منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد صغير نبيل
عضو شرف
عضو شرف
محمد صغير نبيل

وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
204

نقاط :
476

تاريخ التسجيل :
16/05/2010

الموقع :
الجزائر


الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  Empty
مُساهمةموضوع: الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر    الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  I_icon_minitime2011-02-21, 23:53

الإختلاق، الذاكرة والمكان(( ))
تأليف: إدوارد سعيد
عن مجلة Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.




إن هذه التأملات في الفضاء والمكان ومشهديته تظهر في لحظة يسيطر عليها هاجس الزمن، حيث الإحساس بأن لحظة ألفية جديدة وطغيان تقويم مناف للعقل يحوم حول المكان. وكلنا يدرك أن السؤال الفاصل الحقيقي ليس: متى؟ بل إنّه، أين؟ أين ستكون حين تحلّ اللّحظة السحرية لألفية جديدة، هل ستكون في مركز مدينة القدس، تتنفس الصعداء، وأنت تشم رائحة المكان وألقه؟ أم ستكون على شاطئ البحر تطل على رحابة العالم؟ في هذه المقالة يتعقب إدوارد سعيد آثار "تناسج"، إذا جاز التعبير، الذاكرة والاختلاق في مكان يدعى فلسطين، مثبتاً كيف أن علامات 1948 و 1998 تبني بشكل جذري مشهدية متباينة في الخبرة الفردية منها والجمعية بمحاذاة تناقضات عميقة في الفضاء الاجتماعي.
المترجم.
العنوان الأصلي:
Invention. Memory . and Place
Edward W. Said.
شهد العقد المنصرم اهتماماً متزايداً بمجالين متداخلين من مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، هما الذاكرة والجغرافيا، أو بصورة أدق، دراسة الفضاء الإنساني، وقد ولّد كل من هذين المجالين قدراً بالغاً من الأعمال اللافتة التي خلقت حقولاً جديدة من البحث والاستقصاء. فعلى سبيل المثال، اتسع الاهتمام بالذاكرة ليشمل أشكالاً من الكتابة حيث يتزايد انتشارها كالمذكرات الشخصية والسيرة الذاتية التي لم يبق كاتب من كتاب القصة المشهورة إلاّ وحاولها، فضلاً عما فاض به الأكاديميون والعلماء والشخصيات العامة، وغيرهم. ولم يبق الولع القومي بالذكريات والاعترافات والشهادات عند مستوى الاعترافات العامة والعلنية ـ كما هو الحال في فضيحة كلينتون ولوينسكي ـ بل تعمق في دراسات عديدة تناولت معنى الذاكرة الجمعية، وأسهب في دراسة أمثلة عليها وتحليلها، فضلاً عن تناول عدد هائل من الأحداث التاريخية التي تجسّدها. ويبقى طيف هذه الدراسات قد اشتمل، في هوامشه، على تقصِّ جدِّي، ومرير لصدق مذكرات بعينها ومدى موثوقيتها، كما اشتمل في المقابل، ومن الطرف الآخر الأكثر رصانة، على تحليل أكاديمي لافت لدور الاختلاق في مسائل كالتراث والخبرة التاريخية الجمعية.
وسنعرض هنا بعض الأمثلة التي أثارت جدلاً حاداً، لا بل موجعاً؛ من مثل: هل كانت يوميات آن فرانك(( ))، يومياتها حقاً، أم أن الناشرين وأفراد أسرتها، وغيرهم قد تلاعبوا بها، كما نُشرت، لإخفاء الاضطرابات في حياتها المنزلية؟ وقد دار في أوروبا جدّل عنيفٌ حول معنى الهولوكوست، غالباً ما كان لاذعاً إذ ترافق مع سلسلة كاملة من الآراء عمَّا حدث، وسببه، وما يكشفه الهولوكوست عن طبيعة ألمانيا، وفرنسا، والعديد من الدول الأخرى التي تورطت فيه، فقد كتب باحث الكلاسيكيات الفرنسي المشهور بيير فيديل ناكيه منذ عدة سنوات خَلَتْ كتاباً مهماً عنوانه سفاحو الذاكرة يتناول فيه الفرنسيين الذين أنكروا الهولوكوست، كما طرحت محاكمة موريس بلبون(( )) في مدينة بوردو منذ عهد قريب أسئلة محرجة لا تتعلق بذكريات الاحتلال فحسب، بل بمركزية الدور الذي لعبه الفرنسيون المتعاونون مع النازية، وبما قيل عن المذكرات الفرنسية الانتقائية المتعلقة بحكومة فيشي. ومن الطبيعي أن تشهد ألمانيا جدلاً واسعاً حول الشهادات المتعلقة بمعسكرات الموت ومعناها الفلسفي والسياسي حيث كان يُنْفَخ فيه دورياً ليغذّيه مؤخراً نشرُ الترجمة الألمانية لكتاب دانييل غولدهاغن جلاّدي هتلر الصاغرين. أما في الولايات المتحدة فثمة الغضب الذي أثاره ممثلو الثقافة الرسمية وأعضاء الحكومة بسبب مؤسسة سميثسون، التي تعدّ وبحق واحداً من عناوين الذاكرة الرسمية للدولة، التي مُنِعَتْ من إقامة معرض لـ"إنولا غِي"(( )) وآخر للتجربة الإفريقية ـ الأمريكية، وسبق ذلك لغط شديد حول المعرض المؤثّر الذي أقيم في الصالة الوطنية للفن الأمريكي تحت عنوان أمريكا بوصفها الغرب، بغية المقارنة بين ممثلي البلد الهنود ؛ سكان البلاد الأصليين، وشروط الحياة في أمريكا الغربية إبَّان ستينيات القرن الثامن عشر، حيث عرضت الطريقة التي تم بها الاستيطان القسري، وتدمير الهنود وتغيير البيئة التي كانت ذات يوم بيئة ريفية مسالمة إلى بيئة مدنية ضارية. فقد شجب السيناتور تيد ستيفنس، من آلاسكا، الأمر برمته بوصفه هجوماً على أمريكا، على الرغم من اعترافه بأنه لم ير المعرض شخصياً، والحال، أن الأسئلة التي تطرحها هذه الجدالات لا تقتصر على ما يتم استذكاره فحسب، بل تطال الكيفية والشكل اللذين يتم بهما هذا الاستذكار، فالقضية تتعلق بطبيعة التمثيل المشحونة، وليس بمحتواه وحده.
تطال الذاكرة، وما يمثلها بأهمية بالغة، مسألة الهوية، القومية، القوة والسلطة، فدراسة التاريخ، سواء كان في المدرسة أو في الجامعة ـ إذ تشكل أساس الذاكرة ـ هي أبعد ما تكون عن الدراسة الحيادية في الوقائع والحقائق الأساسية؛ بل إنها، وإلى حدّ كبير، مسعى قومي يقوم على التسليم بضرورة أن تبني فهم المطلّع وولاءه المَرُوم للوطن، والإرث، والمعتقد. ومن المعروف الجدال العنيف الذي دار في الولايات المتحدة عن المعايير القومية في التاريخ، حيث كان من شأن إثارة قضايا من مثل: هل ينبغي منح متسع من الوقت لدراسة جورج واشنطن، و إبراهام لنكولن في المناهج المدرسية أن يسبب نزاعات محتدمة. وبموازاة هذه النزاعات، كما أشار هوارد زِنْ في كتابه، كان ثمَّة تشكيك في سبب تمجيد دراسة التاريخ الأمريكي مآثر الشخصيات البارزة وتجاهلها ذكر ماحدث لمآثر الشخصيات ضئيلة النفوذ؛ أولئك الذين مدّوا السكك الحديدية، وأقاموا المزارع، والذين كانوا ينضحون عرقاً بوصفهم أُجَرَاء في الشركات الصناعية الضخمة مصدر قوة هذه الدولة وضخامة ثراءها. (ويتناول زِنْ أيضاً اختلال التوازن هذا في كتابه المثير (تاريخ شعب في الولايات المتحدة الأمريكية.) ، ويمضي في مقالة حديثة إلى حدّ أبعد، فبناء على طلب للمشاركة في ندوة عن مذبحة بوسطن، أظهر زِن أنه أراد:
أن يتناول بالبحث مذابح أخرى إذ يبدو لي أن تركيز الاهتمام على مذبحة بوسطن لن يكون له وقع موجع في النخوة الوطنية. وليس ثمة طريقة ناجعة في حجب الانقسامات الطبقية والعرقية في التاريخ الأمريكي أكثر من توحيدنا انتصاراً للثورة الأمريكية ورموزها جميعاً (مثل كليشيهات بول ريفير(( )) التي تمثل الجنود وهم يصوبون بنادقهم نحو حشود الناس).
فقد ذكرت للناس المجتمعين في قاعة فانيول (ذات الجدران المرصوصة، من حولنا، بصور الأجداد المؤسّسين وأبطال الجيش القوميين) إنه ثمّة مذابح أخرى، مذابح منسيّة وإنْ ذُكِرَتْ فبشكل واهٍ، مذابح خليقة بالذكر، وقائع مهملة بوسعها أن تخبرنا الكثير عن الهستيريا العرقية و عن صراع الطبقات؛ بوسعها أن تخبرنا عن اللحظات المخزية في أتساعنا القاري وإلى ما وراء البحار، وبذا نستطيع أن نرى أنفسنا بوضوح وصدق كبيرين.(2)
تنقلنا هذه التعليقات على الفور إلى قضية نوقشت مطوّلاً؛ القومية والهوية القومية، وكذلك تنقلنا إلى الكيفية التي تتشكل بها ذكريات الماضي وفقاً لفكرة محددة عمّا "نحن"، وبالتالي، عمّا "هم" عليه فعلياً، فالهوية القومية متورطة باستمرار في السرد؛ سرد ماض الأمة، وسرد أجدادها المؤسّسين، وسرد الوثائق والوقائع الأصلية، وغيره. ولكن لم يُسلّم أبداً بهذا السرد على أنّه مجرد مسألة قص محايد للوقائع. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أحيت ذكرى 1492 بأشكال متباينة تماماً. فالناس الذين اعتبروا أنفسهم ضحايا قدوم كولومبس؛ وهم الملونوّن، والأقليات، والمنتمون إلى الطبقة العاملة، أناس ادّعوا باختصار، أنّ ذاكرتهم الجمعية متباينة عما أُحْتفى به في معظم المدارس بوصفه نصر للتقدم وتعزيز لمسيرة جمعية للإنسانية نحو الأمام. وبما أن العالم قد تقلّص، لنتأمل السرعة الخيالية لثورة الاتصالات، حيث وجدت الشعوب نفسها تخضع لأكثر التحولات الاجتماعية سرعة في التاريخ، أصبح عصرنا عصر بحث عن جذور؛ عصر تحاول فيه الشعوب أن تكشف في الذاكرة الجمعية لعرقها وديانتها وطائفتها وأسرها عن ماض هو ماضيهم بقضه وقضيضه، ماض في مأمن عن نهب التاريخ وفي مأمن عن حقبة عاصفة. غير أن هذا قد أثار أيضاً نزاعاً عنيفاً، بل تسبب في إراقة الدماء. ففي العالم الإسلامي، ثمة جدل حول كيفية قراءة المرء الإرث الأرثوذكسي (سُنّه)، كالخلاف في كيفية تأويل المرء لقصص النبي، وأيّ منها، بشكل أساسي، هي الذكريات التي أعاد بناءها المريدون والصحابة من جديد، وكيف يمكن للمرء أن يستمد صورة معاصرة للشرائع الإسلامية في المعاملة والفقة تكون مخلصة ومتوافقة مع تلك الذكريات الثمينة، الممعنة في القدم، الأصلية في الواقع، وتظهر مثل هذه الخلافات في تأويل الأناجيل المسيحية، وكذلك الأمر مع الكتب النبوية اليهودية. ولها تأثيرها المباشر على قضايا الطائفة والسياسة في هذه الآونة. ويكمن بعضها وراء النزاعات المبّرزة إعلامياً حول القيم الأسرية التي يتبجح بها المرشحون السياسيون، والفلاسفة الأخلاقيون، ووراء التوبيخ العلني.
وأضفي على كامل موضوع الذاكرة هذا، بوصفه مشروع اجتماعي وسياسي وتاريخي، تعقيد آخر أشرت إليه سابقاً، أعني، دور الاختلاق. ففي عام 1983، حرّر مؤرخان بريطانيان بارزان، أريك هوبسباوم وتيرينس رينغر، كتاباً يضم مقالات مؤرخين مشهورين تحت عنوان اختلاق الإرث(3). ولا أحاول تلخيص الأفكار المتقنة والغنية في هذه المختارات سوى القول أن ما تناوله الكتاب هو الطريقة التي شرع فيها الحكام؛ السلطات السياسية والاجتماعية منذ 1850، في خلق شعائر وأشياء زعمت بقدمها قدم الدهر؛ مثل الكِلْتَية (التنورة) الاسكتلندية أو الدُّرْبار(( ))، كما في الهند، مهيّئين بذلك ذاكرة مزيفة، أي، مختلقة عن الماضي بوصفها وسيلة لابتداع معنى جديد لهوية المهَيمِنين والمهيمّنين عليهم. فقد قيل عن الدُّربارـ والنظر إليه بوصفه "إِرثاً" هو تخييل محض ـ أنه مهرجان رسمي ضخم تم إعداده لِيُغْرَس في ذاكرة الهنود ولو أنه قدّم للسلطات الاستعمارية البريطانية خدماته في حمل الهنود بالقوة على الاعتقاد بأن الحكم الامبراطوري البريطاني قديم قدم الدهر، ويقول رينغر: "اعتمد أفراد العرق الأبيض في أفريقيا أيضاً على الإرث المختلق كي يستمدوا السلطة والثقة اللتان أقرَّتا لهم دورهم أيضاً بوصفهم أدوات للتغيير. وعلاوة على ذلك، وبقدر ما تم تطبيقه عن عمد على الإفريقيين، أُعتبر إرث أوربا القرن التاسع عشر المختلق [كإجبار الأفريقيين على العمل على أنهم أجراء في مزارع الأسياد الأوربيين]، بوصفه أداة "للتحديث"(4). ففي فرنسا الحديثة، وفقاً لهوبسباوم، ومع زوال امبراطورية نابليون الثالث ونشوء طبقة عاملة مسيَّسة كما برهنت كومونة باريس، اقتنعت "البرجوازية الجمهورية المعتدلة"، أنه يمكنها أن تحول دون مخاطر الثورة بإنتاج صنف جديد من المواطنين ليس إلاَّ؛ "بتحويل الفلاحين إلى مواطنين فرنسيين…(و)، بتحويل المواطنين الفرنسيين جميعاً إلى جمهوريين صالحين". ومن هنا تحولت الثورة الفرنسية إلى ثورة مؤسّسية في التربية وذلك بتطوير "معادل دنيوي للكنيسة…مشرَّب بالمبادئ الجمهورية ومضامينها". وهناك "اختلاق المراسم الجمهورية. ويمكن تحديد تاريخ أهم هذه المراسم؛ يوم باستيل على وجه الدقة في عام 1880". وإضافة إلىذلك هناك "إنتاج بالجملة للنصب التذكارية الشعبية"، وهي على نوعين أساسيين؛ أولهما صور الجمهورية نفسها مثل صورة ماريان(( ))، وثانيهما صور "شخصيات مدنية ملتحية لأيّ امرئ تتخيّره الوطنية المحلية بوصفه شخصية بارزة".(5).
وبعبارة أخرى، إن اختلاق الإرث هو ممارسة كثيراً ما استغلتها السلطات بوصفها أداة حكم في المجتمعات ذات التجمعات البشرية، ومع تفكك أواصل الوحدات الاجتماعية الصغيرة؛ مثل القرية والأسرة، وجدت السلطات نفسها بحاجة لأن تبتدع طرقاً أخرى تربط بها بين أعداد ضخمة من الناس، فاختلاق الإرث هو منهج لاستخدام الذاكرة الجمعية بشكل انتقائي من خلال التلاعب بقطع معينة من الماضي القومي، وذلك بطمس بعضها وإبراز بعضها الآخر بأسلوب توظيفي بكل ما في الكلمة من معنى. ومن هنا، ليست الذاكرة بالضرورة ذاكرة أصيلة، بل هي على الأصح، ذاكرة نافعة. ويبرهن الصحفي الإسرائيلي توم سغيف في كتابه المليون السابع أن الحكومة الإسرائيلية استخدمت الهولوكوست عن عمد بوصفها طريقة لتعزيز الهوية القومية الإسرائيلية بعد سنوات من عدم الاكتراث بها.(6). كما أثبت المؤرخ بيتر نوفيك، في دراسة نشرت حديثاً عن صورة الهولوكوست في مابين اليهود الأمريكيين، أن اليهود الأمريكيين قبل حرب 1967: الانتصار الإسرائيلي على الدول العربية، لم يكترثوا كثيراً بتلك الحادثة المخيفة إلى حد الرعب (وفي الواقع، حاولوا عدم تأكيدها على سبيل تفادي اللاسامية).(7). إنها طريق طويل من تلك المواقف السابقة إلى تشييد متحف الهولوكوست في واشنطن. وبشكل مشابه، غذّى إنكار الحكومة التركية الضلوع في مذبحة الأرمن النزاع المحيط بها.
وما أرمي إليه بالتنويه إلى كل هذه الحالات هو التأكيد أن المدى الذي يشغله فن الذاكرة في العالم الحديث هو بالنسبة إلى المؤرخين والمواطنين العاديين، هذا فضلاً عن المؤسسات، أمرُ يُستفاد منه، ويُساء استعماله واستغلاله إلى حد كبير، وليس شيئاً يقبع هناك دون حراك ليمتلكه أي امرئ أو يحتويه، ومن هنا، فإن الاهتمام بالذاكرة ودراستها أو على وجه التحديد بماض مرغوب فيه ويمكن استعادته هي ظاهرة مُحَمَّلة مشحونة، برزت خصوصاً في نهاية القرن العشرين حيث التغيرات المربكة في مجتمعات كبيرة تفوق التصور ذات تجمعات بشرية منتشرة وقوميات متنافسة، ولعل الأكثر أهمية هو تناقص فعالية الأواصر الدينية والعائلية والروابط السلالية. ويتطلع الناس الآن إلى هذه الذاكرة المجدَّدة، وسيمّا في شكلها الجمعي، ليمنحوا أنفسهم هوية متماسكة وسرد قومي ومكان في العالم، مع أنّه،كما أشرت سابقاً، كثيراً، إن لم يكن دائماً، مايتم التلاعب والتداخل في سيرورة الذاكرة لمآرب ملحة أحياناً في الوقت الحاضر. ومن الملفت للانتباه المقارنة بين شكل الذاكرة الحديث الطيّع غير الثابت بطريقة ما وبين فن الذاكرة المنسق الصارم في العصر القديم الكلاسيكي كما وصفه فرانسيس بيتس.(8).
فالذاكرة بالنسبة لشيشرون كانت شيئاً بنائياً منظماً فإن أردت أن تتذكر شيئاً ما لأجل كلمة كنت ستلقيها، لتخيلت بناءاً مزوداً بجميع أنواع الغرف والأركان، وقسّمت ببصيرتك أجزاء الذاكرة التي رغبت باسترجاعها ومن ثم صنفتها في أقسام البناء المتنوعة؛ وبينما كنت تتكلم، مررت عبر دهاليز البناء في ذهنك، إذا جاز التعبير، منتبهاً إلى الأماكن والأشياء والعبارات وأنت تسير قُدُماً . بهذه الطريقة كان يتم الحفاظ على الترتيب في الذاكرة. أما فن الذاكرة الحديث فيخضع بشكل أكبر عما كان عليه الأمر سابقاً لإعادة التنظيم المختلق وانتشاره من منطقة إلى أخرى.
وفي ما يتعلق بالجغرافيا،كما أستخدم الكلمة بوصفها معنىً للمكان مبني ومصان اجتماعياً، فقد كانت محط اهتمام الباحثين، والنقاد المعاصرين نظراً لدور المكان التكويني البارز في الشؤون الإنسانية. لنتأمل كمثال سهل، في كلمة العولمة، فهي مفهوم لا غنىً عنه في علم الاقتصادالحديث. وهي دلالة مكانية وجغرافية تدل على وصول العالم إلى نظام اقتصادي قوي.ولنتأمل في الدلالات الجغرافية مثل أوشفيتس(( ))، لنتأمل قوتها ورنينها أيضاً في لحظة معينة من التاريخ أوموقع جغرافي مثل بولندة وفرنسا. ويسري الأمر نفسه على القدس، مدينة وفكرة، وتاريخ كامل،وبطبيعة الحال مكان جغرافي معين، كثيرا ًما رُمز إليه بصورة فوتوغرافية لقبة الصخرة وجدران المدينة والمنازل المحيطة بها المرئية من قمة جبل الزيتون؛ وهي أيضاً مشحونة بتحديدات نفسية عدّة عندما ترد إلى الذاكرة، وعلاوة على جميع ضروب التواريخ والإرث المختلق، تتولد جميع هذه التحديدات منها، غير أن جُلّها في صراع مع بعضها.. ويزداد هذا الصراع حدة من خلال الموقع الميثولوجي؛ الذي يقف قبالة الموقع الجغرافي، لمدينة القدس، حيث مشهدية المكان والأبنية والشوارع التي تعلوها، لا بل المغشّاة كليّة بتداعيات رمزية تحجب تماماً الواقع الوجودي لما هي عليه القدس بوصفها مدينة ومكان. ويمكننا قول الشيء نفسه عن فلسطين، فمشهدية المكان يؤدي وظيفة ما في ذاكرة اليهود بشكل متباين كلياً عما هو عليه الأمر مع ذاكرة المسيحيين التي بدورها تتباين عن ذاكرة المسلمين. ومن أغرب الأشياء التي صَعُبَ عليّ إدراك كنْهه هو الاستحواذ الذي استبدّ به المكان على الصليبيين الأوربيين على الرغم من المسافة الشاسعة التي فصلتهم عن البلد. فمشاهد صلب المسيح وميلاده،، مثلاً، تظهر في لوحات فناني النهضة الأوروبية، وكأنها تجري في فلسطين ممسوخة نظراً لأن أيّاً منهم لم يشاهد المكان في حياته. فقد اتخذ هذا المكان تدريجياً شكل مشهدية مثالية غذّت المخيلة الأوروبية لعدة مئات من السنين. ولن يخفق برناردو كليرفو(( )) في أن يدهشني إنْ وقف في كنيسة في فيزلي في أحضان بورغنديا معلناً عن حملة صليبية تطالب باسترداد فلسطين وأماكنها المقدسة من المسلمين، ولن أُدهش أيضاً إنْ كان اليهود الصهاينة لم يزل بمقدورهم أن يشعروا، بعد مئات السنين، أن فلسطين تقف هناك ساكنة وأنها لا زالت لهم، على الرغم من الألفيات التاريخية وعلى الرغم من وجود قاطنيها الفعليين. وهذه أيضاً تُظهر كيف يمكن التلاعب بالجغرافيا واختلاقها ونعتها تماماً بمعزل عن حقيقة الموقع الطبيعية.
ويؤرخ سيمون شاما في كتابه مشهدية المكان والذاكرة لعلاقة التنقل ذهاباً وإياباً بين موقع جغرافية معينة والمخيلة الإنسانية. ومما لا يرقى إليه الشك أن أحد أهم مظاهر كتاب شاما قوة: هو أنه يبرهن وبشتى الطرق المتباينة أن الغابات والقرى والجبال والأنهار ليست ذات حدود مشتركة مع واقع راسخ يقبع هناك يعين هويتها ويمنحها الثبات والدوام. بل على العكس، ففي المثال الذي يضربه عن القرية الأصلية لأسرته في لتوانيا، التي اختفت معظم آثارها، يجد بدلاً عنها من خلال أشعار آدم ميكفيتش(( )) كيف "تشابك اليهود والبولنديين…. في مصير مشترك".. على الرغم من قناعاته المعاصرة بأنهم كانوا "حتماً دخلاء على بعضهم"… فالجغرافيا لا تحفز الذاكرة فحسب، بل تحفز الأحلام والأخيلة، تحفز الشعر والرسم والفلسفة (كما في كتاب هايدغر Holzwege) والقصة (انظر إلى روايات وولتر سكوت التي تجري أحداثها في الأراضي الجبلية)، والموسيقى (كما في فينلانديا لـسيبيليوس(( )) وربيع آبلاشيا لـ كوبلاند(( ))..)(9).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» كتب إدوارد ودبع سعيد
» التطور المعاصر لنظرية المنطق - تأليف: ماهر عبد القادر محمد علي
» تحميل مجلة: "دراسات: سيميائية- أدبية- لسانية" العدد 05 شتاء/ خريف 1991
» نقد مفهوم [علم الأدب] عـــند رولان بــارت تأليف: خريستو تودوروف. ترجمة: د.حسين جمعة
» هيرناني" تعلن نهاية العصر الكلاسيكي( ) تأليف: آن مارتان - فوجييه. ترجمة: عدنان محمود محمد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: البلاغة والنقد-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


الإختلاق، الذاكرة والمكان(( )) تأليف: إدوارد سعيد عن مجلة  Critical Inquiry شتاء ‏2000‏.ترجمة: رشاد عبد القادر  561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
المعاصر البخاري الأشياء العربي الخطاب العربية اسماعيل النحو مبادئ ظاهرة اللسانيات التداولية الخيام النص اللغة قواعد كتاب محمد على ننجز مدخل النقد موقاي الحذف مجلة بلال


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | انشاء منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع