الأسطورة والتفكير الاسطورى
د.صبرى محمد خليل /استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم
الاسطوره لغةً: الأسطورة في اللغة العربيه الأحاديث المنمقة أو المزخرفة التي لا نظام لها ، فهي مشتقة من السطر من الشيء : بمعنى الصف من الكتاب والشجر والنخل ونحوها ، وسطر: إذا كتب كما ورد في قوله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون )، وسطرها بمعنى ألفها، وسطر علينا: أتانا بالأساطير، وسطر فلان على فلان، إذا زخرف له الأقاويل، ونمقها، وتلك الأقاويل: الأساطير.وكلمة ( أساطير ) وردت في القرآن الكريم في صيغه الجمع ، كما إنها جاءت دائماً مضافة إلى (الأولين)
قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) ( الأنفال : 31 ) (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالو أساطير الأولين )( النحل : 24). وعند الأوربيين ظهر فرع جديد من فروع العلم يعنى بدراسة وتفسير الأساطير هو الميثولوجى Mythology ، والشق الأول من الكلمة Mytho مأخوذة من اليونانية Mutho التي تعني حكاية تقليدية عن الآلهة وألا بطال ، أما الشق الثاني Logy فيعني العلم (مغامرة العقل الأولى / فراس السواح ، ص12.)،وكلمة أسطورة تعارض العقل ( لوغوس) في اليونانية (الميثولوجيا اليونانية ، بيار غريمال ، ترجمة هنري زغيب ، منشورات عويدات، 1982 بيروت،ص5 ).
الاسطوره اصطلاحا: تعددت تعريفات الاسطوره طبقا لتعدد أنواعها، وتعدد المناهج التي تتناولها بالدراسة.
أولا: طبقا لتعدد أنواعها:
ا/ الأسطورة الطقوسية : وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه .
ب/الأسطورة التكوينية: وهي التـي تصور لنا عملية خلق الكون.
ج/الأسطورة التعليلية: وهي التي حاول الإنسان عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيراً، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية، تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
د/الأسطورة الرمزية: وهي التي تتضمن رموزاً تتطلب التفسير، ومن المؤكد أن هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجاً ورقياً.
ه/أسطورة الأبطال الخارقين: وهي التي يتميز فيها البطل ذو الصفات الخارقة، ولكن صفاته الإنسانية دائماً تشده إلى العالم الأرضي ( نبيلة إبراهيم – دار نهضة مصر، القاهرة ص 15-22)
ثانيا: طبقا لتعدد مناهج دراسة الأساطير:
ا/المنهج المجازي: يرى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.
ب/المنهج الرمزي: يرى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
ج/المنهج العقلي: يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم أرتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو.سردهم لرواية أو حادث.
د/منهج التحليل النفسي: يحتسب الأسطورة رموزاً لرغبات غريزية وانفعالات نفسية.
ثالثا: التعريف المنهجي للاسطوره: أما منهجيا فإننا نعرف الاسطوره(بالمعنى الفلسفي) بأنها فكره تحاول تفسير الوجود على المستوى الكلى المجرد لكن دون توافر امكانيه التحقق من صدق هذه الفكرة أو كذبها بواسطة الادله العقلية والمنطقية.أما الاسطوره بالمعنى الادبى فهي: الحكايات الخيالية، التي توجد عند الأمم في أشكال التعبير في الأدب الشعبي-ماضيها ، ومادتها أشخاص أو حوادث أو أعمال فوق طاقة البشر…
خصائص التفكير الاسطورى:
1-القبول المطلق لفكره معينه، وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى .
2- الشك المطلق أي إنكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة، أو النزعة القطعية أي التسليم بصحة فكرة دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة.
3-استخدام الإلهام أو الوجدان والخيال استخدام مطلق غير مقيد بالعقل.
4- اللا منطقيه ( التناقض) .
المجتمعات المسلمة و نمطي التفكير العقلاني و الاسطورى: ظهر الإسلام في منطقه ساد فيها التفكير الاسطورى،فهدى الناس إلى الالتزام بنمط تفكير عقلاني لا يتناقض مع الوحي، وان كان يتناقض بالتأكيد مع نمط التفكير الأسطوري. فحث على الروح النقدية كما في قوله تعالي( الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه) ،و قوله (صلى الله عليه وسلم)( لا يكون أحدكم امعه ، يقول إنا مع الناس أن أحسنوا أحسنت، وان اساؤا أسئت، بل وطنوا أنفسهم ،أن أحسن الناس أن تحسنوا ،وأن أساءوا تجتنبوا أساءتهم) ، ونهى عن موقفي القبول او الرفض المطلقين ،وحث على الشك المنهجي كما في قوله تعالى ( فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين .فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين .فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون )(الأنعام76 – 78)، ونهى عن الشك المطلق الذى عبر عنه القرآن بمصطلح ريب (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا)، كما نهى عن النزعة القطعية كما في قوله تعالى (قالوا حسبنا الله وما وجدنا عليه إباؤنا أو لو كان إبائهم لا يعلمون شيئاً لا يهتدون). كما حث علي التفكير المنطقي ونهى عن التفكير اللامنطقى (المتناقض) كما في اشاره القران لقانون عدم التناقض ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا). غير انه كمحصله لتخلف النموالحضارى لهذه المجتمعات- وفى ذات الوقت كاحد شروطه الذاتيه- ساد في هذه المجتمعات، فى مراحل تاليه ، نمط تفكير يختلط فيه التفكير العقلانى ببعض انماط التفكير الاسطورى .
فن الحكاية الشعبية
في الأساطير العربية والعالميةلقد كان الاهتمام بجميع الحكايات الشعبية وتسجيلها موضع اهتمام الأدباء والفنانين منذ قرون طويلة، منها ما وجد منقوشاً على جدران المعابد القديمة أو على صحف من الفخار، أو صحائف البردي وجلد الحيوانات، ومنها ما هو تسجيل للأحداث من خلال رؤية الفنان نفسه، ومنها ما هو تجريد لوقائع ورمز لحقائق الحياة، فنحن نعرف آثاراً فينيقية وبابلية وفرعونية جديرة بالإعجاب، كما نملك شواهد ذات قيمة لأقصى ما وصلت حضارة أوغاريت، هذا إلى جانب البحوث الجديدة، التي اكتشفت تصاوير كاملة للعصر الحجري، يعود تاريخها إلى عشرات الآلاف من السنين، كل هذه الآثار نعجب لها وندهش لنضوج فنها وأشكالها وبنائها، حقاً أن الزمن يفصلنا عن مبدعات الروح الإنسانية المبكرة التي تبرز أمامنا، إذ أصبح الكثير منها غريباً علينا، كما ظل الكثير منها بعيداً في مغزاه عن مداركنا.
ولكننا نرى أن الكلمة أقوى من الحجر، وأن أعمال الشعراء المجهولين في وسعها أن تصمد أمام مئات، بل ألوف السنين، ولا تزال في عصرنا تنبض بالحياة، فما حكاه الإنسان ذات يوم عن الآلهة والأبطال والإنسان في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين ووادي النيل، لا يزال بعضه يعيش حتى اليوم مع الحكاية الخرافية، فنحن نملك، كما يقول عالم الانثروبولوجيا «دير لاين»، حكايات خرافية لحضارات عاشت ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد كحضارة بابل وحضارة أوغاريت وحضارة الفراعنة، كما أن أقدم حكايات بلاد الهند والصين نشأت في الألفية الثانية قبل الميلاد، ثم تبع ذلك ظهور بوادر الحكايات الخرافية في بلاد الإغريق، وكثير من هذه تتعرف عليها دون مشقة في الحكايات الخرافية، ولقد كانت الحكاية الخرافية ترتبط دائماً بالأساطير وحكايات البطولات، كما أنها اقتحمت عالم الشعر الرسمي وعالم القصص والملاحم والروايات، فأفضت عليها كلها حيوية خاصة وجدة.
وقد كانت بعض الشعوب تملك موهبة خاصة في خلق الحكاية الخرافية مثل العرب والهنود، إذ صاغوها في أكمل صورة فنية لها، كما غذوها بخيالهم وكسوها بالبهاء والروعة، وفي وسعنا من خلال حكايات هذه الشعوب أن نستخلص كثيراً من خصائص هذه الشعوب وطابعها وأفكارها الخاصة وتأملاتها، ولقد اكتسبت الحكايات الشعبية العربية والهندية في العصور الوسطى وما تلا ذلك من مئات السنين شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم، فامتزجت بمجموعات الحكايات الشعبية عند الشعوب الأخرى، كما عملت على إخصاب شعرها وأدبها، وطبيعي كما يقول «دير لاين»: لا نستطيع أن نعد هذه الشعوب مصدراً للحكايات الشعبية بأسرها، كما أنه ليس هناك شعب من الشعوب في حدود ما نعرف أهمل الحكايات الشعبية الغنية بفنيتها.
وقد انتشرت هذه الحكايات عبر حدود المكان الذي نشأت فيه، وكل من يتتبع انتقال الحكاية الخرافية من بلد لآخر، يلمس شيئاً من طريقة التأثير الأدبي للحكاية الخرافية، وهي الوسيلة بعينها هي التي تمكن الباحث من أن يستخلص مجموعة من القوانين الأدبية، وعدداً وفيراً من الخصائص القومية، وذلك عن طريق دراسته للتطورات المختلفة، التي تعتري المادة الأدبية نفسها عند بعض الشعوب، وكذلك من خلال مدى قوة الشعوب المانحة، وعجز الشعوب المستقبلة أو قدرتها على التحرير، فالحكايات الشعبية من أهم الموضوعات، التي يهتم بها الباحث الفلكلوري، بل تعتبر الحكايات الشعبية هي البداية العلمية الأولى لدراسة المأثورات الشعبية حينما قام العالمان الألمانيان الاخوان «غريم يعقوب» (1785- 1863)، و«ويلهام» (1786- 1859) بجمعها، ومن قبلهما كان الاهتمام بالحكايات الشعبية هو اهتمام أدبي وانعطاف نحو التراث الشعبي.
وقد قام الاخوان «غريم» بجمع نصوص كثيرة من الحكايات الشعبية، التي يرويها الشعب الألماني ويتناقلها مشافهة الأحفاد عن الأجداد، وكان من أهداف عملهما هذا التعرف على خصائص وقواعد اللغة الجرمانية، ودراسة أصل القصص الشعبية، وكانا يجمعانها من رواتها في القرى وداخل البيوت، وقد نشرا مجلدين تضمنا ما جمعاه من حكايات صدر الأول عام 1812 والثاني عام 1815 تحت عنوان «الحكايات المنزلية»، وقد لقي هذان الكتابان إقبالاً كبيراً من الشعب الألماني، حتى كان يعتبر الكتاب الثاني بعد الإنجيل انتشاراً داخل البيوت، ويعتبر الاخوان «غريم» مؤسسا علم الفلكلور، الذي اصطلح على استخدام المأثورات الشعبية كترجمة عملية لهذا المصطلح الإنكليزي «فولك- لور»، الذي استخدمه العالم الإنكليزي «سيرجون وليام تومز» في أواسط القرن التاسع عشر، كمصطلح يدل على مادة المأثورات الشعبية، كما يعتبر الاخوان «غريم» صاحبا النظرية القائلة: بتناقل المأثورات الشعبية شفاهة، كما أنهما صاحبا الرأي القائل: بأن الحكايات الشعبية، التي تتشابه كل منها مع مثيلاتها في أماكن أخرى هي حكايات نازحة أصلاً من أسلاف هند جرمانية، كما أن الحكايات مرتبطة بالأساطير ويمكن فهمها من خلال فهم الأساطير التي تنتمي إليها.