صباح الباحة أكثر صخبا وحياة في كل البلدة..يقدم الصبية لحلقات
التحفيظ ..يستظهرون أو يكتبون..آخرون يلهبون النار في بعض الهشيم
من أجل تجفيف الألواح ..إنه الجزء المفضل لدى غالبيتهم..
الرجل الشيخ يستقبل زوار البلدة الغرباء..يتفقدون كل شيئ
يفرح الصبية عندما يأتي غريب إلى الباحة ..يمسح الغرباء
على رؤوس الطلبة ..يمدون الفقيه ببعض المال ليخلي سبيل
بعض الصبية المعاقبين ..لن يعود هؤلاء قبل اكنمال القمر .
بعد الظهيرة يحدث الشعور وكأن الباحة ميتة ..كل الأبواب
موصدة..حتى البلدة وكأنها توبأت ورحل عنها سكانها..
إنه القيظ الحارق..لاشيئ يتحرك ..الذباب في الغرف هادئ
ومستكين..كل ينتظر المساء حين يتبدد اللفح بلطيف النسائم
يظهر الرجل الشيخ يثير بعض الحركة في الباحة ..حينها فقط
تسمع أصواتا للفقيه وبعض المحاضرة..
إنه الرجل الذي يحدث الحياة في كل البلدة ..تغدو بلدة القيظ مثل طائر تنفش
ريشه بعد فترة من الخمول....
اليوم يغادر الباحة الصبي المغترب ليعود وأسرته لأرض المهجر
ا ..لطالما كان وافدا على حلقات التحفيظ ..واليوم حان العود
إلى البلد المضيف..والده إبن البلدة التي رحل عنها يافعا..
صديق قديم للرجل الشيخ... يعهد إليه رعاية ابنه طوال
فترة العطلة..يرحل ولابد انه يوما سيعود
مر وقت طويل قبل أن يفكر بزيارة الباحة والالتقاء
ببعض ماضيه ..كانت البلدة شيئا آخر ..مساكن
راقية ومرافق كثيرة..واصل المسير في دروبها المعبدة..حتى الطريق
إلى الباحة لم يعد نفس الطريق..أدرك أنه لن يعثر على أية قطعة
من تلك الذكريات فكل الألوان والروائح والأصوات ..بدت شيئا
مختلفا ..وحدها رائحة المساء ...وصوتها ...لم يكن للباحة صوت وحده الرجل الشيخ
من كان يعلن الصوت في الباحة ..لعله ضجر من سكونها
و أعلنها بلدة أخرى قبل أن يصير إلى زوال .
إقبال المرابط- سلسلة بنسق سردي –نهاية-
2014-07-30, 18:24
