطبيعة الإنسانية واضحة في الفكر الديني الإسلامي منذ البداية،سواء في اتصالها بالخلق الأول لهذا الإنسان، وفي اتصالها بالله سبحانه الذي ولد الإنسان أساسا مرتبط به، وبأمر منه، ولأمر أراده سبحانه، وهو تعمير الأرض "ونشر الحق والعدل والخير" فيها بوصفه خليفة الله في الأرض، نرى هذه الطبيعة على العكس من ذلك، في الديانات الأخرى، الوضعية أو السماوية المحرفة.ويمكن أن نرى مدى الاختلاف في ديانتين، كاليهودية والمسيحية، ورغم أن الأصل الذي يعتمدان عليه واحد.وكذلك الاختلاف في هذه الطبيعة الإنسانية، بين الديانتين-اليهودية والمسيحية- وبين الإسلام.
وفي الوقت الذي تريد التوراة فيه أن تؤكد تأصيل الشر في نفس الإنسان، يريد القرآن الكريم أن يقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان، ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له، كما يقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة،توقفهما وجها لوجه، كل منهما يتصرف وفق طبيعته.
إن التوراة تؤكد اندحار الخير،مثلا في شخص هابيل، وانتصار الشر مثلا في شخص قابيل، بينما يؤكد القرآن الكريم والإسلام على الجانب الخير في الإنسان، على أنه أصله وفطرته، وأن الشر هو الدخيل عليه، إذ هو اتبع طريق الشيطان أو اتبع السبل، وتستمر فطرة الإنسان أو طبيعته في الفكر الديني اليهودي في هبوطها،بعد قابيل وأخوته الذين رزق الله بهم آدم.عوضا عن هابيل،لأن قابيل كان قد قتله. (7)
وليست الطبيعة الإنسانية قضية تتصل بالخير والشر فقط، ولكنها قضية تربوية بالدرجة الأولى، لأنه في ضوء هذه الطبيعة، يتم توجيه الإنسان الوجهة المطلوبة، من خلال المؤثرات التربوية المختلفة. (8)
هذا هو إذن الأصل الديني الإسلامي للتربية،أي أن الدين وقواعده والقيم المبنية على أساسه وقد استمدت منه تربية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كل موجهاتها فخرجت هذا الصنف من البشر، صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.الذين أقاموا الدولة الإسلامية الأولى، وقد كانوا عناصر بشرية مؤمنة فاعلة في كل مجال.
في مجالات العلم والبحث والمعرفة،في الطب كما في الهندسة،في الصيدلة كما في الكيمياء،في الرياضيات كما في الفلك،في العلم النظري كما في البحث التجريبي، كما أنتجوا في مجالات الحياة جميعها إنتاجا علميا سد حاجة مجتمعهم المتنامية والمتطورة،بحيث كانوا صناعا مهرة متقنين كما أمرهم الإسلام،والتي دخلها الإسلام مثل بلاد الشام والعراق وفارس ومصر وشمال إفريقيا والأندلس.
والآن ونحن نتحدث عن "الأصل الديني للتربية"ما نريده وببساطة من هؤلاء التربويين في مجتمعنا الإسلامي أن يقيموا عمد التربية في مدارسنا وجامعاتنا بل وكل مؤسساتنا التربوية على هذا الأساس الديني المتين،فالبداية تكون من هنا اعتبارا من اشتقاق أهدافنا التربوية،لأنها توجه العمليات التربوية والتعليمية كلها،إذا آمنا بهذه الأهداف،كما توجه اهتمامات المتعلمين نحو النضج الاجتماعي والفردي،وتحيط العمل التربوي بكافة الضمانات التي تساعد على نجاحه،كما يقول علي خليل.
الأصل الاجتماعي للتربية:
من المعروف أن الجنس البشري الذي خلقه الله- سبحانه وتعالى- انتشر على سطح الكرة الأرضية،وتوزع على بقاعها المختلفة، في تجمعات سكانية تبلورت حول نفسها،مكونة ما يعرف باسم الجماعات البشرية المختلفة، و التي أصبحت لها،فيما بينها مصالح مشتركة تمثلت في الأرض التي تعيش عليها،بما لها من مقومات تمثلت في طبيعة تلك الأرض سواء كانت سهلية أو جبلية،مستوية أو مضرسة،ذات أنهار ومسيلات مائية،أو ينابيع وآبار...الخ.
ثم إن هذه الجماعات البشرية مرت بخبرات طويلة صنعت لها تاريخا مشتركا،مع الأرض،سواء كان هذا التاريخ سهلا أو عنيفا،وهذه الجماعات في تفاعلها مع بعضها على أرضها كونت فيما بينها أنماطا من العلاقات والتفاعلات،وارتضت معايير معينة تحاكم سلوكيات أفرادها على أساس منها،وقيما تحكم سلوك أفرادها في ضوئها،ثم إنها وضعت نظما للعلاقات بين أفرادها تنظم سلوكياتهم في الفرح، كما في الحزن،عند الميلاد،وعند الممات...وأصبح من المسلم به أن الكبار في المجتمع يفيضون على من هم أصغرمنهم بعلمهم وخبراتهم التي اكتسبوها، ينشؤنهم عليها،ويربونهم على هدى منها،تارة بالشرح المباشر،وضرب الأمثلة،وتارة بسلوكيات هؤلاء الكبار التي ينشر بها الصغار منهم في مواقف الحياة المختلفة، ولعل هذه البدايات المبسطة لنقل أنماط الحياة الاجتماعية للناشئة في أي مجتمع هي المدخل السليم والمناسب لقضية الأصل الاجتماعي للتربية. (9)
ومن أول ما يهتم به المجتمع وتركز عليه الجماعة في تربيتها لأبنائها،وفي تنشئتها لهم قضية"الأخلاق":التي ارتضتها هذه الجماعة وتعارفت عليها،بحيث أصبحت هي المعيار الذي يحاكمون سلوكياتهم على أساسه،وفي هذا يقول الفقيه الشيخ القرضاوي،مرجعا هذا الجانب الأخلاقي الهام إلى أصله الديني،يقول الرجل بأن هناك حاجة أخرى- بجانب حاجات كثيرة- إلى الدين،حاجة اجتماعية، إنها حاجة المجتمع إلى بواعث وضوابط،بواعث تدفع أفراده إلى عمل الخير،وأداء الواجب،وإن لم يوجد من البشر من يراقبهم،أو يكافئهم...وضوابطهم تحكم علاقاتهم،وتلزم كل واحد منهم،أن يقف عند حده،ولا يتعدى على حق غيره،أو يفرط في خير مجتمعه،من أجل شهوات نفسه،أو منفعته المادية العاجلة.
ثم ننتقل بعد ذلك للركائز الاجتماعية الأساسية التي يتميز بها مجتمعنا الإسلامي،والتي يحاول الكبار فيه والحكماء تنشئة الشباب والصغار على أساسها، وكلها تعود في جذورها إلى ديننا الإسلامي العظيم، وسوف نشير إلى البعض منها، والتركيز على ركيزة أو اثنتين لتعددها وكثرتها.
والقيم الإسلامية تعتبر أهم ركائز الحياة الاجتماعية عندنا التي تدور حولها الحياة الاجتماعية،هذه القيم في مجملها تمثل ضوء هاديا،ومصباحا منيرا لمجتمعنا العربي المسلم،في كل المجالات،فمن القيم الروحية المتعلقة بالدين الإسلامي الحنيف،إلى القيم الخلقية،المتعلقة بالتعامل اللين الهين مع الآخرين.والأسرة في صميم هذا الوضع الاجتماعي،التعامل مع الجار،وبر الوالدين والإحسان إليهما،والإصلاح بين الناس...الخ،وهذه القيم كلها،وهناك كثير غيرها،مصدرها جميعا ديننا الإسلامي الحنيف،ولكن هذه المجموعة السابقة أقربها إلى الأصل الاجتماعي الذي نحن بصدده.
هذا وتعتبر المرأة الركيزة الأساسية لبناء الأسرة،وينبغي القول بان الإسلام قد ربى المرأة على أنها مساوية للرجل في كل شيء،ورباها على أن تكون قدوة لغيرها،وأعطاها حريتها فعزت مكانتها،وأصبحت المرأة في ظل الإسلام صانعة حضارة،ومربية أجيال،وصارت نموذجا يحتذى بين نساء العالمين.وينبغي علينا أن نؤكد في تربيتنا لشبابنا المسلم على أهمية الزواج في الإسلام حتى لا ينحرفوا.
ونعود لنؤكد في هذا المبحث على قضية الاهتمام بالمرأة لأنها الأساس المتين للأسرة والمجتمع،وقد لمس واحد من علمائنا الاجتماعيين-بذكاء وبصيرة-العلاقة بين مكانة الأسرة ونظامها،والمرأة منها في الصميم،وبين عقيدة هذه الأمة وتربيتها يقول "وافي":إن نظام الأسرة،في أمة ما يرتبط ارتباطا وثيقا بمعتقدات هذه الأمة وتقاليدها وتاريخها وعرفها الخلقي،وما تشير عليه من نظم في شؤون السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء،وما تمتاز شخصيتها الجمعية.
وكل مجتمع من المجتمعات له خصائصه التي تميزه عن غيره أي أن له ثقافة خاصة به.وحيث أن كل مجتمع يعيش في بيئة طبيعية معينة يبادلها التأثير والتأثر فإن المنهاج التربوي يعرف الدارسين بخصائص الطبيعة ويغرس فيهم الاتجاه السليم نحوها،فالمجتمع الإنساني تحكمه قوانين محددة،لذا يقتضي الحال تعريف الدارسين بالعوامل التي تقود إلى تماسك المجتمع وتلك التي تؤدي إلى انهياره.ومن هذا المنطلق فان المنهاج التربوي يضع في مقدمته أولوية تعليم الأخلاق،ولا تستطيع المدرسة وحدها تحقيق هذا الهدف إلا إذا لقيت مؤازرة من مختلف المؤسسات الاجتماعية. (10)
إن أصول التربية الإسلامية هي العلوم والدراسات التي تعتمد عليها التربية الإسلامية وتستعين بها في تحديد أهدافها وغاياتها وتعيين مناهجها ووسائلها وسائر نشاطها.كما أنها العلوم والدراسات التي تعتمد هي الأخرى على التربية وتحقيق أهدافها.ومعظم المؤلفين في العلوم المختلفة يتحدثون في بداية مؤلفاتهم عن علاقة علومهم بالعلوم الأخرى،ولكن تحت عناوين مختلفة،والعلوم والدراسات التي تعتمد عليها التربية الإسلامية أو لها بها صلة وثيقة متبادلة أن يتم الحديث عن علوم كثيرة نذكر منها على سبيل المثال.الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد وعلم الإدارة وغيرها من العلوم والدراسات.
الهوامش:
1 - عبد المنعم الحنفي،المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،مكتبة مدبولي،(ط3)،2000،ص191.
2 - علي أحمد مدكور،منهج التربية في التصور الإسلامي،دار الفكر العربي للطبع النشر،(ط2)،2002،ص31.
3- علي أحمد مدكور،مناهج التربية أُسسها وتطبيقاتها،دار الفكر العربي للطباعة والنشر،(ط1)،1998،ص36
4 - حسن أحمد الحيارى، أصول التربية في ضوء المدارس الفكرية إسلاميا وفلسفيا، دار الأمل، )د، ط)، 1993، ص226.
5 - علي أحمد مدكور،منهج التربية في التصور الإسلامي،ص34.
6 - أبو طالب محمد سعيد ورشراش أنيس عبد الخالق، علم التربية العام ميادينه وفروعه، دار النهضة العربية للطباعة والنشر،بيروت.(ط1)،2001،ص77.
7 - عبد العزيز المعايطة ، المدخل إلى أصول التربية الإسلامية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، (ط1)، 2005، ص144.
8 - أبو طالب محمد سعيد و رشراش أنيس عبد الخالق، ،ص145.
9 - محمد عبد العليم مرسي، في الأصول الإسلامية للتربية، الجزء الأول، المكتبة الجامعية، (د، ط)، 2000، ص 165.
10 - عبد الرحمن صالح عبد الله،المنهاج الدراسي أسسه وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية، (ط1)، 1986، ص217.