ان القول بغريب قبيح وغريب حسن , يستدعي الاقرار اولا بان في القرآن الكريم الفاظ غريبة , وهذا ما لم حدث داخل نص القرآن الكريم , مع العلم ان القران يحوي ايات واضحة , تدل على انه لا يتضمن اي غريب على الاطلاق . انطلق العلماء في القديم , من النص القراني كمادة للبحث اللغوي , ليدخلوا خارج النص القراني اي لغة العرب في مبحث جديد سموه الغريب , ثم بعد ذلك ليعودوا بهذه الصفة على بعض الفاظ القران الكريم , فبدأنا بعد ذلك نقرا دراسات او نسمع عن الغريب في القرآن الكريم , يعني قامت عملية تدوير لهذا المصطلح من لغة القران الى لغة العرب ومن لغة العرب الى لغة القران , فاصبحنا مع مرور الزمن امام مبحث جديد هو ( الغريب في القرآن ), يجب الاشارة الى ان هذه العملية تكررت باشكال متعددة . على المستوى النحوي والبلاغي والصوتي ...وتم التوسيع فيها .
هل هناك غريب في القران ؟؟ من دون شك لا وبكل المقاييس , والغريب هنا ومن هذه الزاوية بالضبط غير موجود في القارن الكريم , فرغم ان النص القراني قديم من حيث الزمن , لكن كل من يعلم عن العربية الشئ القليل في هذا الزمن يستطيع فهمه وتقبل افكاره , ان ما حدث لدى علمائنا قديما , هو النظر الى هذا الموضوع من زاوية نظر شخصية , فمن امتلك معجما لغويا عربيا كبيرا من الحيث الكم , مثل الخليل ابن احمد , لم ير في تلك الالفاظ اي صفة او قيمة من قيم الغرابة , اما من كانت ذاكرته المعجمية ضعيفة وعلمه ضعيف من حيث الكم , فقد اعتبر بعض الالفاظ غريبة , اذن القضية هنا ترتبط بالمتلقي لا بالنص الاصلي , ولا اساس لها من الصحة علميا وتداوليا , كل حديث عن الغريب في القران الكريم لا اساس ولا صحة ولا شرعية له , لان بالنص القراني آيات واضحة , تنفي الغرابة عنه او عن الفاظه . وهو قضية ملموسة في لغة القرآن الكريم .
اما الغريب في اللغة العربية في الشعر العربي الجاهلي ونثره ...اي في لغة العرب , فهذا لا يمكن ايضا الحكم عليه حكما عاما , لان القضية ترتبط بسياق الزمن وباستعمال اللغة في ذلك الزمن , كم عدد الكلمات التي تنتمي للمعجم العربي القديم مهملة عندنا ولا نستعملها ؟؟؟ هل يصح ان نقول انها غريبة بالنسبة لنا ؟؟ نعم يصح ذلك , لاننا لا نستعملها او اغلبنا يجهلها ... هذا واحد من المقاييس التي يمكن الاحتكام اليه في الحكم على الغريب من الالفاظ وهذا المقياس هو مدى الاستعمال والتوظيف او ضعف الاستعمال او غيابه اصلا . لكن هل هذا الحكم في نهاية المطاف , هل هو حكم علمي او مقياس علمي ؟؟ لا نعتقد ذلك ... لان الزمن يتغير , اللغة تتطور بتطور الفكر المستعمل لالفاظها ...والالفاظ تعبر عن ذلك الفكر .
هذا من حيث الغريب , اما القول بالفصاحة , فقد اتخذ عندهم منحيين , منحى صوتي واخر دلالي , واما المستوى الصوتي فهو واضح منذ البداية اي منذ الخليل ابن احمد حين صنف الفاظ العرب الى ثنائي ( هو ثلاثي في الاصل لكنه مضعف ) والثلاثي الصحيح والرباعي لاخماسي , فعند الخماسي لاحظ الخليل ان هذا اللفظ يمكن وبسبب كثرة عدد اصواته ان يحمل اصواتا متنافرة , ما كان يقصده بالاصوات المتنافرة , ؟؟ انها تلك الاصوات المتقاربة في المخرج , التي يصعب الجمع بينها في مقطع او مقاطع متقاربة جدا من داخل الخماسي على الخصوص , واشار الى تلك الاصوات وحددها بصفة خاصة في الاصوات الحلقية , التي فعلا تجدها اغلبها في اللغة العربية ولا تجد الا قلتها في اللغات الاخرى . واعتبر اجتماع تلك الاصوات في كلمة واحدة ( في الثلاثي حعغ مثلا ) عملا ليس من كلام العرب , وكان ذلك التحليل اللساني الصوتي من لدنه تحليلا علميا وضع من خلاله مقياسا لفصاحة اللغة العربية على اساس صوتي . تجد هذا الكلام الذي ذكرته هنا في حديث الخليل عن اللفظ الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي اي عن ما سماه الاصول بشكل واضح . ومنه انطلق البلاغيون العرب مثل ابن سنان الخفاجي في رصده للفصاحة في اللغة العربية او في الشعر العربي .
اما عن الفصاحة من جهة المنحى الدلالي , فقد اخذت اشكالا متعددة , ومناحي متعددة, منها البلاغي والنحوي .. وتعددت وتفرعت موضوعاته , من الاتساق النحوي , الى العدول البلاغي عن طريق التلاحم والسبك والاحتباك .. ومن خلال ظواهر نحوية , كالرتبة والعائد , واخرى بلاغية كالمجاز المرسل و الاستعارة الكناية الى اخره .
تحية طيبة