التناص في قصيدة البردوني
أبي تمام وعروبة اليوم
دراسة وصفية تحليلية
خالد محمد على عون
المقدمة
عنوان الدراسة وسبب اختيار الموضوع
يأتي اختياري لـ"التناص في قصيدة البردوني ؛أبو تمام وعروبة اليوم " ليكون عنوانا لهذه الدراسة من منطلق أن هذه القصيدة قد تعالقت مع قصيدة أبي تمام في فتح عمورية ومع غيرها من النصوص وعلى الرغم من ذلك لم تحظ هذه القصيدة بدراسة التناص وأثره وآلياته من قبل ولم تعط حقها من الاهتمام .
نعم هناك دراسة قدمت من قبل الدكتور علاء المعاضيدي في مجلة الباحث الجامعي الصادرة عن جامعة إب بعنوان " التناص مع الشخصية التراثية عبر آلية الحوار والاستدعاء والإشارة في شعر البردوني "( ) غير أن هذه الدراسة درست تناص الشخصية في شعر البردوني ولم تدرس التناص في القصيدة إلا باعتباره نموذجا من نماذج كما أنها اقتصرت على مجال واحد من مجالات التناص هو تناص الشخصية وأغفلت الحديث عن تناص الإحالات الثقافية مع وجوده .هذا فضلا عن اكتفائها بالإحالة إلى مصدر التناص دون الحديث عن وظيفته في الإيحاء بالدلالة وكذا لم تحلله هذا أولا .
ثانيا أن الدراسة أغفلت الحديث عن الآليات التي اتبعها الشاعر في تناصه وأقصد آليات التمطيط والإيجاز ، وآلية الاقتباس والتضمين ،وآلية المخالفة والموافقة مع فكرة النص الغائب ، كما أغفلت الحديث عن أنواع التناص باعتبار حضور النص الغائب ، وباعتبار الغرض من هذا الحضور ومستوياته ووظيفته كما أن الدراسة لم تترجم للشاعر.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى ما يأتي:
بيان مجالات التناص أو مصادره في القصيدة .
الوقوف على الآليات التي اتبعها الشاعر في حواره مع النص الغائب وأثر ذلك في الإيحاء بالدلالة.
الكشف عن أنواع التناص باعتبار حضور النص الغائب وباعتبار غرضه في النص الحاضر .
بيان وظيفة التناص ومستوياته في القصيدة.
أهمية الدراسة
تأتي أهمية الدراسة من أنها ركزت على الجانب التطبيقي في دراسة التناص من خلال قصيدة البردوني ،أبو تمام وعروبة اليوم ،وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام الدراسات التطبيقية وسيشكل أنموذجا يحتذى به في الدراسات المستقبلية من قبل الباحثين في المستقبل .هذا فضلا عن أن هذه الدراسة ستحاول الكشف عن مقدرة الشاعر في الاتكاء على خاصية التناص ومقدرته في التوظيف له في الإيحاء بالدلالة عبر الكشف عن آلياته ومستويات التناص داخل القصيدة مما يجعل من الشاعر أنموذجا يحتذى به من قبل المبدعين الجدد.
خطة الدراسة ومنهجها:
كما أن لكل بحث خطة يرسمها الباحث لبحثه حتى يتمكن من تحقيق أهدافه ، وهذه الخطة –بطبيعتها- ثابتة من حيث المظهر ؛ متغير ومرنة من حيث الجوهر؛ فإن خطة الدراسة مكونة من الآتي:
المقدمة : وفيها سيتحدث الباحث عن سبب اختاره للبحث وعن أهدافه وأهمية البحث وخطته ومنهجه في الدراسة.
التمهيد ويشمل ما يأتي:
• الترجمة للشاعر
• تحديد المصطلح لغويا واصطلاحيا وبيان الفرق ينه وبين التقاطع النصي.
الفصل الأول : (مجالات التناص في القصيدة) وسيشمل:
• تناص الشخصي عبر عَلَمِها (اسما ,كنية,لقبا)- قولها- فعلها
• تناص الإحالات الثقافية
الفصل الثاني: (آليات التناص في القصيدة) وسيشمل:
• آلية التمطيط والإيجاز.
• آلية الاقتباس والتضمين
• آلية الموافقة و المزايلة مع فكرة النص الغائب.
الفصل الثالث
أنواع التناص ومستوياته في القصيدة)
الخاتمة : وسيخصصها الباحث للحديث عن النتائج التي توصل إليها جراء البحث .
هذا وقد اتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي للكشف عن التناص في القصيدة وبيان أثره الدلالي والتعبيري.
التمهيد
أولا التعريف بالشاعر
يقول البر دوني في سياق حديثه عن أبي تمام :
" المثالية في النفس تنعكس على مثالية في الخارج مجسدة في قائد عظيم ،أو وزير أديب ، أو شاعر متفوق أو عامل دائم الكدح ، أو فيلسوف مضيء النظرات والباعث على الإعجاب بهؤلاء هو توقان النفس إلى العظمة "( )
هكذا قال الرجل وما كان يدري أن ما قاله ينطبق تماما عليه ؛ ما كان يعلم أنه يتحدث عن مثاليته وعظمته اللتان تجسدتا في إنتاجه الغزير من الشعر والنثر اللذين كانا لهما دورا مهما في الإسهام في إغناء حركة الشعر والثقافة ؛ فقد تميزت حياته بالعديد من المفارقات فهو سياسي راديكالي ، يعتز بالتراث ، وعلماني مفتون بأرض بلاده ،وبطل الكلمة في بلد نصفه من الأميين وفوق ذلك كله هو أعمى تمكن من رؤية الحقيقة والتعبير عنها بكل صدق وصراحة ( )
نعم لقد أثبت البر دوني وبكل جدارة واقتدار هذه المثالية وتلك العظمة من خلال منتوجه الفكري ولاسيما في مجال الشعر ؛ فقد أثبت أن القصيدة ذات الإطار الموسيقي التقليدي ليست عاجزة عن استيعاب ما هو شعري من تقنيات وفضاءات حركة الحداثة . يقول الشاعر المبدع والناقد الكبير الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح – في سياق حديثه عن البردوني-:
" ما من شك في أن الشاعر الكبير عبد الله البردوني قد استطاع أن يطوع القصيدة البيتية لاستيعاب القضايا الفنية الحديثة وأن يجعلها ملائمة لتناول قضايا العصر وهموم الأمة في أسلوب متعدد ، ومواكب لحركات التجديد في الشعر العربي "( ).
بدأ البردوني كتابة الشعر عام 1946م ولكن حضوره العربي بدأ مع إصدار ديوانه الأول " من أرض بلقيس" عام 1961م ومن ثم عرف كشاعر امتلك ناصية اللغة والقريحة الشعرية المتميزة بالطابع الفني والفلسفي وكان هو والمقالح بمثابة المعادل الإبداعي الشعري والفني والكتابي لمعنى اليمن ولمعنى الحداثة في المضمون والتأصيل سواء من خلال الإنتاج الفني ،أو من خلال الحضور الشخصي للمهرجانات في أكثر من عاصمة عربية لعل أبرزهم حضوره لمهرجان الموصل في 11/12/1971م الذي أقيم احتفاء بمرور ألف عام على وفاة أبو تمام ؛فقد شكل منعطفا هاما وواحدة من المحطات الهامة في حياة الشاعر بعد إلقاء الشاعر لقصيدته " أبو تمام وعروبة اليوم" التي كانت باكورة الشهرة للبردوني . تقول السيدة فتحية الجراني ؛ زوج الشاعر: لقد مثلت قصيدة الشاعر المعنونة بـ؛ (أبو تمام وعروبة اليوم) باكورة شهرته وكانت واحدة من المحطات الهامة في حياة البردوني ( ).
لكن من هو البردوني ؟ وماذا نعرف عنه؟
إنه : عبد الله بن صالح بن عبد الله بن حسن البردوني ولد في قرية البردون من قبيلة بني حسين ناحية الحدا شرق مدينة ذمار وكانت ولادته عام 1929م أو 1930م أصيب بالعمى وهو في سن السادسة أو السابعة من العمر بسبب إصابته بالجدري ، وتوفى عام 1999م وعمره سبعين عاما .
تلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه على أيدي كوكبة من المشائخ ؛حيث درس عليهم القرآن بقراءته والنحو الصرف والأدب ، ثم انتقل إلى دار العلوم بصنعاء في مطلع الأربعينات وحصل على إجازة منها في العلوم الشرعية والتفوق اللغوي .
عمل مدرسا بالدار للأدب العربي وشغل العديد من المناصب الحكومية منها رئيسا للجنة النصوص في إذاعة صنعاء ، ثم مديرا للبرامج ، كما عمل مشرفا ثقافيا على مجلة الجيش . له العيد من الإصدارات منها اثنا عشر ديوانا شعريا مطبوعا وثمان دراسات أدبية متنوعة.
نال العديد من الجوائز منها جائزة أبي تمام 1971م وجائزة شوقي 1981م وجائزة الأمم المتحدة اليونسكو 1982م وجائزة مهرجان جرش 1984م وجائزة سلطان العويس 1993م. له العديد من الأعمال المترجمة إلى اللغات الأجنبية منها عشرون قصيدة ترجمة إلى الإنجليزية ،وكذا الثقافة الشعبية وديوان مدينة الغد ترجما إلى الفرنسية ,ومجموعة محاضرات لطلاب الجزيرة والخليج بعنوان الخاص والمشترك ترجمت إلى الفرنسية .
كتبت عن الشاعر مجموعة من الدراسات التي تناولت حياته وشعره منها : البردوني شاعرا وكاتبا رسالة دكتوراه- الصورة الشعرية في شعر البردوني رسالة دكتوراه – قصائد من شعر البردوني والمقالح شاعران مختلفان حميدة الصولي. ( )
ثانيا مفهوم التناص(Cinter textuqlite
المعنى اللغوي:
يشير التناص في معناه اللغوي إلى أربعة معان ؛إذ إنه صيغة صرفية مأخوذة من "النص" على وزن "تفاعل" وهذه الصيغة تأتي على معان صرفية عديدة أبرزها:
المشاركة بين اثنين فأكثر وعلى هذا يكون معنى تناص أن شيئين فأكثر اشتركا في نص كما تقول :تقاتل –تخاصم- تقاسم فيكون المعنى أن شيئين اشتركا في القتل ، أو الخصام ، أو القسمة .
التظاهر : ومعناه الادعاء بالاتصاف بالفعل مع انتفائه عنه ؛فيكون معنى "تناص" ادعى الاتصاف بالنص مع أنه ليس كذالك ، وهذا المعنى يشير إلى خاصية التناص قابلة للتأويل والتعدد من قبل المتلقي ومن ثم فوجود هذه الخاصية في المدونة الكلامية تجعل منها نصا لا يقبل التحديد وتمنحه التعددية في القراءة والتأويل ، والعمق والغموض في الفكرة .
الدلالة على التدرج ؛ أي حدوث التدرج في صفات الشيء زيادة ونقصا ، وعلى هذا يكون معنى تناص حدوث الزيادة ،أو النقص في النص شيئا فشيئا كما تقول توارد الإبل ، وتناقصت البئر وهذا المعني يشير إلى الآلية التي يمارسها كل من المبدع والمتلقي أثناء تعامله مع التناص؛ إذ قد يلجأ إلى جزء من النص ،أو عنصر من عناصره فيسعى إلى تمطيطه وتشيد بقية العناصر للوصول إلى البنية الكاملة ،أو أنه يلجأ على البنية الكاملة فيختصرها في عنصر واحد ،أو مجموعة من العناصر .
المفهوم الاصطلاحي :
تعددت التعاريف والمفاهيم حول هذا المصطلح ،كما تعددت مصطلحاته ، فهناك من يسميه التناص كما وجد عند مبدعته كريستيفا ، وهنا من سماه الحوارية كما وجد عند باختين ،وهناك من يسميه بالتعالق النصي ، والتقاطع النصي ،وكذا التفاعل النص والبينصية ، وغير ذلك من المصطلحات .
أما من حيث تحديد المفهوم الاصطلاحي للتناص ،فقد تعددت الآراء واختلفت –أيضا- باختلاف المرجعيات الثقافية وتنوعها ؛فهناك من حصره على نوع معين من الاشتراك بين النصوص تمثل في التواجد اللغوي لنص من النصوص في نص آخر ، ومنهم من توسع فيه فجعل الاشتراك لا ينحصر على التواجد اللغوي في النص فحسب ,وإنما يمتد إلى الاشتراك في العادات والمعتقدات والمناخات الجغرافية والثقافية.
وعلى هذا؛ فهناك من عرفه على أنه:" يشير إلى جهد الكاتب المبذول في إبداع عمل أدبي جديد يستند في شكله أو محتواه أو في الاثنين معا إلى التراث" ( )
وعرفه محمود جابر عباس بأنه " اعتماد نص من النصوص على غيره من النصوص النثرية والشعرية القديمة ، او المعاصرة الشفاهية والكتابية العربية والأجنبية ، ووجود صيغة من الصيغ العلائقية والبنيوية والتركيبية والتشكلية والأسلوبية بين نصين "( ).
وتعرفه الباحثة فريال جبوري غزول بأنه" تضمين نص لنص آخر ،أو استدعاءه وفق تفاعل خلاق بين النصين المستحضر والمستحضر"
على أن الباحث يميل إلى المفهوم الذي ذكره محمد مفتاح والذي يقول: التناص:" وجود علاقي خارجي بين النصوص وداخلي بين مستويات اللغة". ( ) والذي يعني أن هناك علاقة بين النص الحاضر والنص الغائب قد تكون هذه العلاقة هي التواجد اللغوي ، الاشتراك والتقاطع في خاصية معينة ،أو سمة من السمات المشتركة سواء أكان الاشتراك عن طريق التأثر والمحاكاة ،أم على سبيل التوظيف الفني كخاصية فنية . وسواء أكان الاشتراك والتداخل بين النصوص في عنصر واحد ، أم في أكثر من عنصر
الفرق بين التناص والتقاطع النصي :
ميز ريفاتير بين مصطلحي :تقاطع النصوص (Intertexte) ،والتناص(Cinter textuqlite) وذلك على النحو الآتي:
تقاطع النصوص،(Intertexte) يعني العملية التي نقوم بها عندما نقرب عددا من النصوص إلى نص معين ،نكون بصدد دراسته ،أو تأمله ،وهي عملية مألوفة في النقد التاريخي بدراسة المؤثرات الأدبية ،أو ما يسمى بالبحث عن المنابع
والتناص(Cinter textuqlite يعرف ريفاتير التناص كشيء مختلف عن تقاطع النصوص؛ فالتناص :"ظاهرة توجه قراءات النص وتهيمن–عند الاقتضاء- على تأويله أثناء القراءة نفسها.إنه نقيض القراءة الخطية التي تتحكم في إنتاج المعنى فحسب دون النظر في القدرة على التدليل كما هو الحال في التناص والتناص فوق ذلك كله يمكن القارئ من الإدراك بأن الكلمات داخل الإنتاج الأدبي تكون دالة باعتبار علاقاتها المرجعية مع مركبات من التمثيلات تكون مندمجة منذ البداية التي تكون عبارة عن نصوص معروفة ،أو جزء من نصوص تحيا منفصلة عن سياقها الأصلي( ) .
إن التمييز الذي أبداه ريفاتير بين مصطلح التناص والتقاطع النصي له أهمية في توجيه الدراسة ،والنقد الأدبي على حد سواء ؛إذ إن التناص يلعب دورا رئيسا في تمويه المعنى وتحويله إلى مجرد قابلية النص تبعا لنوعية القراءة واختلاف القراء من ناحية ،ويبطل فكرة النقد الكلاسيكي الذي يرى على الدوام أن النصوص لها معان محددة سلفا من قبل الكتاب الأمر الذي خلف الكثير من السلبيات في النقد العربي نتيجة لهذه القراءة الخطية.كما أن التمييز بين المصطلحين يهدف إلى دفع النصوص الأدبية إلى الأمام عن طريق تخليصها من الرؤية النقدية القديمة التي ازدهرت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وطبقت على كثير من الدراسات النقدية القديمة في إطار ما كان يسمى بالنقد الجامعي.
وعليه يهدف مدلول التناص إلى تغيير اتجاهنا في دراسة المعنى الأدبي من الماضي إلى الحاضر والمستقبل ،فلا يهم أن تكون النصوص القديمة قد دخلت إلى النص الحالي باعتبارها تنتمي إلى سياق معروف سابقا بل يهم أن نعرف دورها الجديد في سياق النص الحالي ،وما هي ردود الفعل تجاه هذا التداخل( )من هذا المنطلق يمكن اعتبار أن التناص " مقاربة أدبية تبرز مستقبلا تاريخيا بامتياز غير أنه – وهنا تكمن الأهمية- لا يتوجه نحو اكتشاف الأصول التاريخية لتلك النصوص السابقة بل يتجه نحو الحديث عن أدوارها في النص ؛الانتقال من النظرة التوليدية [بالمعنى العادي وليس اللساني]،والعقائدية إلى خلق فعالية تفسيرية داخلية متنوعة" ( )
مدخل إلى دراسة التناص في قصيد البردوني
"أبو تمام وعروبة اليوم للبردوني"
لعل القارئ يلمس بجلاء تأثر البردوني بالشخصيات التاريخية والذي برز من خلال مؤشرات عدة أبرزها عناوين بعض دواوين الشاعر مثل من أرض بلقيس لعيني أم بلقيس كما تجلت من خلال تداخله وتناصه مع الشخصيات التراثية في العديد من قصائده السياسية والاجتماعية والأدبية ومن أشهر تلك القصائد قصيدته " أبو تمام وعروبة اليوم" ( ) ؛فالقصيد حافلة باستدعاء الشخصيات بصفة عامة وشخصية أبي تمام على وجه الخصوص وهذا الاستدعاء على سبيل التناص اسما أو قولا أو عبر الإحالات الثقافية والتاريخية التي تشير إلى حادثة أو عادة أو خلق من الأخلاق ؛نلمح كل هذا في أكثر من موضع من القصيدة ابتداء من العنوان نفسه وانتهاء بآخر بيت في القصيدة. ومن الطبيعي أن تكون القصيدة كذلك ؛لأنها قيلت احتفاء بأبي تمام في مهرجان الموصل بمناسبة ألفية الشاعر حبيب بن أوس الطائي المشهور بأبي تمام شارك فيه كوكبة من الشعراء هم أحمد حسن إسماعيل- محمد الفيتو ري – نزار قباني – حافظ أمين –أحمد عبد المعطي حجازي- ، وأحمد الجندي.
الفصل الأول
مجالات التناص في القصيدة:
يتنوع التناص باعتبار وجود النص المحضون في النص الحاضن ،وباعتبار مصدر النص المحضون إلى أنواع عديدة إلا أننا يمكن أن نحصر هذه الأنواع في نوعين هما: تناص الشخصية ، و تناص الإحالات الثقافية، وذلك كما يلي:
تناص الشخصية:
ويقصد به وجود الشخصية الأدبية ،أو التراثية في النص الحاضن ويتراءى وجوده من خلال الآتي:
استحضار الشخصية بالقول:
ونقصد به توظيف الأديب لقول متصل بشخصية معروفة سواء كان هذا القول صادرا منها ،أو صادرا إليها ويصلح للدلالة عليها في آن معا بحيث تصبح وظيفة هذا القول وظيفة مزدوجة؛ التفاعل مع شفرات النص واستحضار شخصية قائلها( )
فإذا ما عدنا إلى قصيدة البردوني سنجد أن البردوني في قصيدته يستدعي شخصية أبو تمام عبر قولها في أكثر من موضع في القصيدة و من هذه المواضع قوله:
ما أصد السيف إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملها أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
من الواضح أن البردوني من خلال البيتين السابقين يستدعي شخصية أبو تمام من خلال قوله - في قصيدته في فتح عمورية-
)
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصفائح في متونهن جلاء الشك والريب
فأنت ترى اتفاق القولين ؛قول البردوني وقول أبي تمام في بعض المعنى وجزء من الألفاظ ؛ فالبردوني يتفق مع أبي تمام في ما قاله ولكنه اتفاق مشروط ؛فإذا كان صدق السيف عند أبي تمام صدق مطلق وأمضى في التمييز بين الحق والباطل على كل حال ؛ فإن صدق السيف وتمييزه مشروط بأمرين الأول صدق الغضب عند حامله والثاني جسارة وشجاعة من يمتلكه .
ومرة أخرى نجد البردوني يعود ليتداخل مع أبي تمام في مطلع قصيدته الأنف الذكر من خلال قوله في البيت العاشر:
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
وكأنه أراد من خلال هذا البيت أن يدلل على ما كان قد ذكره سابقا من خلال الواقع المعاش فالعرب بيدهم القوة وما يفعله الأعداء اليوم يبعث على الغضب ولكن هذا الغضب لم يكن صادقا كما كان في زمن المعتصم ولذلك لم نفعل شيئا إزاء هذا الغضب ومن ثم انقلبت الآية و انتصر التنجيم على السيف في زمن الكذب والتخاذل العربي المعاش الآن .
ونجد البردوني بعد ذلك يستدعي شخصية أبا تمام من خلال التوجه إليه بالخطاب والشكوى في الأبيات (20- 22) فيقول:
تسعون ألفا (لعمورية) اتقدوا وللمنجم قالوا : إننا الشهب
قيل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليونا وما بلغوا نضجا وقد عصر الزيتون والعنب
إن البردوني في الأبيات السابق يتداخل مع أبي تمام من خلال قوله: ( )
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ
ويأتي تداخل البردوني مع أبو تمام –كما هو واضح- من أجل أمرين الأول الإقرار بفكرته والتأييد لها والثاني عكسها والمناقضة لها كما يتضح من خلال البيت الثالث في نص البردوني السابق وهذه المفارقة في التداخل ؛تأيد ثم نقض يشير إلى تناقض آخر بين زمن النص الحاضن والنص المحضون معززا بالتناقض العدد والفعل الموجود في التناص الداخلي في البيتين الأول والثاني من نص البردوني مع البيت الثالث والتناص الخارجي مع بيت أبي تمام السابق ؛ فإذا كان عدد جيش المعتصم لم يتجاوز التسعين ألفا ومع ذلك استطاع هزيمة الروم والثأر للمرأة المظلومة ؛ فإن عدد الجيوش العربية تربو على تسعين ملونا ومع ذلك لم يستطيعوا الثأر لشعوبهم واسترداد حقهم المسلوب .
ومن شواهد هذا التناص –أيضا- قول البردوني في البيت الثالث والثلاثين -:
ورحت من سفر مضن إلى سفر أضنى لأن طريق الرحة التعب
لقد استدعى الشاعر شخصية أبي تمام من خلال قوله :
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب
ومن تناص البردوني مع شخصية أبي تمام من خلال القول قوله :
أرعيت كل جديب لحم راحلة كانت رعته وماء الروض ينسكب
إنه يشير- من خلال هذا البيت- إلى قول أبي تمام في وصف راحلته : ( )
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها وماء الروض ينهل ساكبه
التناص في البيتين يشير إلى الاتفاق في الفكرة بين الشاعرين وقد لجأ البردوني إلى ذلك من أجل توظيفه ليكون مدخلا للحوار والمقارنة بين ذات الشاعر المسكونة بالألم والشعور بالغربة والاغتراب المتجدد في عصر الحداثة ووسائل الأمان والراحة وبين ذات الشاعر المتداخل معه الآمنة والمطمئنة على الرغم من كثرة الترحال الذي أنهك راحلته.
وإذا كان البردوني قد استدعى شخصية أبي تمام من خلال التداخل في الفكرة وبعض اللفظ فإنه في البيت الأخير يستدعيها من خلال اقتباس الفكرة مع كل اللفظ يقول البردوني :
ألا ترى يا أبا تمام بارقنا "إن السماء ترجى حين تحتجب"
لقد اقتبس البردوني الشطر الثاني من البيت من قول أبي تمام الآتي: ( )
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا إن السماء ترجى حين تحتجب
لقد اتفق البردوني في تناصه مع بيت أبي تمام في اللفظ والمعنى ولكنه زايله أو خالفه في التوظيف؛ فقول أبي تمام لـ" "إن السماء ترجى حين تحتجب" جاء تأكيدا لنفي الحجاب ؛ لأنه حجاب شكلي مع حضور الفعل أما توظيف البردوني ؛ فقد جاء تأكيدا لإثبات الحجاب لأن الحضور كان شكليا عبارة عن إرعاد دون مطر .
ومن استحضار الشخصية عبر قولها استحضار شخصية المتنبي . يقول البردوني:
حبيب هذا صداك اليوم أنشده لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب
إن البردون من خلال قوله " هذا صداك اليوم أنشده" يستحضر شخصية المتنبي عبر قوله :
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعر اً فإنّمَا بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
لقد أراد الشاعر من خلال تداخله مع الأبيات السابقة الإشارة إلى منزلة أبو تمام عنده ومدى إعجابه به من خلال الاعتراف الضمني الذي يشير إلى أنه كان السبب في ولادة هذه القصيدة إلى النور لأن السبب الذي جعل أبو تمام ينسج قصيدته في مدح المعتصم هو الذي حدا بالبردوني أن ينسج قصيدته في ذكراه وهو الإعجاب .
استحضار الشخصية بـ العلم (اسما، أو كنية، أو لقبا)؛
بمعني أن تكون الشخصية التراثية حاضرة في النص من خلال اسمها، أو لقبها، أو كنيتها والتناص من هذا النوع حاضر في قصيدة البردوني ومعظمه مع شخصية أبو تمام ومن الشواهد على ذلك من القصيد قوله :
ماذا جرى يا أبا تمام تسألني عفوا سأروي ولا تسألني ما السبب
إن الشاعر في هذا البيت يستدعي شخصية أبو تمام من خلال الحديث إليها عبر كنيتها وذلك من أجل أن يقيم معها حوارا يبث من خلاله شكواه من جهة ويبرز المفارقة والبون الشاسع بين عصره وعصر أبو تمام أو لنقل بين المرسل والمستقبل للحوار نلمح ذلك من خلال العديد من التقانات التي اتبعها الشاعر لإبراز هذا ومن ذلك الاستفهام التعجبي الذي أجراه الشاعر على لسان أبي تمام ،والنداء الذي كان بواسطة الأداة " يا" التي تشير إلى بعد المنادى من المنادي ، وأخيرا جملة النهي " لا تسألني ما السبب" التي تشعر بخجل المجيب من الإجابة على سؤال المحاور والذي يلمح من خلال قول الشاعر في البيت التالي له :
يدمي السؤال حياء حين تسأله كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب
ومن استدعاء الشخصية عبر العلم –أيضا- قول الشاعر :
من ذا يلبي؟! أما إصرار معتصم ؟ كلا وأخزى من الأفشين ما صلبوا
في هذا البيت استدعى الشاعر شخصيتين تربطهما علاقة بأبي تمام هما: شخصية المعتصم الخليفة العباسي والشخصية الثانية هي شخصية الأفشين حيدر بن كاؤوس أحد قادة المعتصم كان قد خانه فصلبه المعتصم وأحرق ؛فقال فيه أبو تمام رأيته المشهورة والتي يقول في مطلعها :"
الحق أبلج والسيوف عوارِ ** فَحَذَارِ مِنْ أَسَدِ العَرِينِ حذَارِ
وتوظيف الشاعر لهاتين الشخصيتين المتناقضتين كان مقصودا حتى تكون مقنعة وموئسة في الوقت نفسه من جهة و حتى يبرز المفارقة العجيبة عن طريق صيغة التفضيل ( أخزى) بين ما كان عليه القوم وبين ما آل إليه الحال بعد ذلك من جهة أخرى.
ونجد الشاعر في البيت السابع عشر من القصيدة يستدعي شخصيتي المثنى بن حارثة الشيباني وبابك الخرمي عبر اسمهما فيقول:
لهم شموخ المثنى ظاهرا ولهم هوا إلى بابك الخرمي ينتسب
ففي هذا البيت يستدعي الشاعر شخصيتين متناقضتين تاريخيا كل التناقض ليوظفهما في الإيحاء بالدلالة المطلوبة والمتمثلة بالتناقض التام والعجيب بين ما يبديه القادة العرب وبين ما يبطنونه في أنفسهم ، فالمثنى ابن حارثة رمز للشجاعة والإقدام ونكران الذات إلى درجة أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول عنه متعجبا أثناء إغارته على الفرس : من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه( ) وبابك الخرمي مجوسي فارسي الأصل قتل أيام المعتصم اشتهر بالبطش والغبث والفساد بث الرعب في أوسط المجتمع اجتمع إليه قطاع الطرق حتى صار يملك منهم عشرين ألف فارس استولى- بواسطتهم -على قلاع وحصون كثيرة.
وننتقل إلى الأبيات (24، 30،37،46) من القصيدة فنجد الشاعر يستدعي شخصية أبي تمام ثانية ولكن هذه المرة عن طريق الاسم منادى وليس الكنية يقول :
حبيب وافيت من صنعاء تحملني نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي مليحة عاشقاها السل والجرب
حبيب تسأل عن حالي وكف أنا شبابة في شفاه الريح تنتحب
حبيب هذا صداك اليوم أنشده لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب
حبيب ما زال في عينيك أسئلة تبدو وتنسى حاياها فتنتقب
اختار الشاعر لاستدعاء شخصيته عبر التناص الاسم دون الكنية كما رأينا سابقا وهذا الاختيار فيه دلالة يريد الشاعر نقلها إلى الآخرين هي الألفة والمحبة فضلا عن ذلك أراد الإيحاء للمتلقي أنه جاء لينقل للشخصية المتناصة معه قضيتين أو همين: هم خاص يبث من خلاله شكواه وهموم وطنه ،وهم عام يبث من خلاله ما آل إليه حال الأمة يفهم هذا من خلال قرائن الخطاب منها: حبيب الذي هو صفة مشبهة أو صيغة مبالغة من الحب ، ورود الاسم منادى لحرف نداء محذوف مما يشير إلى قرب المنادى من النادي ؛ فضلا عن دلالة الحذف لياء النداء التي تشير إلى ضيق الشاعر وتبرمه من الأوضاع الذي آل إليها حاله وحال وطنه .
فإذا انتقلنا إلى البيت الثامن والعشرين سنجد الشاعر يستدعي شخصية قحطان وكرب عبر الاسم فيقول:
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت حبلى وفي بطنها قحطان أو كرب
الشاعر هنا يوظف في شعره شخصيتين تراثيتين كان لهما الأثر الكبير في حكم اليمن مدة من الزمن هما قحطان أبو اليمنيين الأول وكرب الوارث الشرعي وقد جاء توظيف الشاعر لهاتين الشخصيتين موفقا ؛ فهما رمزان من رموز التفاؤل والبعث كما تذكر كتب التاريخ ؛ فقحطان هو قحطان بن عابر قيل أنه سمي بذلك لقحطه القحوط وطرده بالسخاء والجود وكان قد حل على أرض اليمن في عهد نمرود بعد إبادة عاد
استحضار الشخصية بالفعل ،أو الدور:
ويقصد بذلك استدعاء الشخصية من خلال فعلها ،أو دورها ،أو حوادثها التي وقعت منها ،أو عليها دون التصريح باسمها بل يترك ذلك للقارئ ليستحضرها بحسب ثقافته واطلاعه ،ووجود هذا اللون في النص الحاضن قد يكون على سبيل الاحتذاء والتأثر ،أو ما يسمى بتقاطع النصوص بمفهوم ريفاتير السابق كأن يحتذي أديب منهج أديب سابق له ومن ذلك استحضار شخصية ابن هشام ،ووهب بن منبه في السير الشعبية كسيرة سيف بن ذي يزن ،وعنترة وغيرهما ؛إذا نجد هؤلاء تأثروا بأسلوب القاص العربي في عصر التجميع وخاصة ابن هشام في السيرة النبوية وقد يكون استحضار الشخصية بفعلها،أو دورها في النص الحاضن من النص المحضون على سبيل التوظيف الفني ؛ بمعنى يكون حضورها في النص من خلال صفاتها ،أو حوادثها الوقع منها ،أوعليها كشخصية موسى، وذو القرنين ؛ وبلقيس ،وغير ذلك من الشخصيات الحاضرة بالفعل على سبيل التوظيف في سيرة سيف بن ذي يزن
ونلمح هذا اللون من التناص في القصيدة من خلال القالب الموسيقي الذي اختاره البردوني لقصيدته فاختياره لبحر السريع " مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن" واختياره لحرف الباء المكسورة قافية للقصيدة يشير إلى أن الشاعر قصد استدعاء شخصية أبو تمام عبر فعلها في القصيد التي نظمها أبو تمام في مدح المعتصم بمناسبة فتح عمورية فالقصيدة تتفق مع قصيدة البردوني في نوع البحر وعدد التفاعيل ونوعها وكذا القافية والروي وتوظيف الشخصية عبر فعلها له دلالته التي سنتحدث عنها عن الحديث عن أنواع التناص وآلياته في المباحث اللاحقة.
كما نلمح هذا اللون من التناص في قول البردوني :
وأنت من شبت قبل الأربعين على نار الحماسة تجلوها وتنتخب
في هذا البيت يستدعي الشاعر شخصية أبي تمام من خلال فعلها والمتمثل في تأليف كتاب الحماسة وهو عبارة عن مجموعة شعرية كان أبو تمام قد انتخبها من عيون الشعر العربي ووضعه في كتاب سماه الحماسة .
تناص الإحالات الثقافية:
ويقصد به وجود نصوص في النص الحاضن مما لا ينسب إلى شخص بعينه ؛أي منعدمة للمصدر المحدد ، وإنما هي نصوص مشتركة بين الجميع ؛كالإحالات والإشارات إلى قضية ،أو الإحالة والإشارة إلى موضوع ،أو مناخ ثقافي ومن ذلك الإحالة إلى الأمثال والأساطير والخرافات ،والخوارق،والإشارة إلى حادثة ،أو قصة،أو عادة ،أو موروث ثقافي ونلمس توظيف الشاعر لهذا اللون في القصيدة في مواطن عديدة منها:
الإحالة إلى حادثة تاريخية حصلت بين العرب والروم ؛ يقول الشاعر:
اليوم عادت علوج الروم فاتحة وموطن العرب المسلوب لا السلب
ماذا فعلنا غضبنا كالرجال نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
إن الشاعر هنا يشير إلى حادثة تاريخية حصلت في عهد المعتصم بكل أسبابها و ملابساتها وحوادثها المقترنة بها وهي قصة فتح عمورية على يد المعتصم ليوظفها في المقارنة والتمييز بين ما كان عليه العرب في الماضي وما آل إليه حالهم الآن.
وفي البيت الثاني يحيل على عادة ثقافية موروثة وهي عاد التنجيم وقراءة الغيب من خلال علم الفلك كما تحيل إلى عادة الخلفاء والأمراء في استقدام المنجمين لاستشارتهم في ما يقدمون عليه من أمور مهمة ؛ فضلا عن ذلك إحالته إلى موقف المعتصم الرافض لمشورة المنجمين بخصوص معركته مع الروم .
ومن ذلك –أيضا- قول البردوني:
قيل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
إن الشاعر من خلال هذا البيت يحيل إلى تلك الرسائل التي كانت تصل المعتصم أثناء حصاره لمدينة عمورية من قبل علماء الروم والتي مفادها : إننا نجد في كتبنا أن مدينتنا لن تفتح حتى ينضج التين والعنب وبيننا وبين ذلك شهور يمنعك من المكوث على أسوارها الثلج والبرد .
الإحالة إلى قصة وضاح اليمن مع أم البنين يقول الشاعر :
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ولم يمت في حشاها العشق والطرب
إن الشاعر وهو يتحدث عن صنعاء واليمن على وجه العموم يستثمر قصة كانت قد ذكرتها كتب التاريخ والأدب هي قصة العشق الذي كان بين أم البنين زوج الوليد بن عبد الملك ووضاح اليمن والنهاية المأساوية لها فضلا عن إشارتها إلى عادات العرب في تزويج الفتاة ؛ فقد قيل أن قصة حب كانت بين وضاح اليمن وأم البنين منذ الصغر وأخذ هذا الحب ينمو مع مرور الأيام إلى أن شاء القدر أن يلتقي الوليد بأم البنين فيعجب بها فتزوًج له ولكن على الرغم من ذلك فما زال الحب يتملك قلب وضاح وقلب أم البنين وهو ما جعل وضاح يبحث عنها حتى وصل إلى أعتاب القصر في الشام ولما علمت أم البنين بقدومه أدخلته في صندوق إلى غرفتها حتى لا يفتضح أمره وكانت كلما أمنت أخرجته منه وإذا خافت أرجعته إليه إلى أن افتضح أمرهما فأخذ الوليد الصندوق وبداخله وضاح فدفنه في بئر كانت تحت بساطه في القصر .
الإحالة إلى عادة شعراء العرب في التكسب بالشعر يقول البردوني:
وتجتدي كل لص مترف هبة وأنت تعطيه شعرا فوق ما يهب
شرقت غربت من وال إلى ملك يحثك الفقر أو يقتادك الطلب
طوفت حتى وصلت الموصل انطفأت فيك الأماني ولم يشبع لها إرب
إن الشاعر في الأبيات السابقة يحيل إلى عادة عربية قديمة عند الشعراء وهي عادة التكسب بالشعر وتوافدهم على أبواب الخلفاء ويحاول أن يستثمرها لشرح حالته كشاعر في هذا الزمان من خلال المقارنة بين وضعه ووضع أبو تمام في الماضي يتضح هذا من خلال قول البردوني في الأبيات التالية:
ورحت من سفر مضن إلى سفر أضنى لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر رحلي دمي وطريقي الجمر والحطب
إذا امتطيت ركابا للنوى فأنا في داخلي أمتطي ناري وأغترب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي وحولي العدم المنفوخ والصخب
الإحالة إلى مناخ ثقافي وجد عند العرب قديما وهو مناخ التنقل والارتحال بحثا عن الكلأ والماء يقول الشاعر:
كانت بلادك رحلا ظهر ناجية أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
الشاعر هنا من خلال توظيفه عادة العربي بالتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الكلأ والماء يشير إلى وحدة البلاد العربية ، فالعربي قديما على الرغم من عدم استقراره على مكان محدد إلا أنه يشعر أن كل البلاد العربية مكانه وبلاده ، أما العربي الآن -مع وجود الحدود المصطنعة – محصور في بقعة معينة ولا يمتلك الانتقال إلى غيرها ؛ هذا فضلا عن شعوره بالغربة والاغتراب داخل موطنه الصغير.
الإحالة إلى موروث ثقافي ومعرفي ؛يقول البردوني :
وأنت من شبت قبل الأربعين على نار الحماسة تجلوها وتنتخب
إن البردوني من خلال البيت السابق قد استطاع استدعاء الإنتاج المعرفي لأبي تمام والمشهور بـ(حماسة أبي تمام ) والذي هو عبارة عن أشعار مختارة كان قد انتخبها أبو تمام من أشعار العرب ووضعها في كتاب سماه الحماسة.
الفصل الثاني
آليات التناص في القصيدة
يوصف التناص الحاصل بين النصوص بصفات عدة بناء على الطريقة والآلية التي يسلكها النص الحاضر في توظيف النص الغائب ،وبناء على موقفه من تلك النصوص الغائبة وذلك على النحو الآتي :
الاقتباس،و التضمين:
يلجأ الأديب إلى توظيف النص الغائب في نصه الحاضر ،سواء وعى ذلك ،أم لم يع بطريقين إما بطريق الاقتباس من النص الغائب ؛بمعنى أن يكون النص الغائب ،أو جزء منه موجودا في النص الحاضر بألفاظه ومعانيه وترتيب كلماته كقول الشاعر:
ألا ترى يا أبا تمام بارقنا " إن لسماء ترجى حين تحتجب"
إذ من الملاحظ أن البردوني قد اقتبس الشطر الثاني من البيت السابق من قول أبي تمام :
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا إن لسماء ترجى حين تحتجب
وهذه الآلية في قصيدة البردوني لا وجد لها إلا في بيت واحد هو البيت السابق ولعل السبب – من وجهة نظري – أن التناص في القصيدة قائم على التفاعل بين النص الحاضر مع النص الغائب وذلك لن يكون إلا من خلال التذويب والمزج للنص الغائب في النص الحاضر .
وقد يلجأ إلى طريقة التضمين ؛بمعنى أن يوظف الأديب نصا آخر توظيفا جزئيا ؛إما من خلال اشتراكه مع النص في اللفظ ،أو بعضه ,واختلافه في المعنى ،والفكرة ،بمعنى أن يوظف الشكل دون المضمون ،وإما أنه يشير إلى المعنى دون اللفظ ،وهذا الأخير دقيق وخفي يحتاج إلى تأمل من القارئ وتفحص .وهذه الآلية في التناص هي التي اعتمدها الشاعر كثيرا عند تناصه مع النص الغائب من ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر قول البردوني :
ورحت من سفر مضن إلى سفر أضنى لأن طريق الراحة التعب
الشاعر في البيت السابق قد ضمن المعنى وبعض اللفظ في قول أبي تمام:
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب
فأنت ترى أن البردوني قد نقل المعنى من مدح المعتصم كما هو في بيت أبي تما إلى مدح أبي تمام .
من ذلك –أيضا- قول البردوني:
ماذا أتعجب من شيبي على صغري؟ إني ولدت عجوزا كيف تعتجب؟
إن الشاعر من خلال قوله:" ولدت عجوزا" يشير إلى قوله تعالى :" فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا" (مريم 17) كما يتدخل مع قول الشاعر( )
تعجب من مشيبي في شبابي كأن لم تلق من قبلي مشيبا
فقلت في ذرى التعجب إن هذا زمان يجعل الولدان شيبا
ومن الملاحظ أن لتضمين في بيت البردوني قائم على التفتيت والمزج وإعادة الصياغة بحيث لا يستطيع المتلقي الإمساك بالنص الغائب إلا بعد إعمال فكره وتدبره . والأمثلة على هذا النوع من التناص عديدة بل هو الغالب في القصيدة ليس هذا فحسب بل قد يلجأ الشاعر إلى طريقة الإيماء والإلماح في تعامله مع النص الغائب بحيث يخفى هذا النوع من التناص على المتلقي إلا إذا كان واسع الثقافة ومن الأمثلة على ذلك قول البردون:
أرعيت كل جديب لحم راحلة كانت رعته وماء الروض ينسكب
إنه من خلال البيت السابق يلمح إلى بيت أبي تمام القائل:
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها وماء الروض ينهل ساكبه
التآلف والتخالف:
يطلق على التناص بأنه تناص تآلف حين يوافق النص الحاضر النص الغائب في الفكرة ،وقد يكون التآلف في الفكرة كلها وحين ذلك يقال: إن الفكرة تطابق الفكرة وبين النصين تآلف تام ،وقد يكون التآلف في بعض الأفكار وحين ذلك يقال: إن بين النصيين تآلف جزئي ؛بمعنى إن النص يوافق النص في بعض الأفكار ويخالفه في بعضها الآخر .كما يطلق على التناص بأنه تناص تخالف إذا كانت الفكرة تخالف الفكرة وتزايلها إما مزايلة تامة ،أو مزايلة جزئية . وإذا أردنا أ نلتمس ذلك في قصيدة البردوني سنجد أن الشاعر قد ركن إلى الآليات السابقة كلها وذلك عل النحو الآتي:
آلية الموافقة التامة:
نلمح هذه الآلية في القصيدة من خلال الاتفاق في الإطار وبعض الأفكار الجزئية في القصيدة ؛ فأما الإطار فقصيدة البردوني اتخذت لنفسها البحر البسيط ذي الثمان تفعيلات " مستفعلن فاعلن " مكررة أربع مرات في فقد اختار البردون لقصيدته بحر البسيط (مستفعلن فاعلن )مكررة أربع مرات في الشطر الأول والثاني كما اتخذت حرف الباء المكسورة رويا للقافية وهذا الإطار الشعري هو ما اتخذه الشاعر أبو تام في قصيدته التي مدح فيها المعتصم في فتح عمورية .
وأما من حيث اعتماد الشاعر على هذه الآلية في المضمون فنلحظه في الأبيات 38 ،و 50 من القصيدة كما نلحظه – أيضا- من خلال قوله :
تسعون ألفا لعمورية اتقدوا وللمنجم قالوا إننا الشهب
قيل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
إذ نجد أن الشاعر يتفق في الفكرة اتفقا تاما مع النص الغائب لأبي تمام القائل:
تسعون ألفا كآساد الشرى نضجت أعمارهم قبل نضج التين والعنب
ومن هذا الاتفاق في الفكرة مع النص لغائب –أيضا- قول البردوني :
أرعيت كل جديب لحم راحلة كانت رعته وماء الروض ينسكب
ورحت من سفر مضن إلى سفر أضنى لأن طريق الراحة التعب
فالبردوني في البيتين السابقتين يتفق في الفكرة مع النص لغائب لأبي تمام والذي قول فيه:
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها وماء الروض ينهل ساكبه
آلية المخالفة التامة
نلمح أن الشاعر يلجأ إلى هذه الآلية في المواطن التي يحول من خلالها المقارنة وإبراز المفارقة بين عصره وعصر النص المتداخل معه من جهة أو بث الشكوى من الواقع المعاش للشخصية المتحاورة معه من جهة ثانية ولذا نجد هذه الآلية تتزامن مع آلية الموافق التامة في القصيدة ومن الأمثلة على ذلك في القصيدة قول البردوني:
اليوم عادت علوج الروم فاتحة وموطن العرب المسلوب لا السلب
إنه من خلال البيت السابق يستدعي قول أبي تمام :
فتح الفتوح تعالى أن يحاط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القشب
إلى أن يقول :
إن الأسود أسود الغيل همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
لقد أراد البردوني من خلال استدعائه للفكرة في النص الغائب لأبي تمام نقض الفكرة وعكسها كليا ؛ فإذا كان الفتح في قصيدة أبي تمام من قبل العرب وكان سببه الانتصار للحق ونصرة المظلوم ؛ فإن الفتح في قصيدة البردوني هو غزو واستلاب الحق من أصحابه ، وإذا كان فتح المعتصم في النص الغائب اقتصر على معاقبة المعتدي لشخصه دون التعرض للمال والعتاد ؛ فإن غزو الروم للبلاد العربية قد شمل الأرواح والممتلكات .
ومن أمثلة التناص بآلية المزايلة للفكرة قول البردوني:
من ذا يلبي أما إصرار معتصم كلا وأخزى من الأفشين ما صلبوا
وقوله في البيت (22):
واليوم تسعون مليونا وما بلغوا نضجا وقد عصر الزيتون والعنب
لقد أراد الشاعر أن يقلب الفكرة في النص الغائب من خلال هذا التداخل مع قصيدة أبي تمام ؛ فإذا كان المعتصم في النص الغائب قد غزا الروم من أجل الانتصار لكرامة امرأة تعرضت للظلم ؛ فإن الحاكم العربي لم يحرك ساكنا في النص الحاضر على الرغم من كثرة الاعتداءات التي تتعرض لها الأمة من الأجنبي وكثرة الاستغاثات التي تصدر باستمرار ليس من فرد وإنما من شعوب بأسرها .وإذا كان جيش المعتصم في النص الغائب لم يتجاوز تسعون ألفا ومع هذا استطاع هزيمة الروم واسترداد الحق المسلوب على الرغم من كثرة المحاذير التي تعترض طريقه ؛فإن الجيوش العربية قد جاوز عددها التسعين مليونا ومع هذا لم تستطع هزيمة إسرائيل واسترداد ما اغتصبته من الأرض العربية بالإضافة إلى تنكيلها بالشعب العربي الفلسطيني.
آلية الاتفاق والاختلاف الجزئي
لقد لجأ البردوني في تناصه مع النص الغائب إلى هذه الآلية واتكأ عليها كثيرا بحيث بدت هي الغالبة في القصيدة بل نزعم أن القصيدة كلها قائمة على التناص الجزئي مع الفكرة في النص الغائب حتى مع وجود الآليتين السابقتين –كما اشرنا سابقا – لأنهما بمثابة الحجج والبراهين على تأكيد آلية الاتفاق أو الاختلاف الجزئي مع الفكرة.
وأول ما نلمح هذه الآلية في الغرض من النص الغائب والنص الحاضر ؛فإذا كان البردون قد اتفق مع أبي تمام في غرض المدح والإعجاب إلا أن البردوني لم يكتف بهذا الغرض من القصيدة بل ضمنه أيضا الشكوى للممدوح من جهة والسخرية المبطنة من القادة العرب من جهة أخرى ومن ثم كان الاتفاق بين النصين الغائب والحاضر اتفاق جزئي مع الفكرة في النص الغائب.
ومن ضمن الإشارات التي تدل على ركون الشاعر إلى هذه الآلية في التناص قوله :
ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصحائف أهدى حين تحملها أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
إن صدق السيف عند البردوني وهدايته في الأبيات السابق هو صدق مشروط بصدق الغضب فإذا صدق الغضب صدق السيف وكذا بيض الصفائح لا تكون هادية عنده إلا إذا حملتها أيد شجاعة ومقدامة ،أما الصدق عند أبي تمام فهو صدق مطلق للسيف يقول أبو تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
التمطيط وتناص الإيجاز:
يعتمد الأديب –من ناحية أخرى- أثناء تناصه مع النصوص الغائبة على آليتين هما :
آلية التمطيط ،بمعنى أن يأخذ النص الحاضر فكرة واحدة من النص الغائب قد تكون عنوانا ،أو مقولة ،أو غير ذلك ويسعى إلى تمطيطها في نصه الحاضر بحيث تكون قصة كاملة ،أو نصا مكونا من عدة فكر جزئية سواء أكان بحثا ،أو مقالا.
آلية الإيجاز ؛بمعنى أن يلجأ الأديب إلى نص أو نصوص كان قد قرأها ،أو سمع بها فيستخلص منها فكرة ،أو فكر جزئية ليضمنها في نصه الحاضر بحيث تشير وتستحضر النص الغائب في ذهن القارئ .
ومن الأمثلة على اعتماد الشاعر على هذه الآلية وركونه إليها في القصيدة قوله:
من ذا يلبي أما إصرار معتصم كلا وأخزى من الأفشين ما صلبوا
إن الشاعر من خلال قوله: ( إصرار معتصم –أخزى من الأفشين) يلمح إلى حادثتين وقصتين من قصص التاريخ الإسلامي بكل حوادثهما وملابساتهما ؛ الأولى: قصة المرأة العربية التي استنجدت بالمعتصم وموقف المعتصم من ذلك وأثر ذلك على نفسية العربي قديما بصفة عامة والشاعر أبي تمام بصفة خاصة . والثانية هي قصة القائد العربي حيدر الأفشين الذي خان المعتصم وموقف المعتصم من هذه الخيانة .
ومن ذلك أيضا قول البردوني:
ما ذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
فالشاعر هنا يشير إلى نصيحة المنجمين التي وجهوها للمعتصم قبل غزوه للروم وإلى موقف المعتصم منها والتي مفادها : إننا نجد في كتبنا أن مدينتنا لن تفتح إلا وقت جني العنب والتين وبيننا وبين ذلك شهور ، كما يشير إلى عادة اجتماعية كان يمارسها الخلفاء في العصر العباسي ألا وهي استدعاء المنجمين والعرفين واستشارتهم فيما ينون فعله هذا فضلا عن إشارتها إلى قول أبي تمام :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
ومن لجوء الشاعر إلى آلية الإيجاز والتكثيف للفكرة في النص الغائب قوله :
فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الحطب
إن الشاعر في البيت السابق قد اختزل مجوعة من الأبيات في قصيدة أبي تمام والتي منها:
لقد تركت –أمير المؤمنين -بها للنار يوما ذليل الصخر والخشب
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحىً يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ
ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ وظُلمةٌ منَ دخان في ضُحىً شحبِ
فالشَّمْسُ طَالِعَةٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ والشَّمسُ واجبةٌ منْ ذا ولمْ تجبِ
لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَومَ ذَاكَ على بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْرُبْ على عَزَبِ
إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم ، فَقَدْ أوسعتَ جاحمها منْ كثرةِ الحطبِ
لقد استطاع البردوني من خلال تداخله في البيت السابق أن يستدعي الأبيات السابقة وما بينهما ل