تزخر كتب النحو وإعراب القرآن بتعدد الأوجه الإعرابية التي تخص التركيب الواحد ، وهذا التعدد يرجع في الغالب إلى تعدد القواعد النحوية التي يمكن تطبيقها على تركيب واحد ، أو تتعدد الأوجه تبعاً لتعدد احتمالات المعنى المراد من التركيب، كما يرجع أحياناً إلى تعدد لغات العرب تبعاً لاختلاف القبائل والموقع الجغرافي .
وسرد هذه الأوجه الإعرابية المختلفة كان تابعاً لما يسمى بقواعد التوجيه . ويذكر الدكتور تمام حسان في كتابه الأصول "الفرق بين ما يسمى بقواعد التوجيه، والقواعد النحوية ، فيقول : "فإذا كانت( قواعد التوجيه) ضوابط منهجية فهي (دستور) للنحاة ، والذين يعرفون الفرق بين الدستور والقانون يستطيعون أن يقيسوا عليه الفرق بين (قواعد التوجيه) وما نعرفه باسم (قواعد النحو) أي قواعد الأبواب ، فقواعد التوجيه عامة ، وقواعد الأبواب خاصة " .فالعلاقة بين قواعد التوجيه ، وقواعد النحو ، هي علاقة العام بالخاص .
كما ذكر الدكتور عبد الله الخولي في كتاب (قواعد التوجيه في النحو العربي) الفرق بين قواعد التوجيه ، وقواعد النحو، يرجع إلى وظيفة كل منهما ، فيرى أن "وظيفة القواعد النحوية التوجيه النحوي الذي معناه ذكر الحالات ، والمواضع الإعرابية وأوجه كل منهما ، وما يتصل بهما ، أو يؤثر فيهما " في حين أن " وظيفة قواعد التوجيه فتقرير التوجيه الذي تذكر في سياقه وتفسيره ، أو تعليله أو الاستدلال عليه ، أو الاحتجاج له" .
كما يعرف الدكتور عبد الله الخولي التوجيه ، بقوله : "هو ذكر الحالات والمواضع الإعرابية ، وبيان أوجه كل منهما ، وما يؤثر فيهما، وما يلزم ذلك من تقرير وتفسير أو تعليل أو استدلال أو احتجاج ، سواء صيغ ذلك في قواعد تضبطه ، وتنظر له ، أم لم يصغ". فتعريف التوجيه – كما نرى – ينصب أساساً على الإعراب ، ثم يأتي بعد ذلك كل ما يتصل به من مؤثرات ، وما يحتاجه من تفسيرٍ وتعليل .
وترى الكاتبة أن التوجيه النحوي عموماً ، وأي قوانين أو قواعد تتصل بهذا العلم، لا يكون الغرض منها فقط هو دراسة الإعراب ، ولكن الهدف النهائي منها، هو تفسير المعاني التي من أجلها وضعت التراكيب ، ويكون هذا التفسير – في الغالب – عن طريق الإعراب ، إذن فالإعراب يُعدُّ وسيلة ، وليست الغاية من الدراسة .
ويمكن ذكر أهم الأسباب التي أدت إلى التعدد في التوجيه وهي :
1- اختلاف القراءات القرآنية ، فيما بينها .
2- خلافات المفسرين ، والفقهاء فيما بينهم في التأويل.
3- اشتراك بعض الوظائف النحوية في علامة إعرابية واحدة ، يقول د. حماسة عبد اللطيف : "في العربية عدد محدود من علامات الإعراب يتوزع على الوظائف النحوية المختلفة ، وبطبيعة الحال . لابد أن تشترك أكثر من وظيفة نحوية في علامة واحدة ، كاشتراك وظيفة المبتدأ والخبر والفاعل ، ونائب الفاعل، واسم كان ، وخبر إنَّ في الرفع ، واشتراك المفاعيل الخمسة ، والحال ، والتمييز المنصوب مثلاً في النصب " .
4- اختلاف اللهجات أحياناً بين القبائل .
5- الاختلاف في الاعتداد بأصول النحو ، مثل السماع والقياس ، فبعضهم ، يؤثر على الاعتماد على السماع أولاً، وبعضهم الآخر يؤثر التفسير الذي يعتمد على القياس .
ولا بد لمن يريد البحث ودراسة التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات القرآنية الاستعانة بأدوات التوجيه النحوي والصرفي ، وهي أصول النحو، ونظرياته وقواعده ، لتعليل وتفسير الأوجه الإعرابية المختلفة ، والتركيبية، والصرفية للقراءات القرآنية ، والاحتجاج لها .
سحرسويلم.