بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
موضوع علم اللغة المقارن هو دراسة الظواهر الصوتية و الصرفية و التركيبية و المعجمية في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة ، وبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تكون بينها علاقة قرابة أو تعود إلى أسرة لغوية واحدة .
و إذا كان اكتشاف السنسكريتية ( لغة الهند القديمة ) سنة1786 م من طرف وليام جونز السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين ، حيث وجه الأنظار إلى الدراسة المقارنة على أسس علمية والتي كانت نقطة تحول في الدراسة اللغوية في أوربا ، فإنه وجد عند العرب منذ القرن الرابع الهجري على يد لغويين متخصصين في المغرب و الأندلس ، نذكر منهم :
ـ جودة بن قريش التاهريتي ( القرن 4 هـ ) الذي أكد بأن العربية و العبرية ناتجتان عن أصل لغوي واحد وأنهما تفرعتا بسبب الاختلاط والاحتكاك بلغات أخرى والاقتراض منها . وقد قام بمقارنات للأصوات الساكنة في العربية و العبرية رتبها ألفبائيا ،كما بين بعض أوجه التشابه بين اللغتين من حيث الجذور . ويعتبر ابن قريش أب الدراسات السامية المقارنة .
ـ ابن حزم الأندلسي ( 456هـ ) الذي اكتشف القرابة اللغوية الموجودة بين كل من العربية و العبرية و السريانية ، يقول في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام " : ( الذي وقفنا عليه و علمناه يقينا أن أن السريانية و العبرانية و العربية ...لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ،ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي ... وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله... فمن تدبر العربية و العبرانية و السريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان و اختلاف البلدان ، و مجاورة الأمم و أنها لغة واحدة في الأصل " ج1/30
ـ إسحاق بن بارون ( القرن 5 هـ ) في كتابه :" كتاب الموازنة بين اللغة العبرية و العربية " الذي عقد فيه مقارنة بين اللغتين على المستوى النحوي فتوصل مثلا إلى أن التثنية و الجمع يتمان في العربية بإضافة النون بينما العبرية تضيف الميم . و على المستوى المعجمي حيث جمع كل الجذور التي يتشابه نطقها و معناها في كلتا اللغتين .
قام المنهج المقارن بتصنيف اللغات إلى أسر أو مجموعات ، أهمها :
ـ اللغات الهند أوربية : تضم عددا كبيرا من اللغات المنتشرة في منطقة شاسعة من الهند وإيران إلى أوربا .
ـ اللغات السامية : تشمل العربية و العبرية و الآرامية و الأكادية و الحبشية .
وإلى جانب هاتين الأسرتين الكبيرتين هناك أسر لغوية كثيرة أخرى .
وقد قسمت اللغات هذه التقسيمات بناء على مقارنات بينها أثبتت أن هناك أوجه شبه بينها على المستوى الصوتي و الصرفي و النحوي و المعجمي ، مما يعني أن اللغات المنتمية إلى الأسرة نفسها قد انحدرت من أصل واحد مشترك تفرعت عنه لغات الأسرة كلها .
أما عن أهداف علم اللغة المقارن في أوربا فيمكن إجمالها في ما يلي :
· الرؤية التاريخية : بغرض التوصل إلى اللغة الأقدم تاريخيا و اللغة الأحدث .
· البحث عن القوانين التي تفسر الظواهر اللغوية : مثل ما نجد في قانون Jacob Grimm الذي أجرى العديد من البحوث التطبيقية الصوتية قارن فيها بين بعض اللغات و من بين ما توصل إليه أن هناك تبادلا بين اللغات فيما يتعلق بحرفي f و p ( مثلا الكلمة اللاتينية patsr ( أب ) تحول فيها حرف p إلى f في الإنجليزية (father ) بينما ظل كما هو في الفرنسية ( père )
· محاولة التصنيف و التبويب للغات : مثلما يفعل علماء النبات للنباتات المتنوعة .