منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالمسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي Empty
مُساهمةموضوع: المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي   المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2013-07-11, 15:53

المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي
مصطلح(Herméneutique) نموذجا
الأستاذة: بن صافي نزيهة
جامعة سيدس بلعباس
لا شك أنّ الحديث عن أيّ مفهوم(Concepts)في ظل المدونة المعرفية التي ينتمي إليها،إنّما يستدعي بالضرورة التوقف عند الجذور المعرفية والفلسفية والفكرية التي نشأ في ضوئها المفهوم وراح يترعرع شيئا فشيئا حتى وصل مرحلته الاستقلالية؛فأضحى ينعت في مجال الدراسة والتحليل وفق الحقل المعرفي الذي يتماشى معه،وذلك وفق مبدأ الإطلاق (Utilisation)والوظيفة (Fonction)؛هذان الضابطان لا يستطيع المفهوم أن ينسلخ عنهما جملة وتفصيلا.
ولكي تتضح هذه الحقيقة المعرفية لا بد من إعطاء بعض من الأدلة المعرفية والمنهجية التي تجعل من المفهوم يأخذ شرعيته المعرفية والإجرائية؛الشيء الذي سيجعلنا حتما أن نعود إلى الينابيع الأولى التي نشأ فيها مفهوم التأويل Interprétation فأصبح مفهوما مستقلا في حدّ ذاته،والذي جعل من كثير من المشتغلين في عالم المعرفة أن يتعاملوا معه وفق رؤى تختلف باختلاف السياقات والأحوال.
لكن من باب أولى ومن باب إعطاء لكل سياق مفاهيمي حقّه من حيث الصدارة والنشأة ومن ثم التطور والاستقلالية في الدراسة والتحليل، يستوجب منا مسار البحث أن نعود أولا إلى المفهوم الغربي (Herméneutique)لنرى كيف كان المكافئ الترجمي العربي له هل على نية السهولة أم الصعوبة التي راحت تقتضي من الفعل الترجمي أن يراعي السياق المعرفي والثقافي بل العقائدي الذي نشأ في ظله المفهوم،وهذا ما يجعل من حركية المكافئ الترجمي تحقق نوعا ما انسجاما وترابطا على مستوى المفهوم ومن ثم الوظيفة.


الهيرمنيوطيقا(Herméneutique) وإشكالية المكافئ الترجمي:
يتنزل الاهتمام الترجمي والفلسفي لمصطلح (Herméneutique) في اقتحام ذلك السياق المتعلق بعالم النصوص بعامة والنص المقدس-المسيحية واليهودية-على وجه أخص.وقولنا النصوص بعامة نعني بها النصوص الفلسفية والأدبية والتاريخية والاجتماعية واللغوية وهلم جرا مما تتحقق فيه شرط النصية بمفهومها الشامل؛الشيء الذي يؤهلنا حتما وبالضرورة طرح تساؤلا وجيه وهو:كيف تتم عملية فهم نص ما؟.
إنّ فهم النصوص فهما يتماشى وطبيعة الحقول المعرفية التي ينتمي إليها كل نص،قد ولّد في ما بعد عدة نظريات تأويلية اختلفت تبعا لاختلاف وجهات نظر أصحابها-الروّاد-؛على أساس أنّ كل رائد أو منظر كانت تتحكم فيه خلفيات معرفية وفلسفية جعلته ينصاع إليها،وهو يتعامل مع طبيعة النصوص،وبخاصّة النص المقدس؛ فظهرت حينها عدة نظريات تأويلية من أهمها:النظرية التفسيرية لصاحبها وليهام ديلتاي (Wilhem Dilthey)،والنظرية النفسية/اللغوية لصاحبها شلاير ماخر(Schleir Macher)،والنظرية القصدية/الفلسفية لصاحبها إدموند هسرل(Idmund Husserl)،والنظرية الوجودية في علاقتها بالواقع اللعوي لصاحبها مارتن هايدجر(Martin Heidegger)، والنظرية المتعلقة بقضيتي:الحقيقة/المنهج لصاحبها غادامير (Gadamer)،والنظرية التأويلية/التفسيرية لصاحبها بول ريكور (Paul Ricoeur)،والنظرية التأويلية في علاقتها بالدليل أو العلامة لصاحبها إمبرتو إيكو(UmbertoEco)وغيرهم كثر...
واللافت للانتباه أنّ مثل هذه النظريات التأويلية لن يستقيم لها وجود معرفي ولا منهجي إلا إذا رجعنا إلى واقع الموروث اللساني العربي الذي بدوره قد برزت فيه بعض النظريات التأويلية التي تحقق-في اعتقادنا- نوع من التقاطع المعرفي والإجرائي مع النظريات التأويلية التي أشار إليها الغرب.وعليه كيف يكون الاختيار الأنسب للمكافئ الترجمي للمصطلح(Herméneutique)؛هل يبقى مكتوف اليدين لا يخرج على نية الاقتراض المفرد الذي يحافظ على اللفظ والصياغة فيقال مثلما قال في شأنه كثير من الباحثين (الهريمنيوطيقا)،أم أنّ المكافئ الترجمي يجاوز ذلك ليصل إلى البعد الدلالي الاستعمالي الوظائفي(Fonctionnement)الذي يسير جنبا إلى جنب مع مقتضيات السياق بكل صوره وأشكاله،ومن ثم يكون الهمّ الوحيد من التراث اللساني العربي إيجاد المصطلح الذي يكافئ المصطلح الغربي من حيث المفهوم والإجراء ومن ثم الوظيفة الاستعمالية التي يؤديها داخل النصوص التي يشتغل عليها.
تعني كلمة الهريمنيوطيقا(Herméneutique)-المشتقة من تلك الكلمة اليونانية القائمة على لفظ إيرمنيا(Hermeneia)-التأويل؛فهي من ثم تحاول بالقدر الكافي التمييز فيما يخص المجال والمشاكل المنهجية،وأيضا ما تعلق بالمناهج على اختلاف سياقاتها التي تتصل بالدرجة الأولى بتأويل طبيعة النصوص التي تختلف باختلاف السياقات والمقامات([1]).
ولقد تبنى نفر غير قليل من المفكرين والنقاد العرب مصطلح الهيرمنيوطيقا وهم يحاولون بكل ما تيسّر لهم من فهم عميق تجسيد ذلك على كثير من السياقات القرآنية؛وهو ينطلقون من مسلمة منهجية مفادها أنّ غالبية المتلقين على اختلاف مشاربهم لهم الحق في أن يمارسوا عملية الفهم وإدراك المعاني التي ينظرون إليها حسب المعتقد الذي يؤمنون به؛ الأمر الذي جعل من هؤلاء أن يخضعوا واقع النص القرآني إلى ما يمليه الضابط الهيرمنيوطيقي التأويلي القائم على واقع النص الإنجيلي،وهو في ذلك كله يحكمّونه-النص- حسب ما يقتضيه العقل واضعينه موضع النقد، من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:أدونيس،ونصر حامد أبو زيد،وعلي حرب،ومحمد أركون وغيرهم كثر([2]).
ونتيجة هذا الإلحاق غير المبرر لمفهوم الهيرمنيوطيقا القائم على الإطار التأويلي؛ حصل عند أمثال هؤلاء ما يسمى التساوي بين المقدس والمدنّس أو على حد تعبير نصر حامد أبو زيد بين الإلهي والبشري في حق عالم الإطلاق وهو النص القرآني في علاقته بالإجراء التأويلي الهيرمنيوطيقي،وهو ما أدى بوضع النصوص القرآنية موضع النصوص الأخرى من فلسفية ولغوية وأدبية وقانونية وهلم جرا؛الشيء الذي جعل من الناقد حسن جابر يدافع عن هذا الزعم قائلا"لكن الثابت في علاقة النص الديني بالنص البشري،أنّه يمكن كلاهما أن يخضعا لمنهج واحد،هم منهج التأويل القائم على تفكيك المعنى،وفتح مجالات واسعة أمام إمكان المعنى وكلاهما أيضا يمكن أن ينفعلا في حركة كشف المعاني بألوان التفكير وأفق ووعي القارئ؛فمن الثابت لدى جميع من اشتغل في علم النص أنّ ثمة علاقة بين القارئ والنص لا يستطيع أحد إنكارها؛حيث الإقرار بأنّه لا وجود للمعنى إلا في الوعي البشري الذي هو نسيج من الأهواء والتقاليد والانفعالات والمؤثرات واللون الثقافي والحضاري،ويستوي في ذلك قارئ النص الديني والنص البشري؛فكلاهما يحضران في عملية تناسل المعاني"([3]).
بل هناك من غدا يربط الاتجاه الهيرمنيوطيقي التأويلي بعملية فهم النصوص المقدسة بما في ذلك النص القرآني؛على أساس أنّه في انعدام الآليات يصعب على من يتعامل مع النص الديني إسقاط شيء من لوازم ما يقتضيه الإجراء الهيرمنيوطيقي؛وعليه فإنّ"الهيرمنيوطيقا هي فن-تقنية منهجية لتفسير المعنى الحقيقي لكل نص،وهي تقصد على وجه الخصوص النصوص المقدسة،سواء تعلق الأمر بالنص القرآني الإنجيلي والتوراتي، ومن دون الانفتاح على آليات الفهم سيتعرض النص الديني إلى تهديد الفهم الخاطئ أو السيئ"([4]).
على اعتبار أنّ الهيرمنيوطيقا اتجاه يقوم في أساسه الأول على تأويل النصوص المقدسة وفق سياقاتها المعرفية والعقائدية التي تتماشى ومبدأ القصد؛فإنّنا نلحظ بأنّ هناك من النقاد العرب من حاول بالقدر الممكن أن يوفّق إلى حد بعيد في إعطاء المكافئ الترجمي لمصطلح الهيرمنيوطيقا،وذلك انطلاقا مما يؤديه من وظيفة داخل السياق وخارجية.
هذه الرؤية هي للناقد العربي عبد الملك مرتاض الذي وفّق في تعامله مع مصطلح الهيرمنيوطيقا ليس انطلاق من مبدأ الاقتراض الممقوت-على حسبه-ولكن انطلاقا مما له المثيل والمكافئ في المدونة اللسانية العربية القائمة على مبدأ الوحي القرآني؛الشيء الذي جعل من عبد الملك أن يرى بأنّ الذي انغمسوا في إطلاق الهيرمنيوطيقا على المصطلح الغربي الأصل إن هي إلا تخريجة لا تسمن ولا تغني من جوع؛على أساس أنّهم لم يعودا إلى الينابيع الأولى لمصطلح التأويل الوارد في التراث اللساني العربي.
يقول عبد الملك مرتاض في هذا المقام"وعلى أنّ من النقاد العرب من ترجم هذا المصطلح إلى العربية في صورته الغربية بكل فجاجة فأطلق عليه(الهرمنيوطيقا)،وهو من أقبح ما يمكن أن ينطقه الناطق في اللغة العربية، ونحن لا نقبل بهذه الترجمة الهجينة الثقيلة ما دام العرب عرفوا هذا المفهوم وتعاملوا معه تحت مصطلح التأويل، فلم يبق لنا، إذن، إلا أن نستعمل(التأويلية)مقابلا للمصطلح الغربي القديم"([5]).
نعتقد أنّ مثل هذه التخريجة سحب لها حسابا يليق بمقام السياق والمقتضى مما يلازم المصطلح الغربي؛ففي مصطلح التأويلية من الجوانب ما يحقق نوع من التكافؤ المعرفي والإجرائي القائم في سياق المصطلح الغربي (Herméneutique) ، وهي لفتة تنم عن بعد مفاهيمي مصطلحاتي يحوي المدونة اللسانية العربية في قدرتها على تماشي كثير من المقابلات الكائنة في المصطلحات الغربية.
من هذا المنطلق وتماشيا مع الرؤية العلمية والمنهجية التي أشار إليها الباحث عبد الملك مرتاض،فإنّنا نعتقد أنّ المكافئ الترجمي الأليق لمصطلح (Herméneutique)هو التأويلية؛هذا المفهوم الذي يكفيه منزلة معرفية ومنهجية وإجرائية أنّه قد ورد في عدة سياقات قرآنية تختلف باختلاف الإطلاقات ومن ثم الوظيفة.

التأويلية بين الإطار النفسي وواقع اللغة:
يعتقد أنصار المدرسة التأويلية بأنّ العلاقة بين النص والتأويل لا يمكن أن تخرج عن منظومتين أساسيتين:أولاهما أنّ اللغة ما هي إلا تمثيل لروح كاتبها ولروح العصر في آن واحد،وعليه فثمة وحدة جامعة بين النص وكاتبه،وبين الكاتب وقارئ النص،بل بين أجزاء النص في حدّ ذاته التي لربّما جعلت من حركية السياق يعطي عدة أبعاد معرفية تتماشى وما تقتضيه طبيعة عالم النصوص.وهذا الزعم المعرفي والفلسفي تبنته مدرسة تأويلية تمثلت في شخصية شلاير ماخر(Schleir Macher)(1768-1834)ووليهام ديلتاي (Wilhem Dilthey)(1833-1911) وسيتزر (1877-1960) دون نسيان نقاد مدرسة جنيف لدى(جورج بوليه، وريشار، وستاروبنسكي)بخاصّة؛هذه الثلة من النقاد الغربيين استطاعت أن تعطي لبعد مفهوم التأويل بعدا يتمركز أساسا على ردّ المعنى وفق ثلاثية لا رابع لها؛وهي: تأويل النص وتأويل المعنى القائم في ذات الكاتب،ثم تأويل القارئ لذلك المعنى الكائن في ذاتية الكاتب عن طريق نصه. بعبارة أدق"فإنّ التأويل ليس ملكا للقارئ، وإنّما هو ملك للمؤلف في حضوره:الأصلي والمحاكي؛فيغدو فعل التأويل هو ذاته فعل التأليف،وقد ارتد على ذاته وكرّر عبارته تكرار المرآة للصورة المنعكسة عليها.يتواضع المؤول إذن أمام المؤلف ذي الوعي الفريد تواضعا يصل إلى حد أنّه يلغي ذاته وينفي حضوره أمام سلطة المؤلف،ويكتسب شرعية وجوده من نطقه باسم المؤلف وصوته،إنّ صاحب التأويل يقدم ذاته ثمنا للوصول إلى المعنى"([6]).
لعل غير المصرّح به في مثل هذه الإطلاقات القائمة على الاهتمام البالغ بما يدور في عالم الكاتب في ظل نصه المكتوب،ينم بحق بأنّ هؤلاء الرواد يعنون فيما يعنوه أنّ القارئ المؤوّل يحاول أن ينطلق من الإطار المكتوب المادي المتشكل في ظل الأصوات والحروف،إلى ما سمّي لديهم بت: روحانية النص والمؤلف؛فهو من ثمة تماهي قائم بين المؤلف للنص والمؤوّل له.بعبارة أخرى إنّ مثل"...هذا التماهي بين المؤلف والمؤوّل يفضي،لا محالة،إلى لون من التأويل قائم على التعاطف،من لدن قارئ ذي إمكانات خاصة،قادر على أن ينتقل في الزمن إلى الماضي،وأن ينفذ من مادية الأصوات أو الحروف إلى(روحانية)النص والمؤلف؛قارئ ذي شفافية،ولهذا لا ينسى أصحاب هذا الاتجاه عن الإشارة إلى أنّه ليس ثمة منهج يُسبر في ضوئه كل نص؛ذلك لأنّ منطقه ونقطة ارتكازه مسألة إلهامية لا يمكن أن تخضع لتفسير،ولا تصدر عن منهج منضبط صارم يمكن أن يخضع للتلقين أو التعليم،بل تُبنى على حدس القارئ الباحث عن مركز يستقطب كل جزئيات النص عبر قراءة سلبية تستسلم للنص ينجم عنها هذا الإدراك الحدسي للمعنى"([7]).
هذا ما تعلق بالمنظومة الأولى القائمة على روحانية اللغة في حدّ ذاتها،أما المنظومة الثانية-حسب صاحب النص المستشهد آنفا-فلقد نشأت في الغالب الأعم"...بفعل جملة من التحولات المعرفية طرأت على الدرس السيكولوجي إثر اكتشاف ازدواج البنية النفسية إلى الوعي واللاوعي؛ وعلى الدرس السوسيوتاريخي باكتشاف ازدواج البناء الاجتماعي بين الأنساق الثقافية والقاعدة التي تستند إليها؛وعلى الدرس الإبستمولوجي حين اكتشف أوهام الأيديولوجيا،وإرادة القوة التي تكمن تحت الأنظمة المعرفية السائدة...لقد انتهت هذه النظرة القديمة للغة إلى نظرة جديدة قوامها الشك في اللغة؛إذ لم يعد الدال،وفق هذه النظرة،بريئا نقيا،ولم تعد للغة هذه الشفافية التي تنم على نحو صاف عن روح تسكنها ومعنى يستقر فيها،ولم يعد النص تمثيلا أمينا لروح الكاتب والعصر والواقع،وإنّما صار يُنظر إليه بوصفه مراوغا لا يعرف الوحدة والتجانس،يعمل ضد نفسه،يقول ما لا يعنيه ،ويعني ما لا يقوله،ناقص يمتلئ بالثغرات....وتحول التأويل إلى عنف يُمارس على الخطاب،حتى ينطقه بالمسكوت عنه"([8]).
إنّها حقيقة معرفية ظلت تتراوح منذ زمن بعيد لدى بعض من الرواد الذين اعتقدوا بأنّ التعامل مع النص ينبغي أن يكون بعيدا عن روح العصر والواقع الذي نشأ في ظله النص إلى أن بلغ أشدّه؛مما جعل من مسار الإطار التأويلي ينحرف جملة وتفصيلا عن دوره الذي وجد من أجله.
لعل مردّ ذلك حسب المدرسة التأويلية التي كان يترأسها شلاير ماخر أنّ مثل هؤلاء لم يعطوا للإطار النفسي/اللغوي حقه في العملية التفسيرية/التأويلية التي تتماشى ومقتضيات السياقات النصية؛الشيء الذي جعل من شلاير ماخر يعقد عملاقة ثلاثية بين:اللغة والواقع وروح العصر. إنّ التعامل مع اللغة ينبغي ألا يخرج عن جانبه النفسي حسب شلاير ماخر، شريطة أن تكون هذه العملية ملازمة لروح العصر ومتطلباته داخليا وخارجيا.
إنّ هدف شلاير ماخر هو محاولته إعطاء الشرعية المعرفية والإجرائية للفهم التأويلي أن يحقق نوعا من الانسجام بينه ما يمكن تسميته بالتأويل اللغوي والتأويل النفسي.بمعنى آخر ينبغي أن تمر"عملية الفهم التأويلي وفق مرحلتين؛ تأويل لغوي.ثم تأويل سيكولوجي نفسي.فإذا كان الأمر ينصبّ أساسا على الجانب اللّغوي؛اتّجه مسار العمل إلى فكرة المرسل،والمتلقي،وموضوع الحديث.أمّا إذا انطلق الأمر ليصل إلى علاقة المرسل بالمخاطب وعلاقة الحدث الكلامي بالباث (المرسل)؛اتّجه المسار مباشرة إلى ما يسمى بالتأويل السّيكولوجي . وعليه،فكل قول-على حدّ اعتقاده-له علاقة مزدوجة؛باللغة من ناحية،وعقل المرسل من ناحية أخرى.وفي كل عملية تفهّمية لحظتان اثنتان؛فالفهم التأويلي ينبثق أساسا من اللّغة،ثمّ ينبثق في الوقت نفسه من ذلك الإيماء الدّاخلي إلى عقل المرسل معا"([9]).
بل يبتعد مسار هذه المدرسة إلى أنّ"التّأويل في نظر شلا ير ماخر ينبغي أن ينطلق من ثلاثية تتلاحم في ما بينها تلاحما لا يجوز الانفكاك والتّباعد عنها بحال من الأحوال:ذاتية المرسل على مستوييها السّيكولوجي واللّغوي، ثمّ المتلقي مجسّدا عملية تأويلية للحدث الكلامي من قبل المرسل، ثمّ موضوع الحديث، أو البحث الذي بفضله تمت عملية الفهم.كل هذا وذاك ينبغي أن لا يبتعد عن سرّ حركيّة واقع روح العصر أو الحياة؛إذ إنّ الفهم التأويلي ينبغي ألاّ يخرج-في اعتقاده-عن الجانب اللّغوي، ثم الجانب النفسي، ثم عن الحياة"([10]).
إذا ما يمكن قوله في شأن مفهوم التأويل لدى شلاير ماخر ومن تبعه من النقاد أنّه لا يخرج عن الإطار اللغوي والنفسي ثم عن الحياة أو ما عبّر عنها بروح العصر.لكن اللافت للانتباه في مثل هذا الزعم الذي تبناه شلاير في تعامله مع اللغة في ظل واقع التأويل،أن وجد من النقاد من لم يتماش معه في الطرح بحكم أنّ هذه النظرة قد أغفلت من حسبانها بعض من لوازم ما يقتضيه الضابط التأويلي على جهة المفهوم والوظيفة.لعل الأساس في هذا النقد-حسب دلتاي-الذي جاء بعد شلاير ماخر هو أين موقع العلوم الطبيعية والتجريبية التي تحقق نوعا من العملية التفسيرية/التأويلية ما يجعل من الدراسات اللغوية تأخذ طابعا مميزا في البحث والتحليل.
الفهم؛التفسير؛ثم التأويل لدى دلتاي:
إذا كان شلاير ماخر فيما بيّناه سالفا يعطي للفهم حقيقته المعرفية والمنهجية المنبثقة من قبل الضابط الهيرمنيوطيقي؛فإنّنا نلفي انتباها إلى أنّ دلتاي حاول بالقدر الكافي أن يجعل فرقا منهجيا ومعرفيا بين العلوم الطبيعية والعلوم الروحية منطلقا أساسا مما تمليه عليه الهيرمنيوطيقا التأويلية؛الشيء الذي جعل من دلتاي يكمل نظرية سلفه شلاير ماخر، محاولا"...توظيفها في مجال التأسيس المنهجي للعلوم الروحية.إنّ الفارق الإبستيمولوجي بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية مهّد الطريق لتحول اهتمام الفلاسفة،إلى محاولة فصل التاريخ منهجيا عن العلوم الطبيعية،وهنا نجد المحاولة الرائدة لدلتاي، في القرن التاسع عشر،الذي وقف من التاريخ موقفا ميتودولوجيا؛ فالظروف التاريخية والعلمية التي ميزت عصر دلتاي، فرضت عليه الانخراط بقوة لواجهة الفلسفة الوضعية التي رأت أنّه من الواجب على العلوم الإنسانية أن تستفيد من مكتسبات العلوم الطبيعية، وأن تستلهم منها أدواتها المنهجية،وأن تسير في الخط الذي سارت فيه هذه العلوم،إلا أنّ دلتاي رفض هذا الموقف الطبيعوي،الذي لا يقيم أيّ وزن للفروق بين العلوم الطبيعية والعلوم الروحية"([11]).
إنّه بدون بساطة ذلك الزعم المعتقد من قبل دلتاي والقائم أساسا على أنّه لا يجوز الخلط بين ما هو إنساني وما هو موضوعي مادي؛إذ العلوم قبل مجيء دلتاي كانت لا تهتم إلا بما هو ثابت على مستوى العيان،مغفلة من حسبانها الإطار الروحي الذي يعتمد على الجانب اللغوي بمفهومه الإطلاقي الشمولي،وهي لفتة جعلت من شخصية دلتاي يعيد الطرح في شأن مفهوم الفهم في علاقته بالتفسير ومن ثم التأويل.
والجدير بالذكي في هذا السياق بالذات أنّ دلتاي أراد أن يعيد النظر في شأن العلاقة القائمة بين العلوم الإنسانية والعلوم الروحية؛إذ رأى في كثير من المقامات بأنّ ما يعاب على الدراسات الإنسانية/الروحية كونها لم تعط قيمة معرفية ومنهجية للمنهج العلمي، ومن ثم"... مثلت دراسات دلتاي منعطفا كبيرا في الدراسات الهيرمنيوطيقا،فيما اتخذ من موقف فلسفي خاص ضد التفسير العقلي الصارم،الذي ميّز الفلسفة الوضعية بنزعتها التجريبية الخالصة،وهي نزعة ترفض الأفكار المثالية ذات الميول الميتافيزيقية،ولا تعتمد إلا على المعرفة القائمة على دراسة الوقائع المادية، والاحتكاك بالظواهر،وترفض أيّ معرفة لا تقبل القياس والملاحظة الخارجية.لقد رفع دلتاي لصالح العلوم الإنسانية ودافع عنها بقوة،مبينا خصائصها النابعة من طبيعتها."([12]).
لعل غير المصرح به(Le non dit)فيما سبق ذكره في النص المستشهد،إنّما ينم على أنّ دلتاي يقر إقرارا جازما بأنّ ميزة العلوم الطبيعية أنّها تتعامل مع المحسوس القائم في الطبيعة الخارجية؛على أن يكون دور العلوم الإنسانية يهتم بالفهم الإنساني الذي يمتاز بالطابع الأخلاقي والفني والديني والفلسفي وكل ما من شأنه يعطي لهذا الفهم شرعية معرفية وإجرائية يطل عن طريقها القارئ المتلقي إلى أبعاد النص الذي يتلقاه.
لكن قد ينتابنا تساؤل في هذا المقام بالذات في الوقت الذي نتحدث فيه عن الفهم الإنساني الذي ميّز العلوم الإنسانية/الروحية عن العلوم الطبيعية،وهو:ما هي الخلفية المعرفية والفلسفية للتأويل لدى دلتاي؟وللإجابة عن هذا التساؤل فإنّ المدونة المعرفية والفلسفية تحملنا إلى الإقرار بأنّ شخصية دلتاي استطاعت إلى حد ما أن تميّز بين الطابع الإجرائي القائم في العلمين:الطبيعي والإنساني؛على أساس أنّه إذا"...كانت العلوم الطبيعية موضوعها الطبيعة المادية؛فإنّ العلوم الإنسانية موضوعها الإنسان،ولما كانت غاية العلوم الطبيعية من دراسة الطبيعة هي السيطرة عليها وتحقيق المقولة الديكارتية بأن يصبح الإنسان سيدا للطبيعة ومالكا لها، لأنّ الإنسان يخضع للطبيعة من أجل السيطرة عليها فيما يرى ذلك بيكون،بينما دراسة الإنسان غايتها فهم الإنسان لأبعاده ووجوده ومصيره،ومن هنا كان المنهج الهيرمنيوطيقي هو الأنسب،ولذلك كانت محاولة دلتاي في تأسيس منهج للعلوم الإنسانية أو الروحية محاولة متقدمة،حيث يحتل دلتاي مكانة بارزة ضمن فلسفة التأويل والهيرمنيوطيقا،التي كان قد بدأها سلفه شلاير ماخر،فأخذت هذه الفلسفة أبعادا جديدة حيث بدأت تحوز موضوعاتها وتحدد مناهجها،لاسيّما بعد أن نقل شلاير ماخر التأويل من المجال الديني إلى مجال الفلسفة في إطار شمولي ونظرة كلية،تتجاوز ذلك الجدال الكلاسيكي العقيم حول الدين ووظيفته"([13]).
ما يمكن قوله في ضوء بعد هذا الاستشهاد بأنّ دلتاي حاول أن يتعامل مع العلوم الإنسانية ليس انطلاقا مما يمليه المنهج الطبيعي الكلاسيكي الذي ساد منذ زمن بعيد،وغدا يحط رحاله على جميع العلوم ظانا منه أنّه يحوي على شمولية تستغرق جميع السياقات المعرفية والمنهجية،وإنّما مما يقتضيه ضابط العلوم الإنسانية بما يحقق نوع ما تلازما منهجيا مع طبيعة الإنسان وبخاصّة من جانبها الروحاني؛هذا الجانب الذي لم يتعامل معه الطابع أو المنهج العلمي القائم على مبدأ التجريد،وهو ما ترك الهوة تزداد شيئا فشيئا في العلوم الإنسانية لأن تصبح حقلا معرفيا له القدرة الكاملة لأن يقتحم عالم الإنسان من جانبه الداخلي والخارجي.
ولكي يحقق دلتاي هذا الزعم المعرفي الذي يجعل من الإنسان إنسانا شاملا يحوي على روح لها القدرة في أن تقتحم عالم الأشياء من باب أشمل وأليق،استوجب منه أن يبحث عن الموقع المعرفي والمنهجي للمعرفة الاجتماعية والتاريخية في ظل المشاكل المعرفية المتعلقة بالفلسفة النقدية التي كانت مطروحة أنداك؛وعليه،وبناء على ذلك"واهتداء بكانط انطلق دلتاي من وجود المعرفة الاجتماعية والتاريخية كواقع،ولكنّه أراد أن يبحث عن أسسها التي ظن أنّها ليست طبيعية آلية،وإلا لم يكن هناك فرق يذكر بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية"([14]).

إنّ هم دلتاي هو إقامة الحد الفاصل بين المنهج القائم في العلوم الطبيعية-الوضعية الصارمة-والعلوم الإنسانية القائمة على كل ما له علاقة بالإطار التاريخي والاجتماعي والنفسي،وهو جانب جعل من دلتاي يبني تصوره في ظل الاتجاه الهيرمنيوطيقي/التأويلي وهو يتعامل مع الظواهر على اختلاف سياقاتها،وهو بذلك ينحو نحو شاكلة أخرى لم تكن من ذي قبل سائدة لدى النقاد الغربيين الذين تعاملوا مع الفهم،والتفسير،ومن ثم التأويل.
يقول دلتاي-نقلا عن منى طلبة-في هذا الشأن ما نصّه"تتميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية في كون موضوعات هذه الأخيرة تظهر للوعي آنية من الخارج بصفتها ظواهر،بينما موضوعات العلوم الإنسانية، خلافا لذلك تظهر آنية من الداخل بصفتها واقعا وكلا أصيلا وحيا،ومن هذا يتم إذن تنظيم الطبيعة بالنسبة للعلوم الطبيعية،ويتم الحصول عليه باستنتاجات متتالية تعتمد على ربط الفرضيات،أما العلوم الإنسانية فيتم تنظيم موضوعاتها لارتباط الحياة النفسية بصفتها منطق(ستكون بذلك) الأساس العام والأصيل،الطبيعة نفسرها،أما حياة النفس فنفهمها"([15]).
نعتقد أنّ حركية التفسير مع حركية الفهم إنّما تؤتي أكلها عندما يكون السياق يحقق نوعا من الانسجام والترابط مع ما يقتضيه ضابط العلوم الإنسانية؛على أساس أنّ"...خصوصية موضوع العلوم الإنسانية واختلافه عن موضوعات العلوم الطبيعية أو التجريبية يجعل التفسير في الظواهر الإنسانية متعذرا خاصة إذا ما أدركنا التفسير في دلالاته الوضعية،أي على نحو يسمح بالتوقع والتنبؤ بالنتائج،على هذا النحو يتعذر التفسير في علوم الإنسان ويستبدل بالفهم،والفهم بمعنى تدبيرا عقليا لجملة من الدلالات والمعاني للظاهرة الإنسانية في إحداثياتها المتحركة،ومن هذا المنطلق لا يمكن للظاهرة الإنسانية أن تكون شأن تفسير؛لأنّها ليست شأن بنية (Structure)،وإنّما شأن دلالة ومعنى (Symbole et sens)؛فالاختلاف بين التفسير والفهم حسب تحليل دلتاي في هذا الموضوع هو اختلاف بين البنية والمعنى"([16]).
وغني عن البيان أنّ دلتاي يذهب بعملية الفهم القائمة على مبدأ التفسير تارة والتأويل تارة أخرى،إلى ما سمّي في المجال الدراسات التأويلية بـ: الدائرة الهيرمنيوطيقا؛هذه الأخيرة التي حاول دلتاي أن يقيم في ظلها مفهوم الفهم الذي يستدعي بالضرورة شروطا لعل من أهمها أثرا ما قام على مبدأ التعبير؛إذ التعابير تمثل وسيطا حقيقيا للفهم؛وهي من ثمة تختلف باختلاف الإطلاقات المتماشية مع طبيعة السياقات؛فهي حينها-التعابير- من صلب ما يقوم به البشر فيما بينهم"...فأنا أرى إنسانا في موقف حزين،تملأ الدموع وجهه؛فهذه تكون تعبيرات عن الحزن ولا أستطيع أن أدركها بصورة عادية بدون أن أشعر بداخلي بانعكاس الحزن الذي تعبر عنه،وعلى الرغم من تعلقه بعقل آخر ليس عقلي،ومكونا لجزء من تاريخ عقلي ليس هو تاريخ عقلي إلا أنّه يأتي ليحيا في نفسي"([17]).
إنّه الفهم وتوزعه داخل السياقات والمقامات التي يرد فيها،وهو الأمر الذي جعل من دلتاي يتعامل مع الفهم وفق مستويين اثنين: أحدهما "أولي للفهم،والثاني أعلى للفهم.إنّ الشكل الأول من شكلي التعبير،يمكن القول عنه إنّه مباشر،ويتمثل في فهم تعبير ما عما يعبر عنه من خلال إدراك العلاقة الرابطة بينهما،كتعابير الوجه الدالة على الفرح أو الحزن أو المرض،مثال ذلك ابتسامة على شفاه حزينة،فهي دلالة مباشرة،أما الفهم الأعلى،وهو يزيد عن الشكل الأول للفهم،فإنّه يتوجه إلى المعنى المعبّر عنه،والبحث عن علاقته بأشكال أخرى لها علاقة به،وبالسياق العام الذي يساعد على إدراك أبعاد المعنى ودلالته ويتوجه إلى العملية الأساسية في الفهم والمتمثلة في ربط الأجزاء بالكل والكل بالأجزاء في وحدة مركبة كلية"([18]).

لعل ما ينم عن بعد هذا الاستشهاد كون أنّ دلتاي حاول أن يجعل من العلوم الإنسانية طابعا خاصا يميز الإنسان وفق سلوكه الذي يتمتع به، والذي من خلاله يستطيع أن يشارك في فعل القراءة القائمة على مبدأ التأويل وهي ما تجعل من مسار الاتصال البشري يحقق نوعا من التواصل فلا النزعة التاريخية ولا النقدية ولا ما كان يمليه الاتجاه الوضعي قادر على أن يرفع الإنسان إلى مرحلته الإنسانية أبدا.إنّها تلك القراءة/التأويلية التي حاول دلتاي أن يؤسس لها وجودا معرفيا ومنهجيا يقوم في أساسه الأول على إنسانية الإنسان،معطية اهتمامها الأساسي للجانب النفسي واللغوي الذي يختلف باختلاف السياقات والأحوال،تماما ما غدا هو بنفسه يصرح به قائلا"قدر العلوم الإنسانية أنّها اختصت بدراسة أثار كائن حر مريد،تقف القوانين السببية عنده مستأذنة،وتتحدد نتائجه الحتمية مضروبا في لا يقين الحرية"([19]).
إنّه بكل وضوح الفهم المغاير والتحليل المتميز ومن ثم ذلك التأويل المحكم الخاص الذي يملك قدرة كافية في أن يحقق بعدا معرفيا ومنهجيا مع الفهم أولا ثم التفسير ثانيا.
غير أنّ ما يسترعي التريث في مثل هذه الحقيقة المعرفية التي أشار إليها دلتاي،هي كون أنّ الدراسات التي تناولت هذه الرؤية المعرفية حاولت أن تزيد فيها شيئا من لوازم ما يقتضيه الإطار المنهجي فيما يخص علاقة التأويل بعالم الإنسان،وهو بالضبط مبدأ الشعور بالذات واللاذات؛الشيء الذي جعل من رؤية دلتاي ينظر إليها بمنظار نقدي بالنسبة للذين جاءوا من بعده وعلى رأسهم الناقد الألماني الغربي إدموند هرسل(Idmund Husserl)؛هذا الرجل الذي حاول بدوره أن يأخذ الدائرة التأويلية/الهيرمنيوطيقا إلى مسار آخر؛إذ عوض الوقوف عند الإطار النفسي/اللغوي بما يلازم من الحياة أو روح العصر على حد تعبير شلاير ماخر ودلتاي،ينبغي أن يكون الاتجاه التأويلي يحقق نوعا من الترابط المنهجي مع مبدأ الشعور الذي يختلف من سياق إلى آخر،وهو يحاول أن يعطي لمبدأ ظواهرية الأشياء حقها الذي يليق بعالم المعرفة.
الظاهراتية لدى إدموند هرسل(Idmund Husserl):
إنّ الهمّ الوحيد لمبدأ الظاهراتية(Phénoménologie) هو دراسة القضايا دراسة خالصة وفق ما يقتضيه الضابط الماهوي-ماهية الأشياء ليس غير-،وذلك من أجل الوصول إلى لب ما هو كائن في القضايا من معنى؛الشيء الذي جعل من إدموند هرسل يصرح قائلا" لقد وجدت في نفسي بداهة، أنّه يجب عليّ قبل كل شيء أن أنشئ فينومينولوجيا ما هوية تكون الصورة الوحيدة التي يتحقق-أو يمكن أن تتحقق-بها علم فلسفي هي الفلسفة الأولى"([20]).
لعل الخلفية المعرفية التي كانت ترتكز عليها الفنومينولوجيا هي الفلسفة الديكارتية؛على أساس أنّها قدرت أن تبني لنفسها في ظل هذا الاتجاه الفلسفي الديكارتي نظرة جديدة لعالم الحياة من بابها الشامل، وعليه فإنّ الفينومينولوجيا«قد تحولت عن طريق دراسة التأملات التي كتبها ديكارت إلى نموذج جديد من نماذج الفلسفة المتعالية.وأنّنا لا نستطيع أن ندعوها ديكارتية جديدة على وجه التقريب،رغم أنّها وجدت نفسها مقصورة على إطراح جميع المضمون المذهبي المعروف عن الديكارتية تقريبا»([21]).
لقد اعتبر هرسل أنّ الفلسفة الديكارتية ارتكبت خطأ شنيعا حين راحت تزعم فيما تزعم بأنّ العالم مقسّم إلى قسمين:؛مادي ومثالي؛هذا التقسيم هو في حقيقة أمره تقسيم لا يسمن ولا يغني من جوع،بحكم أنّه قد أهمل من حسبانه أهم علاقة معرفية يرتكز عليها الوجود المعرفي،وهي الوجود أو العالم والإنسان؛الشيء الذي جعل من هرسل بنفسه يصرح قائلا"ومما يؤسف له، أنّ هذا ما حدث لديكارت جرّاء خلط قليل الأهمية، ولكنّه لم يكن إلا من أشأم ما عرف؛إذ إنّه جعل من الأنا جوهرا مفكرا منفصلا، وفكرا متحققا في الروح الإنسانية ونقطة انطلاق لاستدلالات سببية.إنّ هذا الخلط هو الذي جعل من ديكارت أبا لهذا التفسير الخاطئ الذي هو المذهب المثالي الواقعي»([22]).
هذا الزعم المعرفي الذي أراده هرسل من نقده لما أشار إليه ديكارت جعله لا يقر بذلك المبدأ الفلسفي الذي ظل يسير مع حركية الوجود زمنا طويلا والقائل:أنا أفكر إذاََ أنا موجود؛هذا المبدأ حاول هرسل أن يستبدل أحد طرفيه ليجعل مبدأ الشعور قائما في الذات المفكرة وفي الذات نفسها؛ ومن ثم يصبح المبدأ القصدوي يحقق نوعا من الانسجام مع الذات المفكرة الحاملة لمبدأ الشعور بمفهومه الشامل،وعليه فإنّ ورود كلمة القصد أو القصدية على لسان هرسل إنّما تعني فيما تعنيه"...شيئا آخر غير هذه الخاصية العميقة والعامة، التي تجعل الشعور شعورا بشيء ما، وتجعله يحمل في ذاته بما هو أنا أفكر موضوعه المفكر به([23])".
ولكي يبرر هرسل هذا الطرح القائم على مبدأ النقد فيما أشار إليه ديكارت في مبدأ الفلسفي المشهور،حاول أن يغيّر من هذا المبدأ:أنا أفكر إذاََ أنا موجود،إلى مبدأ يسمى بالمبدأ الكوجيتاتوم([24]) ونصّه ما يلي:«أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة».
من هذا المنطلق أضحى هرسل يبني تصوره المعرفي والإجرائي فيما يخص بالبعد الفينومنولوجي/التأويلي الذي همّه الوحيد ليس مبدأ الشعور منعزلا عن موضوعاته،بل ذلك التلازم المنهجي بين الشعور والموضوع؛هذا النوع من التلازم هو وحده-في اعتقاده-له القدرة الكافية في أن يعطي للاتجاه القصدي/التأويلي حقه المعرفي لأن يقتحم عالم الظواهر وفق تخريجات لا تتماشى فقد مع الإطار النفسي فحسب،بل مع مبدأ الشعور وما يلازم ذلك من علائق متعددة ومتنوعة([25]).
على هذا الأساس يصبح مبدأ القصدية المحقق لمبدأ التأويل شرطا أساسيا في إدراك مفهوم الأنا واللاأنا في المجال الظاهراتي الذي ظل يؤمن به هرسل منذ زمن بعيد؛الشيء الذي جعل من القصدية"تشترط في شيء أن يكون له بداية ونهاية؛على أساس أنّ البداية تظل مجهولة وتظل مسلمة ميتافيزيقي،وعليه فمن يا ترى القادر على تسديد مبدأ الشعاع الأولي للبداية،إلى حركية الذات وهي تنتقل نحو مبدأ الانسلاخ إلى واقع اللاذات،لكي تستحوذ على اللاأنا؟....في هذا التداخل الواقع بين الجانب المعرفي والوجودي يذهب هرسل إلى أنّ الذات، إنّما هي ذات لشيء ما، وأنّ الوعي هو وعي بشيء ما وهو تأكيد ربّما يحل المشكلة إلى حدّ ما كونه يعطي بيانا واضحا لمبدأ البداية الممكنة"([26]).
إنّه المبدأ الذي ترتكز عليه الفنومينولوجيا وهي توظف شيئا من الجانب التأويلي في علاقته بالظواهر على اختلاف أنواعها وأشكالها؛ الشيء الذي جعل ممن تبنوا هذا الزعم أن يوظفوه على جميع القضايا المعرفية.
غير أنّه من باب أولى أن ننوّه إلى أنّه مثلما قام على أنقاض النظرية النفسية اللغوية لشلاير ماخر نقدا،قاد أيضا على النظرية الهرسلية نقدا قائما أساسا على أنّ الجانب التأويلي/الفنومينولوجي غير كاف في تعامله مع ما تقتضيه طبيعة الأشياء،وهو ما جعل من هايدجر الألماني لا يتماشى مع هذا الزعم الهرسلي لأنّه أهمل حسب هايدجر العلاقة الكائنة بين الوجود والموجود؛هذه العلاقة التي أقل ما يقال عنها بأنّها قادرة على أن تعطي للذات حقها في أن توظف العملية التأويلية وفق ما تقتضيه طبيعة السياقات والأحوال.
وسطية اللغة بين الوجود مع الموجود لدى هايدجر:
لقد رأى هايدجر بأنّ معظم الدراسات التي تناولت موضوع اللغة في علاقته بعالم المعرفة قد أهملت العلاقة الثنائية القائمة بين الوجود والموجود ؛على أساس أنّ هذه العلاقة الأخيرة لا يصح أن تدخل في الإطار المعرفي التأويلي؛ومن ثم فإنّ العالم/الوجود"بمفهومه الوجودي في نظر هايدجر ليس عبدا لحركية الذات، وما تمليه من السيطرة والجانب التسّلطي في اتخاذ الأحكام والقرارات المزيفة البعيدة عن عالم الحقيقة،وهي تتعامل مع الأنساق المختلفة والمتغيرة وفق حركية الوجود،وإنّما العالم هو أبعد من ذلك كله.وعليه كان لزاما على هذه الذات الإنسانية أن تتواضع وهي تتعامل مع هذا المطلق الذي يحويها من كل ناحية.إنّه التعامل الوجودي الهيدجري،الذي أراد من حركية العالم(الوجود)أنّها دائما تكون في استعداد تام ومتواصل،في إعطاء للذات الإنسانية كل ماله علاقة بمقامها الوجودي والمعرفي والفكري على حدّ سواء"([27]).
ولقد استلزم من هذا الاتجاه أو الزعم الفلسفي أن يبني هايدجر تصوره المعرفي على مسلمة مفادها أنّ دراسة التأويل لا تكون إلا في ظل ما تمليه العلاقة بين اللغة والوجود/العالم والإنسان؛هذه المحطات هي التي جعلت منه أنّه"لم يهتم بالميتا-لغوي إلا في إطار الدازاين؛لأنّ مشغل الكتاب الأول-على حد تعبير ميشال فوكو-هو إكساب التأويلية أساسا أنطولوجيا يقارب المعيش المتخفي والواقعي العميق.لقد تحوّلت التأويلية بذلك من تركيب ثنائي:فهم فتأويل إلى موقع،فهم فتأويل،وإذا كانت التأويلية السابقة تنطلق من تفسير النصوص وتوظف لذاك فقه اللغة؛فإنّ تأويلية هايدجر تعود إلى ما قبل تفسير النصوص بالتطرق إلى الأشياء حيث الرجوع إلى الأصل،ولا تفي اللسانيات وفقه اللغة بهذه الحاجة،بل إنّ البحث في العلاقة الحميمية البدائية بين اللغة والأشياء يستلزم نفي أي مسبق بالحفر في ماهية اللغة والأشياء معا فكانت التأويلية سجينة طرق ثنائية الذات الموضوع وتدور في مجال حركة ذهنية مغلقة هي حركة ذهاب وإياب بين الفهم والتأويل ضمن خط تواصلي واحد متكرر،وقد تم بالحفر الأنطولوجي بعث مشروع منهاجي يهز الطرق من الداخل ويفتحه بهدم قلاعه وذّاك أسسه القديمة"([28]).
من هذا المنطلق حاول هايدجر أن يعطي لقيمة الوجود في علاقته بالموجود حقهما من مبدأ التأويل الذي يتماشى وعالم القضايا التي تختلف باختلاف المقامات.بعبارة أدق"إنّ الوجود يتجلى حين نفكر فيه بصفته حضورا.إنّ الفكر الغربي اهتم بالوجود من خلال المعطى-الكائن الموجود-،في حين إنّ الوجود ليس على هذا الإطلاق،حول هذه الفكرة تظهر إسهاماته التي جعلت من الوجود الهاجس المستمر لفلسفته.إنّ الآنية أو الدازاين هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يتجاوز الموجود نحو الوجود،ومن هنا نشير إلى الاختلاف الأنطولوجي بين الوجود والموجود والذي كان محور كتابه-الوجود والزمن-(أي الفرق بين الوجود كدلالة للموجود ومعنى الوجود في حدّ ذاته)...يمكن القول إذن إنّ كلمة دازاين تعني في لغتها الألمانية الأصيلة الوجود أو الموجود،ولكن هايدجر يقصد بها معنى مزدوجا: الموجود العيني،الفرد الذي يكون دائما على علاقة بالوجود، وكينونة الوجود الإنساني التي ينظر إليها من خلال ذلك الموجود العيني "([29]).
همّ هايدجر أن يجعل من الوجود في علاقته بالموجود يتكلم في ظل واقع اللغة؛هذه اللغة التي تمثل بحق الحامل المادي لهذا التقابل المعرفي الفلسفي،وهو من ثمة قادر أن يحقق بعدا تأويليا لا يتوقف عند الحدود ولا يؤمن بمبدأ الضوابط،لأنّ منبعه الوحيد هو الوجود-المطلق-؛ الشيء الذي جعل من هايدجر نفسه يقر إقرارا واضحا وقاطعا على أنّ"اللغة هي في حقيقة أمرها بيت الوجود،ومخبأ ميلاد الإنسان"([30]).
ولعل اهتمام هايدجر بالعلاقة بين الوجود والموجود ومن ثم اللغة التي تجسّد هذه العلاقة،أهّله فيما بعد أن يشير إلى حقيقة معرفية مفادها أنّه يقصد مبدأ الاختلاف الذي لا يتماشى ومبدأ التماثل الذي يقيّد من حركية التأويل في علاقته بالواقع اللغوي الوجودي الكينوني.
بعبارة أدق يمكن القول بأنّ"إنّ فكرة التماثل أو التطابق الذي ظلت العقلانية منذ زمن بعيد تكرّسها على مجموعة من السياقات على اختلاف أنواعها، إنّما هي فكرة قائمة على مبدأ الاستبداد والظلم والتسلط، على أغلى شيء بثه صاحب الرعاية المطلقة في كل ذات إنسانية دليلا ساطعا على أنّه كائن بكينونته التي لا يعلمها إلا هو.إنّه مبدأ الاختلاف الوجودي الذي يتماشى مع الفهم التأويلي التخريجي المتغيّر والمتجدّد عبر تغيّر حركيّة الواقع"([31]).

إذا إنّ علاقة الإنسان بالعالم حسب ما أشار إليه هايدجر"ليست علاقة ذات متقوقعة ومنطوية بموضوع خارج أمامها...إنّ الإنسان هو دائما وبكيفية مسبقة كائن في العالم،أي أنّه في علاقة ألفة مع العالم،وهذه العلاقة لا تنشأ بقرار منه،بل هي محدد أساسي لوجوده"([32]).
لقد كانت جل أعمال الناقد هايدجر تطرح فلسفة جديدة في العلاقة الثلاثية القائمة أساسا على:العالم-الوجود-،والإنسان،واللغة؛ والمحرك لهذه العلاقة بأكملها هو اللغة ولكن ليس من جهة التقعيد ومبدأ الاستعمال،ولكن على جهة الإطلاق المتماشي مع عالم الوجود؛ الشيء الذي جعل من هذه العلاقة تفرز في نهاية المطاف قلقا وجوديا معرفيا له ما له وعليه ما عليه([33]).
لعل ما كان يريده هايدجر وهو يتعامل مع الواقع اللغوي في ظل الوجود في علاقته بالموجود،أنّ العملية التأويلية لن تؤتي أكلها المنهجي والمعرفي إلا إذا أعطت الحق اللازم والمفروض للإنسان الذي يعد بحق المحرك الأساسي للعلاقة بين الوجود واللغة؛الأمر الذي سيجعل من حركية التأويل تساهم هي الأخرى في عملية تخريجية تتماشى ومقصدية الواقع المعرفي بكل صوره وأشكاله.
لكن مع هذا كله ظلت رؤية هايدجر يحدوها نوع من النقص فيما يتعلق بالمفهوم والإجراء،وهو ما جعل من جاء فيما بعده لا يوافقه في الطرح الذي قدّمه فيما يخص مفهوم التأويل في علاقته بالوجود والموجود ومن ثم اللغة؛الشيء الذي جعل من جورج غادامير (Gadamer)ينتقده من جهة المنهج؛مؤلفا مصنفه المشهور المنهج والحقيقة(Vérité et Méthode)؛هذا المصنف الذي أصبح بمثابة الحجر الأساس لدى المشتغلين في الدراسات التأويلية.
فعل التأويل بين المنهج والحقيقة:
إذا كان هايدجر الألماني قد بنى تصوره على الفهم في علاقته بالوجود والموجود في ظل ما يمليه الإطار التأويلي الهيرمنيوطيقي؛ فإنّ غادامير راح يبني تصوره على مبدأ الفهم من زاوية أخرى أطلق عليها بـ: تاريخانية الفهم التي لها القدرة الكافية في أن تتخطى كل الصعوبات المتعلقة بالإطار الأنطولوجي الذي كان يؤمن به هايدجر([34]).
ولعل القول بتاريخانية الفهم لدى غادامير ينم من الوجهة المنهجية إلى الرجوع إلى الينابيع الأولى لنشأة الهيرمنيوطيقا التاريخية المهتمة بالإطار النفسي والتي دعا إليها شلاير ماخر ودلتاي من بعده؛الشيء الذي جعل من غادامير يقر من أنّ هذه الإرهاصة تمثل الحجر الأساس في ما يسمى بالهيرمنيوطيقا التقليدية القائمة على الجانب التقني في عملية الفهم([35]).
ويذهب غادامير في سياق آخر إلى أنّ عملية الفهم تتعلق بتلك الممارسة اللامحدودة للفهم الجامع بين الإطار التقني والإجراء التأويلي. بعبارة أخرى وعلى حد تعبير غادامير"إنّنا نستنتج بالضرورة أنّ نظرية ما قد لا تطبّق عمليا لكن قد تفتح على الأقل إمكانية بالخصوص تحت سلطة قواعد طابعها تقني،ومن هنا يجب أن نربط فهم الذات بالممارسة اللانهائية لذلك الفهم القابل للتصحيح على الدوام"([36]).
ومن طبيعة غادامير كرجل عرف قدر الأمانة العلمية أنّه رجل قد أخذ الكثير من هايدجر؛إذ يعتقد بأنّ فعل الفهم ينبغي ألا يخرج عن الدائرة الهيرمنيوطيقا/التأويلية التي أسّس بنيانها الداخلي-الوجود/العالم- والخارجي-الموجود/اللغة-هايدجر،والتي جعلت منه لا يخرج عن بنيتها الأساسية في كثير من السياقات؛إذ نلفيه يصرّح بصريح العبارة قائلا"إنّ الهيرمنيوطيقا ليست دائرة مفرطة،بالعكس إنّها دائرة تخفي وراءها إمكانية وضعية لمعرفة الأصل وبموجب هذه الإمكانية يمكن للتأويل أن يفرض نفسه كفضاء لما هو علمي،وبالتالي يتحرر من سيطرة الحدوس ومصطلحات المعرفة الشعبية وهذا الطابع العلمي في التأويل لا يكون إلا من خلال عالم الأشياء نفسها"([37]).
بل يبتعد هايدجر في نظر غادامير إلى أنّ البعد الحقيقي لمفهوم الهيرمنيوطيقا إنّما يعود في أساسه الأول إلى الجانب الوجودي بمفهومه الشامل،وهو المحقق لمبدأ الاكتمال لفعل التأويل في علاقته بفعل الفهم. بعبارة أخرى إنّ هايدجر"يصف حالة الاكتمال للتأويل الفهمي نفسه باعتبار أنّ التفكير الهيرمنيوطيقي عند هايدجر يمثل دائرة لها معنى أنطولوجي،وضعي يظهر من خلالها الوصف كقاعدة واضحة،بذاتها أي بديهية لكل مؤول يعرف منذ البداية عمله أو ماذا يفعل"([38]).
من هذا المنطلق بات من الضروري أن يعتمد غادامير على تفرقة مهمة تصب في لب البحث العلمي والمتعلقة بتحديده لمفهوم المنهج؛إذ يرى بأنّ المؤوّل عليه قبل اقتحام عالم النص أن يكون صارما بعيدا عما تمليه الذاتية من ميولات لا تتماشى والموضوعية العلمية الصارمة.
يقول غادامير في هذا السياق بالذات ما بيانُه"... وحتى تتحقق هذه الأخلاقية للهيرمنيوطيقا يجب أن تكون النظرة الموجهة للشيء نفسه صارمة على مختلف الجوانب والجهات،باعتبار أنّ المؤول طعم صائغ لحدوثه،وكل من يريد أن يفهم نصا ما،يجب أولا أن يكون صارما مع ذاته عندما يبدأ وهم المعنى الأول للنص،لهذا يجب على كل مؤوّل أن لا يرسم منذ البداية خطا واضحا للنص من خلال المعنى الأول،بل يجب أن ينتظر وبخطوات متأنية المعنى الذي لم يتحدد بعد في الأفق ومن هنا يبدأ التقدم في ولوج المؤوّل إلى المعنى الذي يمثل فهما لكل ما هو معطى"([39]).
ولكي يكون لفعل الفهم شرعية معرفية في العملية أو الدائرة التأويلية يرى غادامير أنّه لا يجب أن نضع الثقة الكاملة فيما نقرأه أن نسمعه لأن ذلك سيجني على عملية الفهم ومن ثم تحقيق جانب تأويلي تخريجي لما يقوم عليه النص من حقائق معرفية،وعليه لتفادي مثل هذا النوع من الفهم غير المنهجي يذهب غادامير فيما معناه بأنّه"لا يجب أن نأخذ بشكل عام كل ما يعطى لنا في النص بل يجب أن نحدث قطيعة بين جملة أفكارنا وما ننتظره حقيقة من هذا النص،فبالعكس إنّ كل ما يقوله لنا شخص ما من خلال الحوار أو من خلال رسالة ما أو من خلال كتاب ما أو شيء آخر؛فهو يعبر رأيه وليس عن رأينا،وبالتالي قد أشاطره الرأي وقد أختلف معه بالضرورة لكن هذا ليس شرطا لتسهيل الفهم، بل بالعكس يصعب أكثر من هذه المهمة باعتبار أنّ آرائي المسبقة التي تحدد فهمي قد تصبح من خلال هذا الفهم الأول غير مدركة وغير مهمة،وهكذا يحدث سوء الفهم،يمكن أن يصبح مستقبلا دافعا لفهم أكثر عمقا،لكن شريطة أن ندرك حقيقة هذه الحالة ونعمل بجهد للقضاء على سوء الفهم ونؤمن النص منه"([40]).
ثم إنّ عملية الفهم أو فعل الفهم لن يتحقق بين الباث والمتلقي أو بين واقع الأفراد إلا إذا كان منبعه ينطلق من مبدأ نسبي،وهو ما يحقق ما يسمى بمبدأ الانفتاح؛هذا المبدأ هو الذي يعطي لشرعي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي Empty
مُساهمةموضوع: رد   المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي I_icon_minitime2013-07-11, 15:59

ثم إنّ عملية الفهم أو فعل الفهم لن يتحقق بين الباث والمتلقي أو بين واقع الأفراد إلا إذا كان منبعه ينطلق من مبدأ نسبي،وهو ما يحقق ما يسمى بمبدأ الانفتاح؛هذا المبدأ هو الذي يعطي لشرعية الفهم للآراء سواء أكانت شخصية أم لدى الآراء الآخرين([41]).
غير أنّ مثل هذا المبدأ القائم على الانفتاح قد انجر في ظله اتجاها آخر يقوم أساسا على ما سمّي في مجال الدراسات بالأحكام المسبقة؛ هذه الأحكام لربّما تجعل من كثير من الباحثين ينظرون إليها بمنظار سلبي على أساس أنّها تخل من حركية المعرفة،وهي رؤية لم يؤمن بها غادامير بحكم أنّها تعطي لفعل الفهم بعدا آخر،على أساس أنّ الأحكام المسبقة تساهم هي بدورها في المجال المعرفي مفهوما ومنهجا([42]).
لكن لسائل أن يسأل؛ما هو المنبع المعرفي والمنهجي للأحكام المسبقة يقول غادامير في كثير من سياقات كتابه المشهور-الحقيقة والمنهج-؟ ليعطي رأيه الخاص مبينا الشرعية المعرفية في ورود مثل هذه الأحكام المسبقة في المجال المعرفي وبالضبط في فعل الفهم في علاقته بالإطار التأويلي.
يقول غادامير في هذا المقام"إنّ الأساس في الأحكام المسبقة لا يخرج عن سبيلين اثنين:أحدهما أحكام مسبقة لها الصدارة أو السلطة،والثاني سريعة النفوذ لكنها لا تؤتي أكلها،وعليه إذا كان فلاسفة الأنوار قد عدّوا أنّ مثل هذه الأحكام المسبقة مرادفة لمبدأ الخطأ،بحكم أنّهم لم يجدوا منهجا قويما يقف مرصادا أمام هذا النوع من الخطأ،وبوجود ديكارت وباكتشافه لفكرة المنهج استطاع هذا الأخير أن يواجه مثل هذه الأحكام المسبقة، ولاسيّما سريعة النفوذ التي لربّما تجعل عقلنا يظل عاجزا في اكتساب المعرفة"([43]).
ثم نلفي غادامير في سياق آخر يعطي الأهمية البالغة بفعل التأويل في علاقته بفعل الفهم الذي ينبغي أن يرتبط بعلاقة الإنسان بالعالم أو الوجود،وهي لفتة موفقة نعتقد أنّه قد أخذها من قبل هايدجر؛إذ يقول في هذا الصدد ما نصّه" إنّ الدراسات التي سنقرأها هنا تعالج مشكلة التأويل؛ ذلك أنّ ظاهرة الفهم، ومن ثمّ تأويل ما فهم تأويلا صحيحا، لا يشكل مشكلا متميّزا يتعلق بمنهجية العلوم الإنسانية فقط؛فالفهم وتأويل النصوص ليسا حكرا على العلم ولكنّهما يتعلقان أساسا بالتجربة الشاملة التي يكونّها الإنسان عن العالم، ومن ثمّ فإنّ ظاهرة التأويل ليست مشكلة منهجية"([44]).
هذه اللفتة التي يشير إليها غادامير ستؤهّله لأن يتناول قضية خطيرة باتت من اللوازم على الدراسات التأويلية الأخذ بها والعمل وفقها.إنّها قضية التفرقة بين المنهج والحقيقة؛في الوقت الذي نجده يركز اهتمامه البالغ على المنهج نظرا لخطورته المتميزة في العلوم الإنسانية بخاصّة،وهو القائل بصريح العبارة" إنّ الحقيقة ربّما في سياقات تراوغ المنهج؛ ذلك أنّ المنهج هو تلك الصيغة العلمية للتعرّف التي لها مكاسب، لا يمكن بحال من الأحوال النزاع في أمرها وشأنها.على الرّغم من أنّ كل صيغة لها خسائرها(...)إنّ صيغة المنهج العلمي هي حركيّة الذات التي تسيطر على الموضوع"([45]).
ويذهب غادامير في سياق آخر إلى أنّ دراسة التأويل ومن ثم تحقيق عملية الفهم لا يكفي تجسيدها بالرجوع إلى الدراسات أو العلوم المعرفية قصد استقاء منها المناهج،ولكن ينبغي زيادة على ذلك العودة إلى جل العلوم لكي يستفيد منها فعل التأويل في علاقته بفعل الفهم؛الأمر الذي جعل من غادامير يعتقد:«أنّه إذا ما أردنا أن نموقع عملنا داخل المنظومة الفلسفية لعصرنا؛فإنّه ينبغي أن ننطلق من أنّنا حاولنا أن نقدّم إسهاما يكون بمثابة حلقة وصل بين الفلسفة والعلوم، ومن ثمّ مواصلة العمل المثمر في ذلك المجال الواسع الذي هو مجال التجربة العلمية، هذا دون أن ننسى تساؤلات هايدجر الجذرية التي أفادتنا أيّما إفادة»([46]).
والحديث عن علاقة فعل التأويل بفعل الفهم يجر غادامير إلى الحديث عن علاقة فعل الفهم بفعل اللغة؛إذ يرى بأنّ العوائق التي تصب الباحث أو المتلقي مهما كان نوعه في الجانب اللغوي مردّها الأساسي هو العائق القائم في فعل الفهم،وهذا الأخير في فعل التأويل؛فكل تأويل هو في أمس الحاجة إلى فعل الفهم المرتبط بفعل اللغة([47]).
إنّ الفعل التأويلي الذي ظل يؤمن به غادامير طيلة حياة وجوده المعرفي والفكري هو ما لازم مبدأ التغير القائم في المجالات المعرفية المصاحبة لواقع العصر بكل ملابساته الداخلية والخارجية([48]).
واللافت للانتباه أنّ غادامير وهو يؤكد على ضروروة فعل التأويل المطبّق من قبل المؤوّل فإنّه يوصي فيما يوصي إليه في كتابه-الحقيقة والمنهج-بأنّ المؤوّل ينبغي أن يلتزم في العملية التأويلية بالضابط التاريخي والضابط الذي يجده في واقع النص؛هذان الضابطان هما اللذان يؤهلان المؤوّل لأن يحقق في هذه العملية التأويلية ما يسمى بـ:فعل السؤال مع فعل الجواب؛هما إذاََ ركيزتان أساسيتان في شرعية الإطار التأويلي في علاقته بفعل الفهم لدى غادمير([49]).
لا يبرح غادامير في جل تحليلاته التي يقيمها على واقع النصوص وبخاصة المقدسة أن يبتعد عن الجانب الإيجابي للأحكام المسبقة التي تؤتي أكلها في فعل الفهم مع فعل التأويل؛على أساس أنّ"...العقل تكوّن من خلال هذه الأحكام المسبقة (Les préjugés)أكثر من أحكام ذاتها،وتحقيق هذا الوعي التاريخي يكون من خلال خصوصية وغنى هذه الأحكام والتقاليد(La tradition)في نفس الوقت وذلك في عملية الفهم بإعطاء وسائل اختيار العودة التفكيرية حول العمل التاريخي الذي يكوننا؛فالأحكام المسبقة هي الآفاق الأكثر إنتاجا والعمل التاريخي يمثل ربحا فكريا جوهريا وأساسا من أجل البحث العالمي،الكوني والشمولي لفكرة الفهم (Compréhension) التي تحدد النهاية(La finitude)...فالفهم يأتي من خلال فكرة الحوار مع الآخر (L’autre)والتقليد،ونستطيع هكذا فهم الوجود من خلال اللغة الواقعية مجالا تقريبيا للتأويل...فهذا التأويل ليس نسباويا أي لا ينتمي لا للنزعة النسبية(Relativisme) ولا للتاريخانية (Historicisme)فعائق النزعة النسبية أنّها لا ترى المعنى إلا على أساس الحقيقة المطلقة بحيث وضع كل من هايدجر وغادامير حدا لهذه الأصول الميتافيزيقية محررين العقل من الحقيقة التي يلهمها العقل الإنساني وحده؛فالعمل الجبار الذي قام به غادامير هو إخراج الفلسفة من الفضاءات المغلقة للنزعة التاريخانية الهيغلية،وذلك من خلال التأويل"([50]).
أبعد من ذلك أنّنا نجد تقاربا معرفيا بين شخصية غادامير وهرسل في اعتماد كل منهما على المنهج الذي ينبغي أن يسير جنبا إلى جنب مع فعل الفهم؛الشيء الذي جعل من غادامير يثني على هرسل في هذا النوع من التعامل،حين نجده يصرح بصريح العبارة قائلا"إنّ الفهم يمثل طابعا وخاصية ظواهرية أصيلة للحياة الإنسانية نفسها،التي تسعى إلى تحقيق مسافة من الحرية تجاه الذات؛هذه الذات التي تمثل بنية أساسية للحياة الإنسانية،ترتكز عليها مهمة الفهم وإنّ هذه المهمة كذلك هي تفكير طواهري جذري يكشف عن طبيعة هذه البنية من خلال التحليل المتعالي، الذي يصل في نهاية الأمر إلى جعل التعالي خلاصة نهائية تتجاوز عالم الموجودات عن طريق مهارة نظرية،تتمثل قبل كل شيء في حسن القراءة من أجل حسن التأويل"([51]).
بل أبعد من ذلك يرجع الأصل الإبتيمولوجي لكلمة الفهم في اللغة الألمانية للإشارة إلى المهارة العملية،وعليه يكون"معناها لا يعرف القراءة وبمعنى آخر لا يملك القدرة على ذلك،لكن هذا المعنى يختلف عن الفهم في معناه النظري والمعرفي؛فإذا حاولنا النظر من قريب نجد أنّ هناك نقاطا مشتركة بين كلا الاتجاهين فيما يخص مسألة المعنى؛لأنّنا سواء تعلق الأمر بالجانب العملي أو النظري فإنّنا أمام مسألة معرفية،إنّنا نريد أن نعرف وأن نفهم شيئا ما فحتى الذي يريد فهم نص ما وقانون ما فإنّه يبذل جهدا وباكتمال هذه العملية المتمثلة في الفهم فإنّه سيتحصل على حرية فكرية جديدة...وهو ما جعل من غادامير يصرح بأنّ ظواهرية هرسل فتحت إمكانية شمولية للتأويل ومن أجل رؤية وتحديد وإدراك العلاقات واستخلاص النتائج،هذه الإمكانية التي تشكل بالتحديد مجالا معرفيا لفهم النصوص،وكلما كانت هذه الإمكانية مبنية على عقلانية الغايات،فإنّها ستؤسس لمعايير من خلالها تتأكد وتتوضح حياة النصوص"([52]).
ما يمكن قوله فيما جاء به غادامير في ظل كتابه-الحقيقة والمنهج- بأنّ"الفهم أو التأويل كما يعبّر عنه غادامير،في النهاية،لا ينحصر في التراث الفني للشعوب وفي تراثها التاريخي،إنّما يرتبط بشمولية الحياة والتجربة الإنسانية،نتوصل بهذا-على حد غادامير-إلى التوفيق بين تجربة العلم وتجربة حياتنا الإنسانية عموما.لقد انتقد غادامير بشدة تقسيم عمليات التعلم والفهم إلى عناوين وتصنيفات ومجالات منفصلة وجامدة،الأمر الذي يجعلنا نخسر الحس الكلي والمجمل بالحياة،ومعه أصبحت الهيرمنيوطيقا غير أكاديمية،بحيث صارت تمثل مقاربة جديدة في أسلوب الفهم،تفضل أن تدع الأسئلة معلقة في الهواء،وتقاوم كل الحلول والأجوبة السهلة"([53]).
تعقيب وتوجيه:
إنّ ما يقتضيه الطابع العلمي الموضوعي في مثل هذه الحقائق التي حاولنا تناولها وفق ما يستدعيه مقام الدراسة،هو محاولة إقامة شيء من التقاطع المنهجي والمفاهيمي فيما يتعلق بمفهوم الهيرمنيوطيقا الذي راح يترأس مفهوم-التأويل-في كثير من السياقات المعرفية والفلسفية التي أشرنا إليها في هذا الفصل بالذات.
وعندما نقول الهيرمنيوطيقا المقابل الترجمي لمفهوم التأويلية-على حسب ما نعتقد وتؤمن به-فإنّنا نحاول بما تيسّر لنا جمعه من مادة معرفية أن نعطي الإطار العام الذي دار فيه مصطلح الهيرمنيوطيقا وهو يتلون من حيث المفهوم والإجراء من نظرية إلى أخرى،لنعطي في نهاية المطاف المعادل المعرفي والمنهجي القائم في الموروث اللساني العربي الذي يؤمن في عملية الإطلاق ومن ثم الوظيفة بمنبع واحد وهو:الوحي القرآني،وهو من ثمة يختلف عما تقوم عليه اللسانيات الغربية من الإطار الفلسفي.

إنّ أدنى تأمل في المحصلة المعرفية والفلسفية المتعلقة بمفهوم الهيرمنيوطيقا من خلال ما أشار إليها الرواد الغربيون،يهدي بنا المقام إلى أنّها قد تناولت عدة أبعاد معرفية وإجرائية تتعلق بمفهوم الهيرمنيوطيقا القائمة على جانب تأويلي تخريجي يختلف باختلاف الأحوال والمقامات،ولعل أهم أثرا معرفيا في ذلك هو على النحو الآتي:
1. التأويل هو فنّ الفهم،وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية القراءة؛لأنّ القراءة هي مفتاح المعرفة؛بحكم أنّ لها القدرة الكافية في أن تكشف عن المعاني اللغوية في النص من خلال التحليل والمُدارسة قصد إعادة صياغة المفردات والتراكيب المختلفة التي لها علاقة مع النصً.
2. لا حياة للإطار التأويلي بمعزل عن النص؛في الوقت الذي تقرّ فيه المدونة المعرفية الغربية أنّ البذور الأولى لنشأة الإطار التأويلي إنّما كانت من خلال دراسة القدامى لنصوص الكتاب المقدس،ولكن مع ذلك كله لم يتقيد هذا الإطار بنص معين بل ظل يقتحم كثيرا من النصوص على اختلاف أشكالها وأنواعها.

1. إنّ التأويل يرتبط ارتباطا وثيقا بالإطار النفسي/اللغوي في علاقته بواقع الحصر أو روح العصر كما ذهب إلى ذلك شلاير ماخر في نظريته التي أشرنا إليها سابقا؛الشيء الذي جعل منه يبني تصوره الثلاثي على العملية الهيرمنيوطيقا/التأويلية وهو ما جعل من فعل التأويل يتوقف شيئا فشيئا عند فعل الفهم الذي لم يخرج في الغالب عن إطاره النفسي/اللغوي،وأضحت هذه الرؤية بمثابة الحجر الأساس للدرس الهيرمنيوطيقي/التأويلي لكل من يريد أن يتناول هذا المفهوم أن يعود إلى هذه الحقيقة المعرفية والإجرائية التي تنبه إليها شلاير ماخر.
2. عدها لم يبرح التأويل أن يظل محافظا ملتزما بهذه التخريجة لشلاير ماخر،بل غدا بدوره يضيف إليها شيئا آخر لم يتنبه إليه هذا المنظر الأخير،وهو موقع العلوم الإنسانية من الدرس التأويلي، بحكم أنّ كثيرا من الدراسات التأويلية راحت تعطي الاهتمام البالغ إلى ما تمليه العلوم الطبيعية من أحكام معرفية ومنهجية محاولة إسقاط مثل هذه الأحكام على واقع العلوم الإنسانية ؛الأمر الذي جعل من دلتاي ينفرد هو الآخر بتخريجة لها وزنها المعرفي والفكري والقائمة أساسا على الإشكالية المنهجية للعلوم الروحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.إنّ هم دلتاي كان مركزا في أساسه الأول على منهج الفهم المساير مع الإطار التأويلي والمطبق على واقع العلوم الإنسانية معطيا الاهتمام البالغ للجانب الروحي في ذلك.
ليأتي بعد هذا الزعم الروحي القائم على فعل الفهم في علاقته بفعل التأويل،زعم آخر لم يتوقف عند هذا فحسب بل غدا هو الآخر يضيف شيئا ذا بال في الإطار التأويلي التخريجي،والمركز أساسا أنّ فعل التأويل لا ينبغي أن يخرج عما أسماه بفعل الظاهراتي أي (Phénoménologie)؛هذا المفهوم الذي همّه الوحيد هو دراسة ماهية الشيء محاولا من وراء ذلك كله الوصول إلى عمق ولب الظاهرة،مرتكزا في ذلك على أهم مفهوم استطاع-في نظر هرسل-أن يعطي الشرعية المعرفية والإجرائية لمفهوم الظاهراتية ،إنّه مفهوم القصدية(Intentionnalité)الذي همه الوحيد هو البحث عن فعل القصد الكائن في طيات أيّ ظاهرة يريد تناولها المؤوّل، وهو ما أهّل من هرسل أن يتوقف عند مفهوم الأنا واللاأنا بما يلازم ذلك من معاني فعل الشعور وغيرها مما أشرنا إليه بالتفصيل.
يأتي بعدا هذا الزعم الهرسلي القائم على الفعل القصدوي/التأويلي الفعل اللغوي القائم على علاقة الوجود والموجود في ظل ما أسماه بـ:الدازاين(Desein)؛هذا المبدأ الذي حاول هايدجر أن يجعل منه دليلا قاطعا على شرعية الفهم التأويلي الذي لا ينبغي أن يخرج عن:العالم(الوجود)، والموجود (الإنسان)ثم اللغة.هذا الزعم هو الذي جعل من فعل التأويل يحقق نوعا من الانسجام مع طبيعة الفهم لكن من زاوية وجودية ليس إلا.

1. ليجيء في نهاية المطاف صاحب كتاب-الحقيقة والمنهج-غادامير معطيا الاهتمام البالغ إلى الفرق الجوهري بين المنهج،و الحقيقة؛ هذه الواو الموجودة في طيات العنوان قد ظن فيها كثير من الباحثين-إلا من رحم ربّك-أنّها تفيد الجمع أو الربط أو المشاركة، لكن الأمر ليس كذلك إذ الراجع إلى الكتاب يدرك بأنّ غادامير أراد نية الفصل وليس الجمع،مؤكدا أنّ بين المنهج والحقيقة بعد المشرقين؛وهو تأكيد مباشر منه على أنّ العلوم الإنسانية قد ارتكبت خطأ فادحا حين راحت في كثير من المقامات تعتمد على المناهج معتبرة ذلك هو المقصد الوحيد في معرفة حقيقة الأشياء ملغية من حسبانه بأنّ المنهج شيء آخر غي الذي تعارف عليه المهتمون في المجال الدراسي.
هي بعض من الحقائق المتعلق بالأبعاد المعرفية والجرائية للفعل الترجمي لمصطلح التأويل من منظور الفكر الغربي والذي ينم عن طريق المسكوت عنه بالبعد الحجاجي الذي ظل يصاحب مجموعة من المنظرين الغربيين مما خلّف في ما بعد رصيدا معرفيا لا يستهان به أبدا.





________________________________________
[1] - ينقل لنا في هذا الإشكال المتعلق بالمكافئ الترجمي لمصطلح(Herméneutique)الباحث نزّار حبوبة في كتابه الموسوم بـ:المساءلة والتأويل في الفكر والأدب؛حقيقة معرفية ومنهجية تتعلق بالمسوّغ المفاهيمي والمصطلحاتي التي تتماشى ومقصدية المصطلح الهيرمنيوطيقي؛إذ يقول فيما معناه إنّ لاختيارنا-على حسب زعمه- النقل الصوتي للمصطلح مسوغين اثنين: أما أولاهما فعسر تعريبه تعريبا كافيا دقيقا،تكون له القدرة الكافية في أن يلم بجوانبه المعرفية المتداخلة جملة وتفصيلا. ولعل هذا ما أدى بكثير من الدارسين المهتمين بالمجال التأويلي من العرب وبخاصة المنظر نصر حامد أبو زيد إلى نقل مصطلح الهيرمنيوطيقا نقلا صوتيا يحقق نوعا ما انسجاما مع عملية الإطلاق القائمة في أصل النسخة،وذلك في مقال له ورد ضمن كتابه المشهور الموسوم بـ: إشكاليات القراءة وآليات التأويل،ص ص:13-49.
وثانيها قصور ترجمات المصطلح العربي عن آراء معانيه أداء صادقا كليا،وسقوطها في الضيق المفهومي والمعرفي،إضافة –حسب نزار- إلى عدم استجابة المعرّب لأوساع المفهوم الفلسفية والنقدية...وفي هذا المقام بالذات الفلسفية غدا كثير من الدارسين المشتغلين بالدراسات التأويلية في مسألة التعريب،وذلك في مناسبات متباينة،وفي مواضع عديدة يصعب ضبطها أحيانا؛الأمر الذي خلّف لنا فيما بعد عدة أبعاد معرفية عربية تصدت لتعريب مصطلح الهيرمنيوطيقا الغربي؛فقيل في حقه عدة احتمالات تقابلية من مثل: فن التأويل،والتأويلية،وعلم التأويل وإن اعتراها النقص وأصابها الخلط.
غير أنّ الهيرمنيوطيقا أبت مع ذلك كله إلا أن تحافظ على بعدها النظري المتعدد الجوانب والاتجاهات من نظريات وفنون وعلوم مختلفة المقاصد والاتجاهات والمنطلقات،بل تأويليات تشمل التاريخ وعلم الاجتماع وفلسفة الجمال والنقد الأدبي ... وعليه فالمصطلح في جوهره عبارة عن منظومة تتصل بعملية التأويل عامة،وتعين شروطها وقواعدها ومجالاتها الواسعة التي تتعدى المكتوب إلى المعيش والشفوي؛فيغدو كل تجل للكائنات والأشياء والمفاهيم والأفكار بنية فهم تتطلب التأويل ،وتتيحه في آن واحد. انظر بالتفصيل إلى: نزّار حبّوبة: المساءلة والتأويل في الفكر والأدب،دار الإتحاف للنشر والتوزيع، ط1، 2004م، المغاربية. ص ص:181-182.
[2] - ينظر في هذا الصدد إلى عبد الخالق العف: موت المؤلف؛منهج إجرائي أم إشكالية عقائدية؟ مجلة الجامعة الإسلامية-سلسلة الدراسات الإنسانية- المجلد السادس عشر، العدد الثاني، 69، 2008م، ص ص: 60-61.
ويؤكد أدونيس سياق استخدام البعد الهيرمنيوطيقي الـتأويلي على النص القرآني حين نجده يصرح بصريح العبارة بأنّ"القول بإلهية النصوص والإصدار على طبيعتها الإلهية،يستلزم أنّ البشر ينزوون بمناهجهم عن فهمها ما لم تتدخل العناية الإلهية لوهب البشر طاقات خاصة من الفهم ؛وهكذا تتحول النصوص الدينية إلى نصوص مستغلقة على فهم الإنسان العادي،وتصبح شفرة إلهية لا تفهمها إلا قوة خاصة، وهكذا يبدو وكأنّ الله يكلم نفسه ويناجي ذاته" نصر حامد أبو زيد: نقد الخطاب الديني. ط3، مصر، مكتبة مدبولي، 1995م، ص:202.
[3] - عبد الرحيم بودلال:الاتجاه الهيرمنيوطيقي وأثره في الدراسات القرآنية.الموقع الإلكتروني (WWW.tafsir.net)
[4] - عبد القادر بودومة:الخطاب الديني وسؤال التأويلية،الموقع الإلكتروني: (WWW.almultaka.net)
[5]- د/عبد الملك مرتاض:التأويلية بين المقدّس والمدنّس.مجلة عالم الفكر.المجلد 29،ع1، الكويت. 2000.ص:263.

[6] - محمد مهدي غالي: النص والتأويل؛ من التعاطف إلى العنف. مجلة علامات في النقد. المجلد39،مج 10، ذو الحجة، 2001م.ص:170.
[7] - المرجع نفسه. ص:171.
[8] - نفسه. ص:171.
[9] - لزعر مختار: التأويلية من الرواية إلى الدراية.
[10] - نفسه.
[11]- نابي بوعلي: فلسفة التأويل من شلاير ماخر إلى دلتاي. من تأليف كتاب جماعي تحت عنوان التأويل والترجمة-مقاربات لآليات الفهم والتفسير-الدار العربية للعلوم ناشرون-منشورات الاختلاف. ط1، 2009م. ص:186.
[12]- المرجع نفسه. ص:187.
[13] - المرجع نفسه. ص:190.
[14]- خديجة هني: إشكالية التأسيس المنهجي في العلوم الاجتماعية،طرح دلتاي؛ مجلة أوراق فلسفية، القاهرة، العدد السابع،ص:13.
يقول الباحث نابي بوعلي في شأن أزمة الفهم التي كان من أهم أسبابها تفشي الفلسفة الوضعية والمثالية ما بيانُه"لقد تحددت مهمة دلتاي على وجه الدقة،بالرد على الفلسفة الوضعية والفلسفة المثالية في آن واحد؛فأما بخصوص الفلسفة الوضعية التي كانت شائعة في عصره،حيث ساد الاعتقاد أنّ كل الظواهر بما في ذلك الظواهر الإنسانية،تخضع للمنهج التجريبي الوضعي،الذي أعطى نتائج باهرة في مجال العلوم الطبيعية،فلقد كان القرن التاسع عشر بحق قرن الانفجار العلمي،وانتصار المنهج العلمي واتساع نطاق المعرفة العلمية ضد حصون الجهل ومعاقل الخرافة،وهكذا حاولت الروح الوضعية بسط سيطرتها على العلوم الإنسانية،بعدما أحكمت هيمنتها على العلوم الطبيعية،مما دفع الباحثين في العلوم الإنسانية إلى محاولة محاكاة هذا المنهج توخيا للدقة العلمية والضبط في النتائج والدقة في القياس.لقد كان ذلك دون إدراك منهم للفرق الموجود بين المجال الطبيعي والمجال الإنساني،غير أنّ تفاؤل أنصار النزعة العلمية لم يصمد أمام الصعوبات المنهجية،والعوائق الإبستمولوجية،وحالات الفشل التي اصطدمت بها الأبحاث في ميدان العلوم الإنسانية،وهو ما جعلها تتراجع عن موقفها الصارم الداعي إلى استخدام نفس المنهج العلمي لعلوم الطبيعة". المرجع نفسه. ص:191.
[15] - منى طلبة: الهيرمنيوطيقا؛المصطلح والمفهوم،مجلة أوراق فلسفية، القاهرة، العدد العاشر، ص:17.
[16] - نابي بن علي. المرجع السابق. ص:195.
[17] - ولهام دلتاي،في محمود سيد أحمد،فلسفة الحياة، دلتاي نموذجا، الدار المصرية السعودية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ب ط، 2005م، ص: 63.
من هذا المنطلق فإنّ التعابير بمعناها الواسع"تعتبر جسرا للتواصل بين الفواصل النفسية للأفراد لتلتحم بعالم الحياة المشتركة،حيث تكتسب قابلية الفهم لأنّها من إبداع كائنات عقلانية روحية أهم ما يميزها الوعي الذاتي والتواصل مع الآخرين،وهكذا يشرع الوعي أبوابه ليبتلع تجارب الآخرين ويعيشها،ويحتضنها،ويضمها إليه" نابي بن علي. المرجع السابق. ص:198.
[18] - نابي بن علي. المرجع السابق. ص:198.
[19] - ولهام دلتاي، في مصطفى عادل، ص:77.
[20]- إدموند هوسرل: تأملات ديكارتية.ترجمة تيسير شيخ الأرض. ط2، بيروت للطباعة والنشر. 1978م. ص:172-174.
[21]- إدموند هوسرل: تأملات ديكارتية. المرجع السابق. ص:41-42.
[22]- المرجع نفسه. ص:87.
[23]- إدموند هوسرل: تأملات ديكارتية. المرجع السابق. ص:183.
[24]- ينظر فريدة غيوة:أسس المنهج الظواهري عند إدموند هوسرل. مجلة التواصل. ع4، 1999م. ص:201 بشيء من التصرف.
[25]- ينظر عبد الفتاح الديدي: الاتجاهات الفلسفية المعاصرة. القاهرة,ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1985م. ص:31.
يقول الباحث مختار لزعر في هذا الصدد وهو يبين العلاقة المنهجية المفاهيمية التي تربط بين التراث والحداثة فيما لايخص مفهوم القصد أو فعل القصد،ما بيانُه"على الرغم من أنّ هوسرل قد أعطى لمفهوم القصدية(L'Intentionnalité) بُعدها المميّز عن البُعد المشار إليه من قبل شلاير ماخر إلا أنّ هذا البُعد الهوسرلي يظل يلامس السطح دون الولوج إلى أبعاد واقع النص أو الخطاب بكل جوانبه وملابساته الداخلية والخارجية. إنها عملية وصفية للحدث الكلامي دون السماح بالولوج إلى عمق الظاهرة اللغوية؛ الأمر الذي جعل المنهج الظاهراتي يدرس الظواهر دراسة خارجية كما قيلت أو حدثت وفق المعطى الخارجي لحركية الواقع الذي نشأت فيه الظاهرة وترعرعت من خلاله. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نجد في تراثنا العربي الزاخر بأنّ مفهوم القصدية كان يأخذ منحى آخر غير المنحى المتبع من قبل المنهج الظاهراتي لاسيما عند المعتزلة؛ذلك أنّ مفهوم القصدية عند القاضي عبد الجبار(ت 415ه) إنما يرتكز أساسا على العلاقة القائمة بين الاسم والمسمى على مستوى المفردات اللغوية، وهذا القصد في حقيقة أمره ليس من صنع الفرد بحد ذاته بل هو من صنع الجماعة عن طريق المواضعة على مسميات الأشياء؛الأمر الذي جعل من حركية القصدية تتسع أكثر عند الباقلاني الأشعري(ت403ه ) لتصل إلى مستوى التراكيب اللغوية لتعبّر عن المعنى الكائن والقائم في كل نفس؛فالكلام لا يمكن أن يكون له معنى في هذا الوجود إلا إذا كانا شرطا المواضعة/القصد يسيران م جنبا إلى جنب على أساس أنّ الكلام قد يحصل من غير قصد فلا يدل، ومع قصد فيدل ويفيد.فكما أنّ المواضعة لابد منها فكذلك المقاصد التي بها يصير الكلام مطابقا المواضعة بعبارة أخرى أنّ المواضعة لا تكفي بمفردها لأن يقع الكلام-عن طريقها- يحمل دلالة وفائدة ما لم تنفصل هذه الفائدة عن قصد المتكلم الذي يقصد بالكلام هذا دلالة معينة. إنّ الكلام عند المعتزلة هو ما قابل الدلالة الشرعية عند الباقلاني، بمعنى أنّ الكلام عندهم هو كلام الله تعالى شريطة أن يكون مصحوبا بشرط القصد إلى جانب المواضعة وذلك لوقوع الكلام يحمل دلالة؛فالمتكلم بالدلالة الشرعية هو الخالق سبحانه وتعالى. وكما اشترط المعتزلة أن تكون المواضعة سابقة على كلام الرب تعالى اشترطوا أيضا معرفة قصد المتكلم أي الخالق. وهذه المعرفة-كما أسلفنا- كل ما له علاقة بصفاته الفعلية ما يجوز عليها وما لا يجوز.وعليه فالمعرفة العقلية عندهم سابقة على المعرفة الشرعية ومترتبة عليها. وعلى هذا الأساس كان من الطبيعي أن يكتفي الأشاعرة بشرط المواضعة دون اللجوء إلى شرط القصد؛ لأنّ القصد عندهم لا يمكن معرفته إلا بدلالة الكلام-بمعنى المتكلم بحد ذاته- ولذلك نجد الأشاعرة قد وحّدوا بين الكلام والمعاني النفسية أي –الدلالة/المدلول- واعتبروهما شيئا واحدا، قديما أزليا قائما بالذات القدسية التي لا يستطيع معرفة كنهها وجوهرها العميق إلا هو سبحانه وتعالى"مختار لزعر: التأويلية من الرواية إلى الدراية.
[26]- مختار لزعر. المرجع نفسه.
[27] - المرجع نفسه. ص:
[28]- ميشال فوكو:الكلمات والأشياء، تر: مطاع صفدي وآخرون، مركز الإنماء القومي، 1990م، ص:259.
[29]- مارتن هايدجر: نداء الحقيقة،ترجمة:عبد الغفار مكاوي،دار الثقافة للطباعة والنشر،القاهرة، 1977م، ص:49.
[30] - Dominique Folscheid : La philosophie Allemande de Kant à Heidegger, PUF, 1993, p :324.
[31]- لزعر مختار. المرجع السابق.
[32]- إبراهيم أحمد: هيدجر وإشكالية الفهم اللغوي للوجود. كتاب جماعي تحت عنوان اللغة والمعنى مقاربات في فلسفة اللغة. منشورات الاختلاف ط1، 2010م. ص: 224.
[33]- ينظر مارجوي جرين: هيدجر،تعريب:مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة العربية،للدراسات والنشر،1973م، ص:25 وما بعدها
الإنسان في فلسفة الناقد الألماني هايدجر يعد كائنا يسأل في كثير من السياقات بمعنى يريد أن يحقق فعل الفهم.ولقد حدّد في كتابه المشهور:الوجود والزمن أنّ الإنسان كائن موجود في هذا العالم،وأنّ فهمه المحدود يستوجب منه استيعاب هذه الوضعية السابقة . .. ولقد انتقل هذا الناقد الألماني من الاهتمام بفكرة الوعي ومقولاته إلى الاهتمام بفكرة الوجود وقدراته،وهكذا تغيرت دلالة الفهم مع الزمن القادم؛إذ كما تروى الروايات أنّ شلاير ماخر كان معنيا بالحقيقة الداخلية،وكان دلتاي معنيا هو الآخر بفكرة الإبداع والإطار النفسي العميق المصاحب للمنهج العلمي ،ولكن مع هذا وذاك كان الفهم لدى هايدجر يعني فيما يعنيه التقاط الإنسان لممكنات الوجود،والفهم على هذه الشاكلة ليس قدرة على استشعار موقف إنسان آخر. ينظر إبراهيم أحمد: المرجع السابق. ص:217.
[34] - Gadamer, Hans- George : Vérité et méthode, Seuil, Paris, 1996, p :286.
[35] - Cf Ibid. p :127.
[36]- تروين مصطفى: التأويل والعلوم الإنسانية عند جورج هانس غادامير. كتاب جماعي تحت عنوان التأويل والترجمة. منشورات دار الاختلاف. ط1، 2010. ص: 101.
[37]- المرجع نفسه. ص:102.
[38]- المرجع نفسه. ص:102.
[39]- المرجع نفسه. ص:103.
[40]- المرجع نفسه. ص:107.
[41] - Cf Gadamer, Hans- George : Vérité et méthode. P : 289.
[42] - Cf Ibid. p :298.
[43] - Obcit. P :298.
[44]-Hans Georg Gadamer: Vérité et Méthode. Les grandes lignes d'une herméneutique philosophique, traduit de l'allemand par Etienne Sacre, Révision de Paul Ricoeur, Ed Seuil, 1976, (introduction), P: 20.
[45]- Hans Georg Gadamer: Ibid. PP: 18-19.
[46]-Hans Georg Gadamer: L'art de comprendre: herméneutique et tradition philosophique, traduit de l'allemand par Mariana Simon, introduction de Pierre Fruchon, Ed Aubier-Montaingne, Paris, 1982, P: 90.
[47]-Hans Georg Gadamer: Vérité et Méthode. Ibid. P: 235.
[48]- ينظر مصطفى ناصف.: نظرية التأويل. النادي الأدبي الثقافي. جدّة. ط1، 2000م ص:122-123.
[49] -Cf. Hans Georg Gadamer: Vérité et Méthode. Ibid. P: 219.
وينظر أيضا في هذا السياق عمر مهيبل: خطاب التأويل وخطاب الحقيقة. مجلة الفكر العربي المعاصر. ع112-113. مركز الإنماء القومي. بيروت. 2000م. ص:43.
[50]- تروين مصطفى: التأويل والعلوم الإنسانية عند غادامير. المرجع السابق. ص:119.
[51]- المرجع نفسه. ص:124-125.
[52]- نفسه. ص:125.
[53]- عباس الشارف: غادامير هيرمنيوطيقا العمل الفني وأزمة الإستيطيقا. نحو إعادة تأسيس الوعي الجمالي في الفكر الغربي. كتاب جماعي تحت عنوان. التأويل والترجمة. منشورات دار الاختلاف. ص:172.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» المسكوت عنه في ثورة 25 يناير
» الدلالة الزمنية للفعل الماضي
» اختلاف المعنى للفعل في دلالة السياق
» اللطائف الدلالية للفعل ترك في الاستعمال القرآني
» الخصائص البُنيوية للفعل والاسم في العربية ـــ د جعفر دك الباب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  :: منتديات الفلسفة والمنطق (جديد) :: منتدى المنطق والحجاج والجدل والمناظرة (جديد)-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


المسكوت عنه في البعد الحجاجي للفعل التأويلي الترجمي 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
كتاب مبادئ بلال النص الخطاب المعاصر على اللغة مجلة قواعد مدخل الحذف الأشياء النقد الخيام التداولية موقاي النحو العربية البخاري اللسانيات محمد اسماعيل ننجز العربي ظاهرة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع