عولمة تعليمية اللغة العربية
بين التعطيل والتفعيل
قررت اليونسكو مؤخّرا أن يكون يوم 18 ديسمبر من كل عام يوما عالميا للغة العربية على غرار خمس لغات لها يومها العالمي وهي الفرنسية،الإنجليزية،الروسية،الصينية،والإسبانية.وهذا الإعلان ليس بالبسيط ولا الهيّن،لأنه يحمل طعم الانتصار،وهو بمثابة اعتراف بعالمية اللغة العربية ورتبتها السادسة عالميا التي تحتلها ضمن ما يقارب 6000 لغة موزّعة في العالم حاليا.
والصفة العالمية لأية لغة بقدر ما هي مفخرة ومدعاة للاعتزاز،فإنها كذلك دافع قوي لحمايتها وتقديرها وخدمتها وتعزيز مكانتها عند أبنائها أوّلاً، وغير أبنائها في العالم كله.واللغة العربية هي لغة قومية لـ 22 دولة عربية،وهذا الحظ ربما هو غير متاح لكثير من اللغات العالمية التي تعتبر لغات قومية لعدد لا يتجاوز 10 دول في أوسع الأحوال.وينبغي عدم تجاهل الصراع اللغوي الذي يدفع ببعض اللغات إلى الضمور،ويسمح لبعضها الآخر بالبروز والظهور،ويتخذ أشكالا متنوعة منها الشكل الثقافي والشكل الاقتصادي والشكل العلمي والشكل الإعلامي والشكل التعليمي وحتى الشكل العسكري.وقد تعرضت اللغة العربية لكل هذه الأشكال،بل قد تعرضت لمحاولات الاغتيال كم من مرة عن طريق الاستعمار العسكري الذي تعرّضت له كثير من البلدان العربية خلال القرن التاسع عشر.واليوم ما أجمل هذا الوضع الذي أصبح فيه العالم قرية واحدة،والبشرية كلها أسرة واحدة،والبقاء والسيادة والسعادة،كل ذلك يكون للأقوى و للأصلح،هذا ما تقتضيه العولمة التي ترفع شعارات إنسانية وتتوسّل بالعلم والتكنولوجيا لتمدين الإنسان وتحسين أوضاع الإنسانية،وهذا يعني أن اللغات المحلية الضعيفة ستهوي وتذوب وستموت مستقبلا مع عولمة تعليمية اللغات وسيتقلّص عدد اللغات في العالم تدريجيا إلى النصف أو أقلّ من النصف خاصة إذا أهمل أبناء هذه اللغات حمايتها وخدمتها.
فهنيئا للغة العربية بيومها العالمي،ومزيدا من الجهد الترغيبي و التحبيبي والتحفيزي لاستقطاب غير ابناء اللغة العربية نحوها من أجل تعلّمها واكتسابها لأنها تفتح لهم أبوابا وتتيح لهم فرصا وآفاقا للتوظيف والعمل داخل الوطن العربي وخارجه.ونحن إذا نظرنا إلى عدد من يتعلّم اللغات الأجنبية من العرب،وعدد من يتعلّم اللغة العربية من الأجانب،فإن المفارقة مذهلة لا تسمح بالمقارنة،لأن الدول العربية لا تهتم بتعليم اللغة العربية إلا لأبنائها،ولا تعطي إلا هامشا ضئيلا و بسيطا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من الأجانب،هامشا ما يزال محتشما جدا،وهذا الوضع ينبغي تغييره،لأنه لا يسمح بتعزيز مكانة اللغة العربية عالميا.
إنّ مسؤوليتنا اليوم كأبناء للغة العربية،التي تمّ الاعتراف لها بيومها العالمي،تكمن في مساندة مشروع عولمة تعليمية اللغة العربية،ودعم معلميها وتشجيعهم على رفع مستوياتهم وتطوير مناهجهم ووسائلهم،سواء كانوا في العالم العربي،أو خارج العالم العربي،وسواء كانوا عربا أو غير عرب،كما ينبغي على الحكومات العربية تشجيع الأجانب على طلب العلم والعمل في البلدان العربية وتهيئة الشروط والأسباب المناسبة لذلك.