صَحَفِيّ لاَ صُحُفِيّ،وَ صِحَافِيّ لاَ صَحَافِيّ
الصَحَفِيّ:مُحَرَّكَة،مَن يأخذُ العلمَ من الصَّحيفة لا عن أستاذ،وقيلَ:مَن يُخطيءُ في قراءةِ الصَّحيفَة.ولقد شاعَ إطلاقُها في عصرِنا على مَن يُزاوِلُ مَهْنَة الصِّحافة.قال ابن سَلاّم الجُمحيّ في طبقات فحولِ الشّعراء (1 /4): ( وليس لأحدٍ إذا أجمعَ أهلُ العلم والرِّواية الصّحيحة على إبطالِ شيءٍ منه أن يَقبلَ من صَحيفة،ولا يُروَى عن صَحَفِيّ)،وفي أخبار المُصَحِّفِين (1 /32): ( عن سعيد بن عبد العزيز التّنُّوخيّ قال:كانَ يُقالُ:لا تَحمِلُوا العلمَ عن صَحَفِيّ،ولا تَأخُذُوا القرآنَ عن مُصْحَفِيّ)،وفي المصباح المنير (ص200 ص ح ف): ( رَجُلٌ صَحَفِيٌّ بِفَتْحَتَيْنِ وَمَعْنَاهُ:يَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْهَا دُونَ الْمَشَايِخِ كَمَا يُنْسَبُ إلَى حَنِيفَةَ وَبَجِيلَةَ حَنَفِيٌّ وَبَجَلِيٌّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ صُحُفٌ بِضَمَّتَيْنِ وَصَحَائِفُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكَرَائِمَ)،وقال الخليلُ بنُ أحمد في كتاب العين: ( 3 /120 باب الحاء والصّاد والفاء معهما): ( والصَّحَفِيُّ: المُصَحِّفُ، وهو الّذي يَروِي الخَطَأَ عن قِراءة الصُّحُفِ بأشباه الحُروف).
ولا تقلْ:صُحُفِيّ؛لأنّ ما كانَ على وزن فَعِيلَة يُلْتَزَمُ في النّسبة إليه وزن فَعَلِيّ على ما هو الرّاجح من مذاهب العلماء، قالَ في شرح الأشمونيّ ضمن مبحثِ النّسب (2 /2): ( "وفَعَلِيٌّ في فَعِيلَة اُلْتُزِمْ" أي اِلْتزِم في النّسبة إلى فَعِيلَة حذفَ التّاء والياء وفتحَ العين كقولِهم في النّسبة إلى حَنِيفَة:حَنَفِيّ،وإلى بَجِيلَة:بَجَلِيّ،وإلى صَحِيفَة:صَحَفِيّ،حذفوا تاءَ التّأنيث أوّلاً ثمّ حذفوا الياءَ ثمّ قَلَبُوا الكسرَ فتحًا …).
وقال في معجم القواعد الإعرابيّة (26 /25 باب النّون/النّسب): ( 4 - ما يُحذفُ لياء النَّسَب ممّا يتّصلُ بالآخر: … 2/ياءُ فَعِيلَة بشرط صحّةِ العين،وانتفاءِ التّضعيف،تقولُ في "حَنِيفَة":حَنَفِيّ،وتقولُ في "مَدِينَة":مَدَنِيّ،وفي "صَحِيفَة": صَحَفِيّ،وفي "طبيعة": طَبَعِيّ،وفي "بَدِيهَة":بَدَهِيّ.وشذَّ قولُهم في "سَلِيقَة":سَلِيقِيّ كما قالَ :
وَلَسْتُ بنَحْوِيٍّ يَلُوكُ لِسَانَهُ ... وَلَكِنْ سَلِيقِيٌّ أَقُولُ فَأُعْرِبُ
وفي تاج العروس قال الزّبيديّ (6 /161): ( … والصَّحَفِيُّ مُحَرَّكَةً من يُخْطئُ في قرَاءَة الصَّحيفَة وقَوْلُ العامَّة: الصُّحُفِيُّ بضَمَّتَيْن لَحْنٌ؛والنِّسْبةُ إلى الجَمْع نِسْبَةٌ إلَى الواحد؛لأَنَّ الغَرَضَ الدَّلالةُ على الجِنْس والواحدُ يَكْفي في ذلك).وكذا علّلَهُ في المصباح المنير (ص419).
وقال الحريريّ في دُرَّةِ الغوّاص (ص183 رقم 146): ( والصّوابُ عند النّحويين البصريّين أن يُوقَعُ النَّسَبُ إلى واحدة الصُّحُف وهي صَحِيفَة فيُقالُ صَحَفِيّ،كما يُقالُ في النَّسَب إلى حَنِيفَة حَنَفِيّ؛لأنّهم لا يرونَ النَّسَبَ إلاّ إلى واحدِ الجموع،كما يقالُ في النَّسَبِ إلى الفرائض فَرَضِيّ،وإلى المَقارِيض مِقْراضِيّ…) .
وأمّا في معجم الأخطاء الشّائعة (ص139 رقم 570) فقد قالَ: ( ويُخَطِّئُونَ مَن يقولُ:صُحُفِيّ،ويقولونَ:إنّ الصوابَ هو:صَحَفِيّ؛لأنّ البصريّين يَرونَ أن نَنْسِبَ إلى الجمع،بعد أن نُحَوِّلَهُ إلى المفرد.ولكنّ الكوفيّين يُجيزون النَّسَبَ إلى جمع التّكسير في جميع الأحوال،سواء أكانَ اللَّبْسُ مأمونًا عند النَّسَب إلى مفردِهِ أم غيرَ مأمونٍ؛لذا يَصِحُّ أن نقولَ:صُحُفيّ على رأيِ الكوفيّين،وصَحَفِيّ على رأي البصريّين والكوفيّين معا".وبنحو هذا الكلام قال في (ص84-85 رقم 299).
وقال في (ص85): ( … وحجّةُ الكوفيّين أنّ السّماعَ الكثيرَ يُؤيِّدُ دَعواهُم – وقد نقلوا من أمثلتِه عشرات -،وأنّ النّسبَ إلى المفردِ يُوقِعُ في اللَّبْس كثيرا".
كذا!،وهي دَعوى عَريضة،لم يُورِدْ لها شاهدًا واحدًا مِن هذه (العَشرات)،من معتبر كلام العرب؛ولو صَحَّتْ فلا مَناصَ مِن قَبولِ رأيِ الكوفيّين مِن غيرِ تَرَدُّدٍ.
وضابطه ما قاله في المصباح المنير (ص162 س ح ل): ( ... فَيُقَالُ أَثْوَابٌ سَحُولِيَّةٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سُحُولِيَّةٌ بِالضَّمِّ نِسْبَةً إلَى الْجَمْعِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْجَمْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا،وَكَانَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ تُرَدُّ إلَى الْوَاحِدِ بِالِاتِّفَاقِ).
وأمّا قولهم في النَّسَب: ( الأنصاري والأنباري والأعرابي فلِجريها مجرى القبائل كأنماري وضبابي وكلابي،ومنه المعافري والمدائني) . (وإنّما جازت النِّسبة إلى الجمع بصفته لأنّه خرج عن معنى الجمع بكونه اسما،وإلاّ فالأصلُ أن يُرَدَّ الجمعُ إلى الصّحيح الواحد ثم يُنسَب إليه) .
نعم،لو خِيفَ من اللَّبْسِ حالَ النِّسبة إلى المفردِ فلا ضَيْرَ مِن إعمالِ مذهبِ الكوفيّين،وإلاّ فلا.ولعلّ هذا الخوف هو الذي دفع مجمع اللّغة القاهري إلى تجويز النّسبة إلى الجمع مطلقا .
وأمّا الصِّحَافَة :بكسر الصاد فهي مَهْنَةُ مَن يَجمعُ الأخبارَ والآراءَ،ويَنشرُها في صحيفة (جريدة)،أو مجلّة.والنِّسْبَة إليها صِحَافِيّ بالكسر، ولا تَقُلْ:الصَّحَافَة،ولا الصَّحَافِيّ بفتح الصّاد؛لأنّ وزن (فِعَالَة) موضوعٌ في اللّغة للدّلالة على مزاولة المَهْنَة كالحِدَادَة والنِّجَارَة، والمِلاحَة، والجِزَارَة،والحِلاقَة.
نعم،خَلَتْ المعاجمُ من ذكرِها – أعني الصِّحَافَة -؛لِمَا أشرنا إليه في الهامش،ولكنّ القياسَ مُطَّرِدٌ فيها.فكما أنّ الألفاظَ العربيّةَ تَثْبُتُ بالسّماعِ وهو الأصلُ،فإنّها تَثْبُتٌ كذلك بالقياسِ على ما سُمِعَ من العرب.
ويراجع:
1. أخطاء ألفناها (ص125).
2. أدب الكاتب (ص220 - 221 تقويم اليد) .
3. أساس البلاغة (ص249).
4. تصحيفات المحدّثين (1 /24).
5. التّوقيف على مهمّات التّعاريف (1 /449).
6. سير أعلام النّبلاء (16 /303 ترجمة الجُلوديّ).
7. الشّافية (1 /36، 42).
8. القاموس المحيط (1 /1068).
9. كيف تكون فصيحا ؟ (ص42).
10. لسان العرب (9 /187).
11. معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة (ص369 رقم 1079).
12. المغرب (1 /467).
13. نصوص في فقه اللّغة (1 /442 ،452 ،461).
يتبع إن شاء اللّه تعالى / وكتب:محمد تبركان