[البحث عن الفلسفة، فلسفة الحياة
عمار الزريقي
عندما يأتي إلينا شاعر بقصيدة عنوانها صلوات على هيكل الحب، فراشة تحتضر، موكب التراب فماذا يريد، غير أن يفلسف الحياة أو بعض أجزائها، فنرى حينها لاصلاة تقام على هيكل حب، أو احتضار فراشة، ولاموكب مهول للتراب، إنما نرى الإنسان بأشكال مختلفة وفي حالات سماوية وروحانية كلها شوق إلى الخلاص، وقوة تأمل لكي يصل إلى الانشراح العاطفي في آفاق الخيال ومن ثم تقديس الحب، والتحليق المغامر في الحياة، وإن سيطرت على بعضها جموح الأنا وتحملقت في مرايا الوجود تسطر الأحلام، فبقت الكلمات الشعرية - حينها - تدوي من حوالينا، وتصنع أكواناً من الرؤى، وتخلق حياة سعيدة أو تعيشة هكذا رأها ثم عشناها نحن بكل تفاصيلها، ولذا نظل ــ دائماً ــ امشدودين إلى قصائد أبدعها شعراء آرادوا فيها فلسفة الحياة فكانت لنا حلماً جديداً، ودنيا لامرئية بل غدت روح الربيع والرسم العبقري الذي ليس كمثله شيء.
أنت ماأنت ؟ أنت رسم جميل
عبقري من فن هذا الوجود
أنت روح الربيع، تختال في
الدنيا فتهتز رائعات الورود
إنها التساؤلات ثم التوكيد عليها لتستمر الأحلام وتنأى بنا إلى العالم الجميل الذي كله سلام وحرية وجمال وأمنيات ورسم هذه الأمنيات بكل الأحاسيس والمشاعر فنغرق فيها قدر الطاقة، ليكون الانطلاق والتمرد معاً، طموح إلى حياة روحية حيناً، حياة خالصة فيها من الفيض والتجرد والتأمل، وإلى حياة مادية صماء أحايين أخرى، فمن من الا يريد أن يكون طائراً محلقاً في سعادة وحبور، راكباً الريح يستطلع عن أمور الغيب والمجهول.
ليتني كنت شاعراً أتفلى
في فضاء الحقول فوق التراب
أركب الريح تارة ثم أعلو
في فيافي المجهول خلف السحاب
وطني الروض والأزاهر غيد
غازلتني فكدت أنسى صوابي
بل نرى أنفسنا نتمنى ذلك ونسعى إليه، فمثلاً الكل ضاج من ضجيج المدينة وحياتها الرتيبة المملة، وهناك رغبة جامحة للعودة للريف، لمراتع الصبا، حيث الهدوء والسكينة والحياة الفطرية الحرة، فنراه يلبس حينها أشكالاً مختلفة ليعبر عنا، يرى نفسه مشيباً وهو في طور الشباب وماأكثر المشيبين في أوساط الشباب، نراه يسقط كشعاع فهو نبي يناجي ربه، فيستضىء فتنور قلوبنا بنور الله، فيتمنى أن يكون راعياً فنتمنى لوقور ذلك في النفس، لكونها رمز البؤس الذي تحياه في مدينة غادرة علاها زيف الحياة..
ليتني في الحقل أرعى الغنما
صارفاً عمري سميراً للنجوم
خالياً من كل هم مثلما
غنمي قد جهلت معنى الهموم
فإذا هبت رياح وهمى
مطر، وانتثرت فوقي الغيوم
أنفخ الشباب أشدو طرباً
وقطيعي سائر في أثري
لست أخشى من غراب نعبا
آمناً لم أدر معنى الحذر
فتبقى هي الفلسفة، التحوير، التدوير، الأمنيات، التعانق مع المكان، الحنين إلى حياة سعيدة تحت سماء الوطن - بيت - قرية - مدينة - ففي كل هذا تبقى النفس تنام في أحضان الحب والحياة والتعايش، والتوحد والانعتاق، لم الشمل وحب كل واحد الآخر.
بني وطني من أنا في الوجود
وماهو شأني وماموضعي
ولولاكم لم أكن بالخطيب
ولا الشاعر الساحر المبدع
أي عقل وأي اتزان كان فيه، وأحببناه نحن بدورنا، فمن نحن إلا بالإخوة والمحبة فنتذكر الشاعر القديم الذي لنا معه صلة.
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
فكانت هي الدعوة إلى ضرورة توطيد الصلة بين المجتمع ككل، إذ لاسبيل إلى الحياة بأمان وحب إلا بالإحساس، والتعاون الخلاق، بل السعي إلى إزاحة الحواجز والقضاء على الفوارق والطبقية المقيته، والمذهبية المصطنعة وماكل ذلك إلا أوهاماً من الأوهام، قد لايتقبلها المرء، فيجب أن لانتقبلها على الآخرين.
فتكون فلسفة الحياة نبذاً للتعالي والغرور والتذكر بأصل هذا الجسد المتساقط في أوحال القذارة من حيث يدري ولايدري.
نسى الطين ساعة أنه طين
حقير، فصال فيها وعربد
وكسى الخز جسمه فتباهى
وحوى المال كيسه فتمرد
إذاً لنذهب مع فلسفة لابد أن تكون قد رأها الرائي بعد لحظات نفسية مطلقة قد تكون بعد دهشة أو كآبة أو حيرة، أو تأمل، أو رؤيا لابد أن نراها نحن ونسعى إليها ونشدو بحب وجمال وسلام.
[يارفيقي أنا لولاك لماوقعت لحنا
كنت في سري لماكنت وحدي أتغنى
هذه أصداء روحي فلتكن روحك أذنا
ربما كنت غنياً غير أني بك أغنى
]إنها العلاقة الإنسانية التي يجب نشدانها والسعي إليها لتكون الحياة كلها سعادة وفرحاً ومرحاً وشدواً للألحان، وغرساً للحب، لتبقى في مخيلتنا حياة الأمل أو فلسفة الحياة.
[