في نهاية الكتابِ الذي نشرتُ فيه ما نظمتُ من رباعيات الخيام، أدرجتُ الفقرةَ التاليةَ التي أبرأُ فيها إلى الله من الأقوال التي تجاوزَ فيها عمر الخيام على الدِّينِ مثل تغزُّله في الخمر، وتساؤلاتِه عن مصير الإنسان في العالم الآخر، وما شابَهَ ذلك. ووجدتُ لزاماً عليَّ أنْ أعيدَ نشرَ هذه الفقرةِ هنا حتى لا يسارعَ أحدُهم (أو مئاتُهم وألوفُهم!) إلى الإفتاءِ بالتكفير، وما أهونَهُ عند الكثيرِ ممن حولنا! فلهؤلاء أقول: رويدكم، وتفكَّروا فيما أمامكم قبل أنْ تمتشقوا صوارمكم! وإليكم ما كتبتُ:

يعرفُ المقرَّبون مني أني لم أدخِّنْ سيجارةً طوالَ عمري، وقد يتفاجأ البعضُ بما يجدونه في هذه الرباعيات من عشقٍ للخمر، ولعلَّ بعضهم يتساءلُ في دهشةٍ: (كيف استطاع صاحبنا هذا أنْ يمتنع عن تدخين السجائر، في حين نراه هنا يتغزَّل في الخمر حَدَّ الجنون؟) والجوابُ في منتهى البساطة أني في هذه الرباعيات لا أعبَّرُ عن أفكاري، بل أنقلُ بأمانةٍ ما قاله عمر الخيام، وقُلْ مثلَ هذا عن أفكاره الأخرى التي قد يصفها البعضُ بالتجاوز على الأفكار الدينية، وقد يتطرَّفُ البعضُ فيصفها بالكفر، وقد صارحني بعضُ الأصدقاء بأنَّه كان الأَولى لجهدي في نظم رباعيات الخيام أنْ يوجَّهَ إلى نظمِ شعرٍ لا تشوبُهُ شائبةٌ ولا تنتقصُ منه شبهةٌ، وقد أجبتُهم بأني مستندٌ فيما أفعلُه إلى قاعدةٍ فقهيةٍ معروفةٍ تقول: (ناقلُ الكفرِ ليسَ بكافرٍ)، ولم ينتهِ الجدلُ إلا عندما وعدتُهم أنْ أكتبَ رباعيةً في نهاية الكتاب أبرأ إلى الله فيها من أفكار الخيام، وحسابُنا جميعاً عند الله سبحانه وتعالى، ووفاءً بذلك الوعدِ نظمتُ أربعَ رباعياتٍ في ذلك المعنى بنيةِ أنْ أختار واحدةً منها، ولكني لم أتمكنْ من تفضيلِ واحدةٍ على غيرها، فقررتُ إدراجَ الرباعياتِ الأربعِ جميعاً، وها هي:

إِذَا كُنْتُ قَدْ قَدَّمْتُ أَفْكَارَ خَيَّامِ *** وَخِلْتُمْ لَهَا حَظَّاً بِكُفْرٍ وَآثَامِ
فَلا تَحْسَبُوْا أَنِّيْ أُؤَيِّدُ فِكْرَهُ *** وَلَيْسَ بِكُفْرٍ نَقْلُ كُفْرٍ لِإِعْلامِ

نَظَمْتُ لَكُمْ فِكْرَاً كَمَا قِيْلَ فِيْ الأَصْلِ *** وَلا يَدَ لِيْ إِلَّا الأَمَانَةُ فِيْ الْنَّقْلِ
وَمَا نَاقِلٌ لِلْكُفْرِ يَا قَوْمِ كَافِرَاً *** وَتَبْقَى عَلَى الإِيْمَانِ رُوْحِيْ مَعَ الْعَقْلِ

نَقَلْتُ لَكُمْ مَا قَالَ خَيَّامُ مِنْ شِعْرِ *** فَإِنْ خِلْتُمُ كُفْرَاً بِمَا فِيْهِ مِنْ فِكْرِ
فَلا ذَنْبَ لِيْ إِلَّا أَمَانَةُ نَقْلِهِ *** وَمَا نَقْلُ مَرْءٍ قَوْلَ كُفْرٍ مِنَ الْكُفْرِ

تَخُطُّ يَدِيْ مَا فِيْهِ كُفْرٌ عَلَى الْنَّقْلِ *** وَأَبْقَى عَلَى الإِيْمَانِ بِالْرُّوْحِ وَالْعَقْلِ
فَلَسْتُ بِنَقْلِيْ كُفْرَ غَيْرِيَ كَافِرَاً *** وَمَا الْذَّنْبُ إِلَّا ذَنْبَ مَنْ قَالَ فِيْ الأَصْلِ