عن سهل ابن سعد قال :قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :"إنّ الله يحب مكارم الأخلاق ،ويكره سفسافها "
وإن محبة المرئ المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها ،هو نفس العقل .فالعقل به يكون الحظ ،ويؤنس الغربة ،وينفي الفاقة ،ولا ما أفضل منه ، ولا يتم دين المرء حتى يتم عقله .
والعقل يقع على المعرفة بسلوك الصواب والعلم باجتناب الخطأ،فاذا كان الموء في أوّل درجته يسمى أديبا ، ثمّ أريبا ،ثمّ لبيبا ،ثمّ عاقلا ،كما أن الرجل إذا دخل أوّل الدهاء قيل له : شيطان ،فاذا عتا في الطغيان يقال له :مارد ،فاذا زاد على ذلك قيل :عبقري ،فاذا جمع على خبثه شدّة شر قيل له:عفريت ،وكذلك الجاهل ، يقال له في درجته الأولى المائق ، ثمّ الرقيع ،ثم الأنوك ، ثم الأحمق .
ولقد أحسن من قال :
وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنّه على العقل يجري علمه وتجاربه
يزيد في الفتى في الناس جودة عقله وإن كان محظورا عيه مكاسبه
قال الحاتم ابن اسماعيل :"ما استودع الله عقلا عبدا إلا استنقذه به يوما "
والعقل دواء القلوب ومطيّة المجتهدين ، وبذر حراثة الآخرة ،وتاج المؤمن في الدنيا ،و عدّته في وقوع النوائب ،ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا ،ولا المال يرفعه قدرا ،ولا لا عقل لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه ،فكما أنّ أشدّ الزمانة الجهل ،كذلك أشدّ الفاقة عدم العقل.
والعقل والهوى متعاديان ،فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوّفا ،فاذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما لهواه لأن في مجانبة الهوى اصلاح للسرائر .وبالعقل تصلح الضمائر .
قال معاوية بن أبي سفيان لرجل من العرب عمّر دهرا :أخبرني بأحسن شيء رأيته ،قال :"عقل طُلب به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة ".
إذا تمّ العقل تمت أموره وتمت أياديه وتم بناؤه
فان لم يكن عقل تبين نقصه ولو كان ذا مال كثيرا عطاؤه
عن عمران الخزاعي قال :سمعت الحسن يقول :"ما تمّ دين عبد قط حتى يتم عقله "
وأفضل ذوي العقول منزلة أدومهم لنفسه محاسبة ،وأقلّهم عنها فترة ،فبالعقل تعمر القلوب ،كما أن بالعلم تستخرج الأحلام ،وعمود السعادة العععقل ،ورأس العقل الاختيار ولو صور العقل صورة لأظلمت معه الشمس لنوره ،فقرب العاعل مرجو خيره على كل حال ، كما أن قرب الجاهل مخوف شرّه على كلّ حال ، ولا يجب للعاقل أن يغتمّ ،لأن الغم لاينفع ، وكثرته تزري بالعقل ،و لا أن يحزن لأن الحزن لا يردّ المرزئة ، ودوامه ينقص العقل .
والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به ،ويدفع الأمر قبل أن يقع به ،فاذا وقع فيه رضي وصبر ،والعاقل لا يخيف أحدا مااستطاع ،ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مذهبا ،وإن خاف على نفسه الهوان طابت نفسه عما يملك من الطارف والتالد ،مع لزوم العفاف فهو قطب شعب العقل .
أو لست تأمر بالعفاف وبالتقى وإليه آل الأمر حين يؤول
فان استطعت فخذ بعقلك فضة إن العقول يرى لها تفضيل
قيل: لأحدهم: إني أمرت أن أخيرك في ثلاثة فاختر واحدة ،ودع اثنتين ،فقال :وما الثلاث ،؟قال الدين والحياء والعقل ،قال: فاني قد اخترت العقل ، قال الآخر للدين والحياء: انصرفا ، فدعاه ، فقالا : إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : شأنكما
منقول من كتاب "نزهة الفضلاء وروضة العقلاء"