شرعية حضـور النـص الإشهاري في الثقـافة اللسانية العالميـة
منير بن رحال
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك
تتميز اللغة بكونها موضوعا مركبا، متعدد التمظـهـــرات والأشكال وأنها ليــست حكرا على حقــل معـــرفي دون آخــر، إذ تتقــــاسمها العديد من الحقول المعرفيـة، فإلى جــانب اللسـانيات هناك الكثير من التخصصات سواء تلك التي تـوصف بالإنسانية أو التقنية تجد نفسها في قلب الظاهرة اللغوية وتطبيقاتها المختلفة. من هنـــــــا تجدها تتقاطع مع التفكير اللســاني، فاللغة في الــواقع تدرس بوصفها ملكـــة إنســانية، وكـــذا على أنها ظــاهرة اجتماعية، ومنهــج تدوين للنصوص ومادة لتطبيقات تقنية[1].
لقــد تبوأت اللغــة هــذه المكـانة فــي النشــــاط الإنســاني نظرا لكونها الحاضـــر الدائــــم بامتيـــاز في كل نشـــاط ، وبما أن قيمة أي علم تتبـدى من خـلال تطبـيقاته، وكذا الحلول التي يقدمها لتجاوز المعرقات التي تعترض الإنسان في مختلف مناجي حياته، وخصوصا في عصرنا هذا الذي يوسم بأنه عصر التقـنية، وبما أن اللسانيات التطبيقية تسعـــى إلى تفعــــيل الجانب النظـــري للســانيات والاسترفـــاد منـــه في إيجــــــاد إجابات وحلول للكثير من التســاؤلات والإشكــاليـــات التي قــد تعتـــرض الحيـاة الإنســــانية، إذ نجـــد لها تدخـــلات كثيـــرة في ميـــادين تقنــية كالمعالجــة الآلــية للغة، ولهـــا حضور في الميادين الاجتمـــاعية من خلال حل المشاكل ذات الطبيـعــة اللغــوية، فإنه يلتمس من اللسانيين العمل على دراسة صورة مؤسسة ما، تعليــم كيفــية البيع والتفـاوض حول إبرام العقــود، ومخاطبــة الجمـــاهير، وتسيير أخــد الكلمـة فـــي اجتماعات العمل ..ألخ[2]
والإشــهـار واحـــد من الحقــول التي يتجلــى فيها الحضور اللساني، وذلك من خــلال اقتــحام اللســانيات التطبيقية له لحـــل المشـاكل اللغـــوية المفترض اعتراضها سبيل وصول الرسالة الإشهارية إلى غايتهــا، إذ يتدخل اللساني لوضع النص[3]، بالتعاون مع المختصين في الحقول الأخرى، نظرا لكـــــون الخاصية المميزة لهــذا الحقل تتمثل في تداخل الاختصاصات (interdisciplinaire).
إن نحـــن أردنا التأسيس التاريخي للدراسات اللسانــية للإشهــــار، فإننــا نجد أن أولى المقاربـــات لهـــذا الحقل تعــود إلى سنة 1949، حيث خصص أنـــذاك اللســـــــاني ([4]Leo Spitzer) أكثـــر من خمس وأربعيــن صفحة لتحليل وثيقة إشهارية ضمن عمل من أعماله، والتي اعتبر فيها الخطاب الإشهاري فنـــــــا شعبيا، وقــد وسم فيه إعلانا لأحــد المنتـــجات بالصــورة والنص، خلص فيها إلى كون الإشهار زهرة الحياة المعاصرة، وأنه تأكيد للتفاؤل والرفاهيـــة، وإمتاع للبصر وللروح[5].
واصل (Leo Spitzer) طرحه هذا مؤكدا أن الإشهار فن يستحضر العالمية من خلال تعدديته اللغوية (Polyglottisme) ، وتوظيفه على نفس الجماهير (Psychologie des foules)، وقبل هـــذا التاريخ قام (Pierre Mac Orlan)[6] في ثلاثينيات القرن الماضي بعض كتاباته المتحمسة للإشهار بوصفه فنا من الفنون الجميلة، وكان يقوم بإعداد النصوص الإشهارية لمنتجات فرنسية[7].
مــن الاعتبـــارات التي لا بدمن التذكير بها في هذا السياق، والتي أكسبت الإشهار الحق في الانتماء إلى حقــــــل الدارسة اللسانية اندراجه كأضمن الممارسة الثقافية التي تؤثث الفضاء السوسيو – ثقافي كغيره من النصوص المتمظهرة لسانيا، وما كان لهذا التأثيث أن يقع لولا اعتماده على وسائل الاتصال الجماهيري، وتبنيه آليات الإقناع في تحقيق غائيته، وانبنائه علىمجموعةمن الخصائص الخطابية والبلاغية، وعليه صارت الدراسة اللسانية للرسالة الإشهارية وسيلة تظهر تفرده وطرائقه في الاشتغال، وعلاقته بالبعدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يؤطرانه[8]. مــن خلال إخضاع المعطيات العلمية النظرية المتوافرة من خلال التراكم النظري للسانيات العامة للتجريب، وكذا توظيف المتوصل إليه من قوانين ونتائج علمية قصد الإفادة منها[9]، بمعنى أن نستثمر المعطيات العلمية للنظرية اللسانية في حقل الإشهار استثمار واعيا، تكـون من نتائجه الظـاهرية يسر تمرير الرسالة الإشهارية في السياق المقصود.
مراجع
[1] Voir encyclopédie unversalis 2003 version 9
[2] Voir D. Maingueneau. Aborder la linguistique. (1996). P59. Ed du seuil. Paris
[3] Ibid. p59
[4] Leo Spitzer (1960 – 1887) فيلولوجي ولساني غساوي، كتب بالألمانية والإنجليزية تأثر ب (Dilthey) من أعماله (Etudes de style 1948).
[5] Voir J-M. Adam & M. Bonhomme. L’argumentation publicitaire rhétorique de l’éloge et de la persuasion. (1997) p4. Ed. Nathan. Paris
[6] Pierre Mac Orlan (1882 – 1970) كاتب وشاعر وروائي فرنسي، بعض أعماله إلى أغاني وأفلام، منها la cavalière Elsa – Chansons pour accordéon
[7] Voir J-M. Adam & M. Bonhomme Op. cit. p5
[8] ينظر : عبد المجيد نوسي . الخطاب الاشهاري: مكوناته وآليات اشتغاله. مجلة الفكر العربي العاصر. ص87 ع 84 – 85 جانفي – فيقري 1991
[9] ينظر : أحمــد حساني. دراسات في اللسانيات التطبيقية – حقل تعليمية اللغات – ص 41 ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر 2000