نظريات المعنى فى الترجمة(1)
حين يتحدث المترجم أو دارس الترجمة عن ترجمة المعنى لا اللفظ فانَما يضع فى ذهنه تصورات مستقاة وتراثه ومن مجتمعه,عن توازى الدلالة بين لفظتين من لغتين مختلفتين أو بين مجموعتين من الالفاظ فى هذه اللغة وتلك , وقد يصل به التفكير فى توازى الدلالة الى تصور وجود تعادل محتوم inevitable equivalence
بين الالفاظ المفردة أو مجموعات الالفاظ,ونادرا ما يكون المترجم (بل ودارس الترجمة )ممن تبحروا فى علم الدلالة Semantics
ولكنه يستقى ذلك المفهوم عن تعادل المعنى أو توازى الدلالة مما درج عليه فى تعلم اللغة الاجنبية,ومما أرشده اليه من سبقوه من المترجمين أو دارسى الترجمة ,فيتصور أنه بامكانه اخراج ترجمة تتضمن معادلات محكمة للمعنى بين النص الاصلى (المصدر)والنص المترجم( المستهدف )......
ولقد شغل هذا الموضوع كثيرا من الباحثين فى الغرب من الخمسينات والستينات من القرن العشرين,وكان من بين القضايا اللغوية الاساسية التى تناولها أشهر علماء الترجمة فى كتبهم آنذاك.
المفهوم العربى للترادف
Synonymy:
مما لاشك فيه أن القارىء العربى يعرف مذهب بعض القدماء فى انكار الترادف التام ,وهو مذهب راسخ,ولكن حديث القدماء والمحدثين فى لغة ما ,سواء كانت العربية أو لغة أخرى,يقتصر على وجود كلمتين أو أكثر من اللغة نفسها بالمعنى نفسه, وأما التعادلفيكاد ينصرف الى توازى المعنى بين كلمتين من لغتين مختلفتين.
وكان من أوائل من اثار قضية "التعادل"بمفهومها الحديث رومان ياكوبسون,فعندما تعرض للترجمة بين لغتين مختلفتين شرع فى فحص بعض قضايا هذه الترجمة ومنها قضية ما يسميه المعنى اللغوى linguistic meaning
و((التعادل))equivalence.
ويتفق يا كوبسون مع سوسير Saussure
أو هو يأخذ عنه العلاقة بين الدال(الاشارة-signal-المنطوقةأو المكتوبة
والمدلول (المفهوم الذى يدل الدال عليه)قائلا ان الدال والمدلول معا يكونان ((العلامة اللغوية))linguistic sign
وينتقل يا كوبسون بعد ذلك الى المشكلة الشائكة وهى ((تعادل المعنى ))بين كلمتين من لغتين مختلفتين فيقول "انه فى العادة لايوجد تعادل كامل بين وحدتين من وحدات الشفرة اللغوية code -units"
Equivalence in difference is the cardinal problem of language and the pivotal concern of linguistics.
التعادل فى( اطار) الاختلاف هو المشكلة الكبرى فى اللغة والقضية المحورية لعلم اللغة(اللغويات).
وقد أصبحت قضايا المعنى والتعادل وقابلية الترجمة من الموضوعات الثابتة والمتكررة فى دراسات الترجمة على امتداد الستينات, ولم تلبث أن أصبحت من مجالات المنهج ((العلمى )) الذى اتبعه دارس من أهم باحثى دراسات الترجمة ألا وهو الأمريكى يوجين نايدا
وقد نشأت نظرية الترجمة التى وضعها من واقع ممارسته العملية فى أثناء ترجمته للكتاب المقدس ,وتنظيمه لجهود ترجمته فى.E.Nida
الأربعينيات ,وكُلّلت جهوده باصدار كتابين حاول فيهما وضع مدخل منهجى لدراسة الترجمةيستفيد من مفاهيم علم اللغة ومصطلحاته,سواءمن علم الدلالة أو من التداولية pragmatics,
وكذلك من ثمار عمل "نعوم تشومسكى "فى مجال بناء الجملة أو علم التراكيب ,وهو الذى وضع نظريته الشهيرة فى النحو التوليدى و التحويلى Translational -generative grammar
وقد بدأ "نايدا" عمله بالابتعاد عن النظرية القديمة التى تقول بثبات معنى الكلمة المكتوبة ,وبالاقتراب مما يمكن تسميته بالتعريف الوظيفى
functional
للمعنى,ومفاده أن الكلمة ((تكتسب ))معناها من سياقها , وأن تأثيرها يختلف باختلاف الثقافة ,وهو يحدد فى هذا الصدد ثلاثة أقسام للمعنى ,الاول هو المعنى اللغوى linguistic meaning
وهو الذى يعتمد فيه على تقسيم الجملة الذى وضعه تشومسكى واشتهر باسم "الشجرة" حيث تبدأ الجملة باسم أو بعبارة(أو شبه جملة)اسمية ويتبعها فعل ولواحق الى اخر هذا التقسيم المشهور,والثانى هو المعنى الاحالى REFERENTIAL MEANING
وهو المعنى الذى يحدده المعجم بدقة ,ووظيفة الدال فيه هى الاحالة الى المدلول, وأما القسم الثالث فهو ما يسميه المعنى الشعورى emotive meaning
أو ظلال المعنى التى تنشأ من ارتباط الكلمة باشياء معينة ,فى داخل السياق أو خارجه ,أو فى الخبرة الفردية للقارىء أو الخبرة الانسانية العامة ,اذن فهو يختص باثارة احساس ما أو شعور ما,وينسب عادة الى ما للمعنى من ظلال, ولكنه قد ينبع ايضا من جرس السياق الذى يقع فيه اللفظ,وذلك أمر لا يمكن اغفاله عند تفهم النصوص ومن ثَمّ عند ترجمتها.