المصنفات في إعراب الحديث
ذهب صاحب الألفية ومن بعده ابن هشام والدماميني والأشموني وغيرهم إلى الاحتجاج بالحديث النبوي .
ومنع من ذلك ابن الضائع وأبـو حيان الأنـدلسي وذلك لأمرين: أحدهما أن الرواة جوّزوا نقل الحديث بالمعنى، والثاني أن كثيراً من رواة الحديث كانوا غير عرب بالطبع فوقع اللحن في نقلهم .
لكن استقر موقف معظم المتأخرين على الجواز وقد خالف الإمام السيوطي في ذلك وذهب إلى عدم الاحتجاج بالحـديث فيـما خالف القواعـد النحـويـة، وصحح مذهب ابن الضـائـع وأبي حيان وأنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث ،حيث يرى أن غالب الأحـاديث مرويّ بالمعنى، وقـد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها، فرووها بما أدّت إليـه عباراتهم، فزادوا ونقصـوا، وقـدمـوا وأخروا، وأبدلوا ألفاظاً بألفاظ..
ولقد كان لهذا التضارب في المواقف من النحاة أن قلّ التصنيف في إعراب الحديث الشريف حيث لم يؤثر في الموضوع سوى ثلاثة كتب :
(1) إعراب الحديث النبوي- للإمام العكبري (538-616هـ):
أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسن العكبري الأصل، البغدادي المولد والدار، الفقيه الحنبلي الحاسب الفرضي النحوي الضرير .
قال أبو البقاء في مقدمتـه:
"أمـا بعـد فإن جماعة من طلبة الحـديث التمسـوا مني أن أملي مختصراً في إعراب ما يشكل من الألفاظ الـواقعـة في الأحـاديث، وأن بعض الرواة قد يخطئ فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحـابـه بريئون من اللحن، فأجبتهم إلى ذلك، واعتمدت على أتمّ المسانيد وأقربها إلى الاستعياب وهو جامع المسانيد للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، رحمه الله، مرتّبة على حروف المعجم، والله الموفق للصواب".
ومجموع الأحـاديث التي تعرّض العكبري لإعرابها نحو 430 حديثاً، كان يستشهد عليها بالقرآن والشعر، وقد يتعرض للخلافات النحوية، وقد يذكر العكبري للرواية أكثر من إعراب. وإذا خرجت الروايـة عن المألوف في كلام العرب ولم يجد لها وجها في قواعد النحاة حكم العكبري عليها باللحن.
(2) إعراب الحديث- للإمام ابن مالك الأندلسي (600-672 هـ):
أبو عبد الله جمال الـدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني النحوي اللغوي المقريء المحـدث الفقيـه الشافعي . من أشهر مصنفاته: الكـافية الشافية وشرحها، التسهيل وشرحه- لم يتم-، الخلاصة الألفية في النحو والصرف، شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ.
وقـد صنف ابن مالـك كتاباً في إعراب الحديث سماه: "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكـلات الجـامـع الصحيـح". اعتنى به محمد فؤاد عبد الباقي، وطبع في القاهرة 1376 هـ 1977م.
والكتاب يقوم على إعراب مشكـلات وقعت في صحيـح البخـاري. ويتضـح فيه منهج ابن مالك في الاحتجاج بالحديث النبوي، واستنباط القواعد النحوية منه، ويستدل للأحاديث بالقرآن والشعر، ويخطّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّيء النحوِيين في عدد من المسائل. وهو بذلك يتميز عن منهج العكبري الذي كان يلحّن الرواية أحيانا لمخالفتها قواعد النحاة.
(3) إعراب الحديث- للإمام السيوطي (849 ـ ا 91هـ):
صنف السيوطي كتاباً ضخماً في إعراب الحديث سماه: "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" اعتمد فيه غالباً على مسند الإمام أحمد، وضمّ إليه كثيرا من كتب الحديث.
قال في مقدمتـه:
"... وقـد استخـرت الله تعـالى في تأليف كتاب في إعراب الحـديث، مستوعب جامـع... وأجعله على مسنـد أحمد مع ما أضمـه إليه من الأحاديث المزيدة، وأرتبه على حروف المعجم في مسانيد الصحابة، وأنشيء له من بحار كتب العربية كل سحابة..."
وهكذا رتّب السيوطي كتابه على الطريقة التي رتب فيها العكبري كتابه. والسيوطي مطّلع على إعراب الحديث للعكبري وإعراب الحديث لابن مالك فينقل أقوالهما في إعراب الحديث ويزيد عليها بما يعنّ له وما يراه من الأقوال الأخرى. فيقول:
"قـد أوردت جميـع كلام أبي البقاء معزوًّا إليه، ليعرف قدر ما زدته عليه، وتتبعت ما ذكره أئمة النحو في كتبهم المبسوطة من الأعاريب للأحاديث فأوردتها بنصهّا معزوّة إلى قائلها".
والسيوطي- كعادته- جمَّاعة للآراء لا يكاد يغفِل عن نقل رأي منها له قيمته في إعراب الحديث، ولا نكاد نجد له دوراً في الإعراب إلاّ نادراً.
وأهم المصادر التي اعتمد عليها السيوطي في إعراب الحديث:
1- إعراب الحديث للعكبري، وقد صرّح بنقله جميع كلامه.
2- إعراب الحديث لابن مالك.
3- شرح الطيبي على مشكاة المصابيح للتبريزي.
4- شروح صحيح البخاري للكرماني، والزركشي، والخطابي، وابن حجر.
5- شروح صحيح مسلم للقاضي عياض، والقرطبي، والنووي.
6- شرح الكافية الشافية لابن مالك.
7- أقـوال النحـاة واللغويين في مصنفاتهم كالزمخشري في المفصل، والرضي في شرح الكـافيـة، والأنـدلسي في شرح المفصل، وابن يعيش في شرح المفصـل، والجـوهري في الصحاح، والزمخشري في الفائق، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث