الحداثة بين تجليات النص وفوضى السياق
د.غالب المسعودي
لقد تكونت وتطورت حركة التاريخ والتنظير بفعل إسهام كبير قدمه المفكرين والباحثين, تلك الحركة التي احتوت وضعا معقدا قائما على وجود منظومة متعددة الأطراف, وكانت العولمة قمة انزياحات وراس الهرم لهذا التصاعد الدراماتيكي للحدث المؤجل في تضاعيف الأطر الحضارية العامة, وقد تكرست من حيث الأساس الهيمنة الشاملة لمجموعة من الخطابات أفرزتها الحرب والحرب المضادة والتي استعدت لها كل المجموعات ومن تجحفل معها من أنظمة بشكل طاغ ومثير وبحركة استنفار بهلوانية على أيدي الذين يدعون أنهم ممثلي الموجة الجديدة في تطبيق النظام.
إن هذا ما يجعل من اللازم أن يعمل المفكر في الكشف عن الواقع التاريخي الموضوعي مميزا إياه بدقة عن التفسير والتقويم اللذين يقدمهما الجانب الأخر, وعلى الرغم من الصعوبات والإشكالات التي يمكن أن تنشا عن ذلك, فسيتضح الأمر عندما نحدد الإطار الإيديولوجي حيثما نريد أن نستعيد بداية حقيقية ومتماسكة لكتابة التاريخ وتاريخ الانتقالات الكبرى بمداد الفن-الفكر- وهذه خاصية يجب أن تقترن بتوطيد الخطاب المواجه بالضد, مع عدم توفر الإمكانات ,والتي كانت هذه الحرب إحدى أسبابها. وإذا كان الأمر كذلك فان الحقبة التاريخية السابقة إلى الوقت الحاضر كان عليها أن تحصد النتيجة, ركام من الأعمال الفنية يقدم معضمها صورة لموقف الفنان أو مجموعة من الفنانين أرخوا لذواتهم أو لرغباتهم أو احتياجاتهم الموضوعية والذاتية قبل أن تكون أسلحة في مواجهة الأزمة من واقع حال فرضته الظروف ووسائلها التي لم تكن محدودة, بل بوسائلها الأخرى ومنها الحرب النفسية, وهي التي كانت متمو ضعة مع الجهد التفجيري لوسائلها الأخرى, وبهذا المعنى والتي تستبدل عادة من قبل مناهج البحث بأمثولة التزييف والتشويه التاريخي, وفي نطاق طرحنا المتقدم يمكننا القول أن الحوافز تبقى سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة, لتخمين واستقصاء الملامح البعيدة لنتاج هذه المرحلة لدى من تصدوا بوصفهم –فنانين, مفكرين- وان لم يكونوا مستقلين عن تينيك الاحتياجات ودون أن يعرفوا أن تلك الاستقلالية هي نسبية نوعا ما.وأود هنا أن أشير إلى أن هذا سيشكل احد مفاتيح الولوج إلى فهم افرازات الفكر في صيغته التراثية.أن الوقائع التي نكتب عنها في الحاضر هي نتاج أحداث وممارسات خطط لها في الماضي وتعمل في ضوء العصر, وهذا ما يجعلنا أن نصل إلى النتيجة أمرا ضروريا ومشروعا, إن الفترة المنصرمة فد تجلت بهذا الكم الهائل من المنجز الفني والأدبي والملاحظ أن هناك تفاوتا بين المنجز وبين الصورة التاريخية والحضارية لنمط السياق, والحق يقال إن هذا التناقض لم يكن إلا مشهدا ظاهريا, إذ أن تجاوزه وارد حالما تتوافر لدى المتابع طبيعة العلاقة بين الفكر والواقع فهي ليست بسيطة مباشرة وبالتالي إنها علاقة جدلية عميقة تتراوح بين التحدي والاستجابة الرافضة لكل أنواع الاستلاب, وبالتالي لم تكن تلك الغاز بعيدة المنال لان الفن الحقيقي لا يستجيب إلا إلى روح الحرية والايجابية وترسيخ مفهوم الجمال المطلق الجمال الذي يصدر عن الروح كشعاع ضوء بين الآكام, لذا لم يعد مشروعا أن نجد البعض يحاول طبع هذه الشخصية الايجابية والتي أفرزتها مرحلة ما بطابع المرحلة الحالية والتي تنبؤ بانحسار الأيديولوجية, والتي لم يكن الموروث متصلا بها إلا بصورة غائمة وتدعي أنها تمتلك الإجابة على أسئلة العصر, وعلى هذا النحو يبدو أمامنا الموقف بات واضحا وان المجابهة بدأت تتكشف عن نسق جديد وهو بروز الشخصية المتمثلة لتراثها والممتدة إنسانيا بلا عقد تاريخية والتحول من السياق الملغم والمعتم ومن عمليات المسخ والاستلاب إلى نحو عاصف متخذا من الامكانات الذاتية الحد الأولي للنهوض إلى أقصى الطموح,