بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
في حديث لابن أبي جمرة: عن علي – رضي الله عنه- أنه قال: لو شئت أن أوقر سبعين بعيراً من تفسير أم الكتاب لفعلت1. وقد جاء تعليق السيوطي على ذلك بقوله2: "وبيان ذلك، أنه إذا قال " الحمد لله رب العالمين يحتاج تبيين الحمد، وما يتعلق به الإسم الجليل الذي هو الله ، وما يليق به من التنزيه. ثم يحتاج إلى بيان العالم وكيفيته على جميع أنواعه وأعداده وهي ألف عالم.. فإذا قال " الرحمن الرحيم" يحتاج إلى بيان الإسمين الجليلين وما يليق بهما من الجلال، وما معناهما ثم يحتاج إلى بيان جميع الأسماء والصفات، ثم يحتاج إلى بيان كذا كذا..." وواصل السيوطي هذا المنهج في جميع آيات الفاتحة. فنهج السيوطي هذا يشير إلى مقصد قول سيدنا علي رضي الله عنه. كما أن كثير من الأحاديث تؤكد عظمة هذه السورة منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هي أم الكتاب وهي فاتحة الكتاب".
لقد حاصرتني فكرة البحث عن معاني الفاتحة امتثالاً لأمر الله من ناحية ورغبة في الوصول ولو لجزء يسير من معاني الفاتحة التي هي حمل سبعين بعيراً من ناحية أخرى. فوضعت منهجاً يتلخص في تفصيل كل آية من آيات الفاتحة في مبحث منفصل بوضع أسئلة دقيقة عنها ثم الإجابة عن كل سؤال من آيات الكتاب اللاتي فصلهن الحكيم الخبير. فإذا وجدت أولاً: إجابات واضحة لأسئلة كل آية وعن طريقها اتضح معني الآية وحكمها، ووجد ثانياً أن تفصيلهن يحتوي على كل القرآن ، تكون الآيات المحكمات اللاتي هن أم الكتاب واللاتي فصلهن الحكيم الخبير هن آيات الفاتحة. وبما أن تفصيل الآيات طويل لا يتسع المجال له فسوف أنشر كل مبحث لوحده مع الاختصار فيه. وسأبدأ ب{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
المبحث الأول
{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
لقد اتفق العلماء على أن { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } هي أول ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {إقرأ باسم ربك الذي خلق} {خلق الإنسان من عَلَقٍ} {إقرأ وربك الأكرم}1-3 العلق ولكنهم اختلفوا في طبيعتها؛ هل هي آية أم لا، وما زال الاختلاف قائماً. فمن العلماء من يعتبرها آية ومنهم من لا يعتقد ذلك. كما اختلفوا في حكمها هل هو فرض وواجب أم مستحب البدء بها فقط. وأحسب أن البحث سيفصل في ذلك
إن الوصول لمعنى {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ومصدرها وحكمها أحسبه سيتحقق عن طريق الإجابات عن الأسئلة التالية: ما هو تعريف الإسم الله؟ ما هو تعريف الإسم الرحمن؟ ما هو تعريف الإسم الرحيم؟ ما الفرق بين الله، الرحمن والرحيم ؟ وما هي الصلة بينهم؟ وما هو سر ارتباط الاسمين الرحمن والرحيم في كل القرآن؟ كيف جاءت {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بصورتها هذه من آيات سورة العلق؟ ما سبب نزولها بهذه الصورة المجملة؟ ما المقصود ب {بسم اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟ وما حكمها؟ هل هي آية أم لا؟
أولاً: تعريف اللهمن الآيات المفصلات
إن تعريف الله الذي هو علم على ذات الإله توضحه أفعاله وصفاته. عليه تكون أسماء صفات الاسم الله هي أسماء الصفات والأفعال التي تَكوَّن منها الإسم الله. وأسماء الصفات والأفعال يمكن استنباطها من الآيات. ومن أكثر الآيات تعريفاً لأفعال الاسم الله وصفاته هي:{ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم من دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ}{ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ}4-8 السجدة حيث أوضحت الآية "4" أن من أسماء نعوت الاسم الله هو "الخالق". كما أوضحت أن الله بعد أن خلق كل شيء، استوى على عرشه ملكاً على مملكته ووالياً لخلقه وشفيعاً لهم. فمن أسماء نعوته أيضاً "الملك" و"الولي" و"الشفيع". والآية "5" بينت أسم نعته "المهيمن" حيث أنه يدبر أمر كل المملكة من السماء إلى الأرض. أما الآية "6" فقد أبرزت أسماء صفات الله "عالم الغيب والشهادة" و"العزيز الرحيم". وتفسير ابن كثير لهذه الآيات يعضد هذا القول وهو: (هو المالك لأزمة الأمور، الخالق لكل شيء، المدبر لكل شيء، القادر على كل شيء، فلا ولي لخلقه سواه، ولا شفيع إلا من بعد إذنه، { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } يعني: أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه، تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك، أو وزير أو نديد أو عديل، لا إله إلا هو، ... وهو العزيز الذي قد عز كل شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، الرحيم بعباده المؤمنين، فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته وهذا هو الكمال، العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم بلا ذلّ.) ثم أخبرتنا الآيتان: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} 1-2 الفلق أن من أسماء نعوت الاسم الله، "المستعان" الذي يستعان به من شر خلقه. وأوضحت الآية التالية أن من بين نعوت الاسم الله هو "الرازق". والآية هي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}3 فاطر أما الآية: { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ الله كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 50 الروم فقد أظهرت الاسم "المحي". وورد اسم الصفة الهادي في الآية التالية: {ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} 88 الأنعام . ثم جاء الاسم الرحيم في الآية: { قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} 12 الأنعام وبرزت أسماء الصفات:"الحسيب" ،"الغفور" و"القدير" و"المنتقم"في الآية: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}284 البقرة. وبهذه الطريقة يمكن أن تستخرج أسماء الصفات الحسنى التسع وتسعين التي جمعها رب العالمين في اسم واحد هو "الله".
ثانياً: تعريف"الرحمن" من آيات القرآن
لقد ورد ذكر الاسم الرحمن في الآية: {قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} 110 الإسراء التي تشير إلى وجود صلة بين اسم الرحمن واسم الجلالة الله. فإذا تم استنباط أن للاسم الرحمن أسماء صفات مطابقة لأسماء صفات الله يكون معنى الآية هو: أن الله والرحمن اسمان علمان على ذات الإله غير مشتقان. عليه يتطلب الأمر اتباع نفس الأسلوب الذي تم به استخراج أسماء الله الحسنى التسع وتسعين اسماً من السور التي تكرر فيها اسم الرحمن كثيراً وهي: الرحمن ، مريم ، طه، الأنبياء، الفرقان، الملك، يس، الزخرف والنبأ.
تحليل آيات سورة الرحمن
إذا تدبرنا قوله تعالى: {الرحمن} {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} {خَلَقَ الْإِنسَانَ}إلى قوله تعالى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(1-78) الرحمن نجد أن الاسم الرحمن مبتدأ. وكل آيات السورة المتبقيات خبراً للمبتدأ أي خبراً لصفات وأفعال الرحمن. وأول آية جاءت خبراً للرحمن هي:{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (2) الرحمن فيستنبط منها اسم الصفة "الهادي" و"العالم". والآية "3":{خَلَقَ الْإِنسَانَ} قد أخبرتنا أن الرحمن هو خالق الإنسان. أي أن من أسماء صفات الرحمن هو (الخالق البارئ المصور) لما ورد في صفة خلق الإنسان وتعديله وتصويره في الآيات: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} 6-8 الانفطار واسم صفة "خلق الإنسان وتعديله وتصويره" هو(الخالق البارئ المصور) الذي ورد في نهاية سورة الحشر كالآتي {هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 24 الحشر
تحليل آيات سورة طه
أما آيات سورة طه فأحسبها الأكثر دلالة للاسم الرحمن وهي:{طه}{ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ِتَشْقَى}{إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى}{ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى}{الرحمن عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}{وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}1-7 طه حيث أخبرتنا أن الرحمن هو منزل القرآن الذي خلق الأرض والسموات العلي ثم استوي على عرشه ملكاً. وهذه الآية تعضد الآية 2 الرحمن: (علم القرآن). فمن أسماء صفاته "الخالق" و"الملك" . ثم أخبرت الآية "7" أن الرحمن يعلم السر والجهر أي أنه عالم الغيب وحده. واصلت الآية "8" طه الأخبار عن الرحمن كالآتي: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى"، أي أنها استبدلت اسم الرحمن بالاسم الله مما يدل على أن الخالق لكل هذا الكون الذي استوي علي عرشه ملكاً ويعلم السر والجهر هو الرحمن الذي هو الله الذي لا إله إلا هو وله الأسماءالحسنى. عليه يعرب الاسم الرحمن في الآية "5" خبراً للمبتدأ مرفوعاً وهو مبدل منه، ويعرب الاسم الله في الآية"8" بدلاً مرفوعاً. تواصل آيات سورة طه الأخبار عن الرحمن بالآتي: { يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أذن لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}109-111طـه. وإذا تتدبرنا محتوى الآيتين 109-111طـه وآية البقرة التالية: {الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 255 البقرة نجدهن متفقات في المعنى، بالرغم من أن الآية 255 البقرة قد أنزلت بالاسم الله والآيتين 109- 111 طه قد أنزلتا بالاسم الرحمن. فيدل ذلك على أن الاسمين علمان على ذات الإله الواحد الأحد
تحليل آيات سورة الأنبياء
وبالتدبر في الآيات:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرحمن وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 26-28 الأنبياء نجد الآية 26 تنفي إدعاء الكفار بأن الملائكة أبناء الله وذلك بنفي أن للرحمن ولداً فهي إذاً توكيد لوحدانيته. فيبرز بذلك اسمي صفتيه "الواحد الأحد" و"القدوس" لأنه هو الذي لم يلد ولم يولد المنزه من الشريك ومن كل نقص بلفظ التسبيح سبحانه تماماً كما كانت أسماء الصفات بالاسم الله. كما أظهرت الآية 27 اسم صفة الرحمن "المهيمن" حيث أن الملائكة يعملون بأمره هو فقط. ومن أسماء صفاته أيضاً "عالم الغيب والشهادة" لما ورد في الآية 28 " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم". فأسماء صفات الرحمن المستنبطة من آيات سورة الأنبياء ومن آيات سورة طه هي نفس أسماء صفات الله التي وردت في آية الكرسي في سورة البقرة. وعند التمعن في تفسير العلماء لقوله تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرحمن وَلَدًا " نجدهم يستبدلون الاسم الرحمن بالاسم الله. ومثال لذلك التفسير التالي: (أي قال المشركون اتخذ الله من الملائكة ولداً قال المفسرون: هم حي من خزاعة قالوا: الملائكة بنات الله "سبحانه" أي تنزه الله وتقدس عما يقول الظالمون...) مما يؤكد أن الرحمن هو الإله الذي هو الله. وجاءت الآية التالية واضحة وصريحة وفاصلة في توضيح أن الرحمن هو الإله الواحد الأحد وهي:{ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} 29 الأنبياء أي أن الرحمن هو الإله الواحد الأحد ومن يقل إن هنالك إله غير الرحمن فله جهنم. إن آيات الفرقان تخبر عن أن ملكية الإله ليوم الدين جاءت باسمه الرحمن والآيات هي:{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا}{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} 25-26 الفرقان.
تحليل آيات سورة الفرقان
إن آيات سورة الفرقان التالية توضح أن الذي له اسم الصفة الحي والذي يسبح له بحمده هو الخبير بذنوب عباده فهو الوكيل وحده وهو الرب واسمه الرحمن: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرحمن فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 58-59 الفرقان
إذاً التسبيح بحمده يكون كالآتي: "سبحان الرحمن وبحمده" كما جاء التسبيح بحمد الله "سبحان الله وبحمده". واصلت آيات الفرقان توضيح الاسم الرحمن بأنه علم على ذات الإله غير مشتق بالآتي: { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} 61 الفرقان فكلمة تبارك التي وردت في الآية الأخيرة من سورة الرحمن: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} 78 الرحمن ووردت في أول سورة الملك:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) الملك وفي سورة الزخرف: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 85 الزخرف هي لفظ تقديس وتوحيد تطابق معناه مع لفظ سبحان لما ورد في قول الفراء: (إن تبارك وتقدّس في العربية واحد، ومعناهما: العظمة).
تحليل سورة الزخرف
أما آيات الزخرف التالية: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ }{ سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }{ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ }{ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }81-85 الزخرف فقد جاء فيها توحيد الإله وتنزيهه بالاسم الرحمن من أن يكون له ولد. كما أن لفظ التسبيح كان سبحان. وهذا يؤكد كل ما توصل إليه البحث وهو أن الاسم الرحمن هو اسم علم على الرب كالإسم الله. ثم أكدت الآية 84 الزخرف أن الرحمن هو اسم الإله الذي هو الإله في السماء وفي الأرض. أي: هو خالقهما ومالكهما، والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة كما ورد في تفسير ابن كثير لهذه الآية. ثم جاء اسم صفته "الحكيم العليم" في نهاية الآية، تماماً كما جاءت في نهاية الآية التالية التي تتحدث عن رب العالمين: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}6 النمل مما يؤكد أن الحكيم العليم هو الرب الذي اسمه الرحمن. أما الآية 85 فقد أخبرت أن عالم غيب الساعة والذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما و يرجع إليه الخلق كله هو الرحمن أي أنه الله الذي هو الإله المنزه عن كل
شرك ونقص. ثم أوضحت آية الزخرف: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} 36 الزخرف أن من يريد أن يذكر ربه أو يشكره يمكن أن يذكره أو يشكره بالإسم الرحمن كذكره وحمده بالإسم الله. وتتبع صفات الرحمن في سورة الملك وسورة مريم
من آيات سورة الملك
أما آيات سورة الملك فقد جاءت مؤكدة ومثنية لما أوضحته الآيات السابقة وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِع الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} 1-3 الملك. حيث أوضحت أن من أسماء صفات الاسم الرحمن: "الخالق" و"المحي المميت" لخلقه للموت والحياة. ثم جاء نعت ذاته "العزيز الغفور" في نهاية الآية "2". وواصلت آيات سورة الملك الأخبار عن أسماء صفات الرحمن بما يلي: أنه عالم بخلقه فهو"العليم" وهو"اللطيف الخبير" وهو"الرازق" وهو"مالك يوم الدين". والآيات هي:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 13-15 الملك
من آيات سورة مريم
ولنتمعن في آيات سورة مريم التالية:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} 45 مريم ونلاحظ في الآيتين {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا}{وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْر عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} 74-75مريم أن اسم الرحمن له صلة بالعذاب. وورد في الآية 74 مريم أن الضلالة وزيادتها بالإسم الرحمن مع ملاحظة أن الآية 75 مريم قد أوردت زيادة الرحمة أي الهدي بالإسم الله. وأحسب أن الحكمة من وراء ذلك هي: أن نعلم أن الإسمين الهادي والمضل من أسماء صفات الرحمن. هذا وقد التحق أيضاً اسم الصفة الضار بالإسم الرحمن في الآية الآتية: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ} 23 يــس.
إن أسماء صفاته مثل "الضار والمضل" هي أسماء تخص الكفار والمنافقين لتوضح لهم أن الله أقدرالقادرين على على عقابهم. ولنتمعن في تطابق صفات الاسمين الله والرحمن في الآيتين التاليتين: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرحمن إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} 19 الملك و{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 79 النحل فالذي يمسك الطير في جو السماء هو الإله الذي اسمه الله واسمه الرحمن.
ثالثاً- تعريف الاسم "الرحيم"
لقد اتفقت آراء العلماء على أن اسم الرحيم هو اسم صفة الرحمة على وزن فعيل وأن الرحمة باسم الرحيم للمؤمنين فقط وفي الآخرة فقط. واسم الرحمن هو اسم صفة الرحمة لجميع الخلق في الدنيا. ولكن إذا تمعنا في الآيات التي ورد فيها الاسم الرحيم لم نجده يدل على ذات الإله في بداية الآيات كالاسمين الله والرحمن. بل ياتي كاسم من أسماء الاسمين الحسنى في نهاية الآيات. عليه سوف يتم تحليل الآيات التي ورد فيها الاسم الرحمن لمعرفة الصفة التي يدل عليها. وبالتمعن في الآية: {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} 66 الإسراء نجد أن الرحمة عامة لجميع الناس المؤمنين والكفار وفي الدنيا وبالاسم الرحيم. فلم يوضع اسم الرحمن بدلا عن الرحيم في نهاية الآية كالآتي: " إنه كان بكم رحمانا" بدلاً عن "إنه كان بكم رحيماً". الأمر الذي يؤكد أن الرحمة في الدنيا للخلق أجمعين كفار ومسلمين بتوفير النعم لهم جاءت بالاسم "الرحيم". وقد سبق أن علمنا أن الرحمة قد وردت أيضاً للخلق أجمعين بالاسم الرحمن وفي
الدنيا. وهذا دليل على أن رحمة الرحيم لم تكن مقتصرة على المؤمنين في الآخرة فقط لقوله تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}28 الحديد لما ورد في معنى الخير في الآية 12 المجادلة بأنها الطهارة والتزكية أي الهدى لما فيه الخير في الآخرة. أما الآيات التالية فهي دليل العلماء على أن الرحمة للمؤمنين في الآخرة باسمه الرحيم فقط وهي:{إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}{ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين}{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 45-49 الحجر
إذاً الاسم الرحيم هو اسم صفة الرحمة المبالغ فيها في الدنيا للخلق أجمعين وذلك لعدم إمساك الله لنعمه وخيراته من العصاة في الدنيا ولعدم حرمانهم من المغفرة المتوفرة لهم متى ما اهتدوا لما كتبه فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي". إذاً يتكون الاسم الرحيم من الأسماء: الهادي والغفور. وقد أكدت الآيات أن رحمة الإله تعم المؤمنين والكفار في الدنيا بالاسمين الرحمن والرحيم وتخص المؤمنين فقط في الآخرة وبالاسمين الرحمن والرحيم أيضاً.ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما" يؤكد ذلك. فما الفرق بينهما إذاً؟
رابعاً: الفرق بين الأسماء "الله"، "الرحمن" و"الرحيم" والصلة بينهم وسر ارتباط الاسمين "الرحمن" و"الرحيم" في كل القرآن
يستنبط أن كلاً من الاسم الله والاسم الرحمن يرد ذكره في بداية الآيات مخبراً عن ذات الإله ودالاً
عليها. ولكن أسماء الصفات الأخرى كالرحيم والعليم والسميع...تأتي في نهاية الآيات لأنها الأسماء الحسنى للاسمين الله والرحمن. ومعظم الأسماء الحسنى على وزن فعيل. ولم يحدث قط أن ورد الاسم الله أو الاسم الرحمن كصفة واحدة ومحددة في نهاية الآيات كما هو الحال بالنسبة للاسم الرحيم وبقية الأسماء الأخرى. بالإضافة إلى حقيقة أن الاسم الرحمن لم يرد نكرة قط في كل القرآن على عكس الأسماء الأخرى بما في ذلك الاسم الرحيم. وبما أن صفات الاسم الرحمن هي نفس صفات الاسم الله، فهما إذاً علمان لم يتسم بهما أحد غير الإله الواحد الأحد، وبالتالي هما اسما جلالة غير مشتقين. عليه يعرب كل من الاسم الله والاسم الرحمن بدل تطابق كامل للآخر، إذا ذكر أحدهما استغني عن الآخر. كما ورد في كثير من السور مثل سورتي مريم وطه. ولكن اسم الله أعم وأشمل من اسم الرحمن. أما الإسم الرحيم فهو اسم صفة جزئية. أي أنه اسم صفة واحدة وهي الرحمة من بين أسماء صفات كثيرة للإسمين الله والرحمن سواء أن كانت رحمة الهدى أو رحمة المغفرة. ولهذا يعرب الإسم الرحيم بدل جزء من كل. وبالتالي لم يكن علماً على الرب بل هو اسم مشتق من رحم يرحم فهو رحيم. ولهذا السبب لم يرد ولا مرة واحدة في القرآن كله كبدل لأحد الاسمين الله أو الرحمن.
وبما أن الرحمن هو خالق الرحم في جوف حواء واشتق له اسما من اسمه وأن الرحيم هو صفة الرحمة المبالغ فيها، كانت الصلة بينهما هي التي أوضحها الحديث القدسي سابق الذكر: " أنا الرحمن خلقت الرحم واشتققت له اسم من اسمي ..." فمن يصل الرحم المشتق من الاسم الرحمن يستحق الرحمة المبالغ فيها بالاسم الرحيم . فمن يصل رحمه يوصله الله الذي هو الرحمن برحمته المتصف بها الرحيم ومن قطعها يقطعه الله من رحمته باسمه الرحيم فلا يدخل الجنة قاطع رحم. فيستنبط من ذلك أن الإله الرحمن يكفل المغفرة والأجر الحسن في الآخرة لمن آمن به، وذلك باسم صفة رحمته الرحيم لقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرحمن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} 11 يــس
إن سر ارتباط الرحمن والرحيم في كل القرآن أحسبه يكمن في تسلسل الآيات التالية:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}9-12فصلت هذه الآيات توضح أن رب العالمين قد أكمل خلق الأرض وما فيها وما تحتها في أربعة أيام ثم أكمل خلق السماوات وما فيهن في يومين. فرب العالمين الذي خلق كل هذا الخلق واستوي على عرشه، هو: الإله الواحد الأحد المنزه من الشريك والأنداد. فمن أسماء صفاته إذاً هي "الخالق"، "الملك"، "القدوس"، "السلام" "المؤمن"، "المهيمن"، "العزيز"، "الجبار" و"المتكبر" بخلقه وبمملكته وبعظمته وبعرشه كما أوضحه ابن كثير أيضاً بقوله3: { ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي: العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره، العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم.
الجبار المتكبر ومن أسماء صفاته كما ثبت بالآيات "الحي القيوم" الذي لا يموت و لا ينوم ولا يأكل. "الأول" الذي لم يكن قبله شيء، الآخر" الذي لم يكن بعده شيء، "الظاهر" بآياته في الكون، و"الباطن" بما في غيبه، "المبدىء" للكون والمعيد له في يوم القيامة. أي أنه الرب الذي له جميع اسماء صفة الجلال. أي علمنا بأنه "الرب ذي الجلال". وبهذه الصفات كلها علمنا باسم صفته "الجليل" ومن ثم أطلق "الرب ذو الجلال" على ذاته اسماً علماً هو"الرحمن". وبالاسم "الرحمن" أكمل "الرب ذو الجلال" خلقه في السماء بخلق أبينا آدم من صلصال. وبخلقه لأبينا آدم علمنا بنعته "الرب الكريم". حيث أن نعت "الرب الكريم" هو نعت يخص خلق الإنسان وتعديله وتصويره وذلك مبني على الآيات التالية: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} 6-8 الانفطار وقد ورد اسم صفة "الرب الكريم""الخالق البارئ المصور"."الخالق البارئ المصور" في الآية:{هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 24 الحشر. وعندما تضاف صفة "الرب الكريم" أي صفة خلق الإنسان وتعديله وتصويره لصفة "الرب ذي الجلال"، تصير صفة الرب هي "الرب ذي الجلال والإكرام". وبتعبير آخر: أن صفة "الرب ذي الجلال والإكرام"، هي صفة الرب الذي سمى نفسه الرحمن بعد أن أكمل خلقه في السماء بخلق أبينا آدم من تراب. وبالتالي صار الاسم العلم الرحمن جامعاً لكل أسماء صفات "الرب ذي الجلال والإكرام". ونهاية سورة الرحمن تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام تؤكد أن اسم الرب المنزه ومقدس من كل شرك والذي خلق الإنسان وعلمه البيان هو الرحمن الذي ورد في أول السورة. وعندما عصى أبونا آدم ربه وغوى بإتباعه للشيطان تاب الرحمن عليه. فأخبرنا باسم صفته "لتواب". وبعد إنزال أبوينا آدم وحواء ومعهما إبليس إلى الأرض، أطلق الرحمن أي "الرب ذو الجلال والإكرام" علي ذاته علماً آخراً هو"الله". إذاً يتطابق الاسمان الرحمن والله تطابقاً كاملاً في هذه المرحلة لأن كلاً منهما اسم " للرب ذي الجلال والإكرام" وبالاسم الله بدأ ربنا جلّ وعلا خلق الإنسان من علق في الأرض مكملاً بذلك كل الخلق في الأرض وفي السماء. فخلق الإنسان من طين هو آخر الخلق في السماء، وخلق الإنسان من علق هو آخر الخلق في الكون كله. وبإكمال الخلق في الأرض بخلق الإنسان من علق كتب "الرب " وباسمه الله علي نفسه فوق عرشه: " إن رحمتي سبقت غضبي" بناءً على الحديث التالي: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده غلبت أو قال سبقت رحمتي غضبي فهو عنده فوق عرشه": موضحاً بذلك اسم نعت رحمته المبالغ فيها "الرحيم". أي أنه أضاف نعت آخر لنعت "الرب ذي الجلال والإكرام" وهو نعت "ذو الرحمة والفضل". فكانت العظمة كل العظمة حيث أخبرنا بنعته "الرب ذي الجلال والإكرام وذي الرحمة والفضل". وأحسب أن صفة "الرب ذي الجلال والإكرام وذي الرحمة والفضل" قد جمعت في صفة واحدة هي "الرب العظيم" بناءً على الآية: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (52). بذا يكون الاسم الرحمن هو الاسم المكون من كل أسماء الله الحسنى المكونة للرب ذي الجلال والإكرام، ويكون الاسم الله هو الاسم المكون من جميع الأسماء التي يتكون منها الاسم الرحمن زائداً عليها اسم الرحيم. الذي هو اسم صفة "ذي الرحمة والفضل". فالفرق بين الاسم الرحمن والاسم الله هو أن الاسم الرحمن لا يشمل اسم صفة الرحمة المبالغ فيها "الرحيم". ولكن اسم الله يشمله. ومن أجل تكافؤ الاسم الرحمن مع الاسم الله، أضيف اسم الرحيم للرحمن. فعندما تضاف صفة الرحمة المبالغ فيها إلى صفات الاسم الرحمن "ذو الإكرام" يكوّن الاسمان "الرحمن الرحيم" اسماً واحداً لصفة المفاضلة "الرب الأكرم" أي أنه لا يوجد مخلوق أكرم من رب العالمين الذي اسمه الله واسمه الرحمن. ولهذا جاء الاسمان "الرحمن الرحيم" كاسم واحد لذات الإله الذي لا إله إلا هو في الآية التالية: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرحمن الرَّحِيمُ} 163 البقرة
فيستنتج من ذلك أن للرب نعوت مفاضلة تدل على صفاته التي لا يكافئه فيها أحد كنعت "خير الغافرين"،" أحسن الخالقين" و"أحكم الحاكمين" وأسرع الحاسبين وأرحم الراحمين .
خامساً: كيفية مجيء {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من آيات سورة العلق والسبب في نزولها بهذه الصورة
بالتمعن في آيات سورة العلق نلاحظ أن الأمر بالقراءة قد جاء محدداً تحديداً دقيقاً بأن تبدأ باسم الرب
الذي خلق. ثم جاء تحديد القراءة باسم الرب الذي خلق الإنسان وجاء أيضاً تحديد لخلق الإنسان من علق فما هو السر في ذلك؟ أي لماذا حدد الله خلق الإنسان من علق وهنالك خلق آخر للإنسان من صلصال؟ لقد علمنا مما تقدم أن الرب ذا الجلال والإكرام الذي اسمه الرحمن قد خلق أبانا آدم من صلصال وخلق الانسان من علق باسمه الله. ذاً التحديد سببه أن الله الله قد أراد أن يكون الشطر الأول بالاسم الجامع الله "الذي خلق به الإنسان من علق. ومن هنا يبرز السؤال التالي: ما هي صلة "الرحمن الرحيم" بالشطر الثاني؟ إن الأمر في الشطر الثاني هو: إقرأ وربك الأكرم ولكن تنفيذ القراءة لم يكن "بسم الله وربي الأكرم"، وإنما كان {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. مما يدل على أن هنالك كلمة مستترة في الأمر بالقراءة في الشطر الثاني تقديرها "واقرأ باسم" أي أن أصل الأمر كان كالآتي: " اقرأ باسم ربك الذي خلق وباسم ربك الأكرم". فحل اسم " الرحمن الرحيم" محل الصفة "الرب الأكرم" .
سبب نزول الآية بهذه الصورة من الآيات
أحسب أن الآية قد أنزلت بهذه الصورة أي مجملة المعنى‘ لتجذب انتباه الناس فتجعلهم مرتبطين بالاسلام عن طريق التفكير في معناها إلى أن يتضح من تفصيلها الذي ينزل تدريجياً. وقد أظهر تفصيل الآيات بالفعل ما كان مستتراً في الآية: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، مثل كلمة "وباسم" التي في الشطر الثاني من القراءة، ومثل ما نتج من أن "الرحمن الرحيم" هو اسم واحد ولكنه شفع لأنه صفة مفاضلة تخص الإله عز وجل وحده والله أعلم.
سادساً: المقصود ب {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وحكمها من الآيات
إن المقصود بقول " بسم الله الرحمن الرحيم " في بداية كل قول وعمل هو : ذكر الإله باسميه الوتر (الله والرحمن) وباسمه الشفع (الرحمن الرحيم) في بداية كل قول وعمل توكيداً وتثنيةً لتوحيد الله . أن يكون تكراره وسيلة لتثبيت المؤمن على توحيد الإله. أن يكون وسيلة لإتصال العبد الدائم مع ربه وتبادل المنفعة بينهما. كما أن وسيلة أيضاً لدعاء الله ليجلب الخير لأنه ذكر والذكر دعاء لما ثبت من الأحاديث النبوية والحديث القدسي التالي: قال الله تعالى "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أكثر مما أعطي السائلين"
سابعاً: حكم "بسم الله الرحمن الرحيم" من تحليل آيات القرآن
أولاً: الحكم من آيات الذكر على الذبيح والصيد والأكل
بالتمعن في آيات الذبيح والصيد والأكل التالية: { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} 118 الأنعام نجد أن حكم البدء ببسم الله على الذبيح بصيغة الأمر افعلوا "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه". فهو إذاً امر من أوامر الله يجب طاعته، أي أن حكم قول بسم الله الرحمن الرحيم على الذبيح فرض وواجب. ثم أوضحت نهاية الآية أن الأكل مما ذكر اسم الله هو توكيد للإيمان" إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ". كما ورد في قول عطاء: (هذه الآية أمرٌ بذكر ٱسم الله على الشَّراب والذبح وكلّ مطعوم. والآية{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أوليائهم لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} 121 الأنعام جاءت مؤكدة ومثنية للحكم في الآية 118. أي أن ذكر"بسم الله الرحمن الرحيم" هو فرض لما أوضحته بأن عدم ذكر اسم الله على ما يراد الأكل منه قد أوقع موقع الفسوق والشرك أي عدم التوحيد. أما الآية التالية :{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ الله عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَاب}
4 المائدة فقد جاء فيها الأمر بالتقوى وأخيراً التحذير لمن لم يتق. إذاً يتقي المؤمن ربه بذكر اسمه على الذبيح وعلى الأكل والدليل على ذلك قول الله: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أوليائهم لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ". حيث أوضح الله تعالى لأبينا آدم وأمنا حواء أنه سينزل عليهم هدىً. وأن هنالك خياران فقط لا ثالث بينهما؛ إما إتباع أوامر الله الذي يعني الهدى والتقوى أو إتباع الشيطان الذي يعني الضلالة والفسوق. فالذكر إذاً هو تقوى لله بمعنى أن المؤمن عندما يذكر اسم ربه يكون قد أطاع الله وصمد في وجه الشيطان عاصياً له. وبما أن التقوى فرض على كل مؤمن ومؤمنة يكون ذكر اسم الله على الذبيح والأكل فرض لأنه تقوى. والآيتان التاليتان توضحان أن الله قد جعل لكل أمة منسكاً من أجل أن يذكر اسمه على رزقهم من الأنعام:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ َفلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَالله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} 34-35 الحج. أما الآيتان:{وَأذن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير} 27-28 الحج فتوضحان أن أساس دعوة سيدنا إبراهيم للناس للحج هو: أن يشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أي أيام الحج علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام ثم الأكل منها، وإطعام البائس الفقير. وجاء الأمر في الآية التالية بذكر اسم الله على الأنعام وهي صواف أي متصافه قبل الذبح. وبعد ذكر اسم الله عند ذبحها حق الأكل منها وإطعام من يستوجب إطعامه. والآية هي:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 36الحج. لقد أوضح الخالق الحكمة من وراء تسخير الأنعام لخلقه بقوله: كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، وبقوله أيضاً: { لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} 37 الحـج. أن استعلاء اسمه عليها هو شكر لله وتكبيراً له اعترافاً بأن النعم منه وحده لا شريك له، وفي ذلك توحيد مطلق لله وإيمان بنعه. إذاً ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام في الحج هو تقوى وتوحيد وشكر لله فحكمه فرض.
لقد جاء حكم الذكر فرض وواجب على الحاج في مواضع مختلفة، وبأهداف مختلفة. ففي الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ الله عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} 198 البقرة كان الأمر بذكر اللهه عند المشعر الحرام إعتراماً بنعمة الهدى. وجاء الأمر لهم بذكر الله بعد انتهاء مناسك الحج في قوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق} 200 البقرة . وأوضحت الآيات مواضع أخرى يبدأ فيها باسم الله منها أن سيدنا نوح عندما أراد أن يركب السفينة قد أمر من آمن معه من قومه أن يبدأوا ركوبها بذكر اسم الله كما ورد في الآية:{وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بسم الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}41 هود . كما بدأ أيضاً سيدنا سليمان كتابه إلى ملكة سبأ "ببسم الله الرحمن الرحيم" كما في الآيات {قَالَت يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم} 29-30 النمل. هذا وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم كل رسالاته التي أرسلها لجهات مختلفة "ببسم الله الرحمن الرحيم" . نذكر منها كتابه لوفد همدان
{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هذا كتاب من رسول الله محمد، لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل...) وكتابه إلى مسيلمة بن حبيب
{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب...)
إن المستفاد من كل ذلك هو أن بدء كل قول وعمل كان باسم الله علي اختلاف الأديان و باختلاف الرسل والأزمان. وأن هذه هي سنة الله ولن نجد لسنته تبديلاً ! وكل ذلك يؤكد ويعضد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم – المذكور- الذي لا ينطق عن الهوى: أن كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ب{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فهو أجزم أو أقطع.
سابعاً: حقيقة {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هل هي آية أم لا
لقد وجدت إجابات لكل الأسئلة التي فصلنا بها {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وأوضحت الاجابات معنى الآية وحكمها والمقصود منها وسبب نزولها ومعاني الأسماء والصفات فيها. عليه تعتبر {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية محكمة من المحكمات اللاتي فصلهن الحكيم الخبير. ويمكن ضرب مثل للآية المحكمة ولله المثل الأعلى بأنها كالصندوق المحكم إغلاقه ويحتوي على أشياء كثيره لا يمكن معرفتها إلا بعد فتحه وتفصيلهاوالله أعلم