مسألة 47/125، في الرؤيا:" ما السبب في صحة بعض الرؤيا وفساد بعضها؟، ولم لا تصح الرؤى كلها، أو لم لا تفسد كلها؟، وعلا م يدل ترجحها بين هذين الطرفين، فعلى في ذلك سترا يظهر بالامتحان".
III- 3- مميزات أسئلة أبي حيان التوحيدي: يهتم العلماء في اللسانيات التطبيقية بكل صغيرة وكبيرة تخص العملية التعليمية – التعلمية، وفي الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام بمفهوم التقويم الشامل وخصوصا جانب: تقويم التقويم، واكبر وسيلة التقويم كانت ولا زالت هي الاختبار، ويعتمد الاختبار أكثر ما يعتمد على الأسئلة، لذلك يلحون على أن تكون للمعلم معرفة سابقة بأهمية الأسئلة، ودورها وطريقة إعدادها، وقد توصل العلماء(1) إلى تحديد أهم صفات السؤال المثالي، وسنرى إن كان ذلك ينطبق على أسئلة التوحيدي (2)
III-3-1- الوضوح: بالابتعاد عن الألفاظ الغريبة، والغامضة والأساليب الملتوية، ومن أجل نقطة الوضوح هذه أقام أرسطو الكثير من الأفكار، ووجد في النهاية أن السفسطائيين اعتمدوا من بين سبل مغالطاتهم: الإيهام بقول شيء فيما هم يقصدون شيئا آخر ووجد أن للعناصر اللغوية دور كبير لمساعدتهم على ذلك.
فيما يخص أبا حيان، يظهر أنه يريد الفائدة العلمية، فهو يثق بإجابات مسكويه (بصفة عامة) وإن كان قد عنفه، وإن سمحت لنفسي أن أستنتج أن أبا حيان كان ماكرا أحيانا في طرحه أسئلة تبدوا محرجة لمسكويه ( البخل، الاشتغال بالذهب والكيمياء...) فهذا لا يعني غموضها على الرغم من التباس النوايا ( الفائدة/ الاستهزاء...). وعموما كانت الأسئلة واضحة جدا لمسكويه.
III- 2 -2 الاختصار: لأن – المسؤول – أي كان – قد يغفل بعض جزئيات السؤال إذا كان طويلا، وفي حالة المدونة نقول أنه:
- الأسئلة كتابية، وهذا سيعطي الفرصة للمجيب كي يتدبر السؤال كله، ويجيب عليه بجزئياته. الإجابة الكتابية التي يرضاها هو بعد الفكر والروية.
- أبو حيان يصدر السؤال- في الأغلب- بصفة العموم، ثم يذكر ظروفه، وحالته الخاصة. ويمكن ملاحظة:
(1)- نعتمد هنا كثيرا كتاب: أصول تدريس العربية بين النظرية والممارسة، المرحلة الدنيا الأساسية. عبد الفتاح حسن البجة. دار الفكر للطباعة والتوزيع. عمان. 2000. ص 70.
(2)- نوظف هذه الخصوصيات مع مراعات أن لأسئلة التوحيدي وأسئلة المعلم لطلابه خصوصيات مميزة. (المستوى العلمي- ظروف الحياة....)
- بعض الأسئلة قصيرة جدا، ( مثل الأمثلة الواردة سابقا)، ومثل المسألة 25/76 .. " لما كانت النجابة في الضعاف أكثر؟ ، ولم كانت الفسولة في السمان أكثر" ، أو المسألة 26/77.. " لم كان القصير أخبث؟، والطويل أهوج؟ " . أو المسألة 27/78 .. " لم صار بعض الناس إذا سئل عن عمره نقص في الخبر؟ وآخر يزيد عن عمره ".
- بعض الأسئلة طويل ومفصل، قد يعرض فيها أبو حيان آراء مختلفة، مثل المسألة 50/134 عن العلم وحده، أو المسألة 122/278 في القول في صفات الله تعالى، لا عجب في ذلك، فقد نشأ التوحيدي في عمل الوراقة والنسخ في الدكاكين. وإن كان قد تبرم هذه المهنة، فإنها هي من أتاح له الإطلاع على كثير من المنظارات فعاشها: سواء شخصيا (1). أو وجدها في الكتب المنسوخة، ويكفي أن نقول أنه التوحيدي الوحيد الذي صور لنا مناظرة السيرافي ومتى بن يونس عن: النحو العربي في مواجهة المنطق اليوناني.
وقد يكون السؤال طويلا، لأن السؤال يفرعه إلى أسئلة، أو يولد من الفكرة أفكارا، فهو يتعمق في سؤاله تعمق من يبتغي الوقوف على العلة. وستلاحظ أن الأغلب الأعم في أسئلة التوحيدي تبحث عن السبب أو العلة بالأداة "لم".
III -3-3- القيمة المعرفية / المادية العلمية: يجب أن يكون للسؤال هدفا: تربويا- علميا، أخلاقيا، فكريا... إلخ بمعنى: لا يكون تافها.
- في بعض أسئلة التوحيدي، لن نطلق صفة " تافهة" عليها، ولكن نقول:"غريبة
" مثلا: المسألة 96/235: " ما السبب في أن الذين يموتون وهم شبان أكثر من الذين يموتون وهم شيوخ..." ، أو المسألة 125/284: " ما معنى قول بعض القدماء: العالم أطول عمرا من الجاهل بكثير وإن كان أقصر عمرا منه؟، ما هذه الإشارة والدفينة فإن ظاهرها مناقضة؟".
- تبدو بعض الأسئلة من الوهلة الأولى سخيفة وعديمة القيمة المعرفية، ولكن لاحظت أبا حيان كان أشبه بالمستقرئ، الذي يعدد الظواهر ويحاول الوصول أو الوقوف على قانونها. إن كان لها قانون- الأول، بمعنى أنه يتبع مبدأ التدرج من السهل إلى الصعب، من البسيط إلى المعقد، ومن المعلوم إلى المجهول، لنلاحظ هذه المسائل:
(1)- في الامتاع والمؤانسة، ج1/96-153: كان التوحيدي بطلا لمناظرة كان الطرف الآخر فيها ابن العبيد حول أيهما أفضل: الكتابة أم الحساب كما أن كتاب المقابسات ملئ بذكر عديد المناظرات.
المسألة 54/145:" لم يشمئز الإنسان من جرح قد فغر فوه حتى أنه لينفر من النظر إليه، ...... إن المعالج يباشر ذاك بعينه نظرا، وبيده ، وبيده علاجا، وبلسانه حديثا، أترى ذلك من المعالج إنما إنما هو لضراوته وعادته وطول مباشرته وملاحظته؟، أم لمكسبه وحاجته وعياله ونفقته.... وهل يستوي للإنسان أن يعتاد ما ليس في طبعه ولا في عادته، يستمر عليه، ويكون كمن ولد فيه، وعمر به؟ ".
المسألة 67/178: " ما وجه تسخيف من أطال ذيله وسحبه، وكبر عمامته، وحشا زيقه قطنا، وعرض جيبه تعريضا، ومشى متبهنسا، وتكلم متشادقا، ولم شنع هذا ونظيره؟، وما الذي سمج هذا وأمثاله؟
ولم لم يترك كل إنسان على رأيه واختياره، وشهوته وإيثاره؟..."
- يمكنك أن ترد بعض الأسئلة إلى سياق خاص مر به التوحيدي في حياته (ولهذا ذكرنا بعض من جوانب حياته بشيء من التوضيح) نذكر بعض الأمثلة : مسألة 31/90: " لم اشتدت عداوة ذوي القربى والأرحام حتى لم يكن لها دواء، وهل كان الجوار في شكل هذه العداوة أم لا؟"، وعصره ومن عرفهم كلهم يحقد بعضهم على بعض، أو المسألة 75/189: " لم ذم الإنسان ما لم ينله...." أو 81/197 " ما السبب في غرور أولاد المشهورين وكبرهم وتعاليهم على الناس".... أو أو 111/262 " لم صار الكريم الماجد الشجاع يلد اللئيم الساقط الوغد...." أو 138/303" ما بال خاصة الملك والمقربين إليه لا يجري من ذكره على ألسنتهم مثلما يجري على السنة الأباعد كالبوابين ....." – وكأنه لم يتعظ أن إطلاق لسانه في الوزراء الذين عاشرهم كان سببا من أسباب خيباته العديدة، أو المسألة 154/333 " لم إذا عرفت العامة حال الملك في إيثار اللذة ، وانهماكه على الشهوة، واسترساله في هوى النفس استهانت به، وإن كان سفاحا للدماء قتالا للنفوس ظلوما للناس،.... وإذا عرفت منه الفضل والعقل و الجد هابته..."، أو : " ما الحسد الذي يعتري الفاضل (1) ...."
يمكنك أن تستنتج أن علاقاته مع ابن العميد الأب الفاضل الكريم والابن البخيل الذميم...، وابن عباد المتسلط – حسب رأيه طبعا – وابن السعدان كان لها سبب في إيراد تلك الأسئلة .
- في أسئلة أخرى يجنبنا أبو حيان البحث عن السياق ، وذلك لأنه يذكر الحادثة أو الواقعة أو القراءة التي دفعته إلى طرح السؤال:
(1)- في مناظرة التوحيدي وابن عبيد: أيهما أفضل البلاغة أم الحساب، اتخذ ابن عبيد من الهجوم على أصحاب البلاغة في أخلاقهم حجة في دعواه. فرد عليه أبو حيان قائلا: " .... على أننا ما سمعنا هذا إلا في مجلس ابن عباد منهه وممن كان يخبط في هواه، ويتحرى بمثل هذه الأحاديث رضاه، وحسده لهم في صناعتهم يبعثه على هذه الأكاذيب عليهم..."
المسألة57/152: " تتعلق بحادثة انتحار شهدها أو حيان في بغداد، فسأل عنها: من قتل هذا الإنسان؟، فإذا قلنا قتل نفسه فالقاتل هو المقتول أم غيره؟، فإن كان أحدهما غير الآخر، فكيف تواصلا مع هذا الانفصال؟، وإن كان هذا ذاك فكيف تفاصلا مع هذا الاتصال".
المسألة 88/212: " حارثة أبو عيسى الوراق وابن الراوندي: مسألة حرمان الفاضل وإدراك الناقص .
المسألة 113/214: " عاب أبو هاشم المتكلم (الجبائي) المنطق فقال: هل المنطق إلا في وزن مفعل من المنطق؟ ... فهل أنصف أم قال ما لا يجوز" . و المسألة 119/272: " قال المأمون: إني لأعجب كثيرا من أمري ، أدبر آفاق الأرض و أعجز عن رقعة ، و هذا معنى شائع بين الناس ، فما السبب فيه؟، و المسألة 137/301: " عن حكاية طويلة بين هارون الرشيد والموصلي ، انتهت بتفضيل هذا الأخير فعل الفضل( الكرم المعنوي ) على فعل جعفر( الكرم المادي) بالسؤال عن السبب؟
- قد يكون الدافع على السؤال ، معلومـات قـرأها التوحيــدي أو سمعـها و هــو المطلــع الكبير و الباحث
عن العلــم بكــل جهــد : مسألــة 35/108 " ما معنى قول الناس : هذا من الله ، وهذا بالله،وهذا إلى الله ،
وهذا على الله ، وهذا من تدبير الله وهذا بتدبير الله ، وهذا بإرادة الله ، وهذا بعلم الله"
أو يطلب معنى : قول شخص ، مثل من الأمثال ، مثل المسألة 103/249 :" لم قيل : لولا الحمقى لخربت الدنيا؟ ...." أو المسألة 104/252 :" ما السبب في قلق من استسر فاحشة.... حتى قيل:كاد المريب يقول خذوني "،أو المسألة 164/352 ، و المسألة 153/329.
- يبدو أبا حيان معجبا اشد الإعجاب بالجاحظ ، و خير دليل على ذلك: أن أسلوبه قريب من أسلوبه (سيتضح لنا ذلك في عنصر الأسلوب). إضافة إلى إيراده ثلاثة مسائل كاملة من كتاب التربيع و التدوير . وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة أظنها هامة ، لقد كتب الجاحظ كتاب التربيع و التدوير فكان : " كطلقات متدافعة متلاحقة من الأسئلــة الموجهة إلى أحمد بن عبد الوهاب، بهدف معاياته و تعجيزه وإثبات جهلــه و السخرية منه " (1) فهل يا ترى أراد التوحيدي نفس الهدف ؟ وقصد ذات الغاية؟ خصوصا و انه لم يغير شيئا في المسائل الثلاث :
المسألة 152/328 :" قال أحمد بن عبد الوهاب في جواب التربيع و التدوير لأبي عثمان الجاحظ :ما الفرق بين المستبهم و المستخلق ؟، و هذا بين الجواب ولكني سقته ههنا لكيت و كيت ".
(1)- تساؤلات حول تساؤلات الهوامل و الشوامل لأبي حيان التوحيدي : محمود أمين العالم .مجلة فصول.
المسألة 150/322 :" قال أحمد بن عبد الوهاب في معاياته الجاحظ : لما صار الحيوان يتولد في النبات ولا يتولد النبات في الحيوان؟ أي قد تتولد الدودة في الشجرة ، ولا تنبت شجرة في حيوان ، فلم لم يجب ؟".
و المسألة 148/320 :"قال أحمد بن عبد الوهاب في جواب أبي عثمان الجاحظ عن التربيع و التدوير ،
لا يقدر احد أن يكذب كذبا لا صدق فيه من جهة من الجهات، و هو يقدر أن يصدق صدقا لا كذب فيه من جهة من الجهات".
- بعض الأسئلة كانت من الملاحظة العامة التي يراها أي إنسان ، و لكن ليس كل إنسان يتخذ منها منطلقا لآفاق أوسع (إسحاق نيوتن، و أرخميدس... خير أمثلة على ذلك)
إن شخصية التوحيدي ينطبق عليها قول الفيلسوف الكبير شوبنهاور بقوله :" إن الشخص الذي يملك عقلية فلسفية حقة، إنما هو ذلك الذي يتمتع بالقدرة على التعجب من الأحداث المـألوفة، وأمور الحياة العادية، بحيث يتخذ موضوع دراسته من أكثر الأشياء ألفة وأشدها ابتذالا" (1)
نلاحظ مثلا المسألة 110/260 :" لم صار البنيان الكريم، وقصر مشيد إذا لم يسكنه الناس تداعى عن قرب، وما هكذا هو إذا سكن وأختلف إليه؟ .......".