يتّجه عبد السلام بنعبد العالي مباشرةً في كتابه "الفلسفة فنّاً للعيش" الصادر عن دار "توبقال للنشر" نحو فنّ السعادة. ما نفع الأدب إن لم يكن موجهاً إلى الحياة؟ ثمة سعادات كثيرة متنوعة غير السعادة المعنوية أو الروحية. سعادة الوسائل والروابط، القناطر، سعادة الثانوي، المستهجن في ثقافتنا. إنّها عبارة عن مسارات سعادة، وهنا تكمن قيمتها.
"لذة الكتابة، على سبيل المثال، تظهر أثناء الكتابة ومن خلالها، وليست هي غاية تتوجها ولا نتيجة تتمخض عنها". الفلسفة والأدب، كلاهما حاجة الذات إلى تدبير شؤونها، بما يتصل باللذة والطعام ومعرفة الصحيح والخطأ، المقاومة والاذعان سواسية، ومن المأساة اختصارهما على الأفكار والمفاهيم فحسب، وكذلك حصرهما بالكتب، وبالكتب فقط. حينئذٍ، سيخالفان فنّ العيش. يقول نيتشه: "لا أولي عناية لفيلسوف إلاّ بمقدار ما يكون قادراً على أن يكون قدوة... بيد أن القدوة ينبغي أن تُعطى من طريق الحياة المعيشة الجلية، وليس فحسب من طريق الكتب والمؤلفات... من طريق السيماء والمظهر والهيئة والملبس والغذاء والعادات، أكثر مما هي من طريق ما يُقال، بل وحتى ما يُكتب"، بما يسمى اليوم الثقافة الاستهلاكية المذمومة. تبدو ثقافة الذم والازدراء والتعالي جليّة في عالمنا العربي خصوصاً. عندما يُحتفى بالأساسي والأصل والمتون، نكاية بالبقايا والفروع والوسطاء. فنقول مثلاً: "سقط المتاع" ازدراء. كأن البقايا لا تشكل الأساس عندما يتمّ تجميعها وإعادة تدويرها. أليس الأدب هو إعادة تدوير الأفكار والمفاهيم؟ يتناول مؤلف كتاب "الفلسفة أداةً للحوار" موضوعاً ذا صلة بالوسائط والتجميع والبقايا وهو "الكيتش" من خلال النتيجة التاريخية والمفاهيمية التي وصل إليها الفكر كصيرورة عبر مقاومات وتنويعات وتحولات شتى: "اتخذ اللافكر صور الخطأ ، فكانت مهمة الفكر هي الحيلولة دون الوقوع في الخطأ ... كان على الفكر أن يعبّد الطريق ويضع المنهج ويستخلص قواعد لتوجيه العقل". في كلّ محاولات العقل تحصين نفسه، يصطدم بحالة، أن الفكر هو إنتاج تاريخي يقطن "الأطر الاجتماعية للمعرفة" متجسداً في "الأجهزة الايديولوجية للدولة... يسكن اللغة ويتخفى في اللاشعور". وعليه، لا بدّ من تغيير أساليب مقاومة الفكر للافكر، ومقاومة السعادة الروحية للسعادة الاستهلاكية، ومقاومة المعنى للخواء، بعيداً من الصراع التقليدي. أو، بمعنى تطوير أساليب ووسائل الصراع ذاك ليحتوي الفكر اللافكر، والمعنى الخواء، كما تشتمل السعادة الروحية لذة البضائع والوسائط. ما يدعوه دولوز بعد نيتشه البلاهة "صارت مهمة الفكر الأساسية إزعاج البلاهة ومضايقتها". التي لا تعني بحسب كونديرا "الجهل، وإنما اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة". يولي عبد السلام بنعبد العالي اهتماماً متميزاً بالآخر، من باب الاختلاف، عابراً به نحو الهوية. الآخر هو هجرة وتنقّل، نزوح من التطابق الذي نبحث عليه فيه. في الآخر تكمن "قنطرات الوصل التي تنفي الجدران العازلة". ليس بعيداً من مفاهيم التجميع والترقيع، في صميم فكرة العمل على جعل "سقط المتاع" وجهاً من الوجوه الرئيسية التي يشتغل بها ما يسمى "الأدب الحقيقي، والفكر الأصلي". الآخر، تالياًَ الهوية، هما "قنطرة العبور الفاصلة والواصلة"، في تسهيل اقامة الغريب بيننا اجتماعياً، وعدم طرد الغريب الفكري. الأفكار كالحياة فيها المألوف والغريب. في كتاب "الفلسفة فنّاً للعيش"، ثمة استراتيجيا للسعادة والفرح، تجعل مهمة الفلسفة في مركز الحياة، عوض ما كانت عليه في القرون الوسطى تجهماً وصرامة، وما يؤسف له "اهمال قاموس المصطلحات التقنية والنقدية للفلسفة لمفهوم السعادة، ما يعني أنه لم يكن ينال عناية معظم الفلاسفة". يساعد مفهوم السعادة في توسيع علاقة الإنسان بوجوده ايجابياً، مقلّلاً في ذاته عناوين الازدراء والذم، ما يساهم في تطوير وسائل مقاومته السلمية، وتسهيل وجوده على الأرض. هذه مهمة الأدب، التي لم تولِ السعادة عناية كافية وأهملتها. يصبح الإنسان بسعادة كهذه، ذاتاً مبدعة فكرياً واجتماعياً، ليس في أنوية مغلقة، بل تشاركية "فنّ للعيش- معاً" بما يتعلق بالموديلات، الطعام والديكور، بجانب التعايش مع الأدب والفلسفة
منقول http://ia801704.us.archive.org/33/items/ketaby02/Alfalsfa.pdf