ينقسم التشبيه عند البلاغيين باعتبار أركانه الأربعة: المشبه- المشبه به- الأداة- الوجه- من حيث الذكر والحذف إلي أقسام أربعة, لكل قسم منها ضابط وسمة. فإذا ذكرت كل أركانه في صورة تشبيهية واحدة دعوا التشبيه فيها بأنه مرسل مفصل, وذلك كما في قول الشاعر: فوجهك كالنار في ضوئها وقلبي كالنار في حرها إذ في كل شطر من شطري هذا البيت قد حرص الشاعر علي ذكر الأركان الأربعة للتشبيه ففي الشطر الأول وجه المخاطبة هو المشبه, والنار هي المشبه به, والكاف هي الأداة أما الوجه- أي وجه الشبه- فهو في ضوئها. وفي الشطر الثاني قلب المتكلم هو المشبه, والنار المشبه به, والأداة الكاف. أما وجه الشبه فهو قوله في حرها أي أن وجه المخاطبة جميل مشرق, وقلبه هائم متقد. ومعني الارسال هنا هو الاطلاق مما يقوي الشبه بين الطرفين. أما التفصيل فلأن ذكر وجه الشبه كان نصا في بيان ما هو مشترك بين الطرفين: المشبه; والمشبه به; فوجه المخاطبة لا يشترك مع النار إلا في الاشراق; وقلب المتكلم لا يشترك معها إلا في الحرارة. وفيما عدا هذين فلكل من المشبه والمشبه به خصائصه وسماته. هذا هو القسم الأول من أقسام التشبيه من حيث الاعتبار المذكور. ومثل هذا البيت في ذكر كل الأركان قول الشاعر: والوجه مثل الصبح مبيض والشعر مثـل الليل مسود فالوجه والشعر مشبهان, والصبح والليل مشبهان بهما, ومثل هي أداة التشبيه. أما الوجه في الأول فهو الابيضاض; وفي الثاني الاسوداد, والتشبيه في هذين المثالين أوضح وأجلي وأتم صور التشبيه من حيث الصناعة اللفظية, وإن كان أقلها وأنزلها من حيث القيمة البيانية. أما القسم الثاني فيكون بحذف الأداة دون الوجه, كأن تقول خالد أسد في الشجاعة وحاتم بحر في الكرم, وهذا النوع من التشبيهات يأتي نادرا في أشعارهم; ويمكن أن نعد منه قول معاوية بن خليل النصري يفخر بقومه في النباهة. ويهجو حيا آخر ليس لهم شهرة وإن كان لهم وجود. قال: فنحن- الثريا- وعيوقها ونحن السمـاكان والمرزم وأنتـم كواكب مجهولة تري في السماء ولا تعلم فقد حذفت الأداة في البيت الثاني والأصل: أنتم مثل كواكب. أما الوجه فقد أشار إليه بقوله: تري في السماء ولا تعلم. وقد اصطلح البلاغيون علي تسمية كل تشبيه حذفت أداته دون وجهه بأنه: تشبيه مؤكد. لأن الأداة إنما هي عازل بين الطرفين. فإذا أزيل ذلك العازل أشتدت الصلة بينهما حتي لكأنهما شيء واحد. وقد عبر البلاغيون عن هذا المعني بأنه: دعوي اتحاد بين الطرفين فالمشبه هو- بعينه- المشبه به. فهو بهذا الاعتبار أبلغ مما ذكرت فيه الأداة لخلو ذلك من دعوي الإتحاد بين الطرفين ومن المبالغة في إثبات الشبه بينهما. وهذا لا يكاد يختلف فيه أحد. والقسم الثالث يكون بحذف وجه الشبه دون الأداة; وهذا النوع كثير في الكلام وتأتي في المقدمة منه تشبيهات القرآن الحكيم. فإنك لا تكاد تري فيها ما ذكر فيه الوجه إلا نادرا. ومنه قوله تعالي) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ [[ يس:39] أي في التقوس والشحوب والنحافة.
منقول عن موقع سور الازبكية
رابط الكتاب
http://www.4shared.com/file/190412216/23d54c4f/_______-___-____.html