أ . م . د اسراء عريبي فدعم
الشمس السرمدية المحمدية
تطاول الزمن على الحياة حتى عاشت مخاضها فأنجبت شمسها ، واغترت الحياة بولادتها للشمس ، وحق لها الاغترار، و تفاخم الزمن الذي فيه كانت الولادة وحق له الافتخار ، وتضوعت الأشجار مسكا ببهاء المولود ، وصدحت الطيور مغردة جذلة ، فقد ولد النور محرر النفوس معلي الرؤوس ، إنه مهبط السرور محمد صلى الله عليه وسلم الشمس الإنسانية السرمدية .
هناك على البسيطة شمسان تحيط بالإنسان ، الأولى شمس سرمدية تشرق على الثقلين من الأنس والجن ، وشمس أخرى يتفرد بها كل إنسان تؤثر فيه وتلونه .
وبله الشمس الثانية التي تختلج الإنسان وتلونه وتحتويه ، ولنتحدث عن الشمس السرمدية المحمدية التي أرسلها الله رحمة بالبشرية ، شمس تشرق على العالم ، ترسم للناس أجمع النهج الأنفع ، يتمايز المؤمنون بها ، ويسيرون بهديها ، تتعلق الأرواح والقلوب بها حتى تتطهر مما علق بها من درن الرجس والأثم .
محمد صلى الله عليه وسلم ، أقسم رب العزة به فقال " لعمرك " وما أعظم رعاية الله له حين قال له رب العزة " فإنك بأعيننا " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم السراج المنير والشمس السرمدية التي ستبقى على مر العصور تشرق في النفوس ، وكيف لا وهو رحمة للعالمين أرسله الله ، فهو الرحمة الربانية التي سارت على الأرض ورسمت بسيرتها السبيل للوصول للسعادة
إلى أبي الحبيب
الرسالة الأولى
من قال إن أبي الحبيب قد مات فقد وهم
تتدافع ذكرياتك في ذهني ، فألملمها بسلة الأحزان ، سلة صنعتها من دمع سجال ، اهرقته وهما أنه سيطفئ لوعة بعدك عني ، ووهما ظننت أن تباعد الأيام ستخلع عني سربال لوعة فراق سفرك الطويل ، بل ازداد تخالج الألم والحزن والفرقة في صدري حتى ظننت أن الأحزان قد مادت بي وصيرتني كغصن اشتدت به الريح في يوم عاصف ، أو كقشة في بحر لجي يخشاه الموج من كل جانب ، أو كحبة رمل في بيداء قاحل ، فأنا يا أبي بدونك شمعة ذهبت مشكاتها فتلاطمت العواصف حولها حتى أطفأتها ، وقد كنت قمرك الذي أنار حياتك فمن أين لي أن استمد ضوئي وأنت شمسي التي غابت .
أبي الحبيب
كم مست بحبك واستسهلت الصعاب بوجودك وولجت الأخطار بفؤاد حديد لأنك كنت لي الطود المنيع ، الذي يحميني من كل ما يحيط بي من الخير والشر .
وكم يخترق الحزن قلبي فيخترم سويداءه لفراقك ، وكم افتقد قصص بطولاتك التي كنت ترويها لي ، ومازلت أذكر حشرجة صوتك عندما تذكر خذلان الوقت لك ومنعه لصلاة أكثر من ركعتين في المسجد الأقصى عند قتال اليهود .
أبي الحبيب المسافر
علمتني الصواب وإتباعه وتجنب الخطأ والنفور منه ، فما أعجب طريقتك في التعليم ، فأنت تعلمني بقصة وأغنية ، وما زالت أغاني الطفولة تصدح في قلبي كأجراس تدق لتعلن الحنين إليك في كل لحظة .
وها أنا أمد نظري إلى مكانك الذي اعتدت الجلوس عليه وها بصري يرتد حزينا حسيرا ، وما زلت يا أبي أشم أريج عطرك الذي يتقاذفني كفراشة احترقت أجنحتها بوهج ضوء ذكراك العذبة ، فعادت منكسرة الجناح والقلب .
أبي الحبيب
ما بال محارتي بعدك لا تستجيب ، أيفتح باب صدأ مزلاجه عتيق مقبضه سفينتي بعدك تعبه تمخر في عباب المستحيل والأمواج عالية والبر حلم في سارية والدقائق تعدني والثوان تمزجني بمدد آلامي لتنشرني على أوراق الحزن ، فبعدك كل شيء مفقود لن يعود ، وهذا قانون حياتي مغلوب أو مغلوب
ما أقسى تلك الألواح الخشبية التي ضمتك بين ذراعيها فسلبتك مني ، وما أشد تلك القلوب التي حثت عليك التراب فوارت جسدك الكريم .
ألا تتصدع هذه القلوب حزنا كما تصدع قلبي ، نعم رحلت وتركتني أعب الأحزان في صدري عبا حتى شطرتني أجزاء متناثرة .
أبي الحبيب
مهما أشرقت شمس في قلبي سيبقى غياب شمسك يظلم جوانحي ، فأنت حر وراء سدود الدنيا في دار الخلود وأنا الأسيرة بلا قيود ، نعم سيأتي يوما ونلتقي في الوجود ، وهناك سأحدثك كيف غص بي الألم ، وكيف تجرعني الحزن بلا ندم ، ومتى ازدردني الخوف ، وكيف خيبت أملي عندما كنت أناديك استيقظ يا أبي الحبيب ، فتركتني ورقدت إلى يوم موعود ، ولي في ذاك شاهد ومشهود ، سنلتقي هناك عند الرب الغفور الودود و سننسى الأحزان ، وسنسير في الجنان .بعد أن ترم العظام ثم يسوى البنان ، ونقف بين يدي الرحمن فهناك تلتقي النفوس وتنتكس أو ترتفع الرؤوس ، وسنساق زمرا تحت لواء الحبيب المصطفى الطبيب صلى الله عليه وسلم ، طبيب القلوب الشمس السرمدية ، دليل الدروب صلى الله عليه وسلم .
أبي الحبيب
سأفتقدك حتى تضمني تلك الألواح الخشبية بين ذراعيها كما ضمتك ، لأني هناك سألتقيك ، فما عدت أخشى الموت بل بت أحبه ، لأن به اللقاء يكون .