المبحث السابع
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
إن قول الله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قد وقع فيه خلاف من بعض العلماء لاعتقادهم أنه يتكون من آيتين وليس من آية واحدة. أي أنهم يعتبرون " صراط الذين أنعمت عليهم" آية و" غير المغضوب عليهم ولا الضالين" آية أخرى. عليه استبعدوا أن تكون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية من الفاتحة. وفي اعتقادي أن تفصيل {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} بالأسئلة الدقيقة وبحث إجاباتها من القرآن والسنة، كتفصيل سابقاتها سوف يقود إلى الفصل في حقيقتها، هل هي آية واحدة أم آيتان. والوصول إلى نتيجة محددة سيوضح بدوره حقيقة {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، هل هي الآية السابعة بل الأولى في سورة الفاتحة أم لا.
تفصيل {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} من الآيات
سيتم تفصيل الآية بالأسئلة التالية:ىىمن هم الذين أنعم الله عليهم ؟ وما صراطهم من هم المغضوب عليهم والضالين ؟ وما صراطهم؟ ما هي النعم التي أنعم الله بها أهل الصراط الذي نطلبه وما هو عقاب المغضوب عليهم والضالين ؟
ما المقصود بهذه الآية ؟ وما حكمها؟ ما هو سر نزولها بهذه الصورة
تعريف الذين أنعم الله عليهم وتعريف صراطهم
لقد توصل البحث إلى أن الهدي قد أنزل علي جميع الخلق إنس وجن ومنذ هبوط أبينا أدم وأمنا حواء وإبليس. وقد أوضح الله في محكم تنزيله أنه قد بعث رسولاً في كل أمة ليهديهم فانقسمت كل أمة إلي فريقين ، فريق هدى وفريق حقت عليه الضلالة كما جاء في الآية التالية:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ الله وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 36 النحل ومن آمن مع رسوله وأطاعه فقد سلك الصراط المستقيم والذي نهايته الجنة وأن الله سيهديهم للثبات عليه كما جاء في الآيات التالية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}174-175 النساء أما من كفر وعصي الرسول فقد سلك الطريق المعوج الذي نهايته جهنم، بناءً على الآيتين: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأذن مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ} {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ}
44-45 الأعراف ولهذا كان الصراط المستقيم هو الصراط الذي سلكه الرسل والأنبياء ومن إتبعهم بإحسان. والذي أوضحته الآية: {وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}69 النساء وهو عكس الصراط الذي اتبعه المغضوب عليهم والضالون. فمن يطع الله ورسوله سينال جواز المرور للدخول في زمرة المنعمين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ومن أجل التعرف على صراط الذين أنعم الله عليهم كان لابد من التعرف أولاً على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والذين أحسنوا رفقتهم. ولابد أيضاً من التعرف على المغضوب عليهم والضالين وصراطهم.
تعريف النبيين وصراطهم
لقد جاء تعريف النبيين في الآيات التالية:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} 40 الأحزاب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}41 مريم {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}39 آل عمران {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}{قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}30 مريم{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَق وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}49 مريم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} 51 مريم {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} 53 مريم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} 54 مريم{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}56 مريم. إن الآية 30 مريم لم يظهر فيها إسم النبي. فهي تتحدث عن سيدنا عيسى. وواصلت الآيات الاخبار عنه إلى أن ذكر اسمه في الآية: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} 34 مريم. إذاً النبيين هم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم وسيدنا عيس، وسيدنا إسحق، سيدنا يعقوب، سيدنا موسى، سيدنا هارون و سيدنا اسماعيل وسيدنا إدريس. وبعد أن سردت سورة مريم هؤلاء الأنبياء أكدت أنهم فعلاً هم الذين أنعم الله عليهم في الآية: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} 58 مريم
لقد أوضحت آيات سورة مريم المذكورة، أن صراطهم هو توحيد الله توحيداً خالصاً. فمنهم من أعتزل قومه ووالده من أجل طاعة الله (49) مريم. ومنهم من قال إني عبد الله (30) مريم. وكلهم كانوا يمتثلون لأوامر الله ويتحملون مشاق أممهم. كما كانوا يسجدون لوجه الله خالصاً وبأي إسم من أسمائه فكانوا إذا تتلي عليهم آيات ربهم بأي اسم من أسمائه يخرون ساجدين له، لا يفرقون بين أسميه الله أوالرحمن. وذلك لأن العرب في بداية الدعوة كانوا يتنكرون لاسم الرحمن ويتعاملون بالاسم الله فقط كما ذكر سابقاً.
تعريف الصديقين وصراطهم
لقد تم تعريف الصديقين والنبيين في آيات سورة مريم. حيث جاءت الآية 41 مريم موضحة أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان صديقاً نبياً فهو إذاً من الصديقين ومن الأنبياء. والآية 56 مريم قد بينت أن سيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام من الصديقين. كما بينت الآية 54 مريم أن سيدنا اسماعيل عليه السلام أيضاً من الصديقين. ثم بينت الآية التالية أن السيدة مريم أم المسيح صديقة: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 57 آل عمران
بما أن الصديقين هم النبيون فصراطهم واحد أي أنه صراط التوحيد الخالص لله لا اعوجاج عنه. والذي أساسه الطاعة المطلقة والجهاد في سبيل الله والدعوة إلى سبيله. فهم الذاكرون الحامدون العابدون لله.
تعريف الشهداء وصراطهم:
الآيات التالية توضح من هم الشهداء: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 89 النمل ففي كل أمة بعث الله رسولاً ليكون شهيداً عليها . وقد جاء في الآية التالية: {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بالله هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}78 الحج أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيكون شهيداً على أمة المسلمين. ويكون المؤمنون المستكملون إيمانهم بطاعة الله ورسوله شهداءً على الناس.
يستنتج من الآية 78 الحج التي عرفت لنا الشهداء أن صراطهم هي: الجهاد في سبيل الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله أي بالالتزام بالسير في صراطه المستقيم دون الاعوجاج عنه بآداء الطاعات.
تعريف الصالحين وصراطهم
لقد تم تعريف الصالحين في الآيات التالية التي أوضحت أنهم الرسل والأنبياء: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} 130 البقرة {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}39 آل عمران وقد أوضحت الآية التالية أن أمة من أهل الكتاب من الصالحين كما يلي: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}{يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} 114 آل عمران {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} 85 الأنعام والآية 75 الأنبياء تبين أن سيدنا لوطاً من الصالحين كما تبينه الآيتان: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } 74-75 الأنبياء والآيتان: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ}{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا} 85-86 الأنبياء {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ } 9 العنكبوت أما سيدنا ابراهيم فقد صنفه ربه أنه من الصالحين في الآية التالية:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} 27 العنكبوت {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} 112 الصافات وآية سورة القلم التالية تتحدث عن سيدنا يونس كما يلي:{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} 50 القلم ويوجد في الجن فريق من الصالحين كما جاء في الآيات التالية: { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} الجن
لقد جاءت الآيات التالية موضحة لصراط الصالحين كما يلي:{لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}{يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} 113-114آل عمران وفي الآية التالية جاء وصفهم كالآتي: { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} 134 آل عمران فالصالحون كما أوضحتهم الآيتان 113 و114 ، هم الذين أمنوا وثبتوا على إيمانهم بالتلاوة ليلاً ونهاراً والسجود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكل الخيرات. فكل هذه الصفات هي صفات المؤمنين المحسنين المتقين. أما الآية 134 آل عمران فقد أضافت لأوصافهم المنفقون في كل الحالات والذين يعفون عن الناس وهم يكظمون الغيظ. وإذا تمعنا في بعض الآيات التي تخبر عن الرسل نجدهم كانوا يذكرون الله ويشكرونه على نعمة الاسلام ويستعينون به وحده ويطلبون منه الثبات على الصراط المستقيم كما يطالبون منه الثبات على صراط الصالحين من قبلهم. وكأمثلة لذلك قول الله على لسان رسوله وعبده سيدنا يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ} 101 يوسف. ففي هذه الآية طلب سيدنا يوسف من ربه أن يثبته على الاسلام إلى أن يتوفاه على صراط الصالحين من الرسل والأنبياء الذين سبقوه. كما أوضح الله تعالى صراط سيدنا سليمان عندما ضحك من كلام النمل بقوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ}النمل إذ طلب سيدنا سليمان من ربه أن يوزعه الشكر على نعمة الاسلام التي أنعمها عليه وعلى والديه وأن يوزعه أن يعمل صالحاً وأن يجعله من ضمن عباده الصالحين.
تعريف الذين وصفوا بعبارة وحسن أولئك رفيقاً وصراطهم
إن تعريفهم هو: أنهم الذين أحسنوا إتباع صراط رسلهم وأنبيائهم كالصحابة والخلفاء الراشدين والسابقين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين أوضحناهم سابقاً بالآية التالية: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 100 البقرة
فصراطهم هو صراط الرسول صلى الله عليه وسلم أي أنهم آمنوا بالله ورسوله إيماناً صادقاً لم يلبسوه بظلم أي بشرك وأطاعوا الله وأطاعوا رسوله طاعة خالصة.
تعريف المغضوب عليهم والضالين وتعريف صراطهم
إن أكثر ما يوضح المغضوب عليهم وصراطهم هو ما ورد في قصص الأنبياء والرسل في سورة هود. حيث جاءت السورة موضحةً لحقيقة الهدي وموقف كل الأمم منها. فأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم، أن كل الرسل قد وجدوا المشقة بأن أنكر الكافرون رسالاتهم وطلبوا من رسلهم أن ينزل الله معهم آيات مختلفة. وقد طلب الله من سيدنا محمد ألا يضيق صدره من طلب المنكرون من قومه. وقد طلبوا منه أن ينزل الله عليه كنزاً. لأن مثل هذا التصرف هو تصرف جميع الظالمين من جميع الأمم السابقة. وذلك في الآية التالية: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 12 هود ثم جاءت الآية التالية موضحة المغضوب عليهم والظالمين وهي: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ}{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}18-19 هود
لقد بينت الآيات صراط المغضوب عليهم والضالين بأنهم الكفار والمنافقين. وعرفتهم بأنهم الذين افتروا على الله كذباً وصدوا عن سبيل الله بعصيانهم وعدم تصديقهم الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام فصار صراطهم معوجاً. ولتوضيح صراطهم أكثر يمكن أخذ بعض الأمثلة من أقوام بعض الرسل الذين أوضحتهم سورة هود لتوضيح معالم الصراط التي اتبعها قوم كل منهم فضلوا عن صراط الله مما أورثهم غضب الله.
قوم سيدنا موسى عليه السلام:
إن من قوم موسى من غضب الله عليهم كما أوضحته الآية التالية: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} 61 البقرة فمعالم صراط قوم موسى التي أوضحتها الآية هي: أولاً: الكفر بنعم الله لقوله تعالى (بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله ) فآيات الله هي نعمه، كالطعام الذي أنزله الله لهم وأمرهم ألا يطغوا فيه كما ورد في الآية: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}81 طـه فطغوا فيه بعدم صبرهم عليه وطلبوا استبداله بقولهم: "لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا ....الخ". ثانياً : قتل الأنبياء بغير حق: لقوله تعالى " وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. ثالثاً: عصيان أوامر الله وصدهم عنها " ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ "
من قوم سيدنا هود عليه السلام:
الآيات { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} 59-60 هود توضح أن الذين كفروا من قوم هود كقوم موسى سلكوا صراط جحود آيات ربهم والكفر بوحدانيته. فضلوا عن الصراط المستقيم واستحقوا لعنة الله عليهم.
قوم صالح وقوم شعيب عليهما السلام:
لقد جاءت دعوة سيدنا صالح لقومه بالآتي: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّرَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }{قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}61-62 هود فكذبه فريق من قومه ولم يؤمنوا بوحدانية الله. فأنزل الله الناقة آية لهم وأمرهم ألا يمسوها بسوء حيث جاء في محكم تنزيله على لسان رسوله صالح: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}64 هود فعصى قوم صالح أمر ربهم وعقروا الناقة واستحقوا غضب الله وعذابه كما ورد: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} 65 هود ثم أوضحت الآية التالية أنهم ظالمين أي مشركين بمعصيتهم لله وطاعتهم للشيطان: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } 67 هود وقد كانت دعوة سيدنا شعيب لقومه كدعوة سيدنا صالح وهي أن يعبدوا الله وحده. ثم أمرهم بعدم نقص المكيال والميزان وأن يوفوهما كما ورد في الآيتين: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}{وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}84-85 هود فكفر فريق من قومه وعصوا أمر ربهم فضلوا سواء السبيل. وأخذتهم الصيحة لظلمهم أي شركهم كما حدث لقوم صالح:{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}94 هود
قوم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
الآيات التالية توضح أن من قوم سيدنا محمد أناس صدوا عن سبيل الله فهم ضالون: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} 1محمد {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 22-23 محمد. ونتيجة لضلالهم وصدهم عن سبيل الله حلت عليهم لعنة الله وغضبه. وقد وردت آيات تؤكد أن هنالك منافقون من قوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهم مغضوب عليهم. فمثلهم كمثل المنافقين من الأمم السابقة والآية التالية تؤكد ذلك: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} 60-62 الأحزاب كما أوضحت الآية التالية أن الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعونين أي مغضوب عليهم. إن كل ما ذكر يوضح المغضوب وهي {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} 57 الأحزاب وأوضحت الآية 57 الأحزاب عليهم من الإنس. ولما خلق الله الجن والإنس لعبادته كما جاء في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 56 الذاريات إنقسم الجن أيضاً إلى فريقين؛ فريق مؤمن وفريق كافر ضال مغضوب عليه. وفي مقدمة فريق الضلالة إبليس الملعون الذي كفر وفسق عن أمر ربه فلعنه الله بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}35 الحجر فاستحق الفريق الكافر من الجن العذاب الشديد لغضب الله عليه. وهاتان الآيتان دليل ذلك:{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} 14-15 الجن النعم التي أُنعم الله بها على النبيين ومن اتبعهم
الآيات التالية تصور أمثلة من النعم:{ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا}12-15 الإنسان وأما آية سورة محمد الآتية فقد ضربت مثلاً جميلاً لتلك النعم وهي: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} 15 محمد
عقاب المغضوب عليهم والضالين:
الآيات التالية توضح جزاء الضالين بالإضافة إلي ما ورد في نهاية الآية 15 محمد: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}{طَعَامُ الْأَثِيمِ} {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ} { ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} {إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ }43-50 الدخان هذا نوع من أنواع العذاب الذي سيلقاه الكافرون المكذبون الضالون المنافقون الفاسقون المشركون.
المقصود بالآية وحكمها والصورة التي جاءت بها
أحسب أن بهذه الآية كلمتين مستترتين تقديرهما اهدنا ولا تهدنا. وبالتالي يمكن تقدير مضمون الآية بالآتي: يا إلهنا يا من اسمه "الله" واسمه "الرحمن" واسمه "الرحمن الرحيم" الذي هو "رب العالمين" و"مالك يوم الدين" أهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، ولا تهدنا صراط المغضوب عليهم ولا الضالين والله أعلم. وبما أن اتباع صراط الذين أنعم الله عليهم هو طاعة الله ورسوله والعمل بكل ما أمر به، والنهي عن كل ما نهى عنه، يكون المقصود بالآية هو توكيد وتثنية لتوحيد الإله. فلولا الإيمان الخالص بوحدانية الله وبأنه الهادي للصراط التي توصل الناس لرضائه وهي صراط النبين والشهداء والصالحين لما كان الطلب موجه له. كما أن المقصود منها هو تثنية وتوكيد لمعنى الآية: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، وتثنية وتوكيد لكل الآيات التي سبقتها. فالمقصود بها إذاً هو: قول "لا إله إلا الله" ابتداءً ثم تكرار طلب صراط الأنبياء والرسل باستمرار الذي يعني تكرار الطلب من الله للثبات في صراطه الذي هو صراط رسله وأنبيائه واجتناب صراط المغضوب عليهم والضالين. والمقصود بها أيضاً أنها الدعاء المتكرر لله سبحانه وتعالى للثبات على الحق واللحاق بالنبيين والشهداء والصالحين كما جاء في رأي العلماء.
حكم الآية
لقد جاءت دعوة جميع الرسل لأممهم بصورتين مختلفتين: الأولى: أن يتقوا الله ويطيعوه كما أوضحتها سورة "الشعراء"
الثانية: أن يعبدوا الله ما لهم من إله غيره وأن يستغفروه ثم يتوبوا إليه كما وردت في سورة "هود".
وقد استنتجنا أن التقوى والعبادة هما الإيمان بالله وحده. فالذين استجابوا لهذه الدعوة هم الذين عبدوا الله واتقوه وأطاعوه. أي أنهم المؤمنون بوحدانيته إيماناً خالصاً.. إذاً اتباع صراط النبيين يكون بطاعتهم وتقوى الله وعبادته وحده لا شريك له.
ويكون طلب صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم باستمرار هو طلب للثبات على عبادة الله وتقواه وطاعته. بذا يكون طلب المؤمن للثبات على صراط النبيين، هو توكيد وتثنية لعبادته وتقواه وإيمانه بالله وحده حتى يزداد قوة ورسوخاً على الصراط فتكون نهايته مرضاة الله والنعيم مع من أنعم الله عليهم. وبذلك يكون حكم طلب هذا الصراط فرض. وعندما يطلب المرء الثبات على الدين ويذكر فيه اسم ربه يعطيه ربه أكثر مما يعطي السائلين، كما ورد في الحديث القدسي سابق الذكر والله أعلم.
سبب نزول الآية بهذه الصورة
أنزلت الآية بصورة مجملة لتجذب الناس للإيمان حين يتفكرون في المقصود بها إلى أن ينزل عليهم تفصيلها. وقد جاءت هذه الآية بصورة جامعة لكل الصور المختلفة التي وردت في الست آيات التي سبقتها. حيث وردت بالتثنية والتوكيد داخل الآية. أي بنفس صورة {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} و{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فجاءت تثنية وتوكيد طلب صراط الذين أنعم الله عليهم بعدم طلب صراط المغضوب عليهم ولا الضالين. وقد كان توكيد حسن صراط الذين أنعم الله عليهم بعدم طلب قبح صراط المغضوب عليهم والضالين. فقبح الشيء يؤكد حسن الضد. فإذا استبدل "الصراط المستقيم" في الآية {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} "بصراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين". تصير الآية كالآتي: " اهدنا صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين". وبهذه الطريقة أوضح لنا التفصيل أن كلمة "اهدنا" في بداية الآية كانت مستترة. ومن هذا التحليل توصل البحث إلى أن{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} آية واحدة. فهي بشقيها تثني توحيد الله وتؤكده وتثني الآيات الست الأخريات.
لقد فصلت هذه الآية بعدد ثماني سور. فمنها السورالتي أوضحت من هم الذين أنعم الله عليهم وصفاتهم وصراطهم، كسورة المؤمنون . ومنها التي فصلت صفات المغضوب عليهم والضالين وصراطهم، كسورة المنافقون ومنها ما ابتدأ بالوعيد كويل للمطففين.
عليه تكون {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية من سورة الفاتحة بل الآية الأولى. كم أنها آية من كل سورة افتتحت بها. وهو رأي ابن عباس. إذاً أثبت البحث أن المنهج المقترح ذا جدوى لأنه قد فصل فيما اختلف فيه العلماء.