الواو لمطلق الجمع وليست للترتيب
تأتي الواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين دون دلالة على ترتيب .
فإذا قلنا : ذهب محمد وزيد ، دل ذلك على اجتماعهما في نسبة الذهاب إليهما , واحتُمل أن يكون (محمد) قد ذهب قبل (زيد) , أو بعده , أو معه ....
وإنما يتبين ذلك بالقرينة , كأن تقول مثلا : " ذهب محمد وزيد بعده " ، أو : " وزيد قبله " ، أو : " وزيد معه " .
ولكونها لا تفيد الترتيب يُعطف بها اللاحق , والسابق , والمصاحب .
- فمن عطفها اللاحق قوله تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ)الحديد/26 ، فـ(إبراهيم) متأخر في الإرسال عن (نوح) .
- ومن عطفها السابق قوله تعالى :
(كَذَلِكَ يُوحِي إليك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ )الشورى/3 ، فالذين من قبله أسبق منه صلى الله عليه وآله وسلم .
- ومن عطفها المصاحب قوله تعالى :
(فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ)العنكبوت/15 ، فـ(أصحاب السفينة) مصاحبون له في النجاة .
* وذهب بعض الكوفيين مثل قطرب وثعلب وأبو عمر الزاهد – المعروف بغلام ثعلب – إلى أنها تفيد الترتيب وليست لمطلق الجمع , واستدلوا على رأيهم بشواهد منها :
- قوله تعالى : (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم)]الفتح/24[ فلو لم تكن الواو للترتيب لكان المعنى : أنه كف أيديهم قبل كف أيدي عدوهم وفي ذلك مشقة عليهم .
- وما روي عن ابن عباس من أنه أمر بتقديم العمرة فقال الصحابة : لم تأمرنا بتقديم العمرة وقد قدم الله الحج عليها في التنزيل ؟ فدل إنكارهم على ابن عباس أنهم فهموا الترتيب من الواو .
وجمهور النحاة يرى أنها لمطلق الجمع ، واحتجوا بآيات قرآنية كثيرة فيها عدم الترتيب ، منها :
- قوله تعالى : (فكيف كان عذابي ونذر) ]القمر/30،21،18،16[ ، فالنذر – جمع نذير من الإنذار – قبل العذاب بدليل قوله : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)]الإسراء/15[ ، فلا يجوز أن تكون الواو للترتيب في الآية .
- قوله تعالى في سورة البقرة]58[ : (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) وقوله في سورة الأعراف ]161[ : (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا) والقصة واحدة ، فلو كانت للترتيب لحدث تناقض بين الآيتين .
- قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا )المؤمنون/37 ، فقد عطف بها المتقدم وهو (نحيا) , أي: نحيا ونموت , ولو كانت للترتيب لكان ذلك اعترافا من الكفار بالبعث .
- قوله تعالى : (كَذَلِكَ يُوحِي إليك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ )الشورى/3 ، فواضح أنها لا تفيد الترتيب في هذه الآية .
- قوله تعالى في سورة (ق) : (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود / وعاد وفرعون وإخوان لوط / وأصحاب الأيكة ..)] 12-14[ ، وقوله في سورة (ص) : (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد / وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ..)]12-13 [، وبتأمل المعطوفات نجد أنها وردت في السورتين بترتيب مغاير ، مما يدل على أن الواو لمطلق الجمع وليس لإفادة الترتيب .