د محمد محمد يونس علي عضو شرف
البلد : ليبيا وبلاد العرب: أوطاني عدد المساهمات : 801 نقاط : 1529 تاريخ التسجيل : 25/12/2009 المهنة : أستاذ اللسانيات المشارك
| موضوع: د. محمد يونس: مظاهر التواكل الفكري في بنية العقل العربي 2011-12-16, 11:02 | |
| مظاهر التواكل الفكري في بنية العقل العربي تأليف: د محمد محمد يونس علي أعني بالتواكل الفكري نوعا من الكسل العقلي مقترنا بنهج تسويغي يرمي إلى إراحة النفس من التعامل مع مشكلة ما. وهو سمة من سمات التخلف المتأصلة في ثقافتنا العربية المعاصرة، ومن مظاهر التواكل الفكري في بنية العقل العربي: 1- الاستسلام للتفكير التآمري ما أسهل على العربي أن يحل جميع مشاكل العالم، وهو يحتسي فنجانا من قهوة، وربما قبل أن يرتد إليه طرفه، فبلحظة من الإلهام الذي لا يكاد يخطئ يستطيع كثير من الناس أن يتجاوز النظر إلى ظواهر الأمور ويتعمق في نيات الناس، وفي غياهب الغيبيات ليدرك بثقة كاملة أن المسألة قيد الدراسة أو النقاش لا تعدو أن تكون (أو ناشئة عن) محض مؤامرة يقوم بها أعداء الأمة أو الجن أو قوة أخرى خفية لا نعرفها (كالماسونية ونحوها)، ولا يمكن أن تكون ناشئة عن أخطائنا أو تقصيرنا أو سوء سلوكنا. ولا يقتصر هذا التفكير التآمري على القضايا السياسية والاجتماعية العامة بل تشمل أيضا مشاكل العمل والأسرة والعلاقة بالآخرين إجمالا. إن المصاب بهذا النوع من التفكير ليشبه طبيبا يعزو جميع الأعراض التي يشكو منها مرضاه إلى قوى شريرة تتحكم في أجسادهم، وهو بذلك يريح نفسه من عناء استخدام السماعة، وقياس الحرارة والضغط والسكر، والتفكير في الاحتمالات الطبية الممكنة للمرض. وينبغي ألا يفهم أننا ننفي وقوع التآمر على المستوى الاجتماعي أو السياسي والدولي، فالتاريخ والتجارب تشهد بوقوع ذلك، ولكن الخطر كل الخطر أن نحاول استخدام التفكير التآمري في حل أي مشكلة أو تشخيصها، فهو وسيلة تهرب تسويغية، وليس أداة لحل أي مشكلة. إن ديننا الحنيف يدعونا إلى ربط المسببات بأسبابها، وإلى التأمل في الظواهر الكونية والإنسانية واكتشاف قوانينها. وهو بذلك ينهانا عما كان سائدا من اعتقادات خرافية تربط الوقائع والأحداث بأمور خفية، كما هو مشهور في قصة خسوف القمر عند موت إبراهيم ابن الرسول– صلى الله عليه وسلم- حيث نهينا عن الربط بين الحدثين. ونظرا إلى أن التفكير التآمري لا يستند عادة إلى منطق أو برهان أو ربط بين أمور يمكن التدليل عليها فهو يشبه إلى حد كبير تلك الاعتقادات الخرافية التي كان يقول بها البدائيون من الأمم. والتفكير التآمري دليل على الروح الانهزامية، وعدم الثقة في النفس، وضعف الإرادة، وفتور العزم، ومن مخاطر هذه الانهزامية النفسية أنها تقضي على معنويات الأمة، وتهيئها للاستلام للمستعمر، يقول شكيب أرسلان: "وهكذا أصبح المسلمون في الأعصر الأخيرة يعتقدون أنه ما من صراع بين المسلم والأوروبي إلا سينتهي بمصرع المسلم ولو طال كفاحه". وقد شجع هذا الموقف الانهزامي الاستسلامي بالفعل الاستعمار على المضي في التخطيط لتحقيق مصالحة في العالمين العربية والإسلامي خلال القرنين الماضيين، وليس لنا من سبيل إلى التخلص منه إلا باستعادة ثقتنا في أنفسنا من خلال التفكير العلمي، والوعي بالذات متمسكين في ذلك بثوابت الأمة، مع الحرص على القضاء على ما يسميه مالك بن نبي بالقابلية للاستعمار، وخدمته، وقد نقل عن بعض المصلحين قوله: "أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم". 2- إيقاع اللوم على الآخرين فالخطأ والتقصير دائما منسوبان إلى الآخرين حتى انعكس ذلك في طريقتنا في التعبير اللغوي، فبينما يقول الطالب الإنجليزي عند تأخره عن حضور الدرس مثلا: "I missed the bus" ناسبا الخطأ إليه يقول الطالب العربي: "لقد فاتني الباص" ناسبا الخلل إلى الباص. ولعل من أشهر التبريرات التي نتعلل بها الاحتجاج بالقضاء القدر، وهو أمر شائع إلى الحد الذي يوفر علينا مؤونة الإشارة إليها، مع أن القرآن الكريم يعلمنا أن نعزو الأخطاء إلى أنفسنا، ونعترف بذنوبنا، قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" (الشورى: 30)، ويقول أيضا: "أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" (آل عمران: 165). 3- الاستسلام للواقع وعدم التضحية: لعل من أهم أسباب تقدم الأمم قوة الإرادة، وشدة العزم، والاستعداد للتضحية وبذل الجهد في سبيل ما يؤمنون به، وما يرون أنه يحقق لهم أهدافهم، وإذا كان الأمر كذلك فإن مداهنة الناس، والاستسلام للواقع، والتقاعس، وعدم التضحية من أجل تغييره من أهم أسباب تخلفهم، يقول شكيب أرسلان في خلاصة جوابه عن السؤال الذي عنون به كتابه: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم: "فلن يتم للمسلمين ولا لأمة من الأمم نجاح ولا رقي إلا بالتضحية". ولعله من الواضح أن السلوك الاجتماعي عند العرب ينزع في مجمله إلى مسايرة الواقع وترسيخه وتكريسه، وتكاد تختفي المحاولات الجادة لتغييره، اتكالا على مبدأ أن التغيير مكلف، فقد يكلف الإنسان فقدان عمله، أو ربما سجنه، أو حتى موته؛ ولذا فالأفضل أن نختار السلامة بتبني موقف محايد، أو ربما بمناصرة أهل القوة وتملقهم ومداراتهم لحماية النفس، أو للحصول على مستوى معيشي أفضل. 4- عدم المبالاة بأهمية الأمور: لهذه الصفة مظاهر مختلفة منها عدم إتقان العمل والاكتفاء من القلادة بما أحاط بالعنق، وعدم العناية بالتفاصيل، وغياب الدافع الذاتي للقيام بالعمل. وكثيرا ما تكون عدم المبالاة مبعثا للضغائن والأحقاد بين الزملاء مثلما قيل في المثل "علة المعاداة قلة المبالاة"؛ لأن الكسل وعدم إتقان العمل يدفع الكسول إلى الغيرة من النشط من الناس المتقن لعمله، والكيد له، فيترتب على ذلك ما يترتب من تقاعس وتخلف. غير أن أخطر ما تجتلي فيه اللامبالاة عدم تقويم الأمور وفقا لأهميتها للفرد والمجتمع على المدى البعيد، بل بقدر ما تدره من مكاسب شخصية سريعة ومؤقتة. فالطالب يركز كل اهتمامه على الامتحانات وتغيب عنه أهمية التعلم من أجل الحياة، والموظف لا يحرص على شيء سوى إرضاء مسؤوله، أو حصوله على الترقية، وهلم جرا. وقد أدرك الناس قديما أهمية المبالاة في إقامة الدولة، يروى أن أبا الحسين بن المنادى الملقب بمنوشهر خطب في رعيته موبخا إياهم على عدم مبالاتهم، فقال: "إنما الناس ناس ما دفعوا العدو عنهم، وقد نالت الترك من أطرافكم، وليس ذلك إلا من ترككم جهاد عدوكم، وقلة المبالاة". 5- النزعة التقليدية وغياب التفكير الإبداعي (الإمعية): لقد شاعت بيننا فكرة المحافظة على القديم لمجرد قدمه والعزوف عن الجديد لمجرد جدته، وتوسعنا كثيرا في تعميم الحكم على كل بدعة بأنها ضلالة بحيث شملت كل ما يتعلق بشؤون الحياة مع أنها وردت حصرا في العبادات التوقيفية التي يقصد بها الامتثال لأمر الله جلّ وعزّ. وهكذا طغت علينا صفة الآبائية، فعشقنا المألوف وقدسنا ما ألفينا عليه آباءنا في عصور التخلف، وساد الحكم على الأشياء بمعيار الأصالة أو الجدة دون نظر إلى الأشياء في حد ذاتها، وغاب عنا أن الزمن ليس له صلة بالجودة أو الرداءة، ولا الجودة مرتبطة بجدة أو بقدم، فالجودة لا ترتبط بالتاريخ (القديم أو الحديث)، ولا بالجغرافيا (الشرق أو الغرب).، وقد أحسن شكيب أرسلان عندما ذهب إلى أن انحطاط المسلمين إما بسبب جمودهم على القديم أو بسبب جحودهم له. إن النقطة التي تستحق الاهتمام هنا هي أن الفكرة العلمية ينبغي أن تقوّم حسب أهميتها، وبالنظر في مدى صحتها بغض النظر عن مصادرها التاريخية والجغرافية، فالصحة لا ترتبط بزمان معين أو مكان معين. وبناء على ذلك فإن السؤال الصحيح الذي ينبغي أن يسأل دائما هو ماذا قيل؟ وليس من قال؟ أو أين قيل؟ أو متى قيل؟ كما هو شائع عند كثير من أصحاب التفكير الإمّعي الذي يرفضون الفكرة إذا كان مصدرها غربيا أو حديثا ويقبلونها إذا كان مصدرها تراثيا دون نظر في مدى صحنها ودون فحص لأدلتها. 6- التفكير الهامشي: نعني بالتفكير الهامشي إشغال فكر الإنسان بقضايا خارجة عن دائرة نفوذه، وتأثيره، كأن يمضي الكثير من الوقت في حل مشاكل العالم دون أن ينهج في ذلك نهجا علميا، ودون أن يكون له من المؤهلات والقدرات التي تمكنه من أن يخوض في ذلك، أو أن يضيع الوقت في المناقشات البيزنطية العقيمة أو الصراعات التاريخية السالفة. والميل إلى التفكير الهامشي إنما هو نوع من التعويض عن الكسل، والتقاعس عن الواجبات المناطة به، ومحاولة إقناع النفس بالانشغال بقضايا الأمة، وتاريخها، ونحو ذلك من الأمور، وعلى الرغم من إدراكنا أن الله لا يحاسبنا على مالا طاقة لنا به، فإن الكثير من الوقت يضيع في إعمال عقولنا في أمور تخرج عن ممتلكاتنا، وواجباتنا، وعاداتنا، وأحوالنا، ونحو ذلك مما يدخل في إطار نفوذنا. د. محمد يونس اقرأ أيضا
مظاهر سطحية التفكير في بنية العقل العربي
عدل سابقا من قبل د محمد محمد يونس علي في 2011-12-16, 18:26 عدل 2 مرات |
|
نعيمة مصطفى عضو شرف
البلد : ليبيا عدد المساهمات : 275 نقاط : 457 تاريخ التسجيل : 15/12/2010 الموقع : مصراتة الغالية (ذات الرجال) المهنة : مدرسة
| |