عبد الرحمن مشرف عام
وسام النشاط : عدد المساهمات : 237 نقاط : 628 تاريخ التسجيل : 30/12/2009
| موضوع: اللغة ومشكلات المعرفة: محاضرات ما ناجوا 2010-07-06, 22:13 | |
| اللغة ومشكلات المعرفة محاضرات ما ناجوا
تأليف: د. نعوم تشومسكي ترجمة: د. حمزة بن قبلان المزيني كلمة المترجم
يتبوأ نعوم تشومسكي مكانة في تاريخ اللسانيات لا يدانيه فيها إلا القلة من العلماء. فلقد بدأ توجُّها، جديدًا في دراسة هذا الموضوع منذ أن نشر كتابه "البنى التركيبية" سنة 1957م، فأحدث بذلك ما يشبه القطيعة مع المناهج التي كانت تتبعها اللسانيات وعن الأهداف التي كانت ترسمها لنفسها. فلم يَعد الهدف وصفَ المادة اللغوية التي يجمعها الدارس، بل صار تفسير هذه المادة تفسيرًا يَقصد إلى اكتشاف ما يكمن وراء الظاهر الذي تمثله هذه المادة اللغوية. وكان هذا الهدف هو الدافع وراء التغيرات كلها التي طرأت على اللسانيات منذ 1957م. إذ يقترب كل نموذج مقترح خطوة من ذلك الهدف، ذلك أنه يمهد السبيل إلى اقتراح آخر أكثر إحكامًا وكفاءة.
والمتتبع لتاريخ هذا التوجه الذي بدأه تشومسكي سيدهش من سرعة التغير الذي يمر به. وما ذلك إلا للحيوية التي تميزت بها هذه الدراسة نتيجة للجو العلمي المشبع بالأفكار الجديدة التي تأتي من تبني اللسانيات للمناهج العلمية الدقيقة التي جذبت دارسين على مستوى عال من المعرفة بعلوم شتى كالفيزياء والكيمياء والأحياء وغير ذلك. فلا تمر سنة من غير أن يطرأ تغيير معين على النظرية اللسانية العامة أو النظريات المتفرعة عنها. ومن الملاحظ أن تشومسكي يحتل المقدمة دائمًا في قيادة هذه التغيرات، وكثيرًا ما نجده يتخلى عن أفكاره هو حول قضية ما ويعتنق آراء نقاده، لكنه حين يعتنق تلك الآراء يطورها أكثر فأكثر حتى تصير كأنها أفكاره هو أساسا. وليس قصدي هنا أن أتتبع تلك التطورات فهي تحتاج إلى مساحة أكبر من هذه المقدمة (يحسن أن يطلع القارئ إذا أراد تتبع بعضًا من هذه التطورات على كتاب: Frederick Newmeyer: Linguistic Theory in America. Academic Press, 1980)
وعلى الرغم من أن بعض آراء تشومسكي والمدرسة التوليدية التي ارتبطت باسمه قد وجدت طريقها إلى القارئ العربي، إلا أنها جاءت إما في كتب متخصصة قد تصعب على القارئ غير المتخصص، أو أنها جاءت في كتابات سطحية لا تهدف إلى الاستقصاء والشمول. كما أنه لم يترجم من أعماله إلى اللغة العربية، فيما أعلم، إلا القليل.
ويتميز كتاب تشومسكي الذي أقدمه إلى القارئ هنا أنه موجه إلى المثقف غير المتخصص، أساسًا. فهو بعيد عن الإغراق في المصطلحات المتخصصة، كما أنه بعيد عن الطبيعة المعقدة التي تتميز بها الأعمال اللسانية الموجهة إلى المتخصصين. ومع ذلك فهو يقدم صورة كلية لأحدث التطورات التي تعيشها النظرية التوليدية. يضاف إلى ذلك أنه يعطي فكرة مفصلة عن الأسس الفلسفية التي تنطلق منها هذه المدرسة. وهذا الأمر مهم جدًّا لأن أكثر الذين يقرأون عن آراء تشومسكي لا يحيطون بتلك الأسس، وذلك ما ينشأ عنه عدم التقدير لتلك الآراء.
ولا أزيد هنا على هذه النبذة، وأترك القارئ يكتشف بنفسه ما يحويه الكتاب من آراء مترابطة تهدف إلى وصف اللغة وصفًا كافيًا، وكذلك ما فيه من مناقشة للأسباب التي جعلت اللغة على الصفة التي هي عليها.
أما تشومسكي، فهو أستاذ اللسانيات في معهد ماساتشوستس للتقنية في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية وليس بالإمكان الحديث هنا عن آثاره، فهي من الكثرة والتنوع بمكان. ويحسن بالقارئ أن يطلع على كتاب: E. F. Konrad Koerner and Matsuji Tajima. Noam Chomsky: A Personal Bibliography, 1951-1986. Amestrdam, Pheladelphia John Benjamins Publishing Co. 1986. الذي يحوي ما كتبه تشومسكي منذ 1951ـ1986م في اللسانيات وغيرها. ومن الجوانب التي لابد من ذكرها هنا فيما يخص تشومسكي مواقفه وكتاباته السياسية؛ إذ اشتهر بتلك الكتابات والمواقف منذ أوائل الستينيات. فقد كان من أبرز المعارضين لتدخل أمريكا في الهند الصينية. وله كتب مشهورة في هذا الموضوع. كما أن له كتبًا حديثة ضد التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية ومن أشهرها: On Power and Ideology: The Culture of Terrorism, Boston, MA: South end Press, 1988. ولم يقف موقفَ المعارض من تدخل أمريكا في الهند الصينية وأمريكا اللاتينية وحدهما، إذ شمل موقفه المعارض للسياسة الأمريكية، والمدافع عن حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها، مناطقَ أخرى في العالم. ولابد لنا أن نذكر هنا مواقفه المشرفة في الدفاع عن القضية العربية. فمنذ أواخر الستينات وهو يقف محاضرًا وكاتبًا ضد الهجمة الصهيونية الشرسة. وقد أورد كورنر وتاجيما له في كتابهما سالف الذكر ما يزيد عن ستين كتابًا ومقالة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المستباحة. يضاف إلى ذلك أنه قلما يخلو كتاب أو مقالة من كتبه أو مقالاته السياسية الأخرى من الإشارة إلى الموقف الأمريكي الذي يتسم بالنفاق؛ إذ كثيرًا ما تطبِّق الحكومة الأمريكية مقاييس تصنِّف بها الدول ولا تشمل بتلك المقاييس إسرائيل. ومن أشهر كتبه في هذا المجال: Peace in The Middle East? Reflections on Justice and Statehood. New York: Pantheon Books, 1974. The Fateful Triangle: The USA, Israel, and The Palestinians. Boston: South End, 1984.
وفي الختام أود أن أتوجه بخالص شكري للبروفيسور نعوم تشومسكي الذي شجعني كثيرًا طوال عملي في هذه الترجمة، وذلك عن طريق عدد من الرسائل التي كان يبعثها إجابة على بعض تساؤلاتي عن بعض المواضيع في الكتاب.
والشكر موصول للزملاء والأصدقاء الذين تكرموا بقراءة بعض فصول هذا الكتاب، وأمدوني بكثير من الاقتراحات التي كان لها الأثر الكبير في أن تخرج هذه الترجمة من غير تلك المآخذ التي اكتشفوها. وأعتذر مسبقًا إن ند عن ذاكرتي اسم أي واحد منهم فهم كثر ومنهم (مع حفظ الألقاب) سعد الصويان وعبد الله الغذامي وإبراهيم الشمسان ومحمد إدريس وجمال يونس ومحمود عبد المالك وسعود الرحيلي وصالح الوهيبي ومحمد الزليطني ونختيرو سيدي الغوث وجواد محمد الدخيل ومحمود الصيني. ويجب أن أشير هنا إلى أن ما في هذا الكتاب هو مسؤوليتي وحدي ولا يعبِّر بالضرورة عن آراء هؤلاء الزملاء ولا عن اختياراتهم الأسلوبية.
كما أود أن أشكر دار النشر التي أصدرت الكتاب بالإنجليزية وهي دار MIT Press على سماحها لي بترجمته إلى العربية. وأخص بالذكر كرستينا سان مارتن مديرة حقوق النشر في تلك الدار على الروح الطيبة التي أبدتها في أثناء المكاتبات بيني وبينها بشأن ذلك.
ولا يفوتني هنا أن أشكر الأستاذ مبارك آدم نور الدين أخذ على عاتقه طباعة مسودة هذا الكتاب على صبره وتحمله على الرغم من كثرة التعديلات التي قمت بها. ولقد تكرم الأخ الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري بمراجعة هذه الترجمة. ومع إخلائي له من المسؤولية، فإني أشكره عميق الشكر على الجهد الذي بذله في إصلاح ما وجده من خلل فيها .
وختامًا أشكر أسرتي العزيزة التي سمحت لي عن طيب خاطر بالاستئثار بوقتي كله في أثناء قيامي بهذا العمل. وأجدها مناسبة هنا أن أهدي هذا العمل إليها.
حمزة بن قبلان المزيني
مقدمة المؤلف
أتيحت لي الفرصة في الأسبوع الأول من مارس 1986م لزيارة ماناجوا وإلقاء بعض المحاضرات في جامعة أمريكا الوسطى U C A، وذلك بدعوة من مديرها سيزار جيريز، وبرعاية مركز الأبحاث في جامعة CIDCA، الذي يديره جاليو جارديان. وتتألف تلك المحاضرات من محاضرات تلقى في الصباح متخصصة في مناقشة مشكلات اللغة والمعرفة، وأخرى تلقى في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهر لمناقشة المواضيع السياسية المعاصرة. وقد حضر تلك المحاضرات طيف عريض من الأكاديميين وغيرهم في نيكاراجوا، إلى جانب بعض الزوار من جامعات بورتوريكو والأجانب الزائرين العاملين في نيكاراجوا. ولقد تَرجَم دانيلو سلمانكا وماريا ايستر زامورا المحاضرات التي كنت ألقيها بالإنجليزية إلى الأسبانية بمهارة للحاضرين، وهما اللذان ترجما النقاش العلني الذي أعقب المحاضرات أيضا. كما أذيعت المحاضرات (وعلمت فيما بعد أنها سُمعت عبر الراديو بواسطة الموجات القصيرة في أمريكا)، ودُوِّنت هي والنقاش فيما بعد، ولو أن كثيرًا من تعليقات الحاضرين العميقة والذكية لم يتيسر تسجيلها بوساطة المسجل بصورة جيدة [بسبب بعد المتكلمين عن آلة التسجيل أو لأن قاعة المحاضرات لم تكن معدة للحفاظ على الصوت] ولذلك لم تظهر تلك التعليقات في هذا الكتاب.
وتحوي فصول هذا الكتاب صورة موسَّعة بعض الشيء للمحاضرات التي ألقيتها في الصباح عن اللغة والمعرفة، وصورة معدَّلة للنقاش الذي دُوِّن، وسوف تظهر المحاضرات التي ألقيتها في ما بعد الظهيرة عن المواضيع السياسية المعاصرة في كتاب مستقل ستنشره دار نشر Southend في بوسطن وعنوانه: "القوة والإيديولوجيا: محاضرات ماناجوا"(1). ولأن الأمثلة التي استعملتُها لإيضاح مبادئ اللغة وإذكاء المناقشة كانت مأخوذة من اللغة الأسبانية، فقد أَضفت بعض الشروحات والتعديلات القليلة هنا، حتى يتيسر فهم هذه الأمثلة في الطبعة الإنجليزية للكتاب. وفي محاولتي إعادة بناء المناقشة التي يضمها التدوين، أضفت بعض الأشياء التي لم تظهر في الشريط، في أماكن قليلة. كما عمدت في بعض الأحيان إلى نقل بعض المواضيع من موضع ما في المناقشة إلى موضع آخر، حتى تتلاءم بصورة طبيعية مع المحاضرات في صورتها المحرَّرة. وقد حذفت كثيرًا من الأشياء التي استطعت إدخالَها في المحاضرات في صورتها المحررة، وذلك تجاوبًا مع بعض أسئلة الحاضرين وتدخلاتهم. فلا تَظهر هذه التدخلات إلا في شكل غير كامل. ويعود ذلك جزئيًّا للتحرير الذي قمت به للنص، كما يعود إلى المشكلات الفنية التي تكتنف تسجيل المتكلمين في وسط حضور كبير ومتنوع وفي نقاش يدور بلغتين، وهو الذي كان يسير بيسر فائق بسبب الجهد المشكور الذي قام به المترجمان، وكذلك لتعاطف المشاركين. فلا تعطي صورة المحاضرات المطبوعة، لذلك، إلا إشارة محدودة للطبيعة الحافزة للأسئلة خلال فترة النقاش التي كانت تتميز بالحيوية والانفتاح، ولو أنها كانت قصيرة جدًّا بسبب القيود التي يفرضها الوقت.
وأود هنا أن أعبر عن شكري الخاص لدانيلو سلمانكا وماريا أيسثر زامورا، ليس للطريقة المتأنية التي قاما بها في المهمة الصعبة والمتحدية للنقاش فقط، والترجمة في كلا الاتجاهين، بل لمساعدتهما لي في إعداد المحاضرات كذلك. أما فيما يخص المادة الأسبانية التي تظهر في هذه المحاضرات عن اللسانيات، فأنا مدين لإسثر توريجو لمساعدتها الفائقة ويجب أن أؤكد أن تسمية ما قامت به مساعدة لا يكفي في وصفه. ولقد سررت بصورة خاصة لاستعداد كلاريبال ألجريا أن يترجم الكتابين إلى الأسبانية ويشمل ذلك النص الإنجليزي والمناقشة المدونة ـ لغرض النشرة التي ستصدر في نيكاراجوا.
وأود كذلك أن أعبر عن شكري، وأنا أتكلم عن نفسي وعن زوجتي كارول التي رافقتني في هذه الزيارة، لسيزار جيرنز وجاليو جارديان ودانيلو سلمانكا وماريا ايستر زامورا وكلاريبال الجريا والآخرين الكثر الذين بذلوا وقتًا طويلا وجهدًا كبيرًا في جعل زيارتنا فرصة مليئة بالذكريات. وإننا لنقدر جدًّا الضيافة الحفية والعناية التي أسديت إلينا من كثير من الأصدقاء الذين قابلناهم في ماناجوا، والذين ينتمون إلى مختلف المشارب. ونقدر كذلك فرصة النقاش المثمر معهم والزيارات غير الرسمية لبيوتهم التي كانت تتخلل البرنامج المزدحم لكنه مبهج، للمحاضرات والاجتماعات. كما أود أن أشكر كثيرًا من الذين لا أعرف أسماءهم أو لا أتذكرها ومن بينهم: أخوات آسونسيان اللاتي رحبن بنا في التعاونية الزراعية التي يشرفن عليها في إحدى المجمعات الفقيرة للفلاحين قريبًا من مدينة ليون، وكذلك الذين شاركوا في الاجتماع المفتوحة وحلقات النقاش الأخرى، وغيرهم كثير. وينبغي أن أذكر خاصة فرصة الاجتماعات بكثير من أعضاء جماعات المطرودين من أفران الجحيم التي أرستها أمريكا في المنطقة، وهم الذين هربوا إلى مكان يستطيعون فيه أن يكونوا أحرارًا من إرهاب الدولة وأن يعيشوا بكرامة وأمل ـ ولو أن سيد نصف الكرة الغربي [أمريكا] يعمل ما في وسعه ليقف في وجه هذا الخطر الذي يتهدد "الاستقرار" أو "النظام".
وكنت أتوقع أن تكون نيكاراجوا مختلفة جدًّا عن صورتها التي تصل إلينا عبر الإعلام الأمريكي، لكنني سررت لاكتشاف الفرق الشاسع بين الصورتين، وهي تجربة يشهد بها كثير من الزوار الآخرين، ومن ضمن أولئك الذين عاشوا لفترات طويلة في مناطق متعددة من البلاد. وإنه لمن الصعب جدًّا على أي زائر نزيه من الولايات المتحدة أن يتكلم عن هذا الموضوع من غير شعور بالألم والحسرة العميقة، ومن غير شعور بالخزي، من عدم القدرة على إفهام مواطنينا معنى وصحة الجملة التي قالها سايمون بوليفار قبل 150 سنة وهي "أنه يبدو أن الولايات المتحدة حكمت بالبلاء والعذاب على القارة [أمريكا الوسطى] باسم "الحرية""، وكذلك من عدم قدرتنا على إنهاء التعذيب في نيكارجوا، وليس نيكارجوا فحسب، وهي التي اتخذتْها بلادنا هواية تاريخية لها لمدة قرن من الزمن، وما زالت مستمرة فيها إلى اليوم بتصميم متجدد.
لتحميل الكتاب، اضغط على
رابط التحميل (هنا) .
[/right] |
|