تأليف محمد محمد يونس علي
كل عملية مقارنة تتضمن شيئين -في الأقل- يشتركان في سمة مشتركة بينهما. ويمكن التمييز بين نوعين من المقارنة: مقارنة عامة، ومقارنة خاصة.
أولا: المقارنة العامة:
يمكن تصنيف الألفاظ التي تعبر عن المقارنة العامة في العربية في خمس مجموعات:
1- ألفاظ المقارنة التي تعبر عن التشابه:
ومنها "شبيه"، و"مشابه".
2- ألفاظ المقارنة التي تعبر عن التطابق:
ومنها "نفسه"، و"عينه".
"مطابق"، "مكافئ"، "مساو"، "مماثل"
"قبيل"، "مثيل"، "نظير"، "مرادف"
3- ألفاظ المقارنة التي تعبر عن التخالف:
ومنها "مخالف"، "مختلف"، "مغاير".
4- ألفاظ المقارنة التي تعبر عن الآخرية:
ومنها "الآخر"، "أيضا"، "البديل"، "الباقي".
وتتميز ألفاظ المقارنة بأنها تعبيرات إحالية لا تستقل بنفسها، وهو ما يؤهلها لأن تكون وسيلة من وسائل التماسك؛ ولذا فأينما وردت هذه الألفاظ اقتضى ذلك من المخاطب أن ينظر إلى غيرها بحثا عما يحيل عليه المتكلم. وكما كان الأمر مع الضمائر وأسماء الإشارة، يحتمل أن يكون المرجع خارجيا، ويحتمل أن يكون داخليا، فإذا كان داخليا، فإما أن يكون المرجع متقدما، أو متأخرا.[88] وسنمثل لذلك بالأمثلة الآتية:
أ- إحالة خارجية
(94) أحمد: يبدو أن كل الصناديق متساوية في الحجم، وهذا يسهل مهمتنا في ترتيبها.
سعيد: ولكن حجم الصندوق الأزرق مختلف عن تلك الصناديق الحمر.
فالمتخاطبان يحيلان على مجموعة من الصناديق في السياق الخارجي، وقد أدت كلمة "مختلف" في تعليق سعيد مهمة المقارنة بينهما.
ب-إحالة داخلية على متقدم
(95) ينبغي أن يحمل الكلام على حقيقته حتى يثبت دليل العكس.
(96) في الصباح أكلت تفاحة، وفي المساء تناولت أخرى.
فقد جاءت كلمة "العكس" في (95) لتحيل على ما سبقها من كلام، فربطت الكلام بعضه ببعض، وأسهمت في اعتماد آخره على أوله، وهو ما أسهم في تماسكه، وقد أثبتت (96) على نحو أوضح مدى حاجتنا في فهم المقصود بكلمة "أخرى" إلى العودة إلى الجملة السابقة لمعرفة أن المقصود تفاحة أخرى.
ت-إحالة داخلية على متأخر
(97) كل من يراقب تصرفاتك قولا وعملا يستنبط أن عملك يأتي مناقضا لكل ما تقول.
حيث تحيل كلمة "مناقضا" إلى ما أتى بعدها.
ثانيا: المقارنة الخاصة:
يؤتى بالمقارنة الخاصة للتعبير عن الموازنة بين شيئين أو أكثر من حيث الكم أو الكيف. ويقوم اسم التفضيل في العربية بوظيفة المقارنة الخاصة، وتقتضي قواعد اللغة أن يأتي اسم التفضيل على النحو الآتي:
1- أن يكون مقترنا بـ "من"، للمفاضلة بين شيئين أو أكثر، ويصاغ من الثلاثي على وزن "أفعل"، دون أن يتطابق اسم التفضيل مع المفضل عليه، كما في (98)، و(99)، (100)، فإذا لم يكن الفعل ثلاثيا أو لم تنطبق عليه شروط صوغه على "أفعل"،[89] صيغ التفضيل بالإتيان بمصدر الفعل مسبوقا باسم تفضيل مناسب، كأن يقال: "أكثر اجتهادا"، أو "أقل مشاغبة"، أو "أشد صبرا"، أو نحو ذلك.
(98) خالد أكبر من سعيد، لكن سعيدا أذكى.
(99) سناء أجمل من زينب.
(100) النساء أقصر من الرجال.
حيث جاءت كلمة "أكبر" لتحيل على "سعيد" المتأخر الذكر، وجاءت كلمة "أذكى" لتحيل على "خالد" المتقدم الذكر. وفى (98) و(99) و(100) يتبين لنا أن صيغة التفضيل ملازمة للإفراد، والتذكير، لاقترانها بـ "مِنْ".
2- أن يكون مجردا من "من"، للدلالة على صيغة منتهى التفضيل، ويصاغ من الثلاثي على وزن "أفعل" للمذكر، و"أفعل"، أو "فعلى" للمؤنث، وثمة ثلاث حالات تأتي عليها صيغة منتهى التفضيل من حيث مطابقته وعدم مطابقته للمفضل عليه من حيث الجنس والعدد،وهذه الحالات هي:
أ- إذا اقترنت صيغة منتهى التفضيل بـ "ال"، وجبت المطابقة بينها وبين المفضل عليه.[90]
(101) في معظم بلدان العالم رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
(102) اليد العليا خير عند الله من اليد السفلى.
(103) أمريكا وروسيا هما الدولتان العظميان في العالم.
ب-إذا كانت صيغة منتهى التفضيل مضافة إلى معرفة، جازت المطابقة وعدمها،[91] مع أن عدم المطابقة أكثر شيوعا.
(104) عادل معروف بين زملائه بنشاطه، وخالد يوصف بأنه أقواهم، لكن محمودا هو أذكاهم.
(105) نبيل وحسن أذكى/ أذكيا إخوتهما.
(106) سامية وسعاد أفضل/ فضليا رفيقاتهما.
(107) المنافقون أرذل/ أراذل الناس.
(108) نادية وأمينة وسلمى هن أكبر/ كبريات طالبات الفصل.
ت-إذا كانت صيغة منتهى التفضيل مضافة إلى نكرة، وجب عدم المطابقة.
(109) خديجة أكبر بنت في أسرتها.
(110) نادية وأمينة وسلمى أكبر طالبات في الفصل.
وإضافة إلى "اسم التفضيل" يمكن أن يعبر بالمقارنة الخاصة بكلمات أخرى من نحو "مثل" و"نظير"، ومن أمثلة ذلك (110). ويمكن أن يضم إليها الألفاظ الدالة على الترتيب الزماني، تلك التي تتسم بطابع النسبية في بيان الزمن، مثل "من قبل"، و" ومن بعد"، كما في (111)، التي تحيل فيها عبارة "من قبل" على ما سبق من هداية من ذكر.
(111) علي مثل سميح غنىً، ونظيره جاها.
(112) قال تعالى: "ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل"[92].
وعلى الرغم من أن المقارنة أضعف من غيرها من وسائل تماسك النص في الربط بين أجزائه، فقد تؤدي وظيفة فعّالة في تعليق الأجزاء بعضها ببعض، كما في النصوص الآتية:
(113) قال تعالى: "ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه".[93]
(114) كل العروض التي قدمت على خشبة المسرح لم ترض أذواق الحاضرين، نأمل أن نرى عروضا مختلفة في الموسم القادم.
(115) المؤهل ليس كل شيء، هناك شروط أخرى ينبغي مراعاتها للحصول على هذا العمل.
(116) لقد تمكنت من نقل نصف البضاعة حتى الآن، وسأنقل الباقي غدا.
(117) أحمد: لم يكن أي من المتقدمين قادرا على أن يعوض الموظف المتقاعد.
خالد: أما زلتم تبحثون عن البديل؟
(118) مهما كان الامتحان صعبا، فانتظار النتيجة أصعب.
(119) يقول أرسطو: أفلاطون صديق، والحق صديق، ولكن الحق أصدق.
إن من أهم العلامات والمعايير التي يعرف بها كون التعبير محيلا أم لا، وبناء عليه يعرف مدى أثره في تماسك النص، هو اختبار قدرة التركيب الذي يحتوي عليه في أن يكون جملة افتتاحية لا تسبق بغيرها، وإذا ما تأملنا الأمثلة الأخيرة فسنرى الأثر الذي تركته ألفاظ المقارنة في ترابط النص، واستمراره، واعتماد بعضه على بعض، ولكي يظهر لنا ذلك بوضوح، فسنفصل الجمل التي تحتويها ألفاظ المقارنة عما قبلها، ليتأكد لنا ما ذهبنا إليه.
- "وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه"
- نأمل أن نرى عروضا مختلفة في الموسم القادم.
- هناك شروط أخرى ينبغي مراعاتها للحصول على هذا العمل.
- وسأنقل الباقي غدا.
- أما زلتم تبحثون عن البديل؟
- فانتظار النتيجة أصعب.
- ولكن الحق أصدق.