هذا المبحث جزء من مقتضيات رسالتي التي قدمت لجامعة بغداد والتي ناقشت فيها عددًا غير قليل من التناقضات التي وقع فيها الباحثون العرب والخلط في تحديد المفاهيم ولعل سبب ذلك هو متابعتهم لآراء الغربيين ، اوتعدد النصوص المترجمة وهو ما ينتج عنه سوء فهم وضبابية في الرؤية .ومن هذه الموضوعات الاحالة التي اختلفت اراء الباحثين حولها فبعضهم عدها من وسائل الاتساق واخرون يرونها من ضمن وسائل الانسجام ولتفصيل الراي في هذا الامر يجب الوقوف على الاختلاف في اصل المصطلحين والتي توزعت على النحو الآتي :
- الاتساق واعتمده
محمد الخطابي ،عبد القادر قنيني ، لينده قياس).
-التضام وأشار اليه كلاً من: (الهام ابو غزالة وعلي خليل) .
-التماسك و ذكره: (إبراهيم خليل،فالح شبيب ، منذر عياشي ، صبحي الفقي، الأزهر الزناد) .
-السبك وقال به: (تمام حسان، سعد مصلوح ، محمد العبد ، أشرف عبد البديع، حسام أحمد فرج ، أحمد عفيفي) .
-الانسجام وذهب إليه أحمد مداس .
-الربط اللفظي وذكرته : عزة شبل .
- الربط النحوي: سعيد حسن بحيري .
وهناك من لم يكتف بذكر مصطلح واحد، بل ترجم له بأكثر من مسمى مثلما فعل أحمد محمد عبد الراضي إذ عَنَون لهذا المصطلح (السبك أو الربط الرصفي أو التضام ) ، متابعًا بذلك أحمد عفيفي الذي سبقه في تعدد المصطلح الذي يقابل (Cohesion) في قوله: (السبك او الربط او التضام) .غير أن الأول كان أكثر تحديدًا في توصيف الربط إذ جعله مختصًا بالربط الرصفي بخلاف أحمد عفيفي الذي جعل مصطلح الربط عاما والذي يتداخل مع مفهوم الانسجام الذي يعدّه بعضهم نوعا من الربط المفهومي .
وهناك من قام بالتمييز بين هذه المصطلحات مفضّلًا إحداها على الأخرى مبررًا ذلك بشيوع المصطلح الذي اختاره في كتابات المتقدمين من النقاد واللغويين ، مثلما نجده عند د.جميل عبد المجيد الذي فضّل استعمال مصطلح (السبك ) لمجيئه في التراث العربي .
فهذا الجاحظ (ت 255 ه) يشير إلى مصطلح السبك صراحة بقوله
وأجودُ الشِّعر ما رأيتَه متلاحم الأجزاء، سهلَ المخارج ، فتعلمُ بذلك أنه قد أُفرغ إفراغًا واحدًا، وسُبِك سبكًا واحدًا، فهو يجري على اللسان كما يجري الدِّهان) , وأفرد أبو هلال العسكري (ت 395 ه) بابًا اسماه (في البيان عن حسن النظم وجودة الرصف والسبك) ، ومثله ما ذكره أسامة بن منقذ (ت 584 ه) في باب (الفك والسبك) . يشير بوضوح أنَّ هذا المصطلح موجود عند علماء العربية ، ونرى آخرون وقع اختيارهم على مصطلح (الاتساق)، ولعل ذلك يعود الى ما يرونه من ضرورة التمايز بين المفاهيم القديمة والحديثة ذلك أن استعمال العرب لهذا المصطلح يختلف نوعًا ما عن استعمال اللسانيين الغربيين له ، وهو ما أميل إليه فوجود المصطلحات – بصورة عامة- في التراث العربي لا يعني أنها بالمفهوم ذاته الذي أراده المعاصرون .
ويتضح لنا أن هذا التعدد في المصطلحات يدل على عدم استقراره في الدرس اللساني على النحو الذي يجعل منه مصطلحًا موحدًا يعتمد عليه في اللسانيات النصية . ولم يكن مصطلح الانسجام أوفر حظًا من سابقه ،إذ نجد اختلافهم في ترجمة (Coherence) بما يقابله في العربية على النحو الآتي:
-الانسجام :اعتمده (محمد الخطابي ،الأزهر الزناد،منذر عياشي، ،ليندة قياس) .
-الحبك :قال به(سعد مصلوح ،محمد العبد ،أشرف عبد البديع) .
-التماسك :ذكره(سعيد البحيري،صبحي الفقي) .
-التناسق: أشار إليه فالح شبيب العجمي .
-الاتساق:وذهب إليه صلاح الدين حسنين .
-الالتحام: استعمله تمام حسان في أحد اقواله .
التقارن :ذكره الهام أبو غزاله وعلي خليل ,إبراهيم خليل .
-الترابط الفكري وقال به أحمد مداس .
ونجد د.أحمد عفيفي يترجم (Coherence) بأكثر من مصطلح وتحت مسميات عِدّة هي
الحبك ،التماسك،الانسجام ، الاتساق ...)، ولم يكتف بذكر هذه المسميات وإنما تجاوز الامر إلى تركها مفتوحة لمصطلحات أخر قد تستجد في الدرس اللساني .
ومثله ما نراه عند د. أحمد محمد عبد الراضي الذي أشار لهذا المصطلح بقوله : (الحبك او الالتحام او التماسك او الاتساق او الانسجام) .
وقد نقبل تعدد المسميات لو توقف الامر عند هذا الحد لكن ما يشكل علينا ازدواجية المصطلحات عند المترجمين له , فهذا أحمد مداس وصلاح الدين حسنين يترجمان (Coherence ) بمصطلح الاتساق ، وهناك من يجعل التماسك مرادفًا للاتساق ، وآخر يجعله مرادفًا للانسجام .
و ترجم محمد مفتاح (الالتحام) للمصطلح الانجليزي(Cohesion)على الرغم من أن الالتحام شاع وروده للانسجام أي للمصطلح (Coherence) .
وهذا الامر يعكس التداخل الحاصل في ترجمة هذين المصطلحين بمسميات مختلفة ، وتشعبها وخضوع أغلب الترجمات لآراء مؤلفيها ، وصياغتها بحسب مفهومهم له ، ومبناهم الفكري في اختياره ، النابعة من اتساع مشارب الباحثين, فتعدد الترجمات للمصطلح الواحد وعدم الاتفاق على تسمية ثابتة ، تجعل الباحث فضلا عن القارئ ، في صعوبة لمعرفة المقصد الذي يعنيه المؤلف ، مما يستدعي مراجعة المصطلح بالانجليزية لتحديد الموضوع الذي يُراد معالجته .