صبرى محمد خليل خيرى .
البلد : السودان عدد المساهمات : 96 نقاط : 284 تاريخ التسجيل : 31/07/2014
| موضوع: نحو خطاب تقدمي اسلامى 2015-03-21, 08:53 | |
| نحو خطاب تقدمي اسلامى د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم مصطلح الخطاب: الخطاب لغة : الشأن والأمر والكلام، ورد في القاموس المحيط (الخَطْبُ: الشأنُ، والأَمْرُ صَغُرَ أو عظُمَ، ج: خُطُوبٌ. وخَطَبَ الخاطِبُ على المِنْبَرِ خَطَابَةً، بالفتحِ، وخُطْبَةً، بالضمِ، وذلك الكلامُ: خُطْبَةٌ أيضاً، أو هي الكلامُ المَنْثُورُ المُسَجَّعُ ونحوهُ. ورجلٌ خطيبٌ: حَسَنُ الخُطْبَة) ( الفيروز أبادي/القاموس المحيط/ مادة خطب)، أما اصطلاحا فقد تعددت تعريفات الخطاب ومنها: (سلسلة من الملفوظات،التي يمكن تحليلها باعتبارها وحدات أعلى من الجملة، تكون خاضعة لنظام يضبط العلاقات السياقية والنصية بين الجمل) ، و(الخطاب هو مرادف لمفهوم الكلام، حيث يحيـــل إلى كيفية يشغل بها المتكلم اللسان داخل سياق تواصلي ما ) (سوسير).غير أننا نستخدم مصطلح خطاب للدلالة على مذهب معين ، يتضمن جمله من الحلول، للمشاكل التي يطرحها واقع معين زمانا ومكانا. مصطلح" التقدمية " : أما مصطلح" التقدمية" هو صيغه نسب إلى "تقدم "، ونقيضه هو" الرجعية" وهو صيغه نسب إلى" رجوع " ، فالأخير مصطلح يشير إلى نقيض التقدم وهو التخلف . وقد تعددت تعريفات المصطلح نتيجة لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في تعريفه . قراءه نقدية للفهم المطلق المجرد للمصطلح : وقد قدم الدكتور عصمت سيف الدولة قراءه نقدية للمصطلح ، تهدف إلى تحريره من الفهم المطلق المجرد للمصطلح , والمنفصل عن الواقع المعين زمانا ومكانا ، كما في بعض الفلسفات الغربية كالماركسية وغيرها. حيث يقدم عده ضوابط لتعريف المصطلح : الضابط الأول (الحركة والتغير): أن المصطلح يتصل بمفهومي الحركة و التغير ، اى أن المجتمعات متحركة متغيره ، فهو يتعارض مع فكره الثبات الاجتماعي كما عند مدرسه " لا جديد تحت الشمس" الضابط الثاني (النمو من خلال الاضافه ): أن المصطلح يتصل بمفهوم النمو من خلال الاضافه، اى أن حركه المجتمعات عبارة عن تطور مضمونه نمو من خلال الاضافه، فهو يتعارض مع فكرة امكانيه اعاده الماضي كما كان كما في مدرسه "التاريخ يعيد نفسه". الضابط الثالث: (التحديد الزمانى ): أن مضمون المصطلح يتحدد تبعا لكل فتره زمنيه محدده ، فهو يتعارض مع فكره وجود مفهوم"بشرى " مطلق يصلح معيارا للحركة فى كل زمان كما عند الماركسيون والليبراليون الذين وجود يستهدفون مستقبل يتجاوز المرحلة التاريخية المعينة للمجتمع، بتقليد نماذج حياه مجتمعات أخرى. الضابط الرابع(التحديد المكاني) : أن مضمون المصطلح يتحدد تبعا لكل واقع اجتماعي معين ،فهو يتعارض مع فكره وجود مفهوم"بشرى" مجرد ، يصلح مقياسا للحركة في كل مكان، كما عند الطوباويين الذين يسعون لتحقيق غايات مستعارة من مجتمعات أخرى. الضابط الخامس (الوحدة ): انه لا يمكن أن تكون للتقدمية في اى مجتمع إلا مفهوم واحد صحيح بحكم أن الحل الصحيح لاى مشكله واحد. تعريف المصطلح: انطلاقا من الضوابط السابقة يقدم دكتور عصمت سيف الدولة تعريفا لمصطلح التقدمية مضمونه : موقف من الواقع في مجتمع معين ، يستهدف تطويره عن طريق حل مشكلاته، وبناءا على هذا التعريف فانه يرى أن القوى التي يمكن أن يطلق عليها صفه " تقدميه " في الواقع العربي المعاصر ، هي القوى التي تسعى لتحقيق غايات هذا الواقع في الوحدة والحرية و الاشتراكية"العدالة الاجتماعية ". الإسلام يحث على التقدم : أولا: المستوى العقدي : أما الإسلام كدين فهو يحث –على المستوى العقدى-على التقدم في مكان وزمان ، ويضع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، اللازمة لتحقيق التقدم في كل زمان ومكان ،ثم يترك للمسلمين أمر الاجتهاد في المفاهيم والقيم والقواعد الجزئية، اللازمة لتحقيق التقدم في مكان وزمان معينين إقرار سنتي الحركة والتغير: ففيما يتعلق بمفهومي الحركة والتغير، ذوى الصلة بمصطلحي التقدم والتقدمية ، نجد أن منهج المعرفة الاسلامى ، قائم على أساس أن هناك سنن الهيه كليه ونوعيه ، تضبط حركه الوجود الشهادى الشامل للوجود الطبيعي المسخر و الانسانى المستخلف ومن هذه السنن الالهيه الكلية سنه الحركة التي أشارت إليها العديد من النصوص كقوله (والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من ماء فأحيى به الأٌرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) ، وسنه التغير التي أشارت إليها العديد من النصوص كقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
إقرار سنه النمو من خلال الاضافه : وفيما يتعلق بمفهوم النمو من خلال الاضافه ،ذى الصلة بمصطلحي التقدم والتقدمية، فقد اقر منهج المعرفة الاسلامى بسنه النمو من الاضافه كسنه الهيه نوعيه تضبط حركه الوجود الانسانى المستخلف .من خلال تقريره لمصطلح "الكدح إلى الله"في قوله تعالى (يأيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )،وطبقا لهذا المصطلح فان حركه الإنسان تأخذ شكل فعل غائي، محدود بفعل مطلق "هو مضمون الربوبية"، وغاية مطلقه "هي مضمون الالوهيه". الاقتداء بالسلف لا يلغى سنه "النمو من خلال الاضافه ": هناك العديد من النصوص التي أوجبت على المسلمين الاقتداء بالسلف الصالح كقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (التوبة:الآية100).وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم)(خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)( رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم(. . غير أنه الاقتداء بالسلف لا يلغى سنه النمو من خلال الاضافه ، لان الفهم الصحيح له-كما قرره السلف الصالح أنفسهم وعلماء أهل ألسنه بمذاهبهم المتعددة- قائم على أن طبيعة الاقتداء بالسلف الصالح ، تختلف باختلاف موضوع أقوالهم ، فإذا كانت أقوالهم تتصل بالأصول النصية الثابتة ،فان الاقتداء هنا يأخذ شكل الالتزام بفهم السلف الصالح لهذه النصوص ، وما تتضمنه من عقائد وعبادات وأصول معاملات، كما يأخذ شكل إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف لهذه الأصول ،اى البدع -إذ البدعة هي الاضافه إلى أصول الدين الثابتة - وليست فروعه المتغيرة يقول ألشاطبي : (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية ـ وقال في مكان آخر ـ يُقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبّد لله تعالى)( الاعتصام ، للشاطبي 1 : 37.5).. أما إذا كانت أقوالهم تتصل بالفروع الاجتهادية المتغيرة ، فان مضمون الاقتداء بالسلف الصالح هنا هو الاقتداء بهم في اجتهادهم في وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتهم ، استجابة للمشاكل التي عاشوها، وذلك بالاجتهاد في وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتنا استجابة للمشاكل التي نعيشها ، غير أن هذا لا يعنى إلغاء القواعد الفرعية التي وضعها السلف الصالح ، بل اعتبارها تجسيدا لماضي الامه وخبرتها، وبالتالي اتخاذها نقطه بداية لاجتهادنا لا نقطه نهاية له، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها كما هي ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة . اما القول بان طبيعة الاقتداء بالسلف، لا تختلف باختلاف موضوع أقوالهم ،باتصالها بالأصول النصية الثابتة،اوالفروع الاجتهادية المتغيرة، فهو يمثل فهم خاطئ لمفهوم الاقتداء بالسلف، ويتعارض مع ما مذهب السلف وعلماء أهل السنة. قواعد التجديد والتمييز بين الأحكام الثابتة والمتغيرة: اتساقا مع تقرير منهج المعرفة الاسلامى لسنن الحركة والتغير و النمو من خلال الاضافه ، اقر العلماء – استنادا إلى النصوص- العديد من القواعد ومنها : التجديد: من القواعد التي قررتها النصوص قاعدة التجديد التي أشار إليها الرسول (صلى الله وسلم فى قوله(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (سنن أبى داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة ح رقم 3740 والحاكم في المستدرك 4/522) 2/454)، ومضمون التجديد هو الاجتهاد في فروع الدين المتغيرة، والمقيد (المحدود) بأصوله الثابتة ،فهو موقف يتجاوز موقفى التقليد "الذي يلغى الاجتهاد في فروع الدين "،والتغريب "الذي يلغى التقيد بأصول الدين . قاعدة التمييز بين الأحكام الثابتة والمتغيرة: ومن القواعد االتى قررها علماء الإسلام قاعدة التمييز بين الأحكام الثابتة، المتصلة بأصول الدين ، والأحكام المتغيرة، المتصلة بفروع الدين يقول ابن تيميه (إن الله بعث محمدا بجوامع الكلم، فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قاعدة عامه تتناول أنواعا كثيرة ،وتلك الأنواع تتناول أحيانا جزئيات، فبهذا الوجه تكون النصوص محيطه بأحكام أفعال العباد )(الفتاوى، المجلد الأول، ص 410) ويقول ابن القيم(الأحكام على نوعان نوع لا يتغير عن حاله واحده هو عليها... والثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة زمانا ومكانا وحالا)(أعلام الموقعين) إقرار التحديد الزمانى والمكاني : اما فيما يتعلق بمفهومي التحديد الزمانى والمكانى فقد اقرهما علماء الإسلام من خلال تقريرهم انه من شروط الإفتاء علم بالواقع يقول ابن القيم( ولا يتمكن المفتى ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: احدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات، حتى يحيط بها علما، والنوع الثاني : فهم الواجب فى الواقع ،وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه او على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم-فى هذا الواقع، ثم يطبق احدهما على الآخر)(أعلام الموقعين). ثانيا: المستوى التطبيقي : أما على المستوى التطبيقي فقد ظهر الإسلام في منطقه ساد فيها التخلف الحضاري بكل أشكاله ، فانتقل بها في فتره وجيزة إلي التقدم الحضاري بكل أشكاله، فقد ساد التخلف الاجتماعي ممثلا في الواقع القبلي( بكل علاقاته الوثنية" تعدد الالهه رمز لتعدد القبائل" والعرقية والعصبية)أو الشعوبي المنغلق على ذاته، فارتقى بسكان المنطقة إلي أن يكونوا شعب في المدينة، ليلتحم مع غيره من الشعوب ، ليكون فيما بعد أمه ذات حضارة إنسانيه. كما ساد التخلف الفكري ممثلا في سيادة أنماط التفكير الاسطورى في الشعوب والقبائل التي تسود المنطقة، ثم جاء الإسلام فهدي الناس إلي أعمال العقل، وانشأ المسلمون نتيجة ذلك أنماط متعددة من التفكير العقلاني الذي لا تناقض الأيمان أو الوحي، وان كانت تناقض بالتأكد نمط التفكير الأسطوري. كما ساد التخلف العلمي ممثلا في سيادة أنماط التفكير الخرافي في هذا المنطقة عندما كانت مجتمعاتها في الأطوار القبلية والشعوبية ،وعندما جاء الإسلام هدى الناس إلي أصول منهج البحث العلمي، وترك لهم الاجتهاد في وضع فروعه واستعماله، ولم يحتاج المسلمون إلي كثير من الوقت لاحتلال المراتب الاولى في كثير من العلوم، كما ساد انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير والحركة، غير انه نتيجة لعوامل ذاتيه (الجمود وقفل باب الاجتهاد وشيوع البدع والاستبداد..) وموضوعيه(كالاستعمار) متفاعلة حدث تخلف في النمو الحضاري للمجتمعات ألمسلمه.
تعريف الخطاب التقدمي الاسلامى: بناءا على ما سبق فإننا نعرف (الخطاب التقدمي الاسلامى) بأنه مذهب اسلامى- أو مذاهب إسلاميه – يهدف- أو تهدف - إلى تقديم حلول صحيحة للمشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة المعين زمانا ومكانا. هذا التعريف يميز بين الإسلام كدين ممثلا في أصوله النصية الثابتة، والمذاهب الاسلاميه باعتبارها اجتهادا يحتمل الصواب والخطأ، فالإسلام كدين هو تقدمي دائما ، لأنه- كما سبق ذكره - يحث على التقدم في كل زمان ومكان ، لذا نرفض استخدام مصطلح (الإسلام التقدمي) ، لأنه يوحى بان هناك اسلامان، احدهما تقدمي والأخر رجعى . إما المذاهب الاسلاميه فقد تكون تقدميه أو رجعيه ، باعتبار كون الحل الذي تقدمه قد يكون صحيح أو خطا . أهداف الخطاب التقدمي الاسلامى: ويهدف الخطاب التقدمي الاسلامى،إلى تحقيق جمله من الأهداف والغايات، باعتبارها حلولا لمشاكل مشتركه، يطرحها واقع المجتمعات المسلمة المعاصر، واهم هذه الأهداف والغايات هي: أولا: الحرية: أكد الإسلام على قيمه الحرية بأبعادها المتعددة ،قال تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ، وقال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )( الكهف:29)،وقال تعالى ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )(يونس:99) ،وقال عمر بن الخطاب ( رضوان الله عليه ) ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً) (فتوح مصر ص 290 ) ، والحرية في المفهوم الإسلامي هي المقدرة على الترقي المادي والروحي للإنسان، أي المقدرة على إشباع حاجاته المادية والروحية ، هذا الترقي له ضوابط تكليفيه (المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي)،وتكوينيه (السنن الالهيه"الكلية والنوعية "، التي تضبط حركه الوجود "الشهادى " الشامل للوجود الطبيعي "المسخر" والانسانى "المستخلف ".) ، تحدده كما يحدد الكل الجزء فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه. الموقف من الديموقراطيه : اتساقا مع المفهوم الاسلامى للحرية، فان الخطاب التقدمي الاسلامى يتجاوز موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق لمفهوم الديموقراطيه، وينتقل إلى موقف نقدي منها، يقوم على التمييز بين الدلالات المتعددة للمفهوم ، فالإسلام – طبقا لهذا الموقف -لا يتناقض مع الدلالة العامة - المشتركة لمفهوم الديمقراطية، اى الديموقراطيه كنظام فني لضمان سلطه الشعب ضد استبداد الحكام ، لأنها تتسق مع الشورى باعتبارها احد المفاهيم الكلية للفلسفة السياسية الاسلاميه، التي أشارت إليها نصوص قطعيه الورود والدلالة كقوله تعالى(وأمرهم شورى بينهم)وقوله تعالى (وشاورهم في الأمر) ،ومضمون الشورى - كمفهوم كلى - تبادل العلم بمشكله مشتركة ،ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة وأساليب تحقيقها، ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمسألة والمعرفة ،وذلك بالإشارة به على الآخرين،أما كيفيه تطبيق هذا المفهوم الكلى في زمان ومكان معينين فمتروك لاجتهاد المسلمين، ويتضمن هذا الاجتهاد استفادة المسلمين من إسهامات المجتمعات المعاصرة لهم ، بشرط عدم تناقضها مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، كما تتسق تقرير الفقه السياسى الاسلامى ان مصدر شرعية ولاية الإمام أو الخليفة ( كراس للحكومة أو السلطة التنفيذية ) البيعة والتي مضمونها عقد اجتماعي بين الجماعة والحاكم ، مؤسس على الاختيار الحر بدون إكراه أو الإجبار ، يقول الماوردي عن البيعة أنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار ) ،ويترتب على البيعة أن الحاكم نائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعيينه ومراقبته وعزله إذا جار ،يقول أبو يعلي أن الخليفة (وكيل للمسلمين ) ، ويقول الباقلاني ( إن الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام وحدود وأمور شرعها الرسول وقد علم الأمة بها، وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمة عليها خلعة والاستبدال به متي اقترف ما يوجب خلعة).. أما الدلالة الخاصة - المنفردة للمفهوم ومثالها الديموقراطيه الليبرالية ، فيقوم الموقف الصحيح منها على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضهما . ثانيا: العدالة الاجتماعية: اعتبر المنظور الاجتماعي الاسلامى ، أن العدل هو قاعدة من قواعد النظام العام الاسلامى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (النساء: 58) ، كما اعتبر أن العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي ، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: تكافؤ الفرص وعدالة توزيع الثروة التي تتضمن عدالة الأجور، ففيما يتعلق بالشرط الأول (تكافؤ الفرص)، يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد ،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته ،فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وعناؤه وحاجته ،والله لئن بقيت لهم ليصلن الرجل حقه من المال وهو في مكانه يرعى). أما فيما يتعلق بالشرط الثاني (عدالة توزيع الثروة وعدالة الأجور )، روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة )، قال أبو يوسف في تفسيره ( إذا استعملتم علي شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون). المساواة : كما قرر المنظور الاجتماعي الاسلامى، قيمه المساوه ذات الصلة الوثيقة بالعدل الاجتماعي:قال تعالى ﴿ أن أكرمكم عند الله اتقاكم﴾. ، والمساواة (في المجال الاقتصادي) في الإسلام تعني أن تحكم العلاقات بين الناس في المجتمع ، قواعد عامة مجرده سابقه علي نشأة تلك العلاقات ،هي الضوابط التي وضعها مالك المال تعالي ، لتنظيم انتفاع المستخلف فيه ( الجماعة)، علي الوجه الذي يحقق مصالحها ككل وليس مصلحه فرد أو فئة، دون إنكار ما يكون بين الناس من تفاوت في المواهب والمقدرات الذاتية ، قال تعالى ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ ( الزخرف: 32). التوازن بين الفرد والجماعة:كما أن المنظور الاجتماعي الاسلامى، يرفض النزعة الفردية التي تؤكد على الفرد لتلغى الجماعة لقوله )(صلى الله عليه وسلم)( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، كما يرفض النزعة الجماعية التي تؤكد على الجماعة لتلغى الفرد لقوله (صلى الله عليه وسلم)(لا يكن أحدكم امعه، يقول أنا مع الناس ان أحسنوا أحسنت، وان اساؤا أساءت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنتم ، وان اساؤا ان تجتنبوا إساءتهم)، ويقوم على التوازن بين الفرد والجماعة من خلال التأكيد على ان الجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه(مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)، وهو التوازن اللازم لتحقيق العدل الاجتماعي... الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية:و العدل الاجتماعي مرتبط بوظيفة الملكية ، فهو ينتفي عندما يكون من حق المالك اتخاذ القرار الاقتصادي دون المجتمع (الملكية الخاصة)،ويتحقق عندما يكون القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، وبالتالي يجب أن لا يتناقض القرار الاقتصادي للمالك مع مصلحته (الملكية الاجتماعية) ، بصرف النظر عن الشكل القانوني للملكية (فرديه،تعاونيه ،مشتركه ،عامه...). وبالرجوع إلى المنظور الاقتصادي الاسلامى ، نجد انه يرفض الملكية الخاصة،والتي تسمى (ملكية الرقبة)،والتي تخول للفرد التصرف المطلق في المال ،إذ أن مضمونها يقابل مصطلح الملكية القرانى ، والملكية طبقا له هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى ﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ (المائدة: 17)، وإسنادها إلى سواه هو شرك في الربوبية ﴿ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ (إلا سراء: 111) .أما الملكية الفردية كشكل قانوني للملكية، فقد اقرها الإسلام ، لكن على وجه يتسق مع تصور خاص للملكية الاجتماعية قائم على إسناد ملكيه المال لله تعالى (واتوهم من مال الله الذى أتاكم) ، واستخلاف الجماعة في الانتفاع به من خلال : أولا: أن للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، قال (صلى الله عليه وسلم)( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلأ والنار (روه احمد وأبو داود)، ثانيا: تولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)( لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة)، ثالثاً : أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها. ثالثا: الوحدة: حث الكثير من النصوص المسلمين إلى الوحدة كقوله تعالى ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾. الوحدة ألتكليفيه والتكوينية:غير انه يجب التمييز(وليس الفصل) بين الوحدة التكليفيه، والوحدة التكوينية، ومصدر هذا التمييز هو التمييز بين أمه التكليف التي تقوم عليها الأولى ، وأمه التكوين التي تقوم عليها الثانية. فأمه التكليف هى التي تتميز عن غيرها بالمضمون العقدي كما في قوله تعالى﴿ أن هذه أمتكم أمه واحده وأنا ربكم فاعبدون﴾(الأنبياء:92). أما أمه التكوين فهي التي تتميز عن غيرها بالمضمون الاجتماعي كما في قوله تعالى ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾(الأعراف:160)، وللاخيره دلالة عامه قد تشمل الاسره أو العشيرة أو القبيلة او الشعب ،كما أن لها دلالة خاصة مقصورة على الشعب معين ، يتميز عن غيره بالأرض والتاريخ والحضارة .بناء على ما سبق فان الوحدة التكليفيه تتحقق بالاتفاق على أصول الدين اليقينية الورود القطعية الدلالة ، مع اباحه الاختلاف في فروعه الظنية الورود والدلالة قال تعالى﴿أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾ (الشورى:13). أما الوحدة التكوينية فتتحقق بالوحدة السياسية لامه معينه اكتمل تكوينها الاجتماعي. الممكن: والانتقال مما هو كائن ( التقسيم والتجزئة والتفتيت)، إلى ما ينبغي أن يكون(الوحدة) لا يتم إلا من خلال الممكن ، و هو اتخاذ كل الخطوات الممكنة تجاه الوحدة ومن هذه الخطوات: - الإقرار بأن تحقيق الوحدة ألتكليفيه ( الدينية)، بالتقاء المسلمين على أصول الدين، مع اباحه اختلافهم في فروعه ،هو شرط للوحدة التكوينية( السياسية). - لما كانت الوحدة التكوينية هي وحده بين أمم مسلمه، فان الخطوة الأولى لها هي توحيد كل أمه منها في بشكل تدريجي سلمى مؤسساتي، فوحده كل أمه مسلمه- كآلامه العربية المسلمة- هي خطوه تجاه الوحدة الاسلاميه، وبنفس المستوى فان تحقيق الوحدة الوطنية في كل جزء من أجزاء الامه هو شرط لتحقيق الوحدة القومية للامه ككل . - إنشاء هيئات مشتركه بين الأمم المسلمة، تنوب عنها في ممارسه بعض السلطات الداخلية والخارجية ، وهذا الشكل يسمح أن يصل الاتفاق إلى حد أن يكون للهيئات حق التمثيل الدبلوماسي و إعلان الحرب وإبرام الصلح ، وهو ما عبر عنه في الفكر السياسي الحديث بالدولة التعاهديه ( الكونفدراليه) . رابعا: الاصاله والمعاصرة (التجديد): ترتبط مشكلة الاصاله والمعاصرة بالمشكلة (الحضارية) ،اى مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري في المجتمعات المسلمة؟ و هناك ثلاثة مواقف من هذه المشكلة. الموقف الأول: (التقليد): يقوم على ان تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي ، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه هو موقف يقوم على الوقوف عند أصول الدين وفروعه.و التَّقْلِيدِ بالاصطلاح الشرعي قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ يَذْكُرُهَا ( شرح المحلي على الورقات)، وقد ذم القران التقليد (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه إباءنا)(لقمان:21). كما نهى عنه الائمه :يقول الإمام أبو حنيفة(حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتى بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)( ابن عبد البر، في فضائل ألائمه والفقهاء، ص145 )، ويقول الإمام احمد بن حنبل( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري، وخذوا من حيث اخذوا) (ابن القيم أعلام الموقعين،ج2، ص302). الموقف الثاني: (التغريب): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور ، وتبني قيم المجتمعات الغربية. وفي منظور علم أصول الفقه يقوم على تبني قيم حضارة أخرى تناقض أصول الدين وفروعه (وقد لا يعي أصحاب هذا الموقف بهذا التناقض). فهو موقف يقوم على الرفض المطلق من هذه الجهة. ومن جهة أخرى يقوم على القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية . الموقف الثالث: الاصاله والمعاصرة (التجديد): أما الموقف الذي يعبر عن الخطاب التقدمي الاسلامى فهو الموقف الذى يجمع بين الاصاله والمعاصرة من خلال تقرير أن تحقيق التقدم الحضاري لمجتمعات المسلمة ، يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام كدين (التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة) ، سواء كانت من اجتهادات المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى. الاستفادة من الإسهامات الحضارية للأمم الأخرى: فهذا الموقف إذا يقوم على تجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين للإسهامات الحضارية للأمم الأخرى، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول ما يتسق مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يتناقض معهما ، وهو الموقف الذى يتسق مع جوهر موقف الإسلام من المجمعات الأخرى وإسهاماتها ، فقد استفاد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة الأحزاب من الفرس فى صنع الخندق ، ورد فى عون المعبود (سميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره - عليه الصلاة والسلام - لما أشار به سلمان الفارسي فإنه من مكائد الفرس دون العرب)، و استفاد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من الفرس في تدوين الدواوين ، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب). حقوق العمال:واذا كانت الماركسيه قد نسبت صفه التقدميه الى ذاتها، استنادا الى انحيازها للطبقه العامله ، فان المنظور الاجتماعي الاسلامى قد اقر الكثير من حقوق العمال – بالتوازي مع إقراره لواجباتهم- والتي يجب أن يسعى المجتمع المسلم كله،بما فيه الدولة الاسلاميه كممثل له، إلى توفيرها وحمايتها ،ومن هذه الحقوق : الحق في الأجر العادل : من هذه الحقوق هي حق العامل في الأجر العادل ، وهو ما يستدل عليه من ربط القران و السنة بين العمل والأجر،كما في قوله تعالى ( قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ( القصص : 25 ) ،كما يستدل عليه من قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم)( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ثم لم يعطه أجره)، وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم)(أعطو الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )(رواه إبن ماجه). حق عدم الإرهاق لدرجه الإضرار: ومن هذه الحقوق حق العامل في عدم إرهاقه إرهاقاً يضر به و بصحته أو يجعله عاجز عن العمل ،وهو ما يستدل عليه من دعوه القران إلى التيسير ونهيه عن التكليف بما لا يطاق كما في قوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وكذلك قوله تعالى على لسان شعيب (عليه السلام)( وما أريد أن أشق عليك ) ( القصص 27 )، وكذلك ما جاء في صحيح البخاري – (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ! فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) . حق الشكوى و التقاضي : ومن هذه الحقوق حق العامل في الشكوى للتقاضي ، كما في قوله تعالى ( وما الله يريد ظلماً للعباد ) ( غافر : 31 ) ، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) ( اتقوا المظلوم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ). حق الضمان : ومن هذه الحقوق حق العامل في الضمان، وهو تعويض الضرر الذي يصيبه في العمل، وهو ما يستدل عليه من تقرير القران والسنة لمبدأ الضمان أو المسؤليه المدنية كما فى قوله تعالى ( ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) ( النساء : 92 ) ،وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم )( طعام بطعام وإناء بإناء ) . حق الحصول على الحقوق المشترطة: ومن هذه الحقوق حق العامل فى حصوله على الحقوق المشروطة في عق العمل ،وهو ما يستدل عليه من قول الرسول( صلى الله عليه وسلم)( المسلمون على شروطهم )(رواه البخاري). حق عدم التمييز إلا على أساس الكفاءة : ومن هذه الحقوق حق العامل فى عدم تمييزه عن غيره من العمال إلا على أساس الكفائه، وهو ما يستدل عليه من قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم )(أنزلوا الناس منازلهم )(رواه أبو داود). حق الراحة : ومن هذه الحقوق حق العامل في الراحة و العطل(الأسبوعية، الشهرية ، السنوية ) ، وهو ما يستدل عليه من النصوص التي تنهى عن إرهاق العامل كما في قوله تعالى (وما أريد أن أشق عليك )(القصص:27)، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم )(إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم) . اتساقا مع اقرار المنظور الاجتماعي الاسلامى للكثير من حقوق العمال، فان الخطاب التقدمى الاسلامى ينبغى ان يقوم على الالتزام بحقوق العمال ، بما فيها الحقوق التي قررتها المواثيق الدولية،و النقابات العماليه المحليه والاقليميه و العالميه ، بشرط عدم تعارضها مع أصول الدين. حقوق المراه: وإذا كانت الليبرالية قد نسبت لذاتها صفه التقدمية استنادا إلى دفاعها عن حقوق المراه- طبقا لمفهومها - فقد اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى الحقوق الاساسيه للمراه وهى : أولا:حق المعرفة والتعليم: اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراْه في المعرفة والتعليم . ومن أدله ذلك: قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وأضاف بعضهم للرواية "ومسلمه "، وقال البعض بعدم وجوده في الحديث، إنما لفظ مسلم يقع على الذكر والأنثى، وهو اصطلاح الشارع في سائر الخطاب الشرعي(يا أيها الذين امنوا..). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ). وجاء في كتاب الطبقات الكبرى أن عدد من روى عن الرسول(صلى الله عليه وسلم ) من النساء نيف وسبعمائة امراْه . حق التعبير عن الراْى: كما اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراْه في التعبير عن رأيها في المشاكل الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية... ومن أدله ذلك إعطاء القران حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للمراْه مثل الرجل قال تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). واخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) براى النساء كما هو الحال مع أم سلمه في صلح الحديبيه، وقال (حبذا رأيك يا أم سلمه لقد انجى الله المسلمين بك من عذاب اليم)( رواه الشيخان). وان سمراء بنت نهيك الاسديه أدركت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعمرت وكانت تمر بالأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وخروج عائشة( رضي الله عنها) يوم الجمل . واعتراض المراْه على عمر(رضي الله عنه) حين فكر فى تحديد المهور فقال عمر (أصابت امراْه واخطأ عمر) حق العمل: كما اقر المنظور الاجتماعي الاسلامى حق المراه في العمل ، ومن أدله ذلك: اعتبار القران العمل أساسا للجزاء الدنيوي والاخروى للرجال والنساء (فاستجاب لهم ربهم انى لا أضيع اجر عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض...). وقد عملت المراْه في عهد الرسول فى مجالات عديدة ، فقد اشتهر في الطب والتمريض رفيده الانصاريه، التي ورثت الطب عن أبيها في الجاهلية، فلما أسلمت جعل لها خيمه في مسجد الرسول تداوى فيها الرجال والنساء جميعا (أسد الغابة، ج7)( طبقات ابن سعد،ج8). ولما أصيب سعد بن معاذ فى الخندق قال صلى الله عليه وسلم( انقلوه إلى خيمة رفيده )،وفى مجال الحرب أورد البخاري بابا كاملا اسماه باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال)( صحيح البخاري، ط المجلس الأعلى للشئون الاسلاميه، ج5، ص84 ).وولى عمر الشفاء على سوق المدينة ، وكذلك ولى سمراء الاسديه . ولم يعترض الفقهاء -إجماعا - على حق المراْه في العمل سوى الامامه الكبرى(الخلافة) التي رفضها اغلب العلماء استنادا إلى الحديث (لن يفلح قوم ولوا امرهم امراْه). أما القضاء فقد قال الجمهور الذكورة شرط في صحة الحكم فقط ، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضيا فى الأموال ، وقال الطبري يجوز أن تكون قاضيا على الاطلاق، وقال ابن حزم جائز ان تلى المراْه الحكم- القضاء-وهو قول أبو حنيفة(محمد المهدي الجحوى، المراْه بين الشرع والقانون ص37). اتساقا مع إقرار المنظورالاجتماعى الاسلامى لحقوق المراه الاساسيه فان الخطاب التقدمي الاسلامى ينبغى أن يلتزم بحقوق المراه بما فيها الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية بشرط عدم تناقضها مع أصول الدين . مفهوم المساواة: وفى إطار الفكر الاجتماعي الاسلامى الحديث والمعاصر نجد مذهبين في الموقف من المساواة بين المراْه والرجل : المذهب الأول ( نفى المساواة) : المذهب الأول يقوم على نفى المساواة بين المراْه والرجل استنادا إلى العديد من الادله أهمها أولا:نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى(وليس الذكر كالأنثى).ثانيا: تقرير الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه . تقويم:غيران نفى القران الكريم أن يكون الذكر كالأنثى هو نفى للمثلية، اى نفى أن تكون المراْه مثل الرجل في التكوين والإمكانيات و المقدرات الذاتية ، وليس نفى للمساواة التي تتعلق – في المنظور الاجتماعي الاسلامى- بالمساواة في الحقوق والواجبات ، دون نفى تفاوت المراه والرجل في التكوين والمقدرات والإمكانيات الذاتية ، وبالتالي فان إقرار الشريعة الاسلاميه لجمله من الأحكام الخاصة بالمراه ، هو من باب مراعاة هذا التفاوت وليس من باب نفى المساواة . المذهب الثاني : (إقرار المساواة ونفى المثلية ” المفهوم الاسلامى للمساواة” ): أما المذهب الثاني – الذى يعبر عن الخطاب التقدمى الاسلامى - فيقوم على الإقرار بالمساواة بين المراْه والرجل، طبقا للمفهوم الاسلامى للمساواة، والذي مضمونه ان تحكم العلاقة بين والرجل في المجتمع، قواعد عامه مجرده ، سابقه على نشاْه تلك العلاقات ، وهو ما يتحقق في الشريعة بما هي وضع الهي مطلق. ومن الادله على تقرير الإسلام للمساواة بين الرجل والمراه على الوجه السابق بيانه :قوله تعالى( ولهن مثل الذي لهن بالمعروف.( وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إنما النساء شقائق الرجال)(أخرجه احمد في مسنده) . وكذلك تقرير الإسلام ان المراْه مساويه للرجل في سائر التكاليف الشرعية .وكذلك تقريره ان المراْه مساويه للرجل في المسؤليه(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمراْه راعيه فى بيت زوجها وهى مسئوله عن رعيتها…) .غير ان اقرار المساواه بين الرجل والمراه لا يعنى اقرار المثلية ، التي تعنى ان تكون المراْه مثل الرجل فى التكوين والامكانيات و المقدرات الذاتية، وهو ما نفاه القران ( و ليس الذكر كالأنثى)، حيث ان التفاوت فى المقدرات الذاتية سنه إلهيه تشمل الناس كلهم ، وهو جزء من مفهوم الدرجيه الذي يقرر تفاوت الناس فى المقدرات والامكانيات الذاتية دون ان يلغى ذلك المساواة بينهم. |
|