اتاوة :
--------
في كل غدو و رواح الى شاطئ النهر القريب من دارنا لا بد من المرور بجانب احد بيوت الجيران وكانوا يمتلكون كلبا ضخما ذا شعر مبقع بالأبيض و الأصفر والذي يربض امام دارهم كأنه ابو الهول و كان يهمهم عندما يراني وقد كشر عن انيابه و ينبح او يقف متأهبا وكنت في بداية الامر عندما يستقبلني بهذا اعاود الرجوع للدار مسرعا و كنت استقوي حين ارافق احد اخوتي عندما يمر من هذا الدرب حيث لا يقوم الكلب باي حركة ولا يصدر اي صوت . كنت في السادسة او السابعة من العمر وكأن هذا الكلب يتعرف على رائحة الخوف ، وكان يشكل لي عقبة كأداء .
كان دارنا في القرية في فصل الصيف يعج بجميع اخوتي الذين يأتون بعد انتهاء السنة الدراسية و كنت اصغرهم و لا يكاد شاطئ النهر يخلو من احد منهم اما للنزهة او سابحا او صيادا للسمك بالسنارة او الشبكة او السمك الطافي بفعل سم الزهر او بالمتفجرات التي يرموها في ماء النهر هم او احد غيرهم ، وكنت اشاركهم بان اجمع ما يرمون الي بالأسماك وهي تختلج بين يدي او اشاركهم في السباحة التي تعلمتها قبل دخولي الدراسة الابتدائية او عبور النهر بالزورق الذي نمتلكه حيث يزرعون جزء من الشاطئ المقابل باللوبياء و الخضر والبطيخ والرقي ، كان فصل الصيف يشكل سعادة لا نظير لها بالنسبة لي .
ونعود لقصتي مع الكلب ولا ادري من علمني او اني اهتديت الى وسيلة لتجنب الكلب المذكور بان ارمي له شيئا من الخبز لكي امر بسلام كإتاوة او ضريبة علي دفعها عندما أمر قريبا منه وانا في طريقي الى النهر ان كنت وحدي و كان قانعا بما القيه و يسمح لي بالمرور ولم اهتدِ بالتسلح بعصا لمقارعته ،هذا ما ترسب في ذاكرتي من عهد الطفولة من ذكريات بسيطة لكنها في وقتها شغلي الشاغل ، كان هذا في ستينيات القرن المنصرم .