د.عبدالكبيرعلاوي *
البلد : المغرب عدد المساهمات : 4 نقاط : 12 تاريخ التسجيل : 08/12/2015
| موضوع: مفهوم الطبقة عند "ابن سلام الجمحي" و"ابن قتيبة" و"عبد الله بن المعتز" 2015-12-08, 18:21 | |
| مفهوم الطبقة عند "ابن سلام الجمحي" و"ابن قتيبة" و"عبد الله بن المعتز" د. عبد الكبير علاوي مفهوم الطبقة لغة واصطلاحا: مفهوم الطبقة مفهوم قديم في اللغة العربية، ويعني في اللغة: الجماعة والزمرة والفئة. وغيرها من الكلمات التي تقترب من هذه المعاني، المتضمنة لمدلول الموافقة والمطابقة. بيد أن مفهوم الطبقة لم يكتس بعدا اصطلاحيا، إلا في الدراسات الدينية لا سيما ما تعلق منها بالقراءات أو رواية السنة. وفي مجال القراءات ظهرت طبقات القراء، وهم فئات من الرجال الذين كانوا يحفظون القرآن ويقرؤونه حسب أحد الحروف التي نزل بها . واكتسى مفهوم الطبقة بعدا اصطلاحيا أيضا في الدراسات المتعلقة بتوثيق الحديث الشريف خاصة فيما يرتبط بأعمار الرواة أو توثيق أخبارهم. يذهب الدكتور "أمجد الطرابلسي" إلى القول بأن الاهتمام بفكرة الطبقات في الثقافة العربية دليل على رد الاعتبار إلى الكرامة الإنسانية والفردية على وجه الخصوص ويضيف الدارس أن المؤلفين العرب ضهوا الأمم الأخرى في هذا المجال. وإذا كانت هذه الفكرة قد تأصلت لدى المحدثين ومؤرخي رواة الحديث فإنها قد تطورت فيما بعد على مستوى الكتابة التاريخية والأدبية والنقدية. وسأحاول إثارة مشكلة الطبقات عند ابن قتيبة وابن سلام الجمحي وابن المعتز.
1- مقياس الطبقات عند سلامة الجمحي (231 ه) : لابن سلامة كتاب في الشعر سماه "طبقات الشعراء"، ومنذ قراءة العنوان يتضح الخط المنهجي الذي يسلك فيه ابن سلامة كتابه، فهو كتاب في الطبقات: يتضمن هذا الكتاب دراسة لشعراء جاهليين وإسلاميين يورد المؤلف نتفا من أشعارهم ونبذا من أخبارهم مركزا على من اشتهر منهم: كتاب ابن سلام لم يتضمن فئة الشعراء المخضرمين فقد أسقطهم من حسابه عند التأليف، وربما فعل ذلك كي تستقيم له قسمة الشعراء إلى فريقين: جاهلي وإسلامي، صنف أربعين شاعرا جاهليا ومثلها من شعراء الإسلام ، ضم الشعراء الجاهليين في عشر طبقات، وصنف الإسلاميين في مثلها ، وجمع أربعة شعراء في كل طبقة على حدة، وحصل عنده من مجموع هذه الطبقات عشرون طبقة، وحاصل ضرب عشرين في أربعة ثمانون وهو عدد الشعراء الذين صنفهم ابن سلام في طبقاته. ومقياس الطبقات عند "ابن سلام الجمحي" تجسد في هذه الصورة الهيكلية التي ينتظم فيها الشعراء المدرسون في كتابه وفق منطق داخلي يوزع الشعراء داخل الطبقات بشكل متكافئ العدد، ويوزع هذه الطبقات إلى أعداد متوازية بين العصرين الجاهلي والإسلامي. كل هذا يدعونا إلى القول بأن عمل ابن سلام كان خاضعا لنظرة منطقية تنظمه وتحكمه، ولم يكن قط عملا عفويا بقدر ما هو عمل رواية وفكر وإرادة جمالية تقصد ما تقوم به قصدا وتتعمده. والمقياس عند ابن سلام قام على مبادئ لخصها بعض الدارسين: كثرة شعر الشاعر- تعدد أغراضه - جودة شعره. ويبدو حسب منذور أن ابن سلام كان يغلب الكثرة على الجودة ، ويضيف بعض الدارسين إلى هذه المبادئ مبدأ أخر يدعوه: صدق الشعور . هذا إضافة إلى مقياس المكان، فأما الأول فيظهر في تقسيمه الشعراء إلى جاهليين وإسلاميين، وعنصر المكان يظهر في تمييز ابن سلام بين شعراء البوادي وشعراء الحواضر، أو ما يدعى شعراء المدر وشعراء الوبر. مقياس الطبقات عند ابن قتيبة(276ه) ألف ابن قتيبة كتابه ( الشعر والشعراء)، وهو كتاب في تراجم الشعراء، ترجم فيه ابن قتيبة لما يزيد على مائة وسبعين شاعرا منهم الجاهليون والإسلاميون وكذا المحدثون، مزج في منهجيته التأليفية بين الإخبار التاريخي، والتحليل الأدبي والنقدي للأشعار المختارة الواردة في الكتاب، وكان حريصا أشد الحرص على الحكم على الشعراء بحسب ما يتوفرون عليه من جودة أو رداءة في الشعر. و إذا حاولنا رصد بعض الفروق بين ابن سلام وابن قتيبة في موضوع التأليف في طبقات الشعراء: - ولم يضع ابن قتيبة لكتابه منهجية طبقية ولا نظاما معينا، وإنما اكتفى بسرد أخبار الشعراء ونتف من أشعارهم، والتعليق عليها بما يوحي به المقام ، في حين أن ابن سلام سلك شعراءه في طبقات متكافئة العدد وفق تصور تنظيمي يغلب عليه الافتعال. - فسح ابن قتيبة في كتابه مجالا واسعا لموجة الشعراء المحدثين. - فأما المقياس الذي يحكم ابن قتيبة في المفاضلة بين الشعراء هو مقياس فني خالص يقوم على رصد مستويات الجودة أو الرداءة في الشعر المدروس، وهو بذلك يشجب مقياس الزمن الذي كان سائدا عند أنصار القديم، ولاسيما ابن سلامة، وهو مقياس مرفوض في نظر ابن قتيبة لأن الله لم يقصر"الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده، وجعل كل قديم منهم حديثا في عصره". إن نظرية ابن قتيبة النقدية نظرة قاضي يضع العدل موضع الحكم، ولا يفرق بين الناس إلا وفق ما يقدمون من العمل، فالتقديم للمحسن والتأخير للمسيء وهي نظرة مثالية من وجهة نظر النقد لو أحسن تطبيقها، وهذه الروح على أية حال روح جديدة مخالفة في مظهرها لروح ابن سلام. وتطبيقاته قائمة على نظام تفاضلي، يقسم الشعراء طبقات حسب السبق والجودة، لها عللها ومقوماتها، فأما ابن قتيبة فينظر للشعر والشعراء نظرة مغايرة، وعيار الشهرة عنده دون أشعارهم على ألسنة الخاصة من العلماء، والاستشهاد بها في علوم اللغة والنحو وتفسير كتاب الله وحديث رسوله، أي النظر للشعر من حيث موافقته لمعايير الفصاحة وسلامة التركيب ودقة المعاني والأصالة، لأن هذه الخصائص جميعا هي ما ينبغي توفرها في كل ما يستشهد به في الأحوال التي ذكرها . كذلك نجده يستعرض الشعراء واحدا و واحدا دون موازنة بين أحد منهم وسابقه أو لاحقه، فلا يقول مثلا أن هذا أجود شعرا من ذاك. وينتقل ابن قتيبة إلى القول في أقسام الشعر. يقول: تدبرت الشعر فوجدته أربعة أضرب :1- من حسن لفظه وجاد معناه 2- ضرب حسن لفضه وحلا.، إذا أنت نقشته لم نجد هناك طائلا 3- ضرب جاد معناه وقصرت الألفاظ عنه .4.- ضرب تأخر لفظه وتأخر معناه . مقياس الطبقات عند ابن المعتز(296ه). وضع ابن المعتز كتابه في شعراء المحدثين وسماه "طبقات الشعراء المحدثين" ، قصر كتابه على الشعراء المحدثين لا سيما في مدح الخلفاء العباسيين، وفي ذلك يقول بأنه قد ضمن كتابه: "ما وضعته الشعراء من الأشعار في مدح الخلفاء والوزراء والأمراء من بني العباس ليكون مذكورا عند الناس" . يصرح ابن المعتز بأنه كان مسبوقا إلى التأليف في هذا الموضوع بمؤلفات منها كتاب "ابن نجيم" المسمى: "طبقات الشعراء الثقات" . والمبرد في كتابه "الروضة". فالتراجم عند ابن المعتز تبتدئ ب"ابن هرمة وتنتهي ترجمة "الناشئ" ت (ه292) يتخلل هاتين الترجمتين زهاء مائة وثلاثين ترجمة للشعراء المحدثين، وبعد الناشئ تأتي تراجم النساء الشواعر التي تلت تراجمهن ترجمة "الشيرازي" مباشرة. رتب ابن المعتز الشعراء الذين ترجم لهم في كتابه ترتيبا لا يخضع لمعيار طبقي واضح، وإنما أقام تقسيمه على هوى في نفسه،، وهو مدح هؤلاء الشعراء للأسرة الحاكمة العباسية وابن المعتز احد أمرائها. إلا أنه أعرض عن شعراء الهجاء ولاسيما من هجا منهم الخلافة العباسية، فبعد شعراء المديح تأتي تراجم شعراء المجون وأكثرهم ندماء البلاط العباسي، وفي النهاية أورد جملة من تراجم النساء الشواعر وأغلبهن من جواري البلاط وقيان الخلفاء والأمراء والعباسيين. لكن ما الغاية من تأليف كتاب الطبقات؟ فالغاية التي دفعت ابن المعتز من التأليف لم يصرح بها في خطبة كتابه، ولكنها تفهم من كلامه في الخطبة، وهو لا يلبث أن يصرح بها في ثنايا مؤلفه، ففي ترجمته لأحد الشعراء وهو أبو الشيص (بن رزين الخزاعي، ابن عم دعبل، ينادم الملوك، اشتهر بشربه الخمر، مدائحه في الرشيد كثيرة، مات مقتولا.) وأثناء حديثه عن وضعية القارئ لكتابه "...ليستريح من أخبار المتقدمين وأشعارهم ،فإن هذا الشيء قد كثرت رواية الناس له فملوه، وقد قيل لكل جديد لذة، والذي يستعمل في زماننا إنما هو أشعار المحدثين وأخبارهم، فمن هنا أخذنا من كل خبر عينه ومن كل قلادة حبتها" . من خلال هذا النص يتضح دفاعه عن الشعراء المحدثين وهو دفاع عن النفس أيضا، ينوي إنصاف زملائه وتخليد ذكرهم، كما خلد أنصار القديم ذكر الأسلاف. واهتم ابن المعتز بأصحاب البديع من الشعراء مثل بشار ومسلم وأبي تمام وهذا ينم عن تكامل منهجي قائم بين كتابه هذا وكتاب البديع. ولهذا عمد ابن المعتز إلى وضع النواة الأولى لدراسة تيارات الشعر المحدث ومدارسه. وذلك من خلال تعليقه على الشعراء تعليقات نقدية تضع بعضهم في تيار الطبع والبعض في تيار الحكمة والبعض في عداد شعراء المجون .
1- محيط المحيط لبطرس البستاني ص 1977. 2- من نكت القراءات أهمها :النشر في القراءات العشر للحافظ بن محمد الدمشقي ابن الجزري. 3- ابن سلام الجمحي هو أبو عبد الله محمد بن سلام الجمعي مولى قدامة بن مظعون الجمحي قدم بغداد، فأقام بها إلى أن توفي عالم اللغة والأدب ،صاحب طبقات الشعراء والجاهليين والإسلاميين مات سنة 231ه.(من تاريخ الأدب العربي لبروكلمان152/2). 4- مقدمة طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي. 5- تاريخ النقد العربي /د. محمد زغلول سلام1/ص102. 6- النقد المنهجي عند العربي/د. محمد مندور ص 20. 7- مفاهيم في الأدب والنقد/د. علي حكمت الاوسي. ص 70 8- الشعر والشعراء/ابن قتيبة ص 1. 9- في تاريخ البلاغة العربية /د عبد العزيز عتق دار النهضة العربية 10- البلاغة تاريخ وتطور /د شوقي ضيف 11- طبقات الشعراء لابن المعتز تحقيق عبد الستار فراج. 12- طبقات الشعراء ص18 13- طبقات الشعراء ص18 14- طبقات الشعراء ص104 15- المرجع نفسه ص86 16- تاريخ النقد الأدبي والبلاغة، د. محمد غلول سلام، ص165 |
|