من أين يبدأ الحديث ، هل يبدأ بما يحدث بتطورات الحاسوب وبرامجه ، أم يبدأ بالافكار والبحوث وماهي تطبيقات المستقبل . . ليس سهلا أن يتحدث المرء في هذا الوقت عن هذه الآلة الصغيرة، عن الحاسوب. . أم (الكمبيوتر)، والعلوم التي ،نشأت من حولها، ولا يمكن على الأقل حاليا ش ن نحدد الأبعاد التي ستتمدد اليها هذه العلوم .
لقد تطور الحاسوب ليدخل كافة نشاطات الحياة تقريبا، باستئذان أحيانا وبدونه مرة أخرى، وتشعب التطور الحاصل على صعيد الآلة نفسها، مفرداتها المستخدمة بشكل مستقل في آلات أخرى، كالسيارة والغسالة وكثير من الآلات الأخرى التي تعيش معنا في حياتنا اليومية.
وبعد أن اقتصر دور الحاسوب كجهاز كبير في بدايات عمره ، على حسابات الأرقام الكبيرة وبسرعة هائلة، أو على تحليل المعلومات والبيانات ، تطور دوره وتمدد، ليدخل الحسابات ومعالجة البيانات ، وطريقة اتخاذ القرارات ، وليحاول أن يقلد الانسان في بعض من نشاطاته المهنية . وهنا ولد اختصاص جديد، نقل (الكمبيوتر) من حالة الآلة
الحاسبة الكبيرة، الى الآلة المفكرة القادرة على تقليد الانسان ، اسم الاختصاص الذكاء الاصطناعي ، -ARTIFICAL IN "
TELLIGECE. وتفرعت منه عدة حقول ، منها محاولة تمثل الانسان نفسه اللغة الطبيعية وقواعد اللغة.
"NATURAL LANGUAGES UNDERSTANDING "
أو عن طريق تقليد عين الانسان ، عندما تنظر وتفهم ما ترى “VISION، أو عن طريق بناء البرامج ( الكومبيوترية ) بشكل أوتوماتيكي AUTOMATIC " "PROGRMING ، أو عن طريق الأنظمة ا لخبيرة EXPERT" "SYSTEMMS، التي بمقدورها تقليد الانسان في قدراته المبنية على الخبرة في المجالات المتعددة .
منذ زمن والانسان يحلم بآلات تقلده ، ومنذ أن بدأ عصر (الكمبيوتر) في منتصف الأربعينيات ، أصبح حلم الانسان أقرب الى الواقع ، وأصبح في مقدوره أن يتخيل انه قادر عل صنع آلات أوتوماتيكية تقوم بهذه المهمة، وبدأت المسافة البعيدة بين الحلم والأدوات الحاسوبية تنحسر، الى وقت أصبح فيه من الممكن بناء برامج ذكية تحقق أشياء من هذه الأحلام . . وساعد على ذلك التطور السريع في بنية وأجزاء ( الكمبيوتر )وبدأت مجموعة من الباحثين في أواخر الستينيات ، مشروع تطوير برنامج يقلد مجموعة من الأطباء، واستطاعت هذه المجموعة أن تبني برنامجا حاسوبيا قادرا على تقليد الطبيب في تشخيصه للمرض ، وفي اقتراح الدواء الشافي له .
لقد غيرت هذه المجموعة من الباحثين - في ذلك الوقت - طريقة بناء البرامج ، عن طريق فصل البرنامج عن معلومات الخبرة، بهياكل جديدة مستقلة، وأسست بهذه الطريقة، تقنيات جديدة كانت أساسا لبناء أي نظام خبير حتى هذا الوقت . واعتمد الباحثون على طرق المحاورة مع الأطباء، لاستخلاص خبراتهم ، هذه الخبرات التي تطورت عبر دراساتهم الجامعية وعبر تجربتهم في العمل خلال فترة من الزمن . ونجح هذا النظام الخبير الذي سمي ميسين "MYCIN"، في تقليد الأطباء في تشخيصهم للمرض ، ولم يوضح هذا النظام للاستخدام الا بعد موافقة الأطباء التدريجية . اذ عمد الباحثون الى تطوير البرنامج على مراحل ،
في كل مرحلة، كانت تضاف نصائح الأطباء في طبيعة القرار للبرنامج ، وبعد التعديل المستمر، وصل البرنامج الى مرحلة تساوي مستوى الأطباء، حيث لم يعد بالامكان اضافة أية خبرة جديدة، وصار البرنامج نسخة عن الطبيب بأفضل حالات أدائه .
وهكذا ولد نوع من البرامج الجديدة، تسمى خبيرة نسبة الى هذا البرنامج ، واعتمدت طريقة بنائه في بناء برامج أخرى أصبحت تعد بالآلاف في وقتنا الحافر، تقلد الانسان بقراراته اليومية، الانسان الخبير باختصاصه ، ان كان طبيبا أو كان مخططا اقتصاديا، أو كان صاحب قرار مالي ، أو كأن خبيرا يقرر أين مكان البئر الذي يجب حفره عند البحث عن البترول
في جوف الأرض . ونجحت الأنظمة الخبيرة بتقنياتها التي ما زالت تعتمد
بشكل أساسي على طريقة فصل المعلومات والخبرة "KNOWLEDGE" عن ا لبرنامج ا لذي يسمح بالاستدلال
والذي سمي بموتور ا لاستدلال " INFERENCE ENGINE".
وتعتمد طريقة تمثيل المعلومات في هذا النوع من البرامج على سدة هياكل "STRUCTURES"،منها قواعد الانتاج PRODUCTION"
RULES،أوالكوادر ،،FRAMESأو الشبكات النحوية-SEMANTICS NET " " WORKS، المختلفة بشكل بارز
عن تمثيل المعلومات في برامج قواعدالبيانات - DATA BAS"
"ES، التي ولدت مع ولادة الكومبيوتروالتي استخدمت بشكل فعال في البنوك والمؤسسات الحكومية وغيرها ومازالت تى ستخدم .
وتأتي أهمية هذا النوع من البرامج ،من خلال قدرتهاعلى استخلاص الخبرات الانسانية وتخزينها ببرنامج ، يقلد الخبير في عمله بنفس
المستوى، والأهمية الأكبر عندما تبدأ الدول النامية بمعرفة ضرورة نقل هذه الخبرات من خلال البرامج على اسطوانات صغيرة وليس من
خلال الاستثمار البشري المكلف .
ومقارنة بسيطة لتكلفة بناء الخبرات البشرية عن طريق الايفاد الى الخارج ، لعدة سنوات ، أو بناء برامج معتمدة سواء على خبرات محلية أو خبرات مستوردة، يمكن تعميمها بتكلفة زهيدة، ونشرها في كافة أنحاء البلد الذي طورت فيه ، أو من الممكن تعميمها على بلاد أخرى.. لذا فإن
الحل الأول قد يكون ضروريا كقاعدة أساسية، ونرى ان الحل الثاني حل تكنولوجي مكمل وهام ويساعد بشكل فعال على نشر ورفع مستوى الخبرات الناقصة في أي بلد بحاجة الى مثل هذه الخبرات .
وكيف يكون الحال اذا طورنا برامج في قطاعات عديدة، تحسن مستويات الادارة وترفع مستويات التعليم وتكمل الخبرات من أصغر مستوى الى أعل حد منه .
أليست الامكانيات كبيرة لهذا النوع من البرامج الذكية، للأنظمة الخبيرة، المقلدة للخبرات الانسانية المتقدمة . لاشك بذلك ولا شك ان هذه البرامج لا يمكن لها أن تلغي دور الخبير الأساسي ، الذي استخلصت منه المعلومات والخبرة وخزنت في نظام مقلد، لأن الخبرة بحاجة مستمرة الى تجديد وتحسين ،وليس غير الخبير- على الأقل حاليا -قادر على تحسين وتطوير البرنامج نفسه ليتماشى مع مستويات التقدم والتطور الذي أضيف الى الخبرة نفسها.
هذا هو أحد الحقول والتقنيات الناجحة في اختصاص الذكاء الاصطناعي ، حيث تعتبر البرامج من نوع الأنظمة الخبيرة، أكثر البرامج شعبية، حيث بني منها العديد وتجاوزعدد تطبيقاتها الآلاف ، منها السري ومنها المعلوم والمعروف ، لأنها تختزن خبرات وتجارب وطرق عمل ،خاصة نتائجها ،نفسها أوكأنها أتية من طبيعية المؤسسة نفسها اذا كانت سرية هذا من طرف الأنظمة الخبيرة، ونتساءل هل حققت حقول الذكاء
الاصطناعي الأخرى نفس النجاحات التي حدثت على مستوى الأنظمة الخبيرة؟ والجواب : كلا لم تصل الحقول الأخرى الى مستوى شعبية الأنظمة الخبيرة،والأسباب عديدة: أهمها عدم قدرة التقنيات وطرق البرمجة على التطور بشكل يجاري قدرة الانسان الطبيعية، اذ ما زال هناك وقت للعمل ، ومازالت التقنيات تتطور، بشكل غير مباشر من خلال الاختراعات الأخرى ا لمساعدة لهذه الحقول ، مع انه لا يمكن
اهمال التقدم الحاصل بها، فاذا نظرنا في حقل فهم اللغة الطبيعية، نرى تطورا في قدرة الحاسوب على فهم اللغة، وتحليل جملة عادية يكتبها أي انسان ، بطريقة حرة، بشرط أن يكون يجال المحادثة معروفا ومحددا، أما اذا تجاوزنا المجال المعروف والمحدد، فان التقنيات التي تهبنى عل
أساسها هذه البرامج ، هي تقنيات غير قادرة على الأقل حاليا، على تجاوز هذه الشروط . وبقوم برنامج من هذا النوع ، على تحليل الجملة المكتوبة، ورد كل مفردة الى جذورها أو أصولها، والبحث عن شبيه أو
مماثل لها، مما هو مخزن لديه ، ثم الاعتماد على تراكيب معينة لبناء معنى للجملة المعطاة،من خلال بنية اللغة التي تتم بها المحادثة . وهكذا يستمر الحوار بين الآلة والانسان ، كأي حوار عادي بين اثنين .
ومازال العمل مستمرا في محاولة تقليد نظر وطريقة الرؤية في عين الانسان ، ويتم هذا النوع عن طريق استخدام كاميرا فيديو، حيث تلتقط الصور المتتابعة التي تخزن بصورة رقمية ومن ثم يتم تطبيق برامج تعتمد على موديلات رياضية لتحليل وفهم محتويات الصور. اذ تقسم الصورة الى مربعات صغيرة جدا، وتعمد البرامج الى التمييز بين النقاط أو المربعات البيضاء والأخرى الداكنة، ومن خلال ذلك يتم رسم شكل ومحتوى المعلومات المكونة للصورة . ويبقى التساؤل قائما: ما هي قدرة هذه التقنيات على تحليل صورة شاطىء رملي ، وما هي قدرة هذه البرامج على تمييز حبات الرمل الكثيرة عن بعضها، بشكل مفصل؟. .
هذا من ناحية تقليد الرؤية والنظر عند الانسان ، اما في مجال فهم الصوت المسموع وتحليل الكلمات ، فانه بحث آخر، مازالت المسائل
والمشاكل به عالقة، بسبب اختلاف نبرات الصوت واللهجات من انسان الى آخر. وهنا نرى ان برمجة (الكومبيوتر) بشكل يمكن له اصدار
أصوات أصبح أمرا سهلا، إما أن يفهم كلمات الآخرين المنطوقة، فذلك أمر ليس سهلا، وانما ما زال في مجال ومستوى البحوث ، وان استطاع الحاسوب أن يفهم مجموعة من الكلمات تتراوح بين المئات والآلاف .
وأخيرا لا يمكن لنا أن ننسى حقلا آخر يعتبر أساسيا في مجالات الذكاء الاصطناعي ، هو حقل الالا ت الأتوماتيكية . هذه الآلات التي بدأت تقلد ذراع الانسان بشكل ميكانيكي محدود، وتطورت لتصبح آلات مبرمجة
يمكن تغيير أدائها عن طريق تغيير برنامج التحكم بها، ونرى مدى انتشارها واستخدامها الواسع في مصانع انتاج السيارات ، حيث تقوم هذه الآلات بتركيب أجزاء السيارة بشكل متسلسل بدقة، وحتى دهنها أيضا.
هذه هي بعض الحقول الهامة في فرع الذكاء الاصطناعي ، فن علوم الحاسوب المتعددة. هذه العلوم التي مازالت تقدم لنا كل يوم شيئا جديدا، عن طريق البرامج الجديدة وعن طريق اقتحام مجالات لم تكن متوقعة في السابق ، من برامج متعددة الوسائط "MUL TIMEDIA" التي دخلت عالم الفن والحياة الواسعة ، الى برامج الحقائق الافتراضية -VIRUAL RE ، الى عصر الاتصالات الذي مازال يتطور والذي
يطرح عالم "السوبر هاي واي " عالم الأتوسترادات الواسعة، الذي يسمح بنقل الصوت والصورة والبرامج والخبرات وحتى الأفلام عن طريق التقنيات الرقمية .
ونتساءل ، ببراءة، وبصدق ، أين نحن كعرب من كل هذا؟ ألا يحق لنا أن نساهم ، أن نشارك ، أن نطور من خلال احتياجاتنا، وليس كمراقبين ومستخدمين ؟ أليس الحاسوب هو لغة العصر؟.. أليس هو الحصان الذي يجب امتطاؤه ، للعودة بحلم الأمجاد الغابرة الى الزمن الحاضر وقرن
الواحد والعشرين ؟!
كاتب المقال: فاضل فضة