برزت اتجاهات متعددة في توصيف الإحالة وهي كما يلي:
الاتجاه الاول:الإحالة من وسائل الاتساق النحوي.
الاتجاه الثاني:الإحالة من وسائل الاتساق الدلالي.
الاتجاه الثالث :الإحالة من وسائل الانسجام.
الاتجاه الرابع : الإحالة من وسائل التماسك النصي.
الاتجاه الاول : يذهب أصحاب هذا التوجه إلى أنَّ الإحالة من وسائل الاتساق النحوي التي تحقق الترابط بين عناصر ظاهر النص باستعمال الضمائر وغيرها من الاشكال البديلة (أسماء الإشارة ، والأسماء الموصولة ، وأدوات المقارنة) ، فهم يذهبون إلى أنَّ الإحالة من أبرز وسائل الربط النحوي مستندين إلى أنَّ أدوات الإحالة تدخل ضمن اختصاص النحويين وقواعد اللغة فالضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصولة هي أدوات أشار النحويون اليها واستفاضوا بذكرها وأهمية وظيفتها في الجمل والنصوص .
ومن المناسب الإشارة إلى أن سبب الفصل بين الجانب الشكلي والدلالي يرجع الى محاولات سابقة للبنيويين حينما قام هاريس (Harris Zellig) * وتشومسكي (Chomsky)* بالفصل بين البنية السطحية والبنية العميقة ، إذ جعل الاولى تتمثل بالجانب النحوي الشكلي ، فالتماسك يتحقق بالبنية الظاهرية عبر استعمال الوسائل والقواعد اللغوية النحوية ,أما الثانية فهي تختص بالنواحي الدلالية أي الجوانب الفكرية والمنطقية إذ يتحقق المعنى الذي يبتغيه المتكلم من النص .
الاتجاه الثاني : يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنَّ الإحالة من وسائل الاتساق الدلالي ويقصد به العلاقات المعنوية داخل النص ويمكن أن نجد لهذا المفهوم إشارات في آراء د.محمد الخطابي ، وأما عند الغربيين فيظهر عند فان ديك(Van Dijk),الذي عدّ الإحالة أو المرجعية تحقق جانب دلالي بقوله
على الرغم مما قيل من ورود علاقات مورفولوجية وتركيبية بين الجمل ، فأنه يتضح أن العلاقات بين الجمل ذات طبيعة دلالية في الغالب، ومن ثم يستند فيها إلى معنى الجمل والإحالة) . فهم يعدّونها من وسائل الاتساق الدلالي من خلال قولهم بضرورة تطابق الخصائص الدلالية بين المحال إليه والمحال، وإشاراتهم أنَّ الإحالة علاقة دلالية لا تخضع لقيود نحوية .
وكذلك نجده في بعض إشارات هاليداي ورقية حسن (Haliday&Hassan ) اللذان يذهبان إلى أنها علاقة دلالية عند عرضهما لموضوع الاستبدال بالقول
[الاستبدال علاقة نحوية] تخضع لشرط نحوي صارم إذ لابد أن ينتمي البديل والعنصر المستبدل إلى صنف نحوي واحد ، ولا ينطبق هذا التقييد على الاحالة...إذ ليس للإحالة علاقة بما يجوز أو لا يجوز نحويًا ، فهو يدور في فلك المعاني والدلالات التي يصورها التركيب ويفهمها العقل) .علما أنَّ الإحالة لها دلالة وظيفية فهي لا تعمل على ربط الجمل فحسب، بل أن أدواتها التي تتحقق بها الإحالة عند تغييرها تؤدي إلى تغير دلالتها وهذا يثبت أن الإحالة تحقق مفهوما دلاليًا عبر وحدات نحوية .
الاتجاه الثالث : يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الإحالة من وسائل الانسجام ، فيظهر في عرضهم لأدوات الانسجام وأركانه التي تتضمن:التكرار – التنامي – عدم التناقض – العلاقة .
وهذه الأركان أو القواعد تشير بشكل أو بآخر إلى دور الإحالة وأثرها وأن لم يصرح بها ، فالتكرار في النص يلزم منه مرجعية متحكمة على ألاّ يدرج المتكرر معنى مناقضا للمحتوى فضلا عن أهمية أن تكون هناك علاقة مترابطة ومتطابقة بين عناصر المحال والمحال إليه ، وقضية التنامي فهي تظهر بوضوح في الإحالة من حيث تشكيل النص وإعطاء صورة كلية وشمولية للمعنى المقصود ، ومن هنا نفهم ما ذكره محمد الاخضر الصبيحي بالقول إنَّ (الإحالة من أهم وسائل التي تحقق للنص التحامه وتماسكه) ،علمًا أنَّ مصطلح التماسك عند الصبيحي مرادف لمصطلح الانسجام أي أن الإحالة بحسب هذا الفهم من وسائل الانسجام ، وذكرنا سابقًا أن هناك من يرى الانسجام مفهومًا عامًا أشمل من الاتساق ، ومن ثم فأنَّ من يعدّ الإحالة من وسائل الاتساق ، يرى ضمنيا أنها من وسائل الانسجام ؛ لأن الاتساق بمفهومهم يُعدّ من أهم مبادئ الانسجام .
الاتجاه الرابع : فأشار إليه د.صبحي الفقي حينما جعل الإحالة من أدوات التماسك النصي مطلقًا دون نسبته إلى معيار معين ، وإلى هذا الرأي ذهب أحمد محمد عبد الراضي بقوله
وإذا كنا نميل إلى توحيد المصطلحين (السبك والحبك) وجعلهما مصطلحا واحدًا وهو التماسك النصي , فأننا على موقفنا من أهمية الربط الدلالي أو الموضوعي بين عناصر النص) .
يظهر لنا مما تتبعناه أن الإحالة مفهومًا دلاليًا بحسب الاتجاهات الثلاثة سواء أ كانت من أدوات الاتساق أم الانسجام أم التماسك النصي , وهذا الأمر يحدونا لإعادة النظر في كون الإحالة من وسائل الاتساق النحوي لاسيما أن الإحالة في احدى تقسيماتها تعتمد على السياق ومنه سميت (الإحالة السياقية أو المقامية ) وفيها تنتقل الإحالة إلى مستوى مراعاة ظروف أنتاج الخطاب، فالمرسل ، والمتلقي، وزمن النص ، ومكان انتاجه .علما أن السياق من أبرز أدوات الانسجام عند علماء النص إذ جعلوه من الروابط الدلالية.
نخلص إلى أن الدلالة "هي المحصلة النهائية للفروع اللغوية الاخرى التي هي ممهدة له " ، فالنص عموما والإحالة بصورة خاصة ، هي مجال الدلالة ، وما الالتفات إلى الادوات النحوية التي درسها النحاة والتي كانت موضع عنايتهم سوى مظهر يستقي منه ما يؤدي الجانب المعنوي .