رد على موضوع: التأويل بين المحكم والمتشابه عند "ابن تيمية"
batouloahmed@gmail.com
إن معنى التأويل في القرآن هو التنبؤ بما سيحدث في المستقبل. أي أنه التنبؤ بمآل الأمور نتيجة حدث محدد. وهو
أمر غيبي لا يعلمه الله. أما معاني الآيات فهو تفسيرها من تفصيل الآيات. وقد كتبت مقالاً في هذا الموقع والحمدلله
قد جاء قول ابن تيمية تأييداً له. ولكن لدي بعض الردود على ما ورد في هذا الموضوع وهي:
لدي تعليق على الفقرة التالية: (في هذا التناظر إشكال إذا تأملنا لفظ الأحكام في موضعين ففي موضع الحج جعل الله تعالى جميع محكمة محكمها ومتشابهها، وهذا ما يناظر قوله تعالى: "ألر كتاب أحكمت آياته تم فصلت ..." وقوله: "تلك آيات الكتاب الحكيم". أما في موضع آل عمران، فقد جعل الآيات قسمين محكما و متشابها. كما أن المنسوخ المتشابه في موضع "الحج" هو ما ألقاه الشيطان، بينما المتشابه في موضع "آل عمران" هو ما أنزله الرحمان.)
وتعليقي هو: : إن الآيات في كلا الموضعين: الحج وآل عمران تنقسم إلى محكم ومتشابه لا فرق بينهما. حيث أنزل الله آيات الأحكام منها المحكم ومنها المتشابه ثم نسخ المتشابه. فالمتشابهات آيات تم نسخها لقوله تعالى: (ما ننسخ من آية). والشيطان لا يلقي آية وليس في مقدوره أن يلقي آية لينسخها الله. ولكن ما يلقيه الشيطان هو وسوسته للناس ليتبعوا حكم الآية المتشابه ويعملوا به. وهنالك فرق بسيط بين الموضعين وهو: الشيطان في الآية (52) الحج يلقي وسوسته للناس ليعملوا بالمتشابهات ويتبعوا أحكامها قبل أن ينسخها الله. وفي الآية 7 آل عمران يلقي الشيطان وسوسته للناس ليعملوا بحكم المتشابهات بعد أن ينسخها الله.
توجد معلومات كثيرة جداً لم يلتفت إليها الذين تتطرقوا لموضوع المحكم والمتشابه. وهي معلومات قد تم استنباطها من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهو: (إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً).
والمعلومات التي تم استنباطها هي:
أولاً: أنزل الله الكتاب على حزءين: كتاب الأخبار عن الوحدانية وكتاب الأحكام. وقد كان نزول كتاب الأخبار أولاً لقولها (إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار) أي أن هنالك غير المفصل وهو المحكم أي المجمل المعنى ولم يذكر فيه الجنة والنار. ولما نزل المفصل ذكر فيه الجنة والنار.
ثانياً: بعد نزول الأخبار وتفصيلها واعتناق الناس للاسلام نزلت الأحكام وفيها أحكام الحلال البيَّن والحرام البيَّن. وبعد ذلك نزلت المتشابهات من الأحكام لقولها : ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً.
ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً .
إذاً اتضح من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن كتاب الأخبار يتكون من قسمين: آيات محكمات
وآيات متشابهات. وكذلك كتاب الأحكام يتكون من قسمين: آيات محكمات وآيات متشابهات. أي أن هنالك
نوعان من المحكمات ونوعان من المتشابهات.
ثالثاً: محكمات الأخبار هن آيات قصار غير واضحات المعنى قد فصلهن الله في سور طوال متشابهات في المعنى والمدلول وهو قوله تعالى: (الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) 1 هود. ومحكمات الأحكام هن آيات واضحات الحكم لا لبس في فهم حكمهن. ومن الأحكام المحكمات أحكام الحلال والحرام الواضحات باللفظ البيَّن (أحل لكم) و(حرم عليكم) و (لا يحل لكم) لما ورد في حديث النعمان بن بشير (الحلال بين والحرام بين وبينهما آيات متشابهات فمن وقع في التشابه وقع في الحرام). أما متشابهات الأحكام فهن الآيات التي في حكمهن لبس وغموض لتشابه حكمي الحلال والحرام فيهن. أي أن حكم المتشابهات هو إباحة مؤقتة مما يجعل الناس يعتقدون أن الحكم حلال وهو لم يكن بالحلال البيَّن (أحل لكم). وفي نفس الوقت يكون حكم الإباحة مقيد بشرط يصعب استيفاؤه وإذا لم يستوفى يبطل حكم الإباحة فيظهر والحكم وكأن حرام ولكنه ليس بالحرام البيَّن (حرم عليكم). عليه يكون تشابه المعنى وتماثله هو تشابه كتاب الأخبار لقوله تعالى: (ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) 23 الزمر
وتشابه الأحكام هو تشابه الحلال والحرام مما يشكل على الناس معرفة الحكم الصحيح هل هو الحلال أم الحرام كالحكم في آيات الخمر وأكل الربا..
رابعاً: لقد جاء في محكم تنزيله : (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) 35 الأنبياء. إذاً الأقدار هي امتحان. وأقدار الخير هي زينة الحياة التي يحبها الناس وهي المذكوره في الآية 14 آل عمران: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ). أما فتنة الشر فهي المصائب والقتال التي لا يحبها الناس كما جاء في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ)
خامساً: لقد أوضح صبحي الصالح أن المتشابهات قد أنزلهن الله في الحالات الشعورية وهي الحالات التي يشعر فيها الانسان بالمتعة أي في أقدار الخير لينهي الناس عن الازدياد منها وحبها لقوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ) (أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )15-16 هود . حيث خلق الله الخلائق لعبادته فقط وليس للتمتع بالحياة الدنيا وزينتها. وقدَّر لكل فرد قسمته ونصيبه الذي يحتاجه من زينة الحياة لينقطع لعبادته. لذا جعل الله الزينة فتنة أي امتحان يميز به الخبيث الذي يخلد إلى الأرض ولا يريد الآخرة فيزداد ويكثر من زينة الحياة ويغير ويبدل ما آتاه الله فينشغل بذلك عن عبادة الله، من المؤمن الحق الذي يكتفي بما آتاه الله وينشغل بعبادة الله فقط لقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً) 7 الكهف. وقد فسر العلماء معنى (أيهم أحسن عملاً) (بأيهم أزهد فيها). هذا وقد أنذر الله الناس بعدم تبديل نعمته التي قسمها لهم بقوله تعالى: (سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ) 211 البقرة.
سادساً: أنزل الله المتشابهات كعلاج للناس من إدمانهم لحب الشهوات. فهي لم تنهاهم منها من أول مرة بل كان النهي تدريجياً كما يعالج الطبيب المريض من إدمان المخدرات.
سادساً: إن ما ورد في الآية 7 آل عمران وهي: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ) يؤكد أن المتشابهات قد أنزلن في زينة الحياة الدنيا كما أوضحه صبحي الصالح وأوضحه حديث السيدة عائشة رضي الله عنها. ولهذا يتبع الذين في قلوبهم زيغ أحكامها ويعملون بحكم الإباحة المنسوخ وهم يعلمون ذلك لأنهم يبتغون الفتنة (أي إحدى الشهوات أو الشهوات كلها) لإبتغائهم لما سيؤول له حالهم من سعادة ونعيم (واعتقادهم هذا أساسه وسوسة الشيطان وما يلقيه في قلوبهم من إغراءات بتزين وتحسين ما سيؤول له حالهم بعد اتباع المتشابهات ونيل الفتنة تماماً كما فعله مع أبينا آدم وأمنا حواء) وهو تأويل كاذب وباطل لأن ما سيؤول له حالهم هو أمر غيبي لا يعلمه إلا الله. ولهذا قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) 216 البقرة
رابعاً: من المتشابهات المنسوخات في القرآن فعلاً هي آيات الخمر وآيات الربا. ومن آيات الربا والخمر نجد أن معالم الآيات المتشابهات هي:
- أنزلت في فتنة الخير أي في الحالات الشعورية التي هي زينة الحياة وشهواتها ومتعها التي أدمنها الناس في الجاهلية.
- أنزل النهي عنها تدريجياً لعدم مقدرة الناس على تركها من أول مرة.
- الآيات الأولى بها إباحة وكأنها حلال وهي ليست بالحلال البين لعدم وجود لفظ أُحِلَّ لكم
- بها شرط يصعب تطبيقه مقيد لحكم الإباحة. وإن لم يستوف ذلك الشرط يبطل العمل بالإباحة فيظهر الحكم وكأنه حرام وهو ليس بالحرام البين لعدم وجود لفظ حُرِّمَ عليكم.
- يشتبه على الناس حكمها هل هو حلال أم حرام
- يعمل بالإباحة لفترة من الزمن حتى يعلم الناس تعارض حكم الإباحة مع المحكم من الأحكام
- يستفتي الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكمها
- تنزل آيات الاستفتاء موضحة إثم ومضار العمل بالإباحة دون التحريم. فيستمر الصحابة يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تنزل الآية المحكمة التي تنسخ حكم الإباحة
- بعد نزول الحكم الناسخ لا يعمل بالحكم المنسوخ
- من يعمل بالحكم المنسوخ ويترك الحكم الأخير الناسخ في قلبه ضلال وزيغ ويقع في الحرام
وبناءً على معالم آيات الخمر والربا أعددت دليلاً لمعرفة المتشابهات المنسوخات ووجدت أن الآية 3 النساء (آية التعددية) متشابهة منسوخة والآية 6 النساء (أكل مال اليتيم)متشابهة ومنسوخة والله أعلم