يمكن التمييز بين أربعة أنواع من الإحالة: الإحالة الشخصية، ممثلة في الضمائر، والإحالة الإشارية، ممثلة في أسماء الإشارة، والإحالة بأداة التعريف "ال"، والإحالة بالمقارنة، التي تكون باستخدام ألفاظ معينة تفهم منها الموازنة بينها وبين ما سبق، وسنشرح كل نوع من هذه الأنواع فيما سيأتي:
3، 1- الإحالة بالضمائر
قد يحال بالضمائر صراحة على الأشخاص، كما في (21)، والأشياء، كما في (22)، والأحداث، كما في (23)، وقد يحال بها على فحوى كلام ورد سابقا، كما في (24)، أو لاحقا، كما في (25)، وقد يحال بالضمائر على مرجع مستنبط استنباطا من السياق النصي، كما في (26)، أو السياق الذهني، كما في (27):
(21) "وإذ ابتلى إبراهيم ربه"[32].
(22) فتحت باب السيارة، ثم أغلقته.
(23) التقدم ليس أمرا سهلا، فهو يحتاج إلى إرادة، وتخطيط، ومال، وصبر.
(24) "اعدلوا هو أقرب للتقوى"،[33] أي العدل، وهو مفهوم من فحوى ما سبق.
(25) "فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"،[34] التي يحيل فيها الضمير "ها" على المحتوى الدلالي المفهوم من الكلام بعدها.
(26) "هي راودتني عن نفسي"،[35] حيث يفهم المرجع -وهو امرأة العزيز- من السياق.
(27) "إنا أنزلناه في ليلة القدر"،[36] فعاد الضمير على القرآن دون أن يذكر.
ويبدو أن الإحالة بالضمائر هي أكثر الإحالات شيوعا، وربما يدعم ذلك الدراسة التي أجراها بعض الباحثين عن سورة الأنعام، فوجد أن عدد الضمائر فيها بلغ 1320 موضعا، على حين كان عدد أسماء الإشارة 51، وأسماء الموصول 85،[37] وهو ما يؤكد الوظيفة التي تؤديها الضمائر في وصل الكلام بعضه ببعض، والربط بين أجزائه.
ولئن كان الوصل والربط قد يمكن تحقيقهما بإعادة ذكر العنصر المشار إليه في كثير من الأحيان، ولاسيما بما يسميه النحاة "الإظهار في محل الإضمار"، كما في قوله تعالى:
(28) "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل"[38]
حيث أعاد ذكر الحق بدلا من أن يقول: وبه نزل، فإن ثمة حالات يحول فيها طول الكلام المذكور دون تكرار ذكره، وتصبح الإشارة إليه بالضمير أو باسم الإشارة أمرا حتميا، ومن ذلك قوله تعالى:
(29) "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما".[39]
إذ لا يمكن أن يعيد ذكر الفئات المذكورة بدلا من الإشارة إليهم بالضمير في "لهم".
وقد يحول دون إعادة الذكر عوامل نحوية، كما في قوله تعالى:
(30) : "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن".[40]
إذ لا يجوز أن يقال: أجور أزواجك بدلا من "أجورهن"؛ لأن صلة الموصول تحتاج إلى رابط، وهو هنا الضمير، فلا يجوز الاستغناء عنه.
ومهما يكن من أمر فإن شرط الإضمار الترادفُ التام في المعنى، أي أن يكون المقصود واحدا إشارة ومعنى (أو مسمىً nominatum ومعنىً meaning إذا ما رمنا مصطلحي قوتلب فريجة Gottlop Frege، أومفهوما intension وماصدقا extension وفقا لتفريق كارناب Carnap[41])، فإذا كان المشار إليه واحدا، والمعنى مختلف، كان الإظهار أفضل، وإن كان المعنى واحدا والمشار إليه مختلف، وجب الإظهار، فمن الأول قوله تعالى:
(31) "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين" [42]
حيث اختير الإظهار بدلا من الإضمار؛ لأن في الإظهار معنى زائدا لا يتحقق بالإضمار، وهو هنا المدح، إذ لو قال: صدورهم بدلا من "صدور قوم مؤمنين" لما فهم من الآية مدحهم.
ومنه أيضا قوله تعالى:
(32) "ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفرا إن هذا إلا سحر مبين"[43]
حيث اختار استخدام "الذين كفروا" بدلا من الضمير" لذمهم بهذه الصفة، وهو معنى لا يتأتى بالإضمار، وهذا كله من قبيل العدول من الإشارة بالذات التي يمكن أن تكون بالضمير إلى الإشارة بالصفة لغرض بلاغي يوضحه السياق كالمدح أو الذم أو نحو ذلك.
ومن الثاني قوله تعالى:
(33) "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا".[44]
ولا يجوز في هذه الآية الإضمار، لأن المشار إليه بالنفس الأولى، غير المشار إليه بالثانية، وإن كان المعنى واحدا.
وتقسم الضمائر في العربية من حيث إحالتها إلى ثلاثة أقسام: ضمير المتكلم مثل "أنا"، وضمير المخاطب مثل "أنت"، ويشترك هذان النوعان في كون إحالتهما إحالة خارجية دائما، ولعل مسوغ ذلك كونهما حاضرين في المقام التخاطبي. أما النوع الثالث فهو ضمير الغائب، وهذا النوع من الضمائر هو الذي يهمنا في هذا البحث؛ لأهميته في تحقيق التماسك في النص؛ لأنه يربط الكلام بعضه ببعض.
ومن المهم في استخدام الضمائر المطابقة بين الضمير ومرجعه، وهي التي تحقق التماسك في الكلام، وينبغي أن نفرق هنا بين عدم المطابقة وعدم الربط، فالأول يؤدي إلى خلل أسلوبي، والثاني يؤدي إلى خلل في المعنى. أما الأول فكأن نقول: البيض أكثره من الدجاج، حيث يؤدي تغيير الضمير من حيث الجهة أو العدد أو الجنس (كأن يقال: : البيض أكثرنا من الدجاج، البيض أكثرهما من الدجاج، أو البيض أكثرها من الدجاج) إلى خلل أسلوبي غير مقبول، أما عدم الربط الذي يكون بحذف الضمير أصلا دون قصد تقديره (كما في: البيض أكثر من الدجاج) فيترتب عليه تغيير في المعنى.
3، 1، 1- الضمائر المنفصلة والضمائر المتصلة
يقوم التفريق في العربية بين الضمائر المنفصلة والضمائر المتصلة على أساس الموقع الذي يأخذه الضمير في التركيب، فضمير الفصل يقع بعد لفظ آخر، ويتصل به سواء أكان اللفظ الآخر فعلا نحو "سألتمونيها"، أو اسما نحو "كتابنا"، أو حرفا نحو "لكما"، ويعامل من الناحية الإملائية (أو الكتابية) معاملة جزء الكلمة، وليس كلمة مستقلة، وإن عومل من الناحية النحوية (ولاسيما الإعرابية) معاملة الكلمة المستقلة. أما الضمير المنفصل فيتسم بالاستقلال من الناحيتين الإملائية والنحوية. ونتيجة لتأسيس الاتصال والانفصال في الضمير على معايير موقعية، فقد انعكس ذلك على التقديم والتأخير في التركيب، وهو أمر متوقف على عوامل أسلوبية تتصل بأغراض بلاغية. ومن أمثلة ذلك تحوّل الضمير في قوله تعالى:
(34) "إياك نعبد وإياك نستعين"[45]
من ضمير متصل (كـ) إلى ضمير منفصل (إياك) بعد تقديمه لغرض القصر، الذي يفيد بأن الله وحده هو الذي يستحق أن يعبد، ويستعان به.
3، 1، 2- التطابق
يعد التطابق الوسيلة الكفيلة بربط الضمير بمرجعه، وهو ما يمنح التركيب سمة التماسك، وإذا كان الأصل في نظام الضمائر في العربية أن يستخدم كل ضمير لمرجع معين وفقا لمقولات الجهة، والجنس، والعدد، بحيث يشير ضمير المتكلم -مثلا- إلى المتكلم، والمذكر إلى المذكر، والمفرد إلى المفرد، فإن هذا النظام يسمح بنوعين من الاستثناءات، أحدهما وضعي تسمح به قواعد النحو، والثاني بلاغي يخضع لاعتبارات أسلوبية، وسنتحدث عن هذين النوعين فيما يأتـي:
1) الاستثناء الوضعي:
(35) بمقتضى هذا الاستثناء يستخدم ضميرا المتكلمين "نحن" و"نا" للمتكلم المفرد ، وضمير المخاطبين "أنتم" ونحوه للمخاطب المفرد لأجل تعظيمهما، ومن أمثلة ذلك (36) الذي أشير فيه بـ"نا" إلى الله -عز وجل- و(37) الذي أشير فيه ب"نحن" و"أنتم" و"كم" و"ون" و"تم" إلى الملك.
(36) "ولقد آتينا إبراهيم رشده"[46]
(37) - المذيع: أنتم من أول المبادرين إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وجهودكم في هذا الإطار كان لها أثر فعّال في تحريك عجلة السلام، فهل تعتقدون أن الزيارة التي قمتم بها إلى مصر قد ساعدت على دفع مسيرة السلام؟
- الملك: نحن نسعى إلى تحقيق السلام بكل الوسائل، وقد كانت هذه الزيارة فرصة طيبة لتبادل وجهات النظر في هذا المجال.
ومن ذلك أيضا معاملة غير العاقل معاملة العاقل إذا أسند إليه صفة من صفات العقلاء، كما في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام:
(38) "إذ قال يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين"[47]
وتجدر الإشارة في هذا المقام أن اللغة العربية تنزع نحو تغليب المذكر على المؤنث عند اجتماعهما كما في (39)، و(40)، أو عند الحديث عن أشخاص غير محددين كما في (41)، و(42).
(39) حضر المحاضرة عدد كبير من الرجال والنساء، معظمهم من كبار السن.
(40) ينبغي أن يكون الناس سواسية أمام القانون، لا فرق بين أبيضهم وأسودهم، ولا بين غنيهم وفقيرهم.
(41) في معظم بلاد العالم كل من يتعاطى المخدرات يعاقبه القانون.
(42) ليس هناك أسوأ من أن تكون في حيرة من أمرك، تقدم رجلا وتؤخر أخرى.
2) الاستثناء البلاغي:
يتمثل عدم مراعاة المطابقة بين الضمائر لأغراض بلاغية أو ما سميناه بالاستثناء البلاغي في الظاهرة المشهورة المعروفة بالالتفات، وهي ظاهرة تختل فيها المطابقة في الجهة، أوفي العدد فقط ، دون الجنس.
أولا: المخالفة في الجهة
يشتمل هذا النوع من الالتفات على الحالات الآتية:[48]
أ- الالتفات من المتكلم إلى الغائب، ومنه قوله تعالى:
(43) "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر"[49]
حيث أشار -عز وجل- إلى نفسه بـ"نا" ثم استخدم اسما ظاهرا معادلا لضمير الغائب هو "رب" بدلا من ضمير المتكلم "نا".
ب- الالتفات من الغائب إلى المتكلم، كما في قوله تعالى:
(44) "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت"[50]
الذي التفت فيه من الاسم الظاهر، وهو لفظ الجلالة الذي يعادل ضمير الغائب "هو" إلى ضمير المتكلم "نا" في "فسقناه".
ت- الالتفات من المخاطب إلى الغائب، كما في قوله تعالى:
(45) "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم"[51]
فقال: "بهم" بدلا من بكم.
ث- الالتفات من الغائب إلى المخاطب، كما في قوله تعالى:
(46) "مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين"[52]
فقال: "إياك" بدلا من إياه.
ج- الالتفات من المتكلم إلى المخاطب، كما في قوله تعالى:
(47) "ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون".[53]
فقال: "ترجعون" بدلا من أرجع.
ح- الالتفات من المخاطب إلى المتكلم، كما في قول علقمة بن عبدة بن النعمان:
(48) طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
يكلفني ليلى وقد شط وليها وعادت عواد بيننا وخطوب[54]
فقد أشار الشاعر إلى نفسه بضمير المخاطب "ك" في "بك"، ثم استخدم ضمير المتكلم "ي" في "يكلفني".
ثانيا: المخالفة في العدد
يقصد بالمخالفة في العدد أن يلتفت من ضمير إلى آخر مخالف له من حيث الإفراد أوالتثنية أو الجمع، ومن ذلك قوله تعالى:
(49) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ.[55]
فقال "بنورهم بدلا من بنوره".
3، 1، 3- مرجعية الضمير، وإزالة اللبس
إعادة الضمير إلى مرجعه من أهم المهام التي يقوم بها مفسر النص؛ لأنها تزيل عنه اللبس، وتوضح دلالاته، ولا شك أن اللبس يحول دون تماسك النص،[56] كما أن إزالة اللبس عن النص يقوي تماسكه، ويبين الرابط بين أجزائه. ولما كان ضميرا المتكلم والمخاطب يرجعان إلى المشاركين في عملية التخاطب، فإن مهمة تحديد من يشيران إليه عملية سهلة عادة؛ لعدم إمكان اللبس فيها، ولكن الصعوبة قد تكتنف عملية عزو ضمير الغائب إلى صاحبه؛ لأنه "عار عن المشاهدة، فاحتيج إلى عود الضمير ما يفسره"[57]، وسنناقش في هذا المبحث كيفية إزالة اللبس في مرجعية ضمير الغائب.
اشتهر بين النحاة ضابط مشهور قصد به تقنين عملية إعادة الضمير إلى مرجعه، وهو أن "الضمير يرجع إلى أقرب مذكور"، كما في (50) التي يعود فيها الضمير "ـه" في "فلامه" وفي "أبوه" على سليم.
(50) أعطى سعيد ابنه خالدا كراسة وابنه سليما قلما، لم تمض ساعتان حتى مزق خالد كراسته، وكسر سليم قلمه، فلامه أبوه على ذلك.
غير أن الضابط المذكور يحتاج إلى تقييد، وذلك بأن يقال: أقرب مذكور صالح لغة وعقلا لعود الضمير إليه؛ وأضفنا "صالح لغة" للاحتراز عن نحو (51) التي لا يصلح أن يعزى فيها الضمير "ها" في قلمها إلى المتكلم المشار إليه بـ "تُ" في "عنفتُ"؛ لعدم التطابق من حيث الجهة (لأن "تُ" ضمير المتكلم، و"ها" للغائب)، ولا أن يعزى فيها الضمير"ها" إلى خالد؛ لعدم التطابق من حيث الجنس. وأما إضافة "صالح عقلا" فلاستبعاد نحو (52) التي يمكن فيها تحديد المرجع المقصود بمقتضى معارفنا عن محتويات العالم الخارجي، وقوانينه. وبناء على ذلك فإن معرفتنا أن القطط هي التي تلاحق الفئران وليس العكس هي التي تعيننا على إدراك أن "القطة" هي المرجع الوحيد الذي يمكن عقلا وعادة إعادة الضمير إليه، وإن كانت "الفأرة" أقرب إلى الضمير "ها" من "القطة".
(51) أعطيت ابنتي فاطمة قلما، وابني خالدا كراسة، لم تمض ساعتان حتى كسرت فاطمة قلمها، ومزق خالد كراسته، فعنفت عليهما، فلامتني جدتها على ذلك.
(52) استطاعت القطة أن تصمد طويلا في مطاردة الفأرة، لكنها أخفقت في اللحاق بها.
وقد ذكر النحاة استثنائين للضابط المذكور في عود الضمير، هما:
أ- إن لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك،[58] وهذا ما تحدثنا عنه فيما مضى، وحاولنا حل الإشكال فيه بإضافة قيد على القاعدة.
ب-إذا كان المرجع جزءا من تركيب الإضافة، فإن المرجع ينبغي أن يكون المضاف مع أنه أبعد على الضمير من المضاف إليه.[59] ويمكن أن نمثل لذلك بنحو (53) التي يعود فيها الضمير "ـه" في "صحته" إلى المضاف "والد"، وليس إلى المضاف إليه، وهو "صديق"، مع أنه أقرب إلى الضمير.
(53) بينما كنت أتحدث مع أخي عبر الهاتف عرض ذكر والد صديق له، فسألني عن صحته، وعن موعد خروجه من المستشفى.
ويقترح هاليدي، ورقية حسن أن اللبس في مثل هذه الحالات يمكن أن يزال بالرجوع إلى المعنى، وإذا كان للنحو من أثر فمن المرجح أن يكون في الموضوع theme؛[60] أي المتحدث عنه.[61] ولعلهما يقصدان بذلك أن النحو يمكن أن يصوغ قاعدة مضمونها "الضمير يعود إلى المتحدث عنه"، وقد أشار النحاة القدامى إلى أن إعادة الضمير على المتحدث عنه أولى من إعادته إلى الأقرب،[62] وللتمثيل لذلك نقول: إذا تأملنا (54) فسنجد أن الضمير "ـه" في "استقباله" لا يعود إلى "الأمير حسن" مع أنه أقرب مرجع يصلح لعود الضمير إليه، بل إلى "الملك عبد الله" لكونه موضوع الحديث.
(54) وصل إلى مطار لندن الملك عبد الله ملك الأردن في ساعة متأخرة من مساء اليوم برفقة والدته الملكة نور، وعمه الأمير حسن، وكان في استقباله على أرض المطار الأمير تشارلز، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني.
وعلى أي حال، فإن هناك أمثلة يصعب أن نقرر فيها أن المرجع هو المتحدث عنه، أو هو أقرب المذكورات التي يصلح أن يعود الضمير إليها. ومن ذلك (55) التي لا يتضح إن كان مرجع الضمير "هم" في "إنهم" يعود على "الأطفال" أم إلى "ذويهم".
(55) لقد آن الأوان أن يؤخذ الأطفال المُتبنون من مربيهم، ويعادوا إلى آبائهم الحقيقيين، إنهم يتعذبون.
3، 1، 3، 1- عود الضمير على متأخر
الأصل في عود الضمير أن يرجع إلى متقدم في الذكر؛ لأن الضمائر بطبيعتها ملبسة، فلا تتقدم على مراجعها، بل ينبغي أن تتقدم تلك المراجع لفظا، أو معنى، أو حكما؛ "لأنك إذا قلت: قاموا، وما أشبهه، احتمل الزيدين، والعمرين، والمسلمين، والمشركين، فأرادوا ألاّ يعيدوها إلا على ما يتقدم ذكره دفعاً لهذا الإلباس"[63]
ويجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة في الحالات الآتية:
1- أن يكون الضمير مرفوعا بفعل يراد به المدح والذم ولا يفسر إلا بالتمييز نحو نعم رجلا زيد، وبئس رجلا عمرو، وساء مثلا القوم.
2- أن يعمل ثاني المتنازعين، ويكون الضمير مرفوعا بأولهما، مثل: جفوني ولم أجف الأخلاءَ.
3- .أن يكون مبتدأً يفسره خبره الذي يأتي بعده، مثل: "إن هي إلا حياتنا الدنيا".[64]
4- أن يكون مما يسمى ضمير الشأن والقصة نحو قوله تعالى: "قل هو الله أحد"،[65] وقوله تعالى: "فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا".[66]
5- أن يقع في محل جرٍّ بـ "رُبّ"، ومفسرا بتمييز بعده، نحو
رُبّه فِتية دعوتُ إلى ما يورث المجد دائبا فأجابوا.
6- أن يقع بعده اسم ظاهر بدلا منه ومفسرا له، مثل أحضرته الماءَ.
7- أن يتصل بفاعل مقدم، ويكون المرجع مفعولا به مؤخرا، مثل سامح أخوه سعيدا.[67]
3، 1، 3- إزالة اللبس بضمير الفصل
من المهام الأساسية لضمير الفصل في العربية إزالة اللبس، ولاسيما في تحديد الخبر والتمييز بينه وبين النعت، ويسميه الكوفيون عمادا؛ لأنه يعتمد عليه في تعيين الخبر، ويسمونه دعامة؛ لأنه يؤكد به الكلام،[68] وإذا ما تأملنا الجملة (56)، فسنجد أن لها ثلاث قراءات يصعب ترجيح إحداها على الأخرى، فإذا أتينا بضمير الفصل تحدد الخبر في كل منها، وأصبح لكل منها تفسير واحد، ففي (57) أدخل الضمير قبل كلمة "المحنك"، وفي (58) قبل كلمة "الواقعي"، وفي (59) قبل كلمة "الذي"، فيصير كل منها خبرا في موضعه، ويزال اللبس في الجملة.
(56) السياسي المحنك الواقعي في اتخاذ قراره الذي لا يبني سياسته على أحلام يستحيل تحقيقها.
(57) السياسي هو المحنك الواقعي في اتخاذ قراره الذي لا يبني سياسته على أحلام يستحيل تحقيقها.
(58) السياسي المحنك هو الواقعي في اتخاذ قراره الذي لا يبني سياسته على أحلام يستحيل تحقيقها.
(59) السياسي المحنك الواقعي في اتخاذ قراره هو الذي لا يبني سياسته على أحلام يستحيل تحقيقها.
ومن ذلك أيضا الجملة (60) التي تحتمل تفسيرين، ولا يمكن معرفة الخبر، وتميزه من النعت فيها إلا بإدخال ضمير الفصل قبل الخبر المقصود.
(60) فاطمة الوحيدة التي كسرت زجاج النافذة.
(61) فاطمة هي الوحيدة التي كسرت زجاج النافذة.
(62) فاطمة الوحيدة هي التي كسرت زجاج النافذة.
وإضافة إلى استخدام ضمير الفصل في إزالة اللبس، والتأكيد قد يستخدم للاختصاص،[69] كما في قوله تعالى:
(63) "إن شانئك هو الأبتر".[70]