بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الآية { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
لقد فهم الناس معنى الآية { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } 11 الضحى على أن من ينعم الله عليه بنعمة من نعم الدنيا لا بد أن يحدث بها الناس لأن التحدث بها هو شُكْر لله لما ورد في قول ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شُكْر النعم أن يحدث بها.
ولكنني أحسب أن المعنى أعمق من ذلك. فقد قال تعالى معدداً نعم الله على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه لهدف محدد وهو تعليم البشريه درساً مهماً وهو: أن لا ينسى أحداً منازله القديمه إن منَّ الله عليه وأحسن إليه. وقد أوصل الله هذا الدرس لعباده عن طريق مخاطبة رسوله الكريم وتذكيره بمنازله قبل الرساله وكيف أنعم الله عليه أحسن إليه ثم وجهه ليحسن لمن يجده في تلك المنازل فيحسن إليه كما أحسن الله له. ومنازل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام التي كان عليها قبل الرسالة التي أوضحها الله هي أنه كان يتيماً وضالاً وفقيراً لقوله تعالى:
{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ }{ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } 6-8 الضحى ثم جاء نصحه له كالآتي:
أولاً: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي كما كنت يتيماً وكفل الله لك من يرعاك، أحسن أنت أيضاً لليتيم وأكفل له من يرعاه ويحسن إليه.
ثانياً: { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي كما كنت ضالاً لا تدري ما معنى الإيمان ولا الهدى وهديناك فأهدى أنت الضال وحدثه بنعمة الله وهي الإسلام بناءً على قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } 3 المائدة ويؤيد هذا القول قول مجاهد: يعني: النبوة التي أعطاك ربك، وفي رواية عنه: القرآن.
إذاً لم يكن المقصود بالنعمة نعم الدنيا لأن نعم الدنيا هي ابتلاء وليست نعم لقوله تعالى:{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } 7 الكهف
ثالثاً: { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ }{ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي كما كنت فقيراً وومنحك الله غنى النفس والصبر فلا
تنهر من جاءك سائلاً محتاجاً وأحسن إليه وعلمه أن الغنى هو غنى النفس وليس كثرة العرض وأعطه مما أعطاك الله.
لما جاء في الحديث: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه ". أما النعم الدنيوية عندما ينعم الله بها على عبد يجب عليه إظهارها وعدم إخفاؤها ليلجأ المحتاج إليه. وإظهارها يختلف عن التحدث بها. وقد كان أحد المسلمين غنياً ولكن لبسه لا يدل على غناه فنصحه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يظهر نعمة الله عليه.
وأخيراً يمكن القول بأن كل الآيات المحكمات قد جاء تفصيلهن داخل الكتاب. وما يقابل هذه الآيات القصار المحكمات آيات سورة الأعمى الأطول منهن. حيث اشتغل الرسول صلى الله عليه وسلم بأغنياء مكة وكبرائها ولم يشتغل بأم مكتوم الفقير الأعمى. وحاشى لله أن تكون هذه من صفات المصطفى ولكنها درس تعليمي لبني البشر الذي لا يمكن أن يوحي المولى لأحد غير رسوله صلى الله عليه وسلم ليوضحه لهم. والله أعلم من قبل ومن بعد