1- ما هية التشبيه:
التشبيه أسلوب في التصوير يريد به المبدع رسم صورة لحالته الشعورية فشتان ما بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الأدبي، فالتصوير الفوتوغرافي نقل حرفي للواقع أما الصورة الأدبية فإنها تكون ملابسة للحالة الشعورية التي يكون عليها الأديب، أو هي رؤية الأديب للواقع .والتشبيه يجعلك قادرا على معايشة حالة شعورية ما، بل إنه يثير فيك حالة شعورية مشابه للحالة الملابسة للصورة التشبيهية، " لأن اللغة تحمل تجربة إنسانية عاطفية "1
يقول جبران وهو جالس إلى جوار المدفأة في ليلة من ليالي الشتاء:
" حطبة تستدفئ بحطبة "
لقد نقلتنا هذه العبارة على قصرها إلى عوالم وجدانية رحبة، فالكاتب تخيل هذه الحطبة إنسان لقي حتفه ثم تحول في دورة الحياة إلى حطبة يستدفئ بها الكاتب، لقد وضعت هذه الصورة الإنسان أمام مصيره المحتوم، وجعلته وجها لوجه أمام عالم الفناء الذي يترصد الإنسان أينما ذهب، كما بينت الضعف الإنساني أمام مارد الفناء الجبار الذي يستطيع أن يحيل الإنسان إلى مجرد حطبة يُستَدفَأ بها. فلولا عبقرية الصورة الأدبية التي رسمها لنا التشبيه ما استطاع الإنسان أن يعاين الفناء، ولا أن تنتابه مشاعر الضعف التي جعلته يرى نفسه مجرد حطبة لاحول لها ولا قوة.
وكذلك لا يقصد من التشبيه التقريب أو التوضيح، فليس من أغراض التشبيه قولنا لون ثوبي كلون ثوبك، أو سيارتي كسيارتك.
ولنتأمل قول الله عز وجل " ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار وإن منها لما يهبط من خشية الله......................."
فلا شك أن القلوب لا تتحول في الواقع بقسوتها إلى أحجار صلبه، فليس الغرض من التشبيه القرآني تقريب صورة القلوب المتحولة أحجارا إلى الذهان، وإنما أراد أن يجسد لنا صفة معنوية في صورة حسية لنرى من خلالها مدى انغلاق قلوب بني إسرائيل عن الحق، وخلوها من خير، أو حتى التفكير فيه، ولأن البيان القرآني شاخص إلى بيان بلادة الحس وجمود العقل وهما صفتان ملازمتان لليهود. ولاشك أن هذه الصورة الخصبة تثير في نفوسنا الكثير من المعاني والخلجات، تثير في نفوسنا عدم تصديق اليهود ادعائهم الإنسانية والرحمة، وأن دور الحمل الذي يمثلونه دائما ليس إلا خداع ومخاتلة، فسرعان ما يتحولون إلى كلاب مسعورة ووحوش كاسرة، لأن طبيعتهم لا تستجيب لخير، فطبيعتهم الشريرة القاسية المعاندة فاقت أعظم الصخور قسوة، فالحجارة تلين فينبجس منها الماء، والحجارة تتمزق وتنشق وتهبط من خشية الله، كل هذه المعاني يثيرها فينا هذا التشبيه، فالتشبيه شاخص دوما إلى إثارة النفس وتحريك الوجدان والمشاعر من خلال معايشة الصورة الحسية التي يجسدها التشبيه..
ولنتأمل معا قوله تعالى: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " فالآية تعبر عن القصاص بلفظ السيئة، وفي آية أخري تعبر عنها بلفظ الاعتداء: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". فكيف يسمي البيان القرآني القصاص اعتداءً ؟ وهو حق قرره الشارع الحكيم في بيانه المحكم حيث قال: " ولكم في القصاص حياة " قال البلاغيون هذا من باب "المشاكلة " وهي أن تضع الشيء بلفظ آخر لوقوعه بصحبته أو بسببه
وليس القصاص بسيئة في ذاته، وإنما سمته الآية سيئة لتضاهي به السيئة الأولى، وهي ليست إياها ولا في معناها، وإنما إليها في القرآن له دلالته ولابد، والدلالة هنا هو التنفير من القصاص، لا تنفير تعطيل، وإنما وقع على العفو مطلوب – ولابد – إذا غم على الناس وجه الحق وغلب الشك فيهم اليقين ) 2.
2- تعريف التشبيه:
هو أسلوب في تصوير المعنى يقوم على مقارنة شيء بآخر، كمقارنة الذنوب بالجبال في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" يجيء يوم القيامة ناس بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم "
ومقارنة الحياة بالسراب في قول شوقي:
وما الحياة إذا أظمت وإن خدعت *** إلا سراب على صحراء يلتمع
ومقارنة المتنبي سيف الدولة بالغمام والرعية بالنبتة:
أين أزمعت أيهذا الهمام *** نحن نبت الربا وأنت الغمام
ومن خلال هذه المقارنة تتمثل لنا صفة من الصفات كصفة عظم ذنوب بعض المسلمين، وصفة تفاهة الحياة وخداعها وفنائها وقصرها، وبقاء الحياة الآخرة.
وفي بيت المتنبي يجسد لنا الشاعر الهلكة التي ستحل بهم بسبب سفر سيف الدولة.
وقد وردت تعريفات كثيرة للتشبيه منها:
1- " بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بأداة هي الكاف أو نحوها ملفوظة أو ملحوظة ".
2- " إلحاق أمر بأمر بأداة التشبيه لجامع بينهما "
3- إلحاق أمر بأمر في معنى مشترك بأداة (الكاف وكأن وما في معناهما )
لغرض وفائدة ".
4- " صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة لأنه لو ناسبه مناسبة كلية كان إياه "
5- " إلحاق أدنى الشيئين بأعلاه في صفة اشتركا في أصلها واختلفا في كيفيتها قوة وضعفا "
وقد ذهب المحققون من البلاغين إلى أن التشبيه ليس من المجاز لأن اللفظ لم ينقل من وضعه الأصلي إلى ما لم يوضع له في الأصل وكان على رأس هذا الفريق شيخ البلاغيين ( عبد القاهر الجرجاني ).
بينما ذهب أشار عبد القاهر إلى أن التشبيه من أنواع المجاز، وتابعه ابن رشيق مفسرا ذلك بقوله " وأما كون التشبيه داخلا تحت المجاز فلأن المتشابهين في أكثر الأشياء إنما يتشابهان بالمقارنة على المسامحة والاصطلاح لا الحقيقة "
ويحاول العلامة أحمد مطلوب حسم القضية فيقول: " والحق أن التشبيه مجاز لأنه يعتمد على عقد الصلة بين شيئين أو أشياء لايمكن أن تفسر على الحقيقة ولو فسرت كذلك لأصبح كذبا، وهو الفن الكثير الاستعمال في كلام العرب. ويبدو أن عدم الانتقال فيه من معنى إلى آخر كما في الاستعارة دعاهم إلى إخراجه من المجاز الذي هو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له أو إسناد أمر إلى آخر على سبيل التوسع.
3- أركان التشبيه:
وللتشبيه أربعة أركان:
1- المشبه: وهو الطرف الأول من أطراف التشبيه، وركن من أركانه.
2- أداة التشبيه: وهي لفظة تدل على المماثلة والمشاركة، وهي ثلاثة أنواع:
• أسماء: مثل، شبه، مثيل
• أفعال: حسب، خال، ظن، يشبه، تشابه.
• أحرف: الكاف، كأن.
3- المشبه به: وهو الطرف الأقوى في التشبيه، والثاني من طرفي التشبيه.
4- وجه الشبه: وهو الوصف المشترك بين المشبه والمشبه به تحقيقا أو تخيلا فالتحقيقي كتشبيه الشعر بالليل في السواد، والتخيلي كتشبيه السيرة والأخلاق بالعنبر.
5- أنواع التشبيه:
أ- مرسل: ما ذكرت فيه الأداة
• أنا كالماء إن رضيت صفاء *** وإذا ما سخطت كنت لهيبا
• فكأن لذة صوته ودبيبــها **** سنة تمشى في مفاصل نعس
• كأن المدام وصوب الغمـام *** وريح الخزامى وذوب العسل
يُعل بــه بــــــــرد أنيابها *** إذا النجم وسط السماء اعتدل
• وكأن النجوم بين دجـــاها *** سنن لاح بينهن ابتــــــــــداع
• لها بشر مثل الحرير ومنطق ** رقيق الحواشي لا هراء ولا نزر
• يا شبيه البدر حسنا ** وضياء ومنــــالا
وشبيــه الغصن ليبنا ** وقواما واعتدالا
أنت مثل الورد لونا ** ونسيما ومــــلالا
زارنا حتى إذا مــــا ** سرنا بالقرب زالا
ب- المؤكد: ما حذفت منه الأداة
• - أنت نجم في رفعة وضياء *** تجتليك العيون في الظلماء
• - أين أزمعت أيهذا الهمام **** نحن نبت الربا وأنت الغمام
• كان أخي شجرا لا يخلف ثمره، وبحرا لا يخاف كدره.
• إن هذا الشعر في الشعر ملك ** سار فهو الشمس والدنيا فلك
• فلو خلق الناس مـن دهرهم ** لكانوا الظلام وكنت النهارا
• فكأني مـــا قلت والليل طفل ** وشباب الظلماء في عنــفوان
ليلتي هذه عروس مــــن الز ** نج عليها قلائد من جـــــمان
هرب النوم عن جفوني فيها ** هرب النوم عن عيون الجبان
• ركبوا الدياجي والسروج أهلة ** وهو بدور والأسنة أنجم
• سُلَّ سيف الفجر من غمد الدجى ** وتعرى الليل من ثوب الغلس
3- التشبيه المجمل: ما حذف منه وجه الشبه:
• إذا نلت منك الود فالكل هين ** وكل الذي فوق التراب تراب
• مفتولة مجدولــة *** تحكي لنا قد الأسـل
كأنها عمر الفتى *** والنار فيها كالأجــل
• إذا ما الرعد زمجر خلت أسدا** غضابا في السحاب لها زئير
• وإنا وما تلقي لنــــــا إن هجوتنا **لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق
• فإنك شمس والملوك كواكـــــــب ** إذا طلـــعت لم يبدو منه كوكـــب
• صدفت عنه ولم تصدف مواهبه ** عنــــي وعاوده ضني فلم يخـــب
كالغيث إن جئته وافــــــاك ريقه ** وإن ترحلــــت عنه لج في الطلب
• إذا وترت امرأ فاحذر عداوته ** من يزرع الشوك لم يحصد به العنب
4- المفصل: ما ذكر فيه وجه الشبه:
• يا هلالا يدعى أبوه هلالا ** جل باريك في الورى وتعالى
أنت بدر حسنا وشمس علوا **وحسام حزما وبحــر نولا
• قصور كالكواكب لامعـــات ** يكن يضئن للساري الظلام
• أنا كالماء إن رضيت صفاء** وإذا ما سخطت كنت لهيبا
• أنت كالبحر جودا، والأسد شجاعة، والشمس رفعة وضياء.
• يا شبيه البدر حسنا ** وضياء ومنــــالا
وشبيــه الغصن ليبنا ** وقواما واعتدالا
أنت مثل الورد لونا ** ونسيما ومــــلالا
زارنا حتى إذا مــــا ** سرنا بالقرب زال
5- التشبيه البليغ: وهو ما حذف منه الوجه والأداة:
• أين أزمعت أيهذا الهمام ؟ ** نحن نبت الربا وأنت الغمام
• النشر مسك والوجوه دنا ** نيــــــر وأطراف الأكف عنم
• إذا نلت منك الود فالمال هين** وكل الذي فوق التراب تراب
• العالم سراج أمته، والفارس درعها، والصلح عنانها.
6- التشبيه التمثيلي: ما كان وجه الشبه فيه منتزع من متعدد.
• ألم تكن في يمنى يديك جعلتني ** فلا تجعلني بعدها في شمالكا
ولو أنني أذنبت ما كنت هالـــــــــكا ** على خصلة من صالحات خصالكـا
• هو بحر السماح والجـــــود فازدد ** منـــــــــه قربا تزدد من الفقر بعدا
• وليل كموج البحر أخى سدولـــــه **علـــــــيّ بأنـــــواع الهموم ليبتلي
• يهز الجيش حولك جــــــــــــانبيه ** كــــــــــما نفضت جناحيها العقاب
• وكــــــــــــــــأن الهلال نون لجين ** غرقت في صحيفة زرقـــــــــــــاء
7- التشبيه الضمني: تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان من التركيب. وهذا النوع من التشبيه يبرهن على أن الحكم المسند إلى المشبه غير مستحيل.
• لا تنكري عطل الكريم من الغنى ** فالسيل حرب للمكان العالي
• قد يشيب الفتى وليس عجيبا ** أن يرى النور في القضيب الرطيب
• من يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجــــــــــــــــرح بميت إيــــــــلام
• كرم ٌ تبين في كلامك مــــاثل ** ويبن عتــــــــق الخيل من أصواتها
• فإن تفق الأنام وأنت منـــهم ** فـــــــــــــإن المسك بعض دم الغزال
• ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ** وقــــــــع السهام وزعهن أليم
8- التشبيه المقلوب: جعل المشبه مشبها به بادعاء أن وجه الشبه فيه أظهر وأقوى:
• وبدا الصبح كأن غرته *** وجه الخليفة حين يمتدح
• كأن سناها بالعشي لصبحها ** تبسم عيسى حين يلفظ بالوعد
• أحن لهم ودونهم فلاة ** كأن فسيحها صدر الحليم
• النهار كجبينك ضياء
• والنسيم كأخلاقك رقة
• والماء عذب كقولك
• والماء في صفاء نفسك
• والضياء كشفافية روحك
أسباب تأثير التشبيه
1- نقل المعاني من المعقول إلى المحسوس.
2- الجمع بين الأشياء المتباعدة.
3- حاجته إلى الفكر.
التشبيه القرآني
قال تعالى ) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )
حاول تبين خصائص التشبيه القرآني من خلال تأمل هذه الآية الكريمة.
الإيضاح:
أدعو الله أن ينفعني وإياكم بهدي كتابه : جمعة سعد