تأليف محمد محمد يونس علي
تنسب نظرية أفعال الكلام إلى أوستن J. L. Austin ، وقد جمعت محاضراته التي ألقاها في جامعة هارفرد سنة 1955 في كتاب سمي ‘كيف تفعل الأشياء بالكلمات’، ثم قام جون سيرل John R. Searle وغيره من البراغماتيين بتطوير هذه النظرية أثناء السبعينيات والثمانينيات.
تقوم نظرية أفعال الكلام Theory of speech acts على النظر إلى اللغة على أنها أداء أعمال مختلفة في آن واحد، وما القول إلا واحد منها، فعندما يتحدث المتكلم فإنه في الواقع يخبر عن شيء، أو يصرّح تصريحا ما، أو يأمر، أو ينهى، أو يلتمس، أو يَعد، أو يشكر، أو يعتذر، أو يحذّر، أو يدعو، أو يسمي، أو يستغفر، أو يسبح، أو يمدح، أو يذم، أو يحمد الله، أو يعقد صفقة تجارية، أو يتزوج، أو يطلق، إلخ.
وتنظر نظرية أفعال الكلام إلى عملية التخاطب على أنها مخاطبة مرتبطة بموقف تعبر عنه، فالطلب يعبر عن رغبة في شيء ما، والمدح يعبر عن رضى، والشكر يعبر عن امتنان، والاعتذار يعبر عن ندم. ويقاس نجاح التخاطب – وفقا لهذه النظرية – بمدى اكتشاف المتلقي للموقف المعبر عنه من خلال فهم مقصد المتكلم.
وقد قسم أوستن أفعال الكلام ثلاثة أقسام:
أ- الفعل اللفظي Locutionary act ويقصد به عملية النطق بالجملة المفيدة التي تتفق مع قواعد اللغة.
ب- الفعل غير اللفظي illocutionary act ويراد به الفعل الذي يقصده المتكلم بالجملة، كالأمر أو النصيحة.
ت- الفعل المترتب عن النطق perlocutionary act وهو التأثير الذي يكون للفعل اللغوي في المتلقي، كطاعة الأمر، أو الاقتناع بالنصيحة، أو تصديق المتكلم أو تكذيبه.
وقد لفتت هذه النظرية الانتباه إلى أن اللغة ليست للإخبار ونقل الأفكار فقط، بل تؤدي أيضا وظيفة التأثير الاجتماعي في الآخرين عبر ما يعرف بصيغ العقود أو الصيغ الإنشائية. ويميز عادة بين نوعين من هذه الصيغ: صيغ الأحكام وصيغ الإنجاز، ومن الأولى أحكام المحكّمين، والفتاوى، ونحوها، ومن الأخرى صيغ العقود كقول المطلق لزوجته ‘طلّقتك’ أو ‘أنت طالق’، وقول من أراد أن يتزوج "قبلت’ عند عقده للنكاح، وقول البائع ‘بعت’ والمشتري ‘اشتريت،.ومنها أيضا قرارات التعيين، والنطق بالحكم بالسجن ونحوه. ولا تكون هذه الصيغ نافذة إلا إذا صدرت من متكلم معين لمخاطب معين في زمن معين ومكان معين وظرف معين.
وتعنى نظرية أفعال الكلام بتصنيف أفعال الكلام إلى أنواع كالتفريق بين أفعال الكلام المباشرة وغير المباشرة، والوضعية والتخاطبية، والحرفية وغير الحرفية، ودراسة طرائق نجاح تلك الأفعال وإخفاقها، وتغير معاني الجمل تبعا للسياق كتحوّل الخبر إلى إنشاء مثلا.[1]
ومن الاختبارات التي وضعها أوستن للتمييز بين الجمل الوصفية (أو الخبرية) والإنشائية أن المتكلم بقوله (1) مثلا لا يشغّل محرّك السيارة، وأما بقوله (2) فهو يعد، وبقوله (3) فهو يشكر إلخ.
(1) أشغّل محرك السيارة.
(2) أعدك بزيارة أخرى.
(3) أشكرك على حسن الضيافة.
ومن خصائص صيغ العقود أن ضمير الفعل الأساسي فيها (أو ما يقوم مقامه) إنما هو ضمير المتكلم عادة، وإن كانت هناك أمثلة تخرج عن هذا الأصل كما في (4).
(4) أنت طالق.
ومن التقسيمات التي جاءت بها نظرية أفعال الكلام التفريق الثلاثي بين
أ- الجمل الخبرية declarative sentences، التي تستعمل للإعلانات، والتصريحات، والدعاوى، وسرد القصص ونحوها،
ب- والاستفهامية interrogative، التي تستخدم لطلب إجابة لفظية من المخاطب،
ت- والطلبية التي تدل على رغبة المتكلم في التأثير على الأفعال المستقبلة، وتستخدم للطلبات وإصدار الأوامر، والاقتراحات، ونحوها.[2]
[1] للتوسع في دراسة هذه النظرية يمكن الرجوع إلى:
Austin, J. L. (1962) How to Do Things with Words, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
Searle, J. (1969) Speech Acts: An Essay in the Philosophy of Language, Cambridge, Eng.: Cambridge University Press
Strawson, P. F. (1964) 'Intention and convention in speech acts', Philosophical Review 73: 439-60.
Tsohatzidis, S. L., ed. (1994) Foundations of Speech Act Theory: Philosophical and Linguistic Perspectives, London: Routledge.
[2] Sadock and Zwicky (1985: 160)