السلام عليكم
جزاك الله خيرا على طرحك لمسألة اختلاف القراءة واختلاف المعنى.
وقبل ذلك مما ينبغي الحرص عليه أن اختلاف اللهجات كان عاملا أساسيا في نشوء القراءات، فقد أُرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أميين فيهم الشيخ الكبير والصبي وغيرهم ممن درجت ألسنتهم على لغات يسر الله بلطفه عليهم ليلفظوا بالقرآن على ما درجت به ألسنتهم.
ولابن قتيبة نص في هذا إذ يقول :
ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا ناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه ولم يمكنهإلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان وقطع للعادة. اهـ
وقد ذهب البعض إلى أن القراءات هي لغات القبائل التي كانت تقرأ، قلت: فلو كانت كذلك فلم اختلف الصحابيان الجليلان في قراءة سورة الفرقان في الحديث المشهور وهما قرشيان؟
وإلى جانب ذلك تجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاف قد حُفظ بالرسم، يقول عبده الراجحي في كتابه اللهجات العربية في القراءات القرآنية:
....كان سببا في حفظ الاختلاف الموجود أصالة لأن القراءة سنة متبعة... اهـ
وقد ذكر ذلك كله في معرض رده على شبهة الرسم وكونه سببا في ظهور القراءة والتي ذكرتها في موضوع لي بإيجاز.
كما نذكر أن شروط القراءة الثلاث والتي وضعها علماء القراءة مع ابن الجزري ابتداء قد ذكرتها بإيجاز لما فيها من تفصيل يضيق به المقام - للأسف- كونه يستدعي تأصيلا طويلا.
ومع ظهور هذه القراءات وحصرها في السبعة وتداخلها مع الحديث الشريف كثر التنبيه في شرح الحديث لتبيين أن القراءات المتبعة التي دونها علماء القراءات وأجمعوا عليها ليست هي الأحرف السبعة وإنما هي بعض هذه الأحرف.
في الرسم القرآني
لقد ذكرت آنفا ما للرسم من علاقة بالقراءة ولقد تعددت تعريفاته إلا أن مقامنا ليس بمقام التأصيل ولا الشرح بقدر ما هو مقام تبيين العام والإحالة إلى الخاص في مضان كتبه!
والرسم لم يخرج عن أمور ثابتة، يقول صاحب تحفة الفتيان في رسم القران:
والرسم في فصل ووصل وبدل****حذف زيادة وهمز اكتمل
ويقول صاحب مفتاح السعادة: رسم خط المصحف من الحذف والزيادة والهمز والبدل والفصل والوصل وما فيه قراءتان وكتب على إحداهما.
وهو شرط من شروط القراءة الصحيحة، يقول إمام المحققين في النشر:
عَلَى أَنَّ مُخَالِفَ صَرِيحِ الرَّسْمِ فِي حَرْفٍ مُدْغَمٍ أَوْ مُبْدَلٍ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ مَحْذُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مُخَالِفًا إِذَا ثَبَتَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَوَرَدَتْ مَشْهُورَةً مُسْتَفَاضَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا إِثْبَاتَ يَاءَاتِ الزَّوَائِدِ وَحَذْفَ يَاءِ تَسْئَلْنِي فِي الْكَهْفِ ، وَقِرَاءَةَ ( وَأَكُونُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) وَالظَّاءَ مِنْ بِضَنِينٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسْمِ الْمَرْدُودِ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ يُغْتَفَرُ ، إِذْ هُوَ قَرِيبٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَتُمْشِيهِ صِحَّةُ الْقِرَاءَةِ وَشُهْرَتُهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ زِيَادَةِ كَلِمَةٍ وَنُقْصَانِهَا وَتَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي ، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ لَا يُسَوِّغُ مُخَالَفَةَ الرَّسْمِ فِيهِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ فِي حَقِيقَةِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ وَمُخَالَفَتِهِ. اهـ
*** وأما عن اختلاف المعنى من عدمه باختلاف القراءات صحيحها وشاذها. فلا يجاب على هذا السؤال - والله أعلم - في سطور وإنما نبين ما أمكن ذلك بقدر يسير لئلا نطيل:
يجب التفريق بين الصحيح من القراءة وشاذها. وللاختصار فإن الشاذ على ما أدين الله به هو ما خالف رسم المصحف ولو صح السند ووافق العربية ولو بوجه. وقد ذهب طائفة إلى أن الشاذ ما خرج عن الصحاح. وقد بين ابن الجزري ذلك إذ يقول:
فإن لم يكن في شئ من المصاحف العثمانية فشاذ لمخالفتها الرسم المجمع عليه. اهـ
وقد أجمعت الأمة على عدم صحة القراءة الشاذة فلا يُتعبد بها ولا بتلاوتها ولا يصلى بها، لذا كان لزاما أن لا نرى اختلاف المعنى من عدمه بينها لعدم حجيتها.
ولنرجع إلى الصحيح من القراءة:
فإن الذي أعلمه وما ذكره الأستاذ الشيخ أيمن بقلة في كتابه تسهيل علم القراءات أن الاختلاف بين القراءات هو اختلاف تفصيلي لا إجمالي، أي أنها لا تغير معنى عاما أو حكما ما بل تغير معنى جزئيا تفصيليا من زيادة بلاغة أو صورة بيانية أو تأكيد لمعنى وغيرها. ذكره بعد أن عرض أنواع الاختلافات بين القراءات.
إن هذا الموضوع لا يتسع لمثل هذا المقام إلا أن يذكر بتفصيل – نسأل الله أن يوفقنا لذكره- ولكن سأحاول عرضه مع الإجابة عن سؤال يسبق ما ذكر آنفا، بين القراءات و القرءان.
وفي الأخير أود أن أتوجه لك أستاذتنا الفاضلة أحلام لسانية بطلب تعديل في الصورة باستبدال "ربي" بكلمة "رب" ولا يخفى عليك علة ذلك .........مع خالص الامتنان.