السيد سالم عضو شرف
البلد : مصر عدد المساهمات : 361 نقاط : 849 تاريخ التسجيل : 22/10/2011
| موضوع: مونولوج سيدة النبع 2011-10-28, 12:28 | |
| سلمت العمر علي عهد أن نعلو عن تقسيم النوعين، وأن نتلاقح روحاً في روح وفؤاداً بفؤاد، لما سقط العهد سقطت، وأسلمت النفس علي أمل أن نجترح مثالاً للآتين: فلا ذكر ولا أنثي، ولا شهوات تورث صاحبها الذلة، لا عري يعطل تاريخ الثوب، ولا ريق يلوث بالريق وظيفته العلمية، لما انهار الأمل انهرت، وكنت دخلت الخية: فضياعي في المكث وفي الترك ضياعي، صار الموت على وجهين: فوجه في كسر القارورة والآخر في القارورة. فتوحدت وأدمنت الصحراء، مضيت أجر فلول الأجنحة، تراءي النبع: نصوص من عرفانيين، وكسر من خبزٌ، قٌلَلٌ، وفطير ٌبلديٌّ، ذاكرة تصحو وتغيب، أطباء يلفون الأغلال علي ساقي لكي ينزل أطفال القسر إلي صحراء، قطعت معاوية وشعرته، في الصحراء تبدي رجل يقترح وظائف أخري للريق وللشفتين وللرقبة، كنت بنيت عقائد قلبي بيدي كما يجدر بعصاميين، وحين تداعت كاتدرائيات طفرت غجريات من عيني وإبطي، تعلمت وظائف أعضائي وانكشفت عن بدني غمة بدني، فاندلعت في قصر المنتزه الجرسة: فنيون ورفقاء، وهستيريا في الشرفات، وبوابون، وأمناء الشرطة، وتنابلة كذابون، وعمال مصاعد، ملاك عقارات خالية، وعطيل، ومعماريون أضروا المهنة إذ هم قوامون علي النسوة، ركاب المترو، ضباط فهموا اللغز، وشعراء مهانون. يعلمنا الدرك أصول الفقه، يعلمنا الدرك اللغة العربية وخطايا اللبس، يعلمنا الدرك كرامتنا المجروحة. نفد الدرس وجفت أقلام الكتبة، خسرت كل رهاناتي، ولذلك: مسعاي الفهم وليس العطف، وطلبي: الرحمة قبل العدل. رقة المخابرات يبيعون في المقهى التواريخ والشاي الأخضر والحوادث، تقترب الأنفاس البشرية من الأنفاس البشرية، تحكي امرأة عن المغني القديم الذي صار عنكبوتا، بينما نهداها يرتعشان تارة خلف دخان النارجيلة وتارة تحت القميص الأبيض. حكي رجل عن جلطة الأم وعن رقة المخابرات فالتصق فخذها الأيسر بفخذها الأيمن وجحظت عيناها من الرعب، سألته: هل أنت المشاكس؟ أجاب: إنني العابر الذي يحتاج أن ينام بمحاذاة حوضك العريض، إنني المضطرب الذي يود أن يهدأ علي عمودك الفقري ثلاثة صباحات بأمسياتها، إنني المجرم الذي ينشد النظافة تحت لسانك المغسول بالسبرتو. يبيعون اقتراب الروح للروح في كستبانات صغيرة. يبيعون البائعين والمشترين. يهبط المقطم إلي الحارات والمشربيات والقلوب. يهبط المقطم ممسكا بخناق سعيد مهران وعيسي الدباغ وسيد الرحيمي. يهبط المقطم فتندلع أغنية «يا ليتني كنت الطبيب المداويا» بين شخصين جاوزا سن الغرام حينما تبادلا الراقصات النحاسيات وعقد الياسمين. هل أنت المشاكس؟ أنا من ضيع في الأوهام عمره، بينما هم يبيعون اقتراب الروح للروح في كستبانات صغيرة. إعادة رسم الأعضاء أراها في موقع الحدث يحف بها المسطرين والمونة وقصعة الإفريز، وحولها يتحلّق الأطفال يلقطون من يديها المن والسلوى، ويحملون ذيل ثوبها باتجاه الفردوس، الفردوس الذي لم تذقه لأنها تعف عن جنة ليست من صنع الأصابع، أضمها فأشهد ميلادين يخرجان من موتين، أضمها فأشهد القوطيين وأصحاب الباروك والأندلس، يفكون السقالات حتى ينضج المشمش، فألقط العلامة: الرفق مأرب الضحايا. أراها في موقع الحدث، تعيد رسم أعضائها وأعضائي، بحيث يصفو مسقط الضوء من تلوث البؤبؤ، لكي يصحح السرطان أوضاعه في بدن المحبين، فلا تنهار الشرفات المعلقات علي ريشة، ولا يدب النخر في الردهة الداخلية، ولا يسقط الرخام فوق رأس سيدة النبع، الأشلاء منثورة في كل وحدة، والجراح يقظانة تتدحرج فوق سلالم الخدم. وإذا كانت الأربعون مرت في صدفة، فيا سارية: الجبل، الجبل. يرثون الأرض كان النهدُ مصادفةً، وحنين المرأة لرسوم الإصبع في الرمل مصادفة، ورداءة أدوات الطهي مصادفةً، والعتب علي الأكراد وهم يرثون الأرض مصادفة، لكن هديل العزلة كان القدرَ المقدورَ، وفرحَ المقرورين بمجد الصدفة، كان ضرورةَ جسدين. المهزومون يقولون ليلي بالعراق مريضةٌ، بينما الكربلائيون يلطمون الصدورَ بالجنازير والمجنزرات، ثم يعومون في دماء أهل البيت، عد يا علي، لكي تعلم الحداثيين درس الأرض الخراب، وكي يعرف الطاغوت إن خان معني أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟ عُدْ. لعل يبصرُ المتنورون أن المهزومين مئة، أولهم أمة بطبقاتها. نشيدُ الصفْحِ يا وردنا هون عليك ليس الزمان خصيمنا فزماننا يمشي إليك يضع المودة فوق جبهتك العريضة ثم يصنع طيبه في مقلتيك يصل الليالي بالليالي، كي ينام هنيهة في راحتيك يا وردنا هون عليك اغفر لقلبك خفقه الهجام، سامح ناظريك إن شاهدا الحسن البهي فرققا، واستعذبا الدنيا إذا وعدت بعصفور وأيك اصفح - بحق شجون عمرك - عن يديك إن مستا حجراً فصار قطيفة أو مرتا من فوق أعصاب الحيارى فاستحالت نغمة واللحن نزّة كاحليك ليس الزمان خصيمنا فزماننا يمشي إليك لهم الجواري المنشآت، لهم قوارير العطور، وعندهم جب الخزائن والكمائن والسفائن، إنما العفو الجميل لديك. يا وردنا هون عليك. شكر وامتنان يجدر التنويه بالفنيين المساعدين: طهاة منطقة الحسين، وراقصو التنورة، ونادل مقهى المشربية، والمعارضون العراقيون في لندن، وسائق ميكروباص شبين الكوم، وممرضات القصر العيني، وسايس جراج البستان، وعمال مطعم مؤمن. الموسيقي: الخليل بن أحمد، والخوارج عليه. كتابة العناوين: الشاعر نفسه. حلمي سالم |
|