نشأة التفسير وتطوره ( منقول)
تكفل الله تعالى لرسوله بحفظ القرآن وبيانه، قال تعالى: "إنّ علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثمّ إنّ علينا بيانه" (سورة القيامة، 17-19).
وكان الصحابة كذلك يفهمون القرآن لأنّه نزل بلغتهم، ولكنّ هذا الفهم كان متفاوتا، وكان الصحابة يعتمدون في تفسيرهم للقرآن بهذا العصر على ما يلي:
أولا: القرآن الكريم: فما جاء مجملا في موضع جاء مبينا في موضع آخر، وهذا ما يسمى بتفسير القرآن بالقرآن.
ومثاله: قوله تعالى: "أحلت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم" فسره قوله تعالى: "حرّمت عليكم الميتة".
ثانيا: السنة النبوية: حيث كان الصحابة يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم إذا أشكل عليهم فهم آية من الآيات، وذلك لأنّه من القرآن ما لا يفهم إلاّ عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلّم كمقادير ما فرضه الله تعالى وتفصيل أوامره ونواهيه.
مثال: روى الشيخان عن ابن مسعود، قال: "لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: "إنّه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: "إنّ الشرك لظلم عظيم".
ثالثا: الفهم والإجتهاد: حيث لا يوجد في الكتاب أو السنة تفسيرا، فإنّ الصحابة يجتهدون في الفهم، لأنّهم من خلص العرب وبلغائهم.
وأشهر مفسري الصحابة: الخلفاء الراشدون الأربعة، وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت..... ولكن لم يدون شيء من التفسير في هذا العصر، وكانت هذه التفسيرات تروى منثورة لآيات متفرقة من غير ترتيب وتسلسل لآيات القرآن وسوره كما لا تشمل القرآن كله.
حكم تفسير الصحابي:
ذهب جمهور الفقهاء أنّ تفسير الصحابة له حكم المرفوع إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول وكل ما ليس للرأي فيه مجال، وأما ما كان للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه.
وأوجب بعض العلماء الأخذ بالتفسير الموقوف على الصحابي لأنهم أهل اللسان ولما شاهدوه من القرائن والأحوال..
التفسير في عهد التابعين:
اعتمد المفسرون في هذا العصر على المصادر التي اعتمد عليها الصحاية وعلى إجتهادهم وما أخذوه عن أهل الكتاب.
أشهر المفسرين في هذا العصر:
سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وطاوس بن كيسان وعطاء بن أبي رباح – هؤلاء تلامذة ابن عباس في مكة.
وزيد بن أسلم وأبو العالية ومحمد بن كعب القرظي من تلاميذ – أبي بن كعب في المدينة.
وعلقمة بن قيس ومسروق والشعبي والحسن البصري وقتادة والأسود بن يزيد – من تلاميذ ابن مسعود في العراق.
حكم تفسير التابعي:
اختلف العلماء في حكم تفسير التابعي الذي قاله باجتهاده فمنهم من قال بأنه لا يجب الأخذ به ومنهم من قال يجب الأخذ به لأنهم تلقوه غاليا عن الصحابة.
والراجح أنه لا يجب الأخذ به إلاّ غذا أجمع التابعيون على رأي.
التفسير في عصر التدوين:
بدأ التدوين في آخر عهد بني أمية وأوائل العباسيين، ومن أبرز من اهتم بتدويين التفسير: يزيد بن هارون السلمي (117ه) وشعبة بن الحجاج ( 160ه) ووكيع بن الجراح ( 197ه) وسفيان بن عيينة ( 198ه) وعبد الزاق بن همام ( 211ه) وغيرهم ...
ولكن ما يميّز هذه التفاسير أنّها كانت مشمولة مع الأحاديث النبوية، ولم تكن بمؤلف مستقل عن الحديث إلى أن جاء ابن ماجة ( 273) والطبري ( 310) والمنذر النيسابوري ( 318ه) وابن أبي حاتم ( 327ه).
بعد هذا العصر اتسعت العلوم وكثر الإختلاف وأثيرت مسائل الكلام وظهر التعصب واختلطت العلوم النقلية بالفلسفة، فأصاب التفسير من هذا الجو غباره، فأصبح صاحب العلوم العقلية يعنى بأقوال الحكماء والفلاسفة كالرازي وصاحب التاريخ بالقصص كالثعلبي وصاحب البدعة يؤول الكلام على مذهبه الفاسد كالجبائي والزمخشري من المعتزلة.
وظهر في عصر التدوين ما يسمى بالتفسير الوضوعي كأسباب النزول للواحدي وأحكام القرآن للجصاص ومجاز القرآن لأبي عبيدة..
ثم جاء العصر الحديث فانتحى كثير من المفسرين منحى جديدا عنى بطلاوة الأسلوب حسن العبارة والأدب الإجتماعي مثل الشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا وسيد قطب..
أنواع التفسير:
أولا: التفسير بالمأثور: وهو الذي يعتمد على صحيح المنقول من الكتاب أو السنة أو الصحابة أو كبار التابعين لأنهم تلقوا بالغالب ذلك عن الصحابة.
وهذا المسلك يتوخى الآثار الواردة في معنى الآية ولا يجتهد برأي من عنده، لذا كان الإختلاف بين المفسرين بالمأثور قليل ولا يعدو كونه اختلاف في التعبير مع اتحاد المعنى، لذا أسماه ابن تيمية اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
مثال: قوله تعالى: "الصراط المستقيم" قال بعضهم: يعني القرآن وقال البعض الآخر: يعني الإسلام.
وقد يكون الإختلاف لإحتمال اللفظ الأمرين، مثال: كلفظ "عسعس" أي اقبال الليل وادباره.
ثانيا: التفسير بالرأي: وهو ما يعتمد به المفسر في بيان المعنى على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد.
حكم التفسير بالرأي:
إنّ تفسير القرآن بمجرد الرأي والهوى من غير دليل حرام، وهو الذي قال الله تعالى فيه: "ولا تقف ما ليس لك به علم".
وهو المقصود بقول أبي بكر الصديق: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني؟ إن قلت في كلام الله ما لا أعلم"؟
وأما إذا كان التفسير بالرأي بناء على علم ودليل من اللغة والشرع فلا مانع بذلك.
ثالثا: التفسير الإشاري: والمقصود به أنّ للآية ظاهر وباطن، فالظاهر هو: الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره، والباطن هو: ما وراء ذلك من إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك.
حكم التفسير الإشاري:
لا بأس به بشروط أربع:
أ- الا يناقض معنى الاية.
ب- أن يكون معنى صحيحا في نفسه.
ج- أن يكون في اللفظ إشعار به.
د- أن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
أي أنّ التفسير الإشاري إذا كان يوافق ظاهر اللغة العربية وله شاهد يشهد لصحته فلا مانع منه.
مثال: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر: فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث لمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، قال: ما تقولون في قوله تعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح" فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به.... فقال عمر: ما أعلم منها إلاّ ما تقول" رواه البخاري.
الإسرائيليات:
لم يأخذ الصحابة عن أهل الكتاب شيئا في تفسير القرآن إلا القليل النادر، فلما جاء عهد التابعين وكثر الذين دخلوا في الإسلام من أهل الكتاب كثر اخذ التابعين عنهم ثم عظم شغف من جاء بعدهم من المفسرين بالإسرائيليات، وأكثر من يروي هذه الإسرائيليات هو عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه وابن جريج.
وقد اتفقت كلمة العلماء على توثيق عبد الله بن سلام وخرّج له البخاري فيصحيحه واختلفوا في البقية.
ما حكم الأخذ بالإسرائيليات؟
لا مانع من الأخذ بالإسرائيليات فيما لا يتعلق بالعقيدة ولا يتصل بالأحكام بشرط ألاّ يتخالف مع ديننا، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلّغوا عني ولو آية وحدّثوا عن بني اسرائيل ولا حرج.." رواه البخاري.