نماذج وصف النص

06/07/2010

نماذج وصف النص
( من الرؤية النحوية إلى الوظيفة الاتصالية )

في خضم التطور الهائل الذي عرفته علوم اللغة في العصـر الحديث،سجل النحو قفزة نوعية من حيث الكـم والمنهج و الغاية،و ذلك بتمرده على حدوده الضيقة،فقد انتقل الدرس فيه من مجال الجملة إلى مجال النص،وغني عن البيان أن الجملة تمثل الركيزة الأساس في بناء النص نحويا،و ما عاد من الممكن الادعاء بأن هناك قطيعة تامة ما بين نحو الجملة و نحو النص ،لكن تجاوز هذا الأخير لحدود الجملة قد فتح آفـاقا لفهم و تفسير النصوص حاملات وعي الإنسان بتناقضاته و صراعاته الوجودية... و لقد تم التغلب على الوصف النحوي الذي اقتصر على الجملة المفردة في ضوء ما عرف ب " فرضية التوسيع "، التي تعد نقطة انطلاقها اعتبار النصوص وحدات متجاوزة للجملة... لكن كيف بدأ التفكير نحويا في تجاوز الجملة؟ ثم ما هي مسوغات التحول المنهجي من نحو الجملة إلى نحو النص

1 – بداية الانتقال:

عرفت عملية التحول في بدايتها توسيعا مبدئيا لقواعد الجملة ، انطلاقا من فكرة أن النصوص و الجمل تشترك في نفس الصفات،و عليه فالمنهج الخاص بنحو الجملة تمكن توظيفه في تحليل النص،" و من ثم كان "نحو النص" يفهم على أنه نوع القـواعد لعدة جمل ، و لما كان تجاوز حدّ الجملة أمرا أساسيا لإدراك النصيّة فقد وصفت النصوص بأنها كليّات متجاوزة للجمل."(1)

لقد تبلور هذا التصوّر في ظلّ أوجه التشابه القائمة بين الجملة و النص، و المتمثلة في:

أ – لا يمكن تحديد عدد نهائي من جهة الكم للجمل أو النصوص في كل لغة.

ب – تعدّ كلّ من الجمل و النصوص ناقلات للموضوعات و مصوغة صياغة زمنية.

ج – كلتا الوحدتين لهما في حد ذاتهما طابع بنيوي و يتكونان من عناصر لكل منهما علاقة بالآخر.

د – يمكن أن تأتلف الجمل و النصوص على أساس نماذج معينة في أقسام، و تقوم هذه الأقسام بوظيفة نماذج لإنتاج الوحدات المذكورة و تلقيها"(2).

لقد كانت بداية الانتقال من نحو الجملة إلى نحو النص،بطيئة ومحتشمة،تركز الاهتمام فيها على وصف وحدات خلف حد الجملة"العبارة" أي أنها لم تبلغ درجة وصف النص كمتوالية من الجمل،"ويعد ممهد الطريق لهذا التصور في علم اللغة الروسي ( بشكوفسكي)،و في الدراسات اللغوية الجرمانية ( ك.بوست ) وذلك منذ سنة 1949 م"(3).

2 – النص في ظل الرؤية النحوية:

أ – يرى "ايزنبرج" بأن النص تتابع متماسك من الجمل،كما نجدها في الاستعمال الاتصالي اللغوي،إلا أنه يركز اهتمامه على مصطلح "تتابع"و يضفي عليه بعدا رياضيا." نشير بكلمة "نص" إلى متوالية منسجمة من الملفوظات التي تستعمل في التواصل اللغوي"(4) و لمّا كان التأكيد على تتابع الجمل، وجب اقتراح خصائص للنصوص، تكفل للجمل جودة سبك داخل النص، و من أهمها:

* التتابع الأفقي للجمل.

* تحديد الجهة اليسرى و الجهة اليمنى.

* الاستقلال النسبي.

* التماسك داخل تتابع الجمل.

* وجود علاقات دلالية بين مكوناتها السطحية"(5).

و في سبيل التقنين لأشكال الترابط و التماسك بين الجمل، يستثمر" إيزنبرج" ما سماه "وسائل التنصـيص"

و منها الأشكال المتنوعة للربط،الضمائر،أشباه الظروف و علامات التقسيم (**) و مورفيمات الزمن،ظروف الجملة،أدوات السؤال و الإجابة( عناصر منفردة )،و التنغيم،و نبر الجملة و التوكيد،و بناء الحذف،و التقسيم إلى موضوع و محمول( = وسائل كلية ).

و من أنماط التنصيص لدى"إيزنبرج" ما يلي:

"الإسناد إلى متقدم،الارتباط السبببي،الارتباط لوجود دافع أو علة،التفسير التشخيصي،التخصيص، و نظام ما وراء اللغة، الارتباط الزمني،الارتباط الافتراضي، التقابل العكسي،التطابق بين الإجابة و السؤال، و المقـارنة، و الإضراب عن قول سابق." ( 6)

ب – و النص في نظر ( روجر فاولر ) عبارة عن "البنية السطحية الخطية الأكثر إدراكا و معانية"(7)،و هو يقصد بالبنية للسطحية في هذا التعريف، تلك" المتوالية من الجمل المترابطة فيما بينها على نحو يشكل استمرارا و انسجاما على صعيد تلك المتوالية"(8).

ج _ أما عند "هارفج" فـ " النص هو ترابط مستمر للاستبدالات السنتجميمية التي تظهر الترابط النحوي في النص"(9). و ينطوي هذا التحديد على معطى أساس، و هو أن الامتداد الأفقي للنص يتم من خلال الجسور الترابطية التي تهندسها وسائل لغوية معينة،و لعل أهمها التسلسلات الضمائرية، فالنص " تتابع مشكل من خلال "تسلسل ضميري متصل" لوحدات لغوية، و هكذا يؤسس هارفج مفهومه للنص على مبدإ الإحالة(...) فنجده يتحدث عن " استبدال نحوي ( سينتجماتي )،و يضع تصنيفا معقدا من أنماط الاستبدال،و من الأنماط الأساسّية للاستبدال النحوي لدى "هارفج":استبدال المطابقة ( مثل تكرير الوحدة المعجمية ) و استبدال المشابهة ( مثـل الإعادة من خلال المترادفات ) و استبدال التلاصق( تحقيقات مختلفة للإعادة الضمنية)".(10)

د – و النص في رأي ( فاينرش ) "تكوين حتميّ يحدّد بعضه بعضا،إذ تستلزم عناصره بعضها بعضا لفهم النص".(11)،و جوهر نموذج وصف النص لدى ( فاينرش ) يتلخّص في أنّ النص يسخّر أدوات نحوية (التعريف،التنكير،مورفيمات الزمن ....) لتوجيه عملية التجاوب و الاتصال، و توجه أداة التعريف المتلقي إلى معلومات سابقة،في حين يوجهه التنكير نحو معلومات لاحقة،"و بهده الطريقة يثار لدى المتلقي من خلال الاستخدام المقصود لصيغ الأدوات،عمليات ترتيب معينة،ضرورية لعملية فهم النص."(12).

ه – المنظور الوظيفي للجملة/ للنص:

ارتكزت الأبحاث في مدرسة براغ(***) على مفهوم جوهري للجملة الوظيفية،و الذي يقتضي وجوب التمييز بين وظيفتين إخباريتين و هما:

الموضوع(المسند إليه)و المحمول(المسند أوالخبر)،على اعتبار أنّ"المتقدم(الموضوع)هو الشيءالمتحدث عنه،الذي

يفترض المتكلم معرفـة المخاطب له،و المتأخـر ( = المحمول) هو الجزء المتمم للجملة،الذي يضيف إلى معلومات المخاطب السابقة معلومات جديدة تتصل بالمتقدم "( 13).فالجملة الوظيفية تخضع لبناء أو ترتيب نحوي ( الموضوع / المحمول)، وانطلاقا من هذا الترتيب تتحدد وظيفتها الإبلاغية ،فكل ترتيب يحمل وظيفة خاصة به.لذلك يهتم الوظيفيون بالإجابة عن السؤال:لماذا وردت الجملة على هيئة معينة؟.

لقد استثمر ( دانش ) هذه المعطيات على صعيد النص و الذي اعتبره تتابعا للموضوعات، وبإمكاننا فهم دلالة النص،بتتبع تضاريسه واقتفاء ما سماه التدرج الموضوعاتي في النص.

إذا،تكمن البنية الحقيقية لموضوعات النص – في نظر دانش – في تسلسل الموضوعات و ترابطها،في تدرجها و علاقاتها فيما بينها،و بين فقرات النص و بين النص ككل و كذلك بالمقام أو الموقف التواصلي.

و يتخذ توالي الموضوعات – عند دانش – ثلاثة أنماط أساسية، هي :

أ – التوالي الأفقي للموضوعات. ب – توالي ذو موضوع مستمر. ج- توالي ذو موضوع متفرع.(أ) و في عرض هذه الأنماط الثلاثة يقدم " فولفجانج " الأمثلة الآتية:

" المرء تسمع كثيرا عن الأمريكيين.

فهم قد فتحوا جبهة ثانية.

الجبهة الثانية سوف تأتي.

يمكن أن يفسر تعاقب الموضوعات ( المرء، الأمريكيون/ هم، الجبهة الثانية ) توالي النص، بأنه ربط موضوعات مختلفة بوحدات جملية متجددة دائما في شكل توال أفقي.

م1 .....................>ح1

م2 .......................>ح2

م3....................>ح3

* مقهى المدينة جددت الآن أخيرا.

* هو يبدو الآن مضاء و لطيفا.

هذا المكان المصمم بمنتهى الذوق يجتذب الآن كثيرا من الزوار.

م 1 ............................>ح1

م 2 ............................>ح2

م 3 ............................>ح3

و في هذه الحال يعاد تلقي موضوع الجملة الأولى باستمرار من خلال أشكال تكرار متباينة، و يربط بأبنية المحمول الجديدة، و هو بذلك يشكل نوعا من ثبات موضوع النص.

التوالي ذو الموضوع المتفرع:

يوم صيفي

↓

أشرقت الشمس فاح عبير الورود كانت السماء أقرب إلى الزرقة

( م )

↓

م2– ح2 م3-ح3 م1 – ح 1

"في هذه الحالة تلحق أبنية ( الموضوع – المحمول ) المفردة، بموضوع علوي / موضوع شامل(...) غير أن نموذج المنظور الوظيفي للجملة القائم على أساس نحوي صارم قد ارتكز في أتماط التوالي على أساس دلالي – اتصالي"(14).

- النص في ظل الرؤية الدلالية:3

ظهر نموذج وصف النص القائم على أبنية الأساس الدلالية،كرد فعل اتجاه الرؤية النحوية المحضــة للنص،و التي لا يمكن الاكتفاء بها في معرفة حقيقة النص،فأدوات الربط التركيبية ( مفاهيم الاتساق ) لا تمثل إلا وجها ثانويا،لتعقيدات النص.إنما المعول عليه في الوصف العلمي البناء هو دلالة النص الكلية،و من ثم " لا يمكن أن يوصف اتساق نص ما،وصفا كافيا إلا باشتماله على بنية الأساس الدلالية،أما وسائل الربط التركيبية فلا تقوم على العكس من ذلك إلا بوظيفة إشارات إضافية،أي اختيارية دائما،تسهل على السامع معرفة بنية الأساس الدلالية في النصوص و فهمها."(15).و خير من تمثل هذا الاتجاه في الوصف النصي:"برينكر"و "فان ديك" و"بتوفي"،فقد قدم (برينكر)تعريفا للنص ، مركزا على الجانب الدلالي المحوري حيث يقول:"إن مجموعة منظمة من القضايا أو المركبات القضوية تترابط بعضها مع بعض على أساس محوري – موضوعي -،أو جملة أساس،من خلال علاقات منطقية دلالية"(16) ويؤكد "فان ديك" على المستوى الدلالي للنص،ويتكفل ببناء صرح نموذج بمفاهيم دلالية مثل:البنية العميقة،و البنية السطحية و البنية الكبرى و البنية العليا و قواعد التحويل(الحذف و التعميم و البناء) ... " إن تصور "فان ديك" للنص خلافا لتصور "ايزنبرغ " و " هارفج " اللذين يؤكدان على التماسك النحوي للنص،قائم على أساس دلالي للنص."(17).قضوية،لكنه لا يركز على المفاهيم المنطقية ( الصدق،الكذب) بل يهتم بكيفيات ترابط هذه القضايا داخل النص(الربط القضوي)،فهو يحدد أشكالا من العلاقات التي تنظم قضايا النص،داخل القضية الواحدة،و ما بين القضايا أيضا.و من العلاقات القضوية الداخلية ما يلي:الوصل – العطف – ال اعتمد "فان ديك " في نموذجه أساسا على مفهوم "القضية"،لأنه يرى بأن النصوص ما هي إلا مركبات سببية – الشرطية – التعاقبية – الاعتراضية – الختامية – المقارنة – الاستدراكية – الإضرابية.و من العلاقات القضوية المتداخلة:التعليل – التوضيح – التخصيص – التأكيد – التصويب – علاقات السؤال و الجواب.و في سبيل تقديم صورة عامة لهيمنة العنصر الدلالي في نموذج "فان ديك"، سنشرح المخطط التالي:

المتكلم
موضوع النص
بسط
توسيع دلالي

السامع
موضوع النص
استنتاج
دمج دلالي