خرجت ابنة عمه تسير مائلة لألم في رجلها، وهي تبتسم لزوجها الذي ينتظرها في سيارته.. لم تنظر إليه.. لم يهتمّ بها.. كان باله مشغولا بزوجته التي تأخرت في الخـروج هي الأخـرى.. ناداها.. يعـرف بأنها واقفـة داخـــل " الحـوش"؛ لأنه سمعها تحدث ابنة عمه التي خرجت أولا.. نفد صبره.. اتجه ناحية البيت الذي كان أسفل هضبة صغيرة يغطيه سور.. لم يسمع أيّ صوت رغم كثرة من في البيت.. صمت غريب.. لا صوت.. لا حركة.. ماذا حدث؟!.. نزل قليلا نحو باب الدار.. قبل أن يصل.. رأى على يمينه حذاءها الأبيض مرميا.. دب نمل الشك في نفسه مسرعا.. دخل.. لا أحد.. انفجر الخوف في قلبه.. استولت على ذهنه كل الأفكار السيئة السوداء.. كل معاني الفقد والفراغ.. تزوجا منذ شهرين فقط.. صعد الهضبة راكضا.. وسار بمحاذاة الطريق.. زجاج مكسور.. مفتت، بألوان مختلفة.. رأى قطعة نقدية من فئة العشرة دنانير فوق الزجاج.. أخذ يبحث عن غيرها.. وجد قطعة أخرى.. ليست دينارا.. إنها عملة أجنبية.. لم يجد غيرها.. واصل سيره.. رأى في مرآب شابا يبيع ثيابا مستوردة.. أعجبه سروال " جينز " أسود.. ذهب إليه.. بحث عن السروال.. لم يجده.. سأل عنه.. لم يهتم الشاب به.. كان مشغولا بغيره.. ذهب.. عاد يبحث عن زوجته.. امتد على يسار الطريق المعبّد طريق مترب نازل فسلكه.. على يساره، شدت انتباهه لافتة فوق مدخل بناية كبيرة مكتوب عليها بخط كوفي جميل:" المعهد الوطني للمالية ".. تعجب للأمر.. لم يكن يعرف سابقا أنه يوجد معهد للمالية ببلاده.. وبهذا المكان!..ثم.. لِم لم يره إلا اليوم؟!.. واصل سيره.. أصبح الطريق صاعـدا وأكثر صلابة، ممتلئا صخورا ضخمـة.. أقـبل نحـوه رجـل قـصير، ممتلئ، أسمر، زادت الشمس وجهه سمرة.. سأله:" تبحث عن زوجتك؟".. تعجب لسؤاله:" كيف عرف بأنني أبحث عن زوجتي؟".. ودون أن يستمع إلى إجابته، التفت الرجل القصير إلى الطريق الصخري الصاعد، الذي يختفي بين صخور ضخمة وراءها غابة كثيفة.. وقال: " زوجتك اختطفت!!.. وقتل كل من كان معها.. لا تبحث عنها.. لن تجدها!.. عد.. ولكن.. بدل ذلك.. اذهب وابحث عن نفسك.. فأنت لا تبحث عن زوجتك!.. هل تذكر القطع النقدية التي كنت تجمع وتبحث عنها وسط الزجاج المكسور؟.. هل تذكر سروال " الجينز" الذي حزنت كثيرا لأنك لم تجده؟!.. أحذرك وأنت عائد من دخول معهد المالية!!.. إياك أن تدحله!.عد..عد,وابحث عن نفسك!.

جزاك الله خيرا.