لم يقتصر الاختلاف عندالباحثين العرب عند حدود ترجمة مصطلحي (الاتساق والانسجام) بل تعدت الى المفهوم ودلالة كل مصطلح منهما ففي الوقت الذي تابع الباحثين العرب آراء الغربيين في جعل (Cohesion) يعنى بالجانب الشكلي (النحوي), و(Coherence) يختص بالجانب الدلالي ، فان هذا الامر غير متحقق في التطبيق او في تنظيراتهم المختلفة في المصدر الواحد , مثلا نجد مفهوم الاتساق (Cohesion) يعاني من عدم الضبط ؛لأنَّ بعض الباحثين يعطيه من الدلالة ما لا يحتمل أو يعطيه معنى غير دقيق فهم يطلقونه على التماسك النحوي ثم نجدهم يعدونه مفهوما دلاليا، ويمكن تصنيفهم على صنفين مختلفين:
الصنف الأول : يرى الاتساق ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المؤلفة لنص لغوي او خطاب ما , يهتم بالوسائل اللغوية الشكلية الموصلة بين العناصر المكونة لجزء من الخطاب أو الخطاب برمته .
الصنف الثاني: يرى الاتساق(مفهوم دلالي يحيل إلى العلاقات المعنوية الموجودة
داخل النص الذي تحدده كنص) , والذي دفع الباحثين إلى هذا القول هو أن َّأدوات الربط تؤدي دلالة وظيفية ليس لكونها وحدات نحوية تربط بين الجمل ، بل لأنها وحدات تعمل على جعل النص وحدة دلالية فنظروا إليها من زاوية تعلقها بالدلالة فمتى ما تغيرت أداة الربط أو استبدلت بها في نص لغوي تغيرت الدلالة .
وكثيرا ما يتداخلان في التطبيق بدليل أن هاليداي ورقية حسن (Haliday&Hassan) تعاملا مع مصطلح (Cohesion) بما يتجاوز المفهوم المتداول من كونه مختصا بالجانب النحوي الشكلي إلى ذكر العلاقات الدلالية لهذا المصطلح ، مما أوهم بعضهم أنَّه مختصا بالروابط الدلالية معبرين عنه ب(الالتحام) ، وذلك حين أشار الباحثان أنَّ الاتساق مفهومًا دلاليًا قوامه العلاقات المعنوية الموجودة في النص وهو ذاته ما يحقق لنص استمراريته .
أما مصطلح الانسجام (Coherence)الذي عدّه اللسانيون من المعايير النصية وأداة تحقق التماسك عبر أدوات تعنى بالنواحي الدلالية أي الجوانب الفكرية والمنطقية قاصدا بذلك تكوين" هيئة مفاهيم وعلاقات تحت سطح النص " , فقد ربطه أكثرهم مع معيار الاتساق إذ يرون أن (الروابط المعنوية وحدها لا تحقق للنص انسجامه واتساقه ، وأنه لابد إلى جانب ذلك من وجود أدوات مادية رابطة, بدونها يفقد النص وحدته اللغوية ، ويصبح مجرد كلمات ، وجمل مفككة فتنتفي عنه صفة النصية) . يتضح في هذا الكلام أهمية الروابط اللغوية ومن دونها لا يتحقق الانسجام واعتماده على الروابط التركيبية ، فالنص الذي يتخلل أجزاؤه التفكك وعدم الترابط تنتفي عنه صفة النصية , مما يؤكد على تداخل أدوات ومفهوم الاتساق والانسجام فيما بينهما لصلتهما الوثيقة التي جعلت من أحدهم يرى أن الاتساق جزء من دراسة تحقق الانسجام ؛لأن بعض القرائن اللفظية تجعل من النص منسجمًا , وعليه فأنَّ دراسة نص ما تقتضي وجود علاقة بين أجزاء النص لفظية كانت أم معنوية فكلاهما يؤدي دورًا تفسيريًا ؛ ولذلك أميل إلى اعتماد مصطلح التماسك النصي لتوحيد المصطلحين إذ لاغنى لأحدهما عن الآخر في الاسهام بما يحقق التواصل بين النص والمتلقي فالتماسك " ذو طبيعة دلالية من ناحية ، وخطية شكلية من ناحية أخرى تتضافران لتحقيق التماسك الكلي للنص" , ولاسيما أنَّ أغلب الإشارات التي ذكرها العلماء لوظيفة الاتساق هي ذاتها تنطبق على وظيفة الانسجام من حيث توضيح المعنى وعدم اللبس في أداء المقصود ووضوح العلاقات في النص الامر الذي يعمل على ثبات النص وعدم تشتيت الدلالة الواردة فيه , وبعد أن عرفنا ضرورة وجود المعيارين معًا للحكم على النص بنصيته , فأنَّ من الغرابة الفصل بينهما ودراستهما بصورة مستقلة في الوقت الذي يشكلان معًا معلمًا نصيًا واحدًا ، وهو أمر غير خاف على من تتبع معايير النص واستقصى جوانب البحث فيها.