الحلقة الاولى :
لملمت العجين سريعا صانعة منه رغائف كبيرة واضعة اياها بتلقائية في الفرن الطيني المتهرئ منتظرتا نضوجه ، مختلسة في الان نفسه بين الفينة والأخرى نظرات عطشى تنتظر ظهور فارسها الهمام لترتوي بمرآه ، تعمدت ان تقوم بالأمر في هذا الوقت المتأخر من الصباح لغاية في نفسها .
" انها العاشرة والنصف صباحا لم يخرج بعد البارحة كان مصباح غرفته مشغلا مع اني لم ار متى دخل الى المنزل ،عله مريض....لا نجاه الله وحفظه ....ربما الامتحانات فالدراسة في الجامعة تحتاج الى مجهود مضاعف ..."
نسينت نفسها وهي تتخيله معيتها ببذلة العرسان يهديها ورود حمراء وهي بفستان الزفاف كما فعل الفريدو مع كودالوبي في حلقة البارحة...
ايقظتها رائحة الخبز المحروق فسارعت لا خراجه ولسانها يلهج بكلمات غاضبة مكتومة فهي في كل مرة تفكر فيها به تنسى كل شيء ،تحاول استرجاع ملامحه المبعثرة في ذاكرتها : وجه كروي بلحية خفيفة وابتسامة غامضة تجبر من يراها على ان يحبه ويستلطفه ...
عاكسها اثناء جلبها للماء من عين القرية قائلا مختلسا خلو المكان هامسا في اذنها " مياه القرية تحولت الى مياه زمزم مادمتي قد سقيت منها... "
نظرت اليه بغضب مصطنع وقلبها يطير مرفرفا من السعادة اخيرا نظر اليها وبادلها الكلام ...
هو الوحيد الذي تابع دراسته بتفوق في القرية وألان يدرس في الجامعة سمعت انه يتكلم في السياسة وأرادت ان تنبهه بان السياسة خطر عظيم ...
ولا تريد ان تفقده كما فقدت جدها وخالها، جدها "مزيان "كما حكت لها جدتها :نونوط ""حارب الى جانب فارنكو ونال درجة عالية في الجندية كانت تتباهى انه " سارخنتو " لايشق له غبار وفرنكو كان يبدي اعجابه بحنكته العسكرية رغم انه امي ...
في عام بوقبارن (1959) لم نهنا بعودته الينا جاءته رسالة من صديقه اموح من قبيلة ايت ورياغل ،تركني حامل بعمك " مزيان " بعدها لم نسمع له حسا ولم نر له اثرا ، بعد سنوات قيل لنا انه مات بالتعذيب في كومسيارية الحسيمة وهناك من قال انه كان معتقلا معه في مطار الحسيمة حينها وهناك من يقول انه حي يرزق يعيش في اسبانيا .
خالها مات بنزيف خارجي جراء اختراق رصاصة لرجله وهو يقود مظاهرة عام 1984 تمكن من الفرار رغم كثرة الدبابات التي كانت تحاصر ثانوية عبد الكريم الخطابي قطع المسافة راجل الى قريته" اغمير" لم يذهب الى مستشفى مخافة اعتقاله انتزعت جدتي الرصاصة لكن الاصابة كانت في الشريان...
جدتي لا زلت تحتفظ بها في صندوقها الخاص وتتذكره كل خميس وتعيد القصة على كل من تلقاه "كان ولد ا ذكيا لكن السياسة اخذته مني ما شانه بالفقراء والشعب هاو الشعب والمخزن هو المخزن يعيش مرتاحا وانا اعيش ثكلى بدون وليدي "
كان لا احد يجرؤ على ان يقاطعها فهذا اليوم يوم للندب وطقس للحزن وترفض ان نتسوق يوم الخميس او ان تأكل لحما فقد وعده ذلك اليوم ان يأتيه بلحم الماعز الذي تحب ،كرهت هذا اليوم من الاسبوع اشفاقا عليها كثيرا ما كانت تصر ان تقضي لياليها في ضريح سيدي المهدي تدعي انها تراه في المنام هناك .
تريد ان تسال "مزيان"ـ اول مرة تلاحظ انه يحمل اسم جدها وعمها ـ عن تلك الايام ليفسر لها كيف؟ ومتى كان ذلك ؟
فهو كما قيل لها يعرف كل شيء ولا طالما سمعت من اخيها الصغير انه في دكان القرية يحكي للناس ما وقع في تلك الايام، ماذنب جدها حين طالب بعودة مولاي محند وتعليم الريف ؟ماذنب اخيها حين خرج لهتف بحقه في العيش الكريم ؟اسئلة كثيرة تريده هو بالذات ان يجيبها عنها .
تعبت من الانتظار و مزيان لم يظهر اخذت الخبز شبه المحروق ودخلت المنزل حانقة ،هشت امها في وجهها وابتسامة غريبة تغطي ملامحها قالت لها بدون مقدمات:
ـ ترثماس سيتقدم ابن عمتك لخطبتك الليلة
ضاعت ترثماس في متاهة هاته الكلمات فهي تعرف ان الامر محسوم وان موافقتها من عدمه لن تغير شيئا ،حاولت ان تتماسك وتساير امها في فرحتها قائلة :
ـ ان شاء الله
دخلت لتهدم كل ما بنته مع مزيان في احلامها ،لا احد يستطيع ان يعي حجم نيران الاسى التي تستعر في قلبها كيف لها ان تستسيغ ان يرى غير مزيان شعرها الذهبي المنساب ؟وان يجمعها سقف واحد مغ غيره...
كل شيء كانت خططت له باتقان منقطع النظير تنتظره حتى يتخرج وتسافر معه الى اي مدينة يعين فيها لكن الاقدار لم تمهلها وباغتتها بابن عمها السكير...
ظنت كلامه مجرد مزحة لكنه فعلها وتقدم اليها ، تعرف ان ادمان الخمر ليس مسبة وعيبا قبل الزواج لتكون تعلة لها في رفضه ...
ليتها تملك شجاعة جدتها حين قامت بقطع يدها حين اشاع الناس انها على علاقة مع متسول كانت تحسن اليه سرا فافشى الامر ،فلم يمكن منها سوى عاقبت يدا جرت عليها الالسن ،لن تستطيع ذلك....
فوجئت بأمها وجدتها ملتحفات بالا يزار طلبت منها امها ان تدخل الى الحمام وتأتيها بشعر عانتها ،فعلت ذلك بشكل الي ،واستوعبت اانهما ذاهبتان لفك تقافها الذي صنعته جدتها خوفا عليها من الاغتصاب او تنساق وراء غريزتها ...
تذكرت حين عجز ابن الفقيه الذي كان يخلف اباه في تحفيظهم القران عن فعل شيء حين فك عنها سروالها لتعلم حين كبرت ان جميع فتيات القرية يعقد لهن في مكان داخل الولي "سيدي المهدي "ويفك حين يتزوجن .
لم تشع ربهما متى غاردتا؟ وراحت تخمن موقف مزيان ...هل سياتي في ليلة العرس؟ ويدمر كل شيء ويقول للجميع انه يحبني ومستعد ان يفعل كل شيء من اجلي .. انسجمت مع هذا المشهد وراحت تتخيل احداثه .